فشل قوات التحالف العربي في حسم المعركة في اليمن منذ تدخلها في مارس/آذار 2015، رغم تدعيم القوات المشاركة بمئات المرتزقة من بعض الدول، دفع أبناء زايد إلى البحث عن طرق أخرى لتنمية القدرات القتالية للجيش الإماراتي والمقاتلين المستقدمين من الخارج.
الأمر تجاوز الاعتماد على المرتزقة من الجنود، أصحاب الخبرات القتالية المحدودة، إلى الاستعانة بكبار الضباط والرتب رفيعة المستوى، حتى لو كانوا ضمن الجيوش النظامية لبلدانهم، ورغم المساءلة القانونية التي من الممكن أن يتعرض لها هؤلاء الجنرالات، فإن الضمانات والامتيازات المادية التي يحصلون عليها من أبو ظبي كانت ثمنًا جيدًا يستحق المغامرة.
كان المقاتلون الأستراليون قبلة أبو ظبي لتطعيم جيش مرتزقيها بالخبرات المؤهلة لتنمية القدرات العسكرية والقتالية، سواء للقوات الإماراتية الوطنية أم الأجنبية المرتزقة، فوقع الاختيار على عشرات الضباط الأكفاء للانخراط في الجيش الإماراتي طيلة السنوات الماضية.
في الحلقة السابعة من ملف “مرتزقة أبناء زايد” نلقي الضوء على استعانة الإمارات بضباط أستراليين للعمل لديها كمرتزقة لكن برتب أعلى وامتيازات أكثر إغراءً، حتى أصبحوا من كبار الضباط في القوات المسلحة الإماراتية، يتلقون أوامرهم من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، بصورة مباشرة.
ضباط رفيعي المستوى
على عكس ما هو متبع في استجلاب المرتزقة للانضمام للجيوش النظامية فإن الإمارات استحدثت آلية جديدة في التعامل مع هذا الملف، متجاوزة مسألة الحصول على خدمات الجنود من الدول الفقيرة عبر إغراء حكوماتها المتعثرة بالمال، إلى توسيع دائرة التعامل لتدشين وحدات قتالية وقيادة إدارات عسكرية كاملة عن طريق ضباط وجنرالات أجانب.
وبعيدًا عن المرتزقة الذين استعانت بهم أبو ظبي من كولومبيا وإريتريا وتشاد وأوغندا والسودان الذين في الغالب عملوا كجنود فإن الوضع مع الأستراليين كان مغايرًا تمامًا، ربما لما يتمتعون به من قدرات قتالية كبيرة، حيث وصل بعضهم إلى أعلى السلم القيادي في بعض الأسلحة مثل الحرس الرئاسي الإماراتي والقوات الجوية.
ومن أبرز الضباط الأستراليين الذين التحقوا بالجيش الإماراتي، بيتر بوتسون، الضابط في سلك الاستخبارات بالجيش الأسترالي، الذي استعانت به أبو ظبي للعمل كمستشار في الحرس الرئاسي الإماراتي منذ فبراير 2014، بجانب عمله كمفتش مسؤول عن عمليات إطلاق النار في القوات المسلحة.
رافقه في هذه المهمة، سكوت كوريجان، القائد السابق بالقوات الخاصة للجيش الأسترالي، الذي يمتلك 23 عامًا من الخبرة في الأعمال الخاصة، حيث التحق كمستشار في الحرس منذ يناير 2013 حتى مارس 2016، وله دور كبير في تدريب العديد من العناصر القتالية الإماراتية، النظامية والمرتزقة.
علاوة على رتب عسكرية أخرى رفيعة، من بينهم كيفين دولان، الضابط المفوض السابق في الجيشين الأسترالي والبريطاني، حيث عمل في عدة مناصب بالجيش الإماراتي بما فيهم الحرس الرئاسي، كذلك ستيف نيكولاس، الجنرال الشهير في الجيش الأسترالي، الذي يعمل مستشارًا في القوات الإماراتية منذ 2010 وحتى اليوم.
التقرير الذي حمل عنوان “المرتزق الذي يقود القوات الإماراتية في اليمن” أشار إلى أن قوات النخبة الإماراتية المنتشرة في اليمن تخضع لإمرة ضابط أسترالي يعمل ضمنها
100 جنرال أسترالي
في 2018 نشرت “هيئة الإذاعة الأسترالية ABC”، تحقيقًا استقصائيًا عن عدد الضباط الأستراليين الذين علموا في الإمارات، حيث كشفت أن هناك أكثر من 100 قيادي سابق في الجيش الأسترالي ذكروا في ملفاتهم الشخصية على موقع “لينكد إن” أنهم أدوا مهمات تدريب للجنود والمرتزقة الإماراتيين مقابل عشرات الآلاف من الدولارات شهريًا.
التحقيق أشار إلى أن العسكريين الأستراليين يندرجون من عدة قطاعات وإدارات عسكرية متباينة في الجيش الأسترالي، بعضهم من قدامى المحاربين بوحدات القوات الخاصة، وآخرين من قوات الكوماندوز، وقوات الخدمات الجوية “ساس SAS”.
الإذاعة أرجعت هذه الطفرة في تدعيم الجيش الإماراتي بضباط أستراليين إلى الجنرال المتقاعد مايك هندمارش الذي تقلد وظيفة قائد الحرس الرئاسي الإماراتي، الذي يتمتع بنفوذ قوي داخل الدولة الخليجية، بفضل علاقته القوية مع محمد بن زايد والأسرة الحاكمة هناك، كما سيرد ذكره في مادة أخرى.
وفي 26 من ديسمبر 2015 كشف موقع “ميدل إيست آي” في تقرير له بعض التفاصيل المتعلقة بالعمليات العسكرية في اليمن، والدور الذي تلعبه الإمارات في تأخير حسم المعارك هناك، ومكانة المرتزقة الأجانب في دعم عناصر الجيش الوطني للإمارة الخليجية.
التقرير الذي حمل عنوان “المرتزق الذي يقود القوات الإماراتية في اليمن” أشار إلى أن قوات النخبة الإماراتية المنتشرة في اليمن تخضع لإمرة ضابط أسترالي يعمل ضمنها ويرأس الحرس الرئاسي المكون من أفراد من وحدة مشاة البحرية وقوات الاستطلاع والطيران والقوات الخاصة والألوية الميكانيكية، في إشارة إلى هندمارش.
الموقع نوه إلى إشراف الضابط الأسترالي على تشكيل الحرس الرئاسي الإماراتي في 2010، بعد حصوله على وظيفة مرموقة من مكتب بن زايد الذي يمنحه راتبًا سنويًا قدره 500 ألف دولار أمريكي معفاة من الضرائب، بجانب بعض المشروعات الاستثمارية الأخرى التي يشارك فيها الجنرال.
الشكوى لم تتهم الضباط الأستراليين فحسب، بل اتهمت أبو ظبي كذلك بتوظيف المال والنفوذ المادي لاستقدام مرتزقة من مختلف دول العالم للمشاركة جنبًا إلى جنب قواتها النظامية في اليمن
الجنرال الأسترالي مايك هندمارش قائد الحرس الرئاسي الإماراتي رفقة سالم الكعبي قائد الحرس الأميري
اتهامات بارتكاب جرائم حرب
لم يرق عمل الضباط الأستراليين كمرتزقة لدى الإماراتيين لدى الشارع الأسترالي، حيث خرجت العديد من الأصوات التي تنادي بوقف تلك الإمدادات أيًا كان المقابل، هذا بخلاف الإدانات الحقوقية التي تعرضت لها الحكومة الأسترالية بسبب غض الطرف عن هذا الملف.
في نوفمبر 2018 كشفت صحيفة “ذي أستراليان” الأسترالية اتهامات موجهة للضباط الأستراليين المشاركين إلى جانب الجيش الإماراتي في اليمن بارتكاب جرائم حرب، وذلك ضمن شكوى قدمتها إحدى شركات المحاماة الفرنسية نهاية 2017 للمحكمة الجنائية الدولية.
الشكوى لم تتهم الضباط الأستراليين فحسب، بل اتهمت أبو ظبي كذلك بتوظيف المال والنفوذ المادي لاستقدام مرتزقة من مختلف دول العالم للمشاركة جنبًا إلى جنب قواتها النظامية في اليمن، محملة إياها المسؤولية الكبرى في الانتهاكات المرتكبة ضد الشعب اليمني.
ورغم الصمت الذي خيم على مشاركة الأستراليين في القوات المسلحة الإماراتية طيلة سنوات عدة، فإن ما أثير بشأن مقتل بعض الضباط في الحرب اليمنية كان نقطة الشرارة التي حركت العديد من الأجهزة الرسمية في أستراليا لمناقشة هذا الملف.
في 11 من يوليو/تموز 2018 نشر مستشار بارز لدى وزير الخارجية الأسترالي السابق جولي بيشوب، رسالة إلكترونية بها رابط لمدونة نشرت مقالًا تطرق لموضوع الشكوى المقدمة للجنائية الدولية، وعلاقة الجنود الأستراليين بالأمر، حيث جاء فيها اتهام ناشطين لحقوق الإنسان للإمارات بتمويل مرتزقة من أستراليا وأمريكا الجنوبية وجنوب إفريقيا للقتال في اليمن، وأن هذا يعد خرقًا للقانون الدولي.
الخارجية الأسترالية في ردها على تلك الاتهامات أعربت عن اعتقادها باحتمال وجود التهمة، متحدثة عن مسؤولية هيندمارش، قائد الحرس الرئاسي في الإمارات، عن هذه الجرائم، غير أن الشواهد التي سيقت قبل ذلك تؤكد الاتهامات المقدمة بصورة كبيرة، لا سيما ما نشر في أواخر 2015 بشأن مقتل أسترالي (يدعى فيليب ستيتمان، يعمل في شركة أمنية خاصة) إلى جانب ستة كولومبيين في اشتباكات مع مسلحي الحوثيين قرب مدينة تعز غربي اليمن، وفي العام التالي مباشرة أشارت وسائل إعلام إلى مقتل ضابط آخر في اليمن ويدعى جاك ريتشاردسون.
الحكومة الأسترالية ورغم عدم تلقيها أي مراسلات رسمية من المحكمة الدولية بشأن تورط ضباط لديها يعملون كمرتزقة في الجيش الإماراتي، فإن العديد من الدعاوى والانتقادات ما زالت تطارد المسؤولين هناك، الأمر الذي وضع الحكومة في مأزق لا سيما أن بعض أسماء الجنرالات المشار إليهم لا تزال على قيد الجيش الأسترالي.
وفي المجمل لعب مرتزقة أستراليا دورًا محوريًا في تعزيز أجندة أبناء زايد في اليمن، بصورة ربما تتجاوز حاجز المنشور إعلاميًا، ويمكن الوقوف على هذا التأثير من خلال تسليط الضوء تفصيليًا على إسهامات الجنرال مايك هندمارش الذي صعد بنفوذه داخل الجيش الإماراتي بسرعة الصاروخ، وبات أحد أبرز المقربين من دوائر صنع القرار داخل أبو ظبي، وهو ما سيتم تناوله خلال الحلقة القادمة من هذا الملف.