يرتبط التشيع في المغرب بمخاوف من التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للبلاد، وعادة ما يتم التمييز بين المغاربة الشيعة الذين اعتنقوا هذا المذهب بدافع الشعور بقناعة دينية والناشطين السياسيين الذين يعتنقون المذهب دعمًا لقضايا الشيعة الدولية.
تدخلات إيران في المغرب تتميز بتاريخ طويل لا يمكن إنكاره، كلها تصب في خطة نظام المرشد التوسعية التي تسعى إلى تفتيت الدول، وعلي خامنئي نفسه اعترف بذلك، في وقت سابق من عام 2018، حين أقر بأن إيران تسعى إلى التغلغل في شؤون الدول الأخرى من خلال تغيير معتقدات الشعوب وسرقة المعلومات والتأثير على صناع القرار وخلق الأزمات الاقتصادية والتوترات الأمنية بهذه الدول.
تحركات تنافي الأعراف الدبلوماسية
بعد ثلاث سنوات على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وطهران في بداية 1994، لاحظت السلطات الأمنية المغربية أن البعثة الإيرانية تقوم بأنشطة منافية للأعراف الدبلوماسية، خاصة بعدما أجرى أفرادها لقاءات مع إسلاميين مغاربة.
شكوك حامت حول تمخض النشاط الإيراني بالمغرب بعد سنة على تطبيع العلاقات مع البلدين، متهمة حركة البديل الحضاري بقربها من الأوساط الإيرانية على خلفية اقترابها من المذهب الشيعي، وقد أعلنت وسائل إعلامية ذلك بعد تفكيك شبكة عبد القادر بلعيرج سنة 2008 تورط بها مسؤولون في هذا الحزب الذي تم حله، بعدما حصل على ترخيص من السلطات عام 2005 أي بعد عشر سنوات على تأسيسه، لكن الأمين العام للحزب المنحل مصطفى المعتصم نفى في أكثر من مناسبة تهمة الولاء لإيران التي تلاحق حركة البديل الحضاري.
عبد القادر بلعيرج، محكوم بالسجن مدى الحياة بتهمة تزعم خلية إرهابية
بخطوات واسعة تقدم التغلغل الشيعي في المغرب مستفيدًا من الزخم الإعلامي الذي رافق انتصار المقاومة في جنوب لبنان، حسب مراقبين، كان لخطابات السيد حسن نصر الله تأثير لا يمكن إنكاره ليس بالمغرب فقط لكن لدى جهور واسع من الشعوب العربية.
استغلت إيران الانفتاح الديمقراطي الذي شهده المغرب منذ تربع الملك محمد السادس على عرش المملكة، وشرعت في إعطاء نفس لنشاطها بالبلاد من خلال نشر مذهبها، ما أسفر عن ميلاد جمعيات شيعية مثل الغدير بمدينة مكناس وجمعية الانبعاث بطنجة وجمعية التواصل بمنطقة الريف في شمال المغرب.
إيران تدعم البوليساريو
عند الحديث عن الشيعة المغاربة عادة ما يطرح سؤال الولاء والعلاقات مع إيران، خاصة في ظل توتر العلاقات مع البلدين في السنوات الأخيرة، حيث انتهت بقرار الرباط قطع علاقتها الدبلوماسية مع طهران وإغلاق السفارة الإيرانية واستدعاء السفير المغربي في مايو/آيار 2018، على خلفية دعم حزب الله لجبهة “البوليساريو”، وفق رواية الرباط، فإن الحزب اللبناني متهم بالضلوع في مد الجبهة الانفصالية بالأسلحة والخبرات العسكرية.
قرار المغرب اليوم قطع العلاقات مع ايران قرار مغربي خالص، بعد ان ثبت بالأدلة انها تدعم جبهة الانفصاليين عسكريا وبالخبرات العسكرية مباشرة او بواسطة “حزب الله” اللبناني
— سعد الدين العثماني EL OTMANI Saad dine (@Elotmanisaad) May 1, 2018
اللعب بورقة دعم البوليساريو ينطوي على سعي إيران لتحويل النزاع الإقليمي بين الجزائر والجبهة الانفصالية من جهة، والمغرب من جهة ثانية، إلى وسيلة تمكنها من توسيع هيمنتها في شمال وغرب إفريقيا، خاصة الدول الواقعة بالساحل الأطلسي، وفقًا لتصريحات أدلى بها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
ناصر بوريطة وزير الخارجية المغربي
يكتسي الارتباط بين حزب الله والبوليساريو طابعًا خطيرًا يتعلق بواجهة الهجوم الذي تشنه طهران في إفريقيا، خصوصًا أن الجبهة الانفصالية تعد منظمة جاذبة لإيران “لأن أفرادها مهربون وملمون بالطرق” حسب عميد الدبلوماسية المغربية الذي أكد أن بلاده راسلت الخارجية الإيرانية للاستفسار عن هذه الواقعة، وقوبلت بالتجاهل حيث لم تتفاعل نهائيًا مع الوضع، وهذا ما دفع المغرب إلى اتخاذ قرار قطع العلاقات الدبلوماسية.
يحتفلون بعاشوراء سرًا
بعين الحيطة والحذر تنظر الحكومة المغربية لأنصار الشيعة في البلد السني، بحيث تحاول منع تسرب “الأفكار الرافضة”، خاصة أن الحديث عن موضوع التشيع في عهد الملك الراحل الحسن الثاني (1929-1999) كان من الطابوهات المحرمة، بسبب توتر العلاقات بين المغرب وإيران بعد الإطاحة بالشاه الإيراني وقيام الجمهورية الإسلامية عام 1979، لكن مع اعتلاء الملك محمد السادس سدة الحكم، بدأ النقاش عن حرية المعتقد يطفو على السطح، وظهرت بعض الأصوات المناصرة للأقلية الشيعية.
يصعب الوصول لمعلومات دقيقة بشأن الوجود الشيعي في المغرب، فهم يتجنبون كشف انتماءاتهم الدينية خاصة في المناطق حيث تقل أعدادهم، بالتالي ليس من السهل تعريف العدد الحقيقي للمتشيعين المغاربة، نظرًا لمكانة التقية في الفكر الشيعي التي تجعل تحديد أماكن وجودهم مستعصيًا، إذ إن غالبيتهم يفضلون الصمت خوفًا من الملاحقات الأمنية والقضائية.
مع ذلك، يقدر عدد المواطنين الشيعة في المغرب بعدة آلاف، ترتكز أكبر نسبة في شمال البلاد، وفقًا لآخر تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية عن الحرية الدينية، وأوضح التقرير أنه لم ترد أي تقارير من مواطنين شيعة تفيد أن السلطات المغربية اعتقلت أو استجوبت معتنقي هذا المذهب من المغاربة بشأن معتقداتهم خلال العام الماضي.
طنجة، حيث ترتكز أعلى نسبة من الشيعة
لقد تجنبوا معاودة وضع طلب تسجيل جمعيات رسمية لدى السلطات خوفًا من التعرض للتضييق، علاوة على ذلك، لم تحتفل الجماعات الشيعية علانية بعاشوراء، مفضلين الاحتفال في أماكن خاصة خوفًا من المضايقات المجتمعية، كما لا يوجد بالمغرب مسجد واحد خاص بالشيعة، لهذا يجدون صعوبة يفرضها معتقدهم في الصلاة جنبًا إلى جنب مع السنة في نفس المسجد والوضوء بنفس الطريقة التي يعتمدها السنة.
أي ضمانات قانونية لحرية المعتقد؟
ينص دستور المغرب 2011 على أن “الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية”، وتدين 99 في المائة من ساكنة بالإسلام السني، بينما يدين 1 في المائة من السكان باليهودية (المعترف بها قانونيا) والمسيحية والشيعة والبهائية بالإضافة إلى الملحدين واللادينيين…”
ولا يتضمن القانون المغربي أي نص مجرم ومعاقب على تغيير المعتقد، إلا أن الفصل 220 من القانون الجنائي، ينص على معاقبة كل من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو استغلال مؤسسات التعليم أو الصحة أو الملاجئ أو المياتم لهذا الغرض.
يرى جواد الحامدي، رئيس الجمعية المغربية للحريات الدينية، أن الدستور لا يشير إلى حرية المعتقد على النحو المنصوص عليه وفق المعايير الدولية، كحرية الضمير وحرية تغيير الدين واعتناق أي دين أو عدم التدين، “هذه الصيغة الواضحة غير واردة في الدستور، بالتالي ليس هناك ضمانات حقيقية تجاه حرية المعتقد”، يضيف الحامدي متحدثًا إلى موقع نون بوست.
أحادية دينية مذهبية
المجتمع المغربي السني يرفض الشيعة، يؤكد الحامدي بقوله: “أتذكر أنه تم إحصاء نحو 40 ندوة نظمتها هيئات وجمعيات محافظة في مدن متفرقة، كلها كانت تدعو إلى كراهية الشيعة، وتزعم أن هؤلاء الناس يشكلون خطرًا حقيقيًا ويمسون بالأمن الداخلي للبلاد”.
وكشف الحامدي أن عددًا من كبار الشيعة المغاربة يسافرون إلى إيران والعراق، “لكننا لا نعلم عنهم شيئًا، بسبب مبدأ التقية في الفكر الشيعي، ويعني الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد وغيره للغير”، وأشار المتحدث إلى أن بعض المواطنين من معتنقي المذهب الشيعي تم إعفاؤهم من مهامهم في الوظائف الحكومية مع إبقاء الأجرة الشهرية بسبب معتقدهم، وفق رواية هؤلاء الأفراد، كما نجح عدد منهم في الحصول على اللجوء إلى بلجيكا، بعدما أقنعوا هذه الدولة الأوروبية بأنهم يتعرضون للاضطهاد في بلادهم.
النموذج المغربي قائم على الأحادية الدينية المذهبية، ويبرر ذلك رسميًا بسعيه إلى حماية البلاد من التطرف، “لكن الظاهر أيضًا هو حماية المغرب من التنوع الديني وكل ما هو مختلف” وفقًا لجواد الحامدي، “المغرب لا يحافظ على مذهبه السني المالكي فحسب، بل ينشره على المستوى الافريقي والأوربي، لكنه في نفس الوقت بعارض نشر المذاهب الأخرى بما فيها الشيعي”.
محاربة التغلغل الشيعي
لمحاربة جميع مصادر التغلغل الشيعي، شكلت السلطات لجانًا على مستوى الأقاليم لمراقبة معتنقي المذهب الشيعي، حسب دراسة للجنة الأقليات الدينية، زارت هذه اللجان المكتبات في مختلف المدن بقصد التفتيش والوقوف على حضور الكتاب الشيعي في الساحة الثقافية المغربية، مع القيام بحملات مراقبة ومتابعة كل ما هو مرتبط بإيران.
مؤخرًا أصبحت السلطات المغربية تغض الطرف عن أنشطة الشيعة، شريطة احترام المذهب السني المالكي وعدم استخدام الدين كقاعدة للعمل السياسي أو المدني، حسب مراقبين، يتجلى هذا في أن السلطات لم تبد أي اعتراض على إحداث مؤسسة الخط الرسالي للدراسات والنشر، وإطلاق الموقع الرسمي للخط الرسالي على الإنترنت، ويرى الرساليون أن الحل لاندماج شيعة المغرب يقوم على أساس المواطنة لا المذهب، دون اللجوء إلى تأميم المعرفة الدينية وإلغاء التنوع، وتبني نهج الإقصاء الثقافي والاجتماعي.
وما زالت الأقلية الشيعية المغربية على هامش المجتمع ولديها تأثير شعبي قليل وتمثيل سياسي أقل، ويقينًا لا يمثلون دائرة انتخابية كبيرة، ومع ذلك فإن عددهم في تزايد.