صاغت الأزمة الليبية منذ بدايتها عددًا من الأسئلة الصعبة والسيناريوهات المعقدة، ومع موافقة البرلمان المصري مؤخرًا على تفويض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “بإرسال عناصر من القوات المسلحة المصرية في مهام قتالية خارج حدود الدولة المصرية للدفاع عن الأمن القومي المصري”، بحسب وصف بيان البرلمان، فإن البلاد الغارقة في الفلتان الأمني والفوضى السياسية تبتعد أكثر عن بوادر التهدئة أو التسوية.
يتزامن قرار البرلمان مع الوقت الذي يقترب فيه موعد العملية العسكرية التي من المتوقع أن تطلقها حكومة الوفاق الوطني لتحرير مدينتي سرت والجفرة وطرد قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر منها، ما يفسح المجال أمام تغييرات جديدة في المشهد العسكري من شأنها أن تضع مصر وتركيا في صدام مباشر، الأمر الذي سيزيد من زعزعة استقرار ليبيا الغنية بالنفط، كما يرى محللون.
بوادر التصعيد
تدعم مصر، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة وروسيا، الانقلابي حفتر الذي تخلى عن هجومه على العاصمة الشهر الماضي بعد أن كثفت تركيا دعمها لطرابلس، منذ عام 2014، ولا شك أن إرسال قوات من جيش المصري إلى منطقة النزاع يعد تطورًا سريعًا وتصعيدًا كبيرًا في النزاع الليبي، حيث جاءت هذه الخطوة بعد أن حذر السيسي من أي هجوم أو عمل عسكري على سرت أو قاعدة الجفرة الجوية الداخلية، مهددًا بالتدخل عسكريًا ضد القوات المدعومة من تركيا في ليبيا.
يجب قطع الدعم فورًا عن حفتر، فهو يخرب السلام والأمن ووحدة الأراضي الليبية
وحينها اعتبرت حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليًا، هذا التهديد بمثابة “إعلان حرب”، منددةً بالتصريح المصري، أعقبت هذه التطورات مكالمة هاتفية بين الرئيس المصري ونظيره الأمريكي دونالد ترامب واتفقا على “الحفاظ على وقف إطلاق النار في ليبيا وتجنب التصعيد تمهيدًا لبدء المحادثات والحل السياسي”، بحسب ما أعلنت الرئاسة المصرية في بيان، لكن رغم تلك التهديدات، أكدت قوات الوفاق أن اقتحام سرت “أمر محسوب وقريب جدًا”.
البرلمان عبّر كذلك عن رفضه للقرار المصري، وقال: “نؤكد رفضنا التام لما جاء في قرار البرلمان المصري، الذي استند لدعوة غير شرعية ممن ينتحلون صفة مجلس البرلمان (في إشارة لبرلمان طبرق) وممن يدعون تمثلهم للقبائل الليبية”، وأضاف: “ندعو حكومة الوفاق إلى الاستعداد التام للرد على هذا التهديد سياسيًا وعمليًا ورصد كل الخيارات المتاحة للرد المناسب”.
كما دخلت الأمم المتحدة على الخط ورأت أن قرار البرلمان المصري “يعد مصدر قلق كبير”، محذرةً من إضافة “الكيروسين إلى النار”، وفق المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك.
تبعت هذه المواقف المتخوفة من التدخل المصري العسكري، استضافة العاصمة التركية أنقرة اجتماعًا ثلاثيًا عقده وزير الدفاع التركي خلوصي أكار مع وزير الداخلية والأمن القومي المالطي بيرون كاميلاري، ووزير الداخلية بحكومة الوفاق الوطني الليبية فتحي باشاغا، وقال خلاله أكار إنه يجب قطع الدعم فورًا عن حفتر، الذي قال إنه يخرب السلام والأمن ووحدة الأراضي الليبية.
هل نشهد صدامًا عسكريًا قريبًا في ليبيا؟
اعتبر وزير الخارجية التركي السابق يسار ياكيش أن ليبيا قد تتحول إلى منطقة مواجهة مباشرة بين تركيا ومصر، مشددًا على ضرورة وقف التوتر وإعطاء الأولوية للدبلوماسية، فقد تصل المسألة إلى “صدام عنيف” بين الجانبين التركي والمصري.
أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سابقًا إلى أن هدف تركيا ليس “القتال” ولكن “دعم الحكومة الشرعية وتجنب مأساة إنسانية”.
فمع تقدم قوات حكومة الوفاق الوطني، اتخذ الرئيس المصري منعطفًا عدوانيًا، محذرًا من أن المدينة الاستراتيجية في سرت وقاعدة الجفرة الجوية “خطًا أحمر للقاهرة”، إلا أن ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي، يقول: “لدينا معلومات بأن الجيش المصري يرفض خوض أي معارك ضد الجيش التركي أو ضد الجيش الليبي الشرعي، على الرغم من أن الإمارات وفرنسا و”إسرائيل” يدفعون السيسي بكل قوة نحو خوض حرب ضد تركيا من أجل إضعاف الجيشين التركي والمصري”، لافتًا إلى أن التهديد الحقيقي لمصر يأتيها من شرق ليبيا وجنوبها وليس من غربها.
وأشار كذلك إلى تمسك أنقرة بموقفها تجاه الأزمة الليبية وامتلاكها خططًا ميدانية وسياسية لمواجهة أي تهديد في الميدان، ومع ذلك أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سابقًا إلى أن هدف تركيا ليس “القتال” ولكن “دعم الحكومة الشرعية وتجنب مأساة إنسانية”.
موقف السيسي السياسي الحاد كان بمثابة تحذير “لتنبيه الأمريكيين بشكل رئيسي” للدور التركي في ليبيا
في هذا السياق، قال حسن نافع أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة “من المستبعد جدًا أن تدخل مصر حربًا مباشرةً في ليبيا”، وأضاف “رسالة السيسي كانت سياسية أكثر منها عسكرية”.
وساندته في الرأي كلوديا جازيني، من مؤسسة الفكر الدولية للأزمات ومقرها بروكسل، بقولها إن موقف السيسي السياسي الحاد كان بمثابة تحذير “لتنبيه الأمريكيين بشكل رئيسي” للدور التركي في ليبيا، معتبرةً التدخل العسكري المصري “مبادرة عالية المخاطر”.
أنا مندهش من الأهتمام بقرار
” البرطمان المصري ” بخصوص شرعنة #العدوان على #ليبيا العظيمة !
عبدالفتاح السيسي يعلم بانه لا طاقة له و لجيشه برجال ليبيا المشهود لهم بضرب الأعناق،عدوانهم على الشعب الليبي في المحصلة النهائية يعني “سقوط مصر”
ما يحدث مجرد “وصلة غنائية” للتسلية.#محور_٢٥
— noman benotman (@nbenotman) July 21, 2020
إضافة إلى كريم سالم، الخبير الليبي في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وهي منظمة مناصرة مقرها جنيف الذي قال: “لا أعتقد أن مصر ستشن الحرب حتى لو دخلوا المنطقة الشرقية، فلن يذهبوا إلى مسار المواجهة. في الوقت الحاليّ، إنها طريقة للدفع من كلا الجانبين لإخلاء سرت والجفرة من الوجود العسكري”.
تكاليف التدخل المصري العسكري
تباهي مصر بكونها تمتلك واحدًا من أكبر الجيوش في الشرق الأوسط مع ما بين 438 و458 ألف جنديًا، وفقًا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، وهي من بين أكبر المستفيدين من المساعدات العسكرية الأمريكية، حيث تلقت ما يقرب من 1.3 مليار دولار. وفي شهر مايو/أيار الماضي، وافقت واشنطن أيضًا على صفقة بقيمة 2.3 مليار دولار لشراء طائرات هليكوبتر هجومية لمصر.
تزود أيضًا الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مصر بالتمويل اللازم للحفاظ على آلة الحرب المصرية في ليبيا، بينما تقدم روسيا وفرنسا الأسلحة، ولدى روسيا أيضًا قواعد عسكرية خاصة بها في شرق ليبيا، وهي نقطة يمكن أن تردع تركيا عن التقدم كثيرًا في مجال نفوذ مصر.
مصر تواجه حاليًا تهديدين أمنيين رئيسيين: متشددون مرتبطون بتنظيم داعش في شبه جزيرة سيناء وخطط إثيوبيا لملء سد النهضة الكبير، الذي يشكل تهديدًا فوريًا لحصة مصر من مياه النيل.
ومع ذلك في حالة بدء نزاع عسكري بين مصر وتركيا في ليبيا، سيكون له تكلفة مالية باهظة لاقتصاد القاهرة وسينتهي الأمر ببساطة باستنزاف مواردها دون كسب أي ميزة، مما قد يؤدي إلى مواجهة طويلة الأمد، فإن مثل هذا التصعيد الخطير بين هاتين القوتين العسكريتين الرئيسيتين هو بالتأكيد أمر غير مرغوب فيه لأي من الجانبين بالنظر إلى مدى تكلفته وخطورته على الأرجح.
بالإضافة إلى ذلك، إن مصر تواجه حاليًا تهديدين أمنيين رئيسيين: متشددون مرتبطون بتنظيم داعش في شبه جزيرة سيناء وخطط إثيوبيا لملء سد النهضة الكبير، الذي يشكل تهديدًا فوريًا لحصة مصر من مياه النيل.
تسير الحكومتان الآن في مسار تصادمي، ولا أحد يريد أن يرى تصعيدًا عسكريًا في ليبيا، وبالنظر إلى توقعات المحللين السابقة وحساب التكلفة الباهظة للصراع العسكري، قد تكون هذه التطورات مجرد حافز للتسوية السياسية اللازمة لمنع أي مواجهات ميدانية بين البلدين في ليبيا.