شهد العالم اليوم إقامة أول صلاة في مسجد آيا صوفيا بتركيا بعد إلغاء المحكمة القرار الصادر في عام 1934 بتحويل مسجد آيا صوفيا إلى متحف؛ وسط اعتراضات البابا وبعض الدول الأوروبية.
تستند هذه الأصوات المعارضة على أن مسجد آيا صوفيا كان كنيسة قبل عام 1453، أي منذ 567 عام، عندما فتح المسلمون القسطنطينية بقيادة السلطان العثماني محمد الفاتح، وأن هذا التحويل فيه اضطهاد للمسيحيين، ولكن لم تذكر هذه الأصوات أن التاريخ يشهد على تحويل العديد من المساجد إلى كنائس، والكنائس إلى مساجد. في هذا التقرير نرصد لكم تاريخ تحويل هوية الأماكن المقدسة من دين إلى آخر.
عشرات المساجد في إسبانيا والبرتغال
يوجد في إسبانيا الكثير من المساجد التي تعود إلى عصر الحكم الإسلامي الأموي في الأندلس، وبعد دخول المنطقة تحت سيطرة المسيحيين، تم تحويل العديد من المساجد إلى كنائس أو مراكز للفنون أو مزارات سياحية.
يُعتبر جامع قرطبة الكبير الذي تم بناؤه عام 784، أحد أهم المعالم الأموية الإسلامية في إسبانيا، حيث كان أكبر مسجد في الأندلس في ذلك الزمن، ولكنه تحول إلى كاتدرائية مريم العذراء حينما سقط الحكم الأندلسي في عام 1236 على يد ملك قشتالة فرديناند الثالث، ويُعرف اليوم هذا الجامع باسم مجمع المسجد والكاتدرائية والنصب.
كما تم تحويل مسجد باب المردوم في حي سان نيكولاس القديم بمدينة طليطلة في الأندلس الذي تم بناؤه عام 999 إلى كنيسة اسمها نور المسيح عام 1085، عندما استولى ألفونسو السادس على المدينة، ومنح هذا المسجد لفرسان القديس يوحنا، ثم تحول بعد ذلك إلى مزار سياحي اسمه “مسجد نور المسيح”.
وتحول كذلك جامع إشبيلية الكبير الذي تم إنشاؤه عام 1184 في عهد الخليفة أبو يوسف يعقوب، إلى كنيسة اسمها جيرالدا بسيفييا عقب سقوط إشبيلية عام 1248 على يد ملك قشتالة.
وفي البرتغال التي كانت تحت الحكم الإسلامي في الأندلس، تم تحويل مسجد إسلامي يعود بناؤه إلى القرن الثاني عشر ميلادي، إلى كنيسة في القرن التالي اسمها كنيسة “سيدة البشارة” في مدينة مارتلة جنوبي البرتغال، وتحتفظ هذه الكنيسة على شكلها المعماري الإسلامي الأول.
المساجد في اليونان.. هدم وتخريب مستمر
تشير التقديرات إلى أن عدد المساجد التاريخية التي جرى تشييدها في اليونان خلال العهد العثماني، بنحو 10 آلاف مسجد وتكية، لا تزال بعضها قائمة لكنها مغلقة أمام المصلين، فيما تعرضت أخرى للهدم أو التخريب.
تستخدم اليونان العديد من المساجد لأغراض مختلفة، حيث تم تحويل بعضها إلى كنائس أو مبانٍ حكومية أو صالات معارض أو متاحف أو حانات أو قاعات سينما، وقد استخدم أحد أقدم مساجد أثينا، مسجد فتحية، الذي جرى تشييده عام 1458، كمستودع وفرن وغير ذلك منذ عام 1824 حتى عام 2010، وهو العام الذي بدأت فيه أعمال الترميم لتحويله إلى صالة للعرض فيما بعد.
وتم تحويل 101 أثر تركي في اليونان إلى كنائس، كما تم تحويل 74 جامعًا و19 ضريحًا ومؤسسة خيرية ومصلّيين في اليونان إلى كنائس، و5 منارات إسلامية عثمانية إلى أبراج كنائس، حيث تنتشر مساجد العهد العثماني، في مدن يونانية مختلفة، إلا أن عددًا كبيرًا منها بات مهدمًا جزئيًا بسبب الإهمال.
ومن الجدير ذكره أن أثينا هي العاصمة الأوروبية الوحيدة التي لا تحتوي على جامع رسمي، وما زال الغموض يكتنف موعد افتتاح أول جامع رسمي في العاصمة اليونانية أثينا، والذي انتهت أعمال تشييده بعد جدل استمر لعشرات السنوات في اليونان، ليبقى المسلمون هناك بدون جامع يصلون فيها، علمًا بأن اليونان من أكثر الدول المعارضة على قرار تحويل آيا صوفيا إلى مسجد.
الجوامع العثمانية الإسلامية في شرق ووسط أوروبا
تعرضت الكثير من المساجد والآثار العثمانية في عدد من الدول الأوروبية للخراب والتشويه، ومنها ما خسر هويته الدينية بالكامل من خلال تحويلها إلى كنائس أو باستخدامها في أغراض مختلفة، ما تسبب في اندثارها.
في بلغاريا تتشابه الأمور مع اليونان في هذا الأمر، حيث تم تحويل 117 جامعًا بالإضافة لـ7 تكايا وأضرحة ومدرسة واحدة إسلامية عثمانية إلى كنائس، كما تم تحويل ثلاث أبراج ساعة إلى أبراج لأجراس الكنائس، وتذكر سجلات التاريخ أن البلغار هدموا 7 مآذن بالديناميت في العاصمة البلغارية صوفيا في ليلة واحدة عام 1878.
وفي كوسوفو تم تحويل جامع واحد إلى كنيسة، كما تم تحويل برج ساعة إلى برج لجرس الكنيسة، وفي أوكرانيا تم تحويل جامعين إلى كنيستين، كما تم تحويل منارة إلى برج كنيسة، وفي مقدونيا تم تحويل 3 جوامع وضريحين وبرجي ساعة إلى كنائس، وفي صربيا تم تحويل 15 جامعًا وضريحين إلى كنائس.
كما تم تحويل جامع واحد في كلٍ من جورجيا وأذربيجان إلى كنائس أثناء الاحتلال الروسي، وتم تحويل 3 جوامع في البوسنة والهرسك أثناء الاحتلال النمساوي لكنائس، وفي أرمينيا تم تحويل جامعين إلى كنائس، وفي دولة مولدوفا تم تحويل 4 جوامع لكنائس، في حين تحولت 5 جوامع في رومانيا إلى كنائس، وفي المجر تم تحويل 23 جامعًا و5 أضرحة ومدرسة إلى كنائس، إبان الاحتلال النمساوي لها.
المساجد في الوطن العربي
يعد مسجد كتشاوة الذي بناه العثمانيون في عام 1612، من أشهر المعالم الأثرية في الجزائر، وقد حوله الفرنسيون إلى كنيسة أسموها “كاتدرائية القديس فيليب” إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830، وبقي كذلك حتى استقلال الجزائر عام 1962، ليعود مرة أخرى جامعًا، بالإضافة إلى أن هناك 3 جوامع في الجزائر تم تحويلها إلى كنائس أثناء الاحتلال الفرنسي.
وفي مدينة دمياط المصرية، يوجد مسجد عمرو بن العاص، ثاني مسجد في مصر أنشأه المسلمون بعد فتح مدينة دمياط عام 642، وقد تم تحويله إلى كنيسة بعد استيلاء ملك بيت المقدس “جان دي بريين” على المدينة أثناء الحملة الصليبية الخامسة عام 1219، إلا أن المسجد عاد لحالته الأولى، بعد خروج الصليبيين من المدينة عام 1221، ولكن الجامع تحول إلى كاتدرائية مرة أخرى بعد سيطرة ملك فرنسا لويس التاسع على دمياط أثناء الحملة الصليبية السابحة 1249، أمر بتحويل المسجد إلى كاتدرائية، وبقي كذلك حتى خروج الفرنسيين من مصر عام 1801.
أما في فلسطين، فهي حافلة بسلسلة من المساجد التي تم هدمها أو تحويلها إلى أغراض أخرى كالكنس اليهودية والمتاحف وصالات الأفراح والملاهي الليلية وحتى حظائر للماشية، منذ نكبة عام 1948، وفق سياسة التهويد الممنهجة التي تخوضها دولة الاحتلال “الإسرائيلي”.
والنماذج كثيرة جدًا عن هذه المساجد، ولعلنا نذكر بعض منها، مثل “المسجد الأحمر” الذي بناه المماليك في صفد، تم تحويله إلى حانة وصالة أفراح، وكذلك المسجد اليونسي الذي أصبح متحفًا، وتم تحويل جامعي الغار والصواوين والشعر إلى كنائس يهودية، كما تم تحويل مسجد عين الزيتونة في صفد كذلك إلى حظيرة للماشية.
وفي قرية المالحة قرب القدس يقع مسجد عمر بن الخطاب داخل حي للمستوطنين فيستخدمون سطحه للسهرات الليلية وضموا أجزاء منه لمنازلهم، وفي قيسارية جنوبي حيفا تحول مسجدها الأموي إلى مطعم وبار، كما تم تحويل مسجد أبي هريرة في قرية يبنا المهجرة قرب الرملة إلى كنيس صغير، وكذلك تحول مسجد العباسية قضاء الرملة إلى كنيس يهودي.
من مسجد إلى معبد هندوسي
تم هدم مسجد بابري شمالي الهند، والذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر، على يد متشددين هندوس في عام 1992، وقتل بسبب ذلك قرابة ألفي شخص، وبقي هذا الملف معقدًا في البلاد، إلى أن حكمت المحكمة العليا الهندية بتسليم أرض المسجد للهندوس، لتشييد معبد عليه.
كنائس تحولت إلى مساجد
بنى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك الجامع الأموي في دمشق، فوق الكاتدرائية البيزنطية التي كانت قائمة في ذلك المكان في عام 706، وفي بداية الحكم الأموي، تقاسم المسيحيون والمسلمون من أهل دمشق الصلاة في المكان، ثمّ تقرّر تحويل البناء إلى جامع كبير يتسع لعدد كبير من المصلين.
وفي مدينة الإسكندرية المصرية، يقع مسجد العطارين الذي كان في أصله كنيسة القديس أثناثيوس، التي تم بناؤها عام 370، وقد تحولت الكنيسة إلى مسجد مع وصول المسلمين في القرن السابع، وسمي نسبة إلى موقعه في سوق البهارات القديم في الإسكندرية.
وفي لبنان تم تحويل كنيسة بناها البيزنطيون إلى المسجد العمري عقب الفتح الإسلامي للبنان، لكن القوات الصليبية حولوا هذا المسجد إلى كنيسة خلال فترة الحملة الصليبية الأولى عام 1096-1099، قبل أن يعيد صلاح الدين الأيوبي السيطرة على المدينة عام 1187 ويحول الكنيسة إلى مسجد مرة أخرى، ولكن الصليبيون سيطروا على بيروت من جديد عام 1197، وحولوا المعلم إلى كاتدرائية، حتى جاء المماليك واستردوا المدينة عام 1291 وأعادوه مسجدًا، وبقي الأمر على ما هو عليه منذ ذلك الحين.
أما شمال نيقوسيا في قبرص، فقد حل مسجد السليمية مكان كاتدرائية كانت تحمل اسم آيا صوفيا وشيّدها بناؤون فرنسيون في القرن الثالث عشر خلال حكم سلاسة لوزينيان، عقب سيطرة العثمانيين على نيقوسيا عام 1570.
كما قام المسلمون بتحويل كاتدرائية سانت نيكولاس في مدينة فاماغوستا شمالي الجزيرة التي بُنيت في القرن الرابع عشر إلى مسجد باسم لالا مصطفى باشا مع سيطرة الإمبراطورية العثمانية على المدينة الساحلية عام 1571.
أما حديثًا، فقد تم بناء الجامع الأول والوحيد في مدينة البندقية الإيطالية عام 2015، على أطلال كنيسة سانتا ماريا فاليردي المهجورة منذ 40 عامًا، وذلك بعد عدة محاولات من قبل المسلمين باءت بالفشل في الحصول على تصريح من السلطات ببناء مسجد في المدينة.
وفي العام ذاته، تم تحويل كنيسة كابرناوم في مدينة هامبورغ الألمانية إلى مسجد ليصلي فيه مسلمو القسم الشمالي من المدينة، بعد أن اشترى مبنى الكنيسة مركز النور الإسلامي، وعلى الرغم من أنه ليس المسجد الأول في المدينة، إلا أن هذا الأمر أثار جدلًا واسعًا، واحتجاجات نظمتها بعض أحزاب اليمين الألماني.