يتحدث البعض عن مساعٍ عراقية من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لتقريب وجهات النظر وحل الإشكالات المعقدة بين السعودية وإيران من جهة والولايات المتحدة وإيران من جهة أخرى، وذلك مع إعلان حكومة الكاظمي عن محددات تحتكم إليها في علاقاتها مع الدول المتخاصمة والعالم ككل، بالإضافة لعلاقة الكاظمي التي تُصنف على أنها جيدة مع جميع الأطراف التي يقوم حاليًّا بجولة خارجية أولى له لزيارتها، لتفعيل وإعادة النظر باتفاقيات ومذكرات تفاهم معلقة وتوقيع اتفاقيات أخرى بعد عروض مقدمة للعراق من الدول الثلاثة.
إن الخلافات العقائدية والتوجهات السياسية والمذهبية طويلة الأمد في ملفات المنطقة بين السعودية وإيران، مع خلافات الاتفاق النووي ومشروع الصواريخ البالستية الإيرانية بين الولايات المتحدة وإيران من جهة أخرى، تجعل الدور العراقي ضعيفًا أمامها، خاصة أن العراق يعاني من ضعف عام سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا وماليًا وصحيًا، إلخ ودور “الوسيط” المفترض يُحتم على صاحبه أن يكون في وضع القوة والقدرة والتأثير على الآخرين، والأكثر أهمية من ذلك كله ثقة الأطراف به وبدوره واحترام مخرجات الوساطة إن تمت.
نظرة المتخاصمين للعراق
تنظر إيران إلى العراق على أنه مجرد تابع لها ولسياساتها، وفي أحيان أخرى ساحة صراع مع الولايات المتحدة أو رئة اقتصادية للالتفاف على العقوبات الأمريكية، أما الولايات المتحدة والسعودية فتنظران إلى العراق من باب تقويض النفوذ الإيراني وليس رغبة منهما ببناء علاقات إستراتيجية حقيقية معه.
فواشنطن تدرك أن معظم القوى السياسية العراقية حليفة لطهران أو تتعامل معها كأمر واقع ولن تكرر خطأ معاداتها كما حصل قبل 2011 بعد أن تركت القوات الأمريكية العراق عسكريًا وسياسيًا لإيران، لتبدأ عملية تصفية سياسية وعسكرية طائفية لخصومها.
أما الرياض فتنظر إلى العراق كرهينة بيد إيران وتعمل بحدود على تقوية العراق ومساعدته وتقديم عروض الطاقة الكهربائية والحصة النفطية مع القروض الميسرة له، بالقدر الذي يشكل مزيدًا من الضغوط على إيران التي تستخدم الاقتصاد والسوق العراقيين كمصدر للعملة الصعبة ومتنفس اقتصادي لها.
أفضل ما يستطيع الكاظمي فعله بين واشنطن والرياض وطهران، مسك العصا من المنتصف وعدم الانجرار إلى دائرة الاستقطاب والميل المفرط إلى أحد الأطراف
السياسات غير الواضحة
السياسة الخارجية في أبسط تعاريفها “أنها مرآة تعكس الواقع”، فالعراق ليس لديه سياسة خارجية واضحة، وذلك للخلافات الداخلية للقوى السياسية العراقية فيما بينها، ونظرتها المتناقضة لكل من السعودية وإيران والولايات المتحدة، فبعض القوى العراقية ترى في واشنطن والقوات الأمريكية عدوًا وقوى أخرى تراها صديقًا، وما ينطبق على واشنطن ينطبق على الرياض وطهران، لذا من شبه المستحيل الاتفاق على قرار سياسي داخلي ينظر إلى الجميع بمسافة واحدة، وإن تم الاتفاق داخل حكومة الكاظمي فقط، فهناك من يسعى داخل العملية السياسية لوضع العراقيل أمامه رغم أن مدة حكومته وسياساتها لن تستغرق عامين في أفضل الأحوال.
إن أفضل ما يستطيع الكاظي فعله بين واشنطن والرياض وطهران، هو مسك العصا من المنتصف وعدم الانجرار إلى دائرة الاستقطاب والميل المفرط إلى أحد المحورين الأمريكي أو الإيراني، فإيران والولايات المتحدة لهما القدرة على إيذاء العراق اقتصاديًا أو أمنيًا أو سياسيًا أو عسكريًا، خاصة إيران التي لديها قدرة كبيرة على زعزعة استقرار العراق وتوظيف داعش والمليشيات، لكن ليس لديها خيارات لتقديم المنافع كالتي تستطيع الولايات المتحدة أو حلفاؤها الخليجيون تقديمها.
أخيرًا، إن جهود الوساطة التي من الممكن أن تحقق شيئًا على الأرض، تتطلب علاقات جيدة مع جميع الأطراف التي تجيدها بعض الدول كسلطنة عُمان مثلًا أو الكويت أو حتى باكستان والمضي بمحاولات كالتي أجراها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، لكن ليس هناك رغبة حقيقية ولا إرادة سياسية لحل الخلافات الإقليمية بين الرياض وطهران وواشنطن، خاصة أن هناك انعدام ثقة بالوعود الإيرانية بالكف مثلًا عن دعم الإرهاب والتدخل في شؤون الدول الإقليمية، فمن غير المحتمل أن يلعب العراق ذلك الدور حتى لو كان الكاظمي مرضي عنه سعوديًا وأمريكيًا فهو محل شك إيرانيًا ووافقت على توليه رئاسة الوزراء مُجبرة وعلى مضض وتحت ضغط الوقت وضيق الخيارات ولا تزال تُمارس عليه ضغوطًا سياسية وأمنية عبر حلفائها السياسيين أو بيادقها العسكرية من المليشيات وخلايا الكاتيوشا لتضييق مساحة حركته وقدرته على إحداث أي تغيير يضر بمصالح طهران.