منذ مغادرة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج هناك، وسط أنباء عن تردي حالته الصحية وعلاجه من ورم سرطاني في المثانة في مستشفى مايو كلينك في ولاية مينيسوتا، وتسليمه لبعض صلاحياته الدستورية إلى ولي عهده الشيخ نواف الأحمد الصباح الذي بات الحاكم الفعلي للبلاد الآن، تثور تساؤلات كبيرة عن هوية ولي العهد القادم في حال تولي الشيخ نواف الأحمد مقاليد الحكم في البلاد وهو اتجاه بات واقعًا في ظل إجماع الأسرة الحاكمة عليه.
تعيين دستوري
وفقًا للدستور الكويتي وقانون توارث الإمارة فإن عملية ترشيح ولي العهد يحب أن تخضع لإجراءات قانونية دقيقة تضمن وجود شبه إجماع على هوية ولي العهد الذي سيصبح الأمير القادم خلفًا لنواف الأحمد وفقًا لترتيبات الحكم.
وتذكر المادة الرابعة من الدستور الكويتي: “ويعين ولي العهد خلال سنة على الأكثر من تولية الأمير، ويكون تعيينه بأمر أميري بناء على تزكية الأمير ومبايعة من مجلس الأمة تتم في جلسة خاصة، بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس”.
وفي حال عدم موافقة المجلس على ترشيح الأمير لولي العهد فإن الأمير يرشح مجددًا: “لولاية العهد ثلاثة على الأقل من الذرية المذكورة (ذرية مبارك الكبير) فيبايع المجلس أحدهم وليا للعهد”.
ثلاثة أسماء
تبرز ثلاثة أسماء مرشحة لولاية العهد داخل أروقة الأسرة الحاكمة وبيت الحكم الكويتي ثلاثتهم من فرع (أحمد الجابر)، وهم بالترتيب الشيخ مشعل الأحمد الصباح (أخ الأمير الحاليّ) والشيخ ناصر المحمد الصباح (رئيس الوزراء السابق وابن أخ الأمير الحاليّ) والشيخ ناصر صباح الأحمد (وزير الدفاع السابق وابن الأمير الحاليّ).
ويعد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أبرز مرشح لتولي ولاية العهد، حيث ولد في عام 1940 ولا يعرف أي شيء عن تحصيله الدراسي أو درجته العلمية لكنه عمل في وزارة الداخلية متدرجًا خلالها في المناصب حتى وصل لرئاسة جهاز “المباحث السياسية” بين أعوام 1967 و1980 قبل أن يتم تغيير اسم هذا الجهاز إلى “أمن الدولة”.
وعيّن الشيخ مشعل الأحمد في عام 2004 كنائب لرئيس الحرس الوطني، وهي النخبة العسكرية المقاتلة المسلحة في الكويت، ولم يتول أي مناصب أخرى حيث إنه متفرغ لإدارة الأعمال التجارية الخاصة به التي تنصب على الملكيات العقارية وحصص أسهم كبيرة في البنوك والشركات الكبرى.
ويعرف عن الشيخ مشعل ميله إلى الاعتزال وعدم مخالطة الوفود السياسية والاجتماعية في البلاد، وهو أمر يعد ضروريًا لشيوخ الأسرة الحاكمة ليحافظوا على فرصهم للوصول إلى الحكم، حيث لا يملك الشيخ مشعل علاقات سياسية مع أي تيار أو فصيل سياسي داخل الكويت، كما أنه غير مقرب لأي طائفة أو فئة اجتماعية كالقبائل أو الشيعة، ولا يملك الشيخ مشعل الأحمد خبرة سياسية كبيرة وهو أمر قد يكون ميزة له في ظل السأم الشعبي من السياسيين.
عصفت الأحداث السياسية في مسيرة الشيخ ناصر المحمد في مجلس الوزراء وأدى توتر العلاقة بين المعارضة البرلمانية والحكومة إلى استقالته من منصبه أواخر عام 2011
لكن خبرة الشيخ مشعل الأمنية ودوره الكبير في وأد التحركات الشعبية التي قامت بها حركاتٌ معارضةٌ متأثرة بالربيع العربي عام 2011 التي عرفت بـ”الحراك الكويتي” وإصداره أوامر بفض المظاهرات بأي طريقة، إضافة إلى أنه واحد من الجيل القديم من الشيوخ، وهم أبناء الشيخ أحمد الجابر، وهو أمر قد تفضله الأسرة الحاكمة نظرًا لرغبتها المحافظة على الهدوء داخل البلاد.
ثاني المرشحين هو الشيخ ناصر المحمد الصباح، وهو دبلوماسي وسياسي بارز، ولد عام 1940 وتخرج في جامعة جنيف في تخصص العلوم السياسية والاقتصاد وتولى مناصب دبلوماسية في وزارة الخارجية قبل أن يصبح سفيرًا للكويت في عدد من البلدان من بينها أفغانستان وإيران.
وتولى الشيخ ناصر المحمد منصب وزارة الإعلام عام 1985 ثم منصب وزارة الشؤون عام 1988 ثم منصب وزارة الشؤون الخارجية عام 1990 وهي فترة ساهم فيها ضمن الفريق الدبلوماسي الكويتي في حشد الدعم العالمي لإنشاء التحالف الدولي الذي قام بإخراج قوات صدام حسين من الكويت بعد غزوها في الثاني من أغسطس/آب 1990.
بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي للبلاد عيّن الشيخ ناصر المحمد كوزير لشؤون الديوان الأميري، وهي الوزارة التي تتولى ترتيب شؤون بيت الحكم في الكويت، واستمر في منصبه حتى عام 2006 حينما عيّن كرئيس لمجلس الوزراء بعد تولي الشيخ صباح الأحمد مقاليد الحكم في البلاد، ليصبح الرجل الثالث في ترتيب الإمارة في الكويت بعد الأمير وولي العهد آنذاك.
وعصفت الأحداث السياسية بمسيرة الشيخ ناصر المحمد في مجلس الوزراء وأدى توتر العلاقة بين المعارضة البرلمانية التي كانت في أقوى حالاتها والحكومة إلى استقالته من منصبه أواخر عام 2011.
يتمتع الشيخ ناصر محمد الأحمد بعلاقات جيدة مع كل مكونات المجتمع الكويتي، إضافة إلى قربه من كافة التيارات السياسية، حتى المخالفة منه وهو أمر قد يعزز مسيرته نحو الحكم، إضافة إلى إيمانه الشديد بالسياسات المالية التي تقوم على ضمان الرعاية الاجتماعية وزيادة دخل المواطنين، حيث حدثت أكبر قفزة في رواتب المواطنين خلال عهده.
وللشيخ ناصر تقارب قوي مع الطبقة التجارية في البلاد، وهذا القرب هو ما قد يضمن له قدرًا كبيرًا من الدعم، فالأسرة الحاكمة وثقت علاقتها بالطبقة التجارية إبان تولي الشيخ ناصر المحمد منصب وزير شؤون الديوان الأميري، ومعروف أن النخبة التجارية السياسية هي التي تسيطر على مفاصل البلاد التي ربما ترى في وجود الشيخ ناصر المحمد أمرًا ضروريًا للحفاظ على استقرار البلاد وتوازنها.
أما المرشح الثالث فهو الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، وزير الدفاع السابق الذي تم إعفاؤه من منصبه بأمر أميري في أواخر عام 2019 بعد إشعاله معركة سياسية داخل الأسرة الحاكمة بينه وبين رئيس الوزراء السابق جابر المبارك الصباح وحليفه وزير الداخلية السابق الشيخ خالد الجراح الصباح اللذين تورطا في قضية فساد كبيرة تدعى “صندوق الجيش”.
تسبب ناصر صباح الأحمد في توترات كبيرة داخل الحكومة الكويتية والأسرة الحاكمة نفسها عقب خلافه العلني مع رئيس الوزراء آنذاك ووزير الدفاع
ولد الشيخ ناصر صباح الأحمد عام 1948 وظل مبتعدًا عن الحياة السياسية ومنغمسًا في الأعمال التجارية، حيث نجح هو وشقيقه حمد في تأسيس إمبراطورية تجارية ضخمة، لكنه شارك في بعض الاستشارات والأعمال السياسية التي قام بها شيوخ شباب في الأسرة الحاكمة كانوا يطمحون للصعود إلى سلم الحكم.
فضلًا عن تكوينه إمبراطورية تجارية ضخمة أثارت تساؤلات قادة المعارضة وأبرزهم النائب مسلم البراك عن التجاوزات الكبيرة على أملاك الدولة التي نمّت ثروة الشيخ ناصر صباح الأحمد بشكل كبير، فإن ناصر صباح الأحمد استطاع الحصول على تعويضات مالية ضخمة من الحكومة عن مجموعة كبيرة من الآثار الإسلامية التي يملكها وكذلك حصوله على مبالغ مالية ضخمة أخرى من هيئة التعويضات بسبب سرقتها، وكانت الحكومة الأردنية قد أرجعتها للشيخ ناصر لكنه لم يرجع التعويضات المالية التي أخذها من الحكومة الكويتية ومن هيئة التعويضات، وهي اتهامات قد تعطل مسيرته للحكم.
وفي عام 1999 عيّن الشيخ ناصر صباح الأحمد كمستشار لولي العهد ورئيس الوزراء آنذاك الشيخ سعد العبد الله الصباح، ثم عيّن كوزير للديوان الأميري عام 2006 أي بعد تولي والده الشيخ صباح الأحمد مقاليد الحكم.
وعيّن في عام 2017 وزيرًا للدفاع ونائبًا أول لرئيس مجلس الوزراء بالإضافة إلى عمله كرئيس لجهاز تطوير “مدينة الحرير” ومشرفًا على ما يسمى برؤية “كويت “2035”.
وتسبب ناصر صباح الأحمد في توترات كبيرة داخل الحكومة الكويتية والأسرة الحاكمة نفسها عقب خلافه العلني مع رئيس الوزراء آنذاك ووزير الدفاع، وقيامه بـ”حرب بيانات” وتبادل اتهامات بالفساد بين ثلاثة شيوخ داخل الحكومة، أدت في النهاية إلى تدخل الأمير وإقالته للشيخ ناصر صباح وللشيخ خالد الجراح وقبوله استقالة رئيس الوزراء جابر المبارك وتكليفه لحكومة جديدة برئاسة رئيس وزراء جديد.
وأدت الاضطرابات التي قام بها ناصر صباح الأحمد في صفوف الأسرة الحاكمة، وسعيه لما يصفه خصومه بأنه جمع بين التجارة والسياسة إلى تضاؤل فرصه مقابل تصاعد فرص الشيخين مشعل الأحمد وناصر المحمد.
الأنباء الأخيرة تطمئن إلى صحة أمير الكويت، وفي حال الرحيل سيتولى ولي عهده الشيخ نواف الأحمد -الذي استلم بالفعل بعض صلاحيات الأمير- مقاليد الحكم، وهو كما أسلفنا يحظى بإجماع الأسرة الحاكمة عليه، وبالتالي يغلب أن نشهد انتقالًا سلسًا للسلطة في الدولة الخليجية الغنية والهادئة.