أغلقت السلطات الأردنية، مساء السبت 25 من يوليو/تموز 2020 المقر الرئيسي لنقابة المعلمين الأردنيين بالعاصمة عمّان، وفروع النقابة الـ12 الموزعة على محافظات المملكة، في تصعيد هو الأول من نوعه بين النقابة والحكومة بعد عام كامل من التوتر المتكرر بينهما.
قرار الغلق جاء بناءً على قرار من النيابة العامة التي أمرت باعتقال نائب نقيب المعلمين، ناصر النواصرة، و12 آخرين من أعضاء مجلس النقابة، فيما تم وقف النقابة وكل فروعها عن العمل وغلق جميع المقار لمدة عامين كاملين، لحين الانتهاء من التحقيقات الجارية.
الخطوة التي يصفها البعض بـ”الجريئة” تأتي في وقت تشهد فيه الساحة الأردنية العديد من الاحتجاجات الشعبية جراء الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعززت بصورة أعمق بسبب تداعيات مواجهة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، فيما يراها آخرون “رد فعل انتقامي” حيال مواقف النقابة السابقة بشأن الدعوة للإضراب العام الذي ضرب المملكة العام الماضي.
اتهامات بالتحريض
وجه النائب العام لعمّان حسن العبداللات ثلاث اتهامات رئيسية لأعضاء النقابة التي على إثرها أصدر قرار الاعتقال لـ13 عضوًا، أولها ما يتعلق ببعض التجاوزات المالية داخل أروقة النقابة والمنظورة حاليًّا على مكتب المدعي العام لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد.
أما القضية الثانية فتعود للعام الماضي وتتعلق بالتحريض على الاحتجاج الشعبي وتأليب الشارع ضد الاستقرار، فيما تأتي القضية الأخيرة الموجهة لنائب النقيب، بسبب ما أسماه النائب العام “تحريض ضد رئيس الحكومة” على خلفية الفيديوهات الصادرة عن النواصرة وتداولها عبر منصات التواصل الاجتماعي التي ينتقد فيها رئيس الوزراء عمر الرزاز.
وبناءً على تلك القضايا الثلاثة، أصدرت النيابة العامة مذكرات إحضار بحق أعضاء النقابة المشتكي عليهم لاستجوابهم بشأن ما هو منسوب إليهم، فيما قرر النائب العام منع النشر في هذه القضية أو التعليق عليها في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، على أن يقتصر النشر على الجهة الرسمية فقط “النيابة العامة”.
“إما أن تتحمل مسؤوليتك بأمانة، ونزاهة، واستقامة، وأن توفر للمواطنين مظلة الحماية لحرياتهم، وحقوقهم الدستورية، وإما أن تعتزل المشهد وتقدم استقالتك”.. بيان كتلة الإصلاح البرلمانية لرئيس الوزراء
إدانة برلمانية
في أول رد فعل رسمي حيال حملة الاعتقالات تلك، شنّت “كتلة الإصلاح” أكبر الكتل النيابية في البرلمان الأردني هجومًا على رئيس الوزراء، حذرت فيه من تداعيات الهجوم على الحريات العامة والحقوق الدستورية للمواطنين، عبر الاعتقالات اليومية والاستدعاءات الأمنية التي تعد خرقًا واضحًا لدستور المملكة.
الكتلة في بيان رسمي لها أشارت إلى أن “الهجوم على نقابة المعلمين واقتحام مقراتها، واعتقال أعضاء مجلس النقابة، الأمر الذي ينذر بمآلات خطيرة، طالما حذرنا منها، ونتمنى ألا يتعرض بلدنا لها، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى وحدة الصف، وتمتين الجبهة الداخلية، في وجه المخاطر التي تتهدد الأردن وطنا وكيانا وشعبا”.
البيان أوضح أن “المعلمين يشكلون بحد ذاتهم جبهة عريضة على امتداد الوطن، وتشكل دعامة رئيسة للبناء الاجتماعي والسياسي للدولة الأردنية، وأي هجوم عليها إنما يشكل هجومًا على البناء السياسي والاجتماعي للدولة بأسرها”، مطالبًا “بسرعة نزع الفتيل تجنبًا لانزلاق الأوضاع إلى ساحة التوتر والصراع الذي ليس في مصلحة الدولة ولا في مصلحة النظام”.
واختتمت الكتلة البرلمانية بيانها الموقع عليه من رئيسها عبد الله العكايلة، بتوجيه رسالة مباشرة إلى الرزاز، جاء فيها “إما أن تتحمل مسؤوليتك بأمانة، ونزاهة، واستقامة، وأن توفر للمواطنين مظلة الحماية لحرياتهم، وحقوقهم الدستورية، وإما أن تعتزل المشهد وتقدم استقالتك.. وفي الخلاصة نقول: إما اعتدلت، وإما اعتزلت”.
استنكار حقوقي
من جانبه استنكر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان اقتحام السلطات الأردنية مقر نقابة المعلمين واعتقال أعضائها، في خطوة تأتي بعد يومين من مسيرات نظمتها النقابة للمطالبة بحقوق المعلمين، وهو ما يثير الريبة والشكوك حيال دوافع تلك الخطوة.
المرصد في بيان له وصف تلك الخطوة بأنها “مغلفة بشبهة الانتقام السياسي” فبجانب البعد السياسي في التهم الموجهة للأعضاء، فإن التوقيت كان هو الآخر علامة استفهام، في إشارة إلى التظاهرات التي دعت لها النقابة الأربعاء الماضي 22/7/2020 للمطالبة بحقوق المعلمين وإعادة العلاوات والمكافآت المتوقفة.
لا يمكن فصل ما يحدث حيال نقابة المعلمين عما تواجهه المعارضة السياسية في المملكة من تهميش لافت للنظر
يأتي هذا التحرك ضمن سلسلة تستهدف أنشطة النقابة التي باتت تؤرق السلطات الحاكمة، بحسب بيان المرصد الذي ربط بين ما حدث فجر اليوم واستخدام قوات الأمن للقوة في فض الوقفة الاحتجاجية التي نظمها معلمون بالعاصمة عمّان في 5 من سبتمبر/أيلول الماضي.
كما أدان المرصد الحقوقي قرار وقف النشر في القضية، لافتًا إلى أن ذلك يتعارض مع الحق في حرية الرأي والتعبير، ملمحًا إلى شبهة سياسية في قرار حظر النشر، داعيًا إلى ضرورة “إلغاء قرار إغلاق النقابة، وتمكينها من ممارسة عملها ومهامها بكل حرية، وضمان حقها وحق مجلسها في محاكمة عادلة في حال وجود أي قضايا أو بلاغات قانونية بحقهم”.
تأجيج الوضع
حالة الشد والجذب بين الحكومة والنقابة تعود إلى ما قبل عام تقريبًا، حين نظمت النقابة إضرابًا عن العمل، للمطالبة بعلاوات مالية وزيادة الرواتب، استمر قرابة شهر كامل، ما أدى إلى إحداث حالة من البلبلة لدى الشارع الأردني، ما دفع الحكومة للتوصل إلى اتفاق على منح المعلمين منحًا مادية مطلع العام الحاليّ نظير فك الإضراب والعودة للمدارس.
وبالفعل مع بداية العام الحاليّ حصل المعلمون على المنح المتفق عليها (50% زيادة في الرواتب)، لتعود الحياة إلى طبيعتها مرة أخرى، لكن سرعان ما توترت الأجواء مرة أخرى، منذ أواخر مارس/آذار الماضي، حين قررت الحكومة وقف العلاوات الممنوحة لموظفي الدولة بمن فيهم المعلمون، في إطار حملة التقشف الحكومية لمواجهة تداعيات انتشار كورونا في المملكة.
واعتبر المعلمون هذا الإجراء نكوصًا على الاتفاق المبرم سابقًا، ملوحين بالتصعيد في معركة جديدة للحصول على حقوقهم المادية، مهددين بالدخول في إضراب جديد سبتمبر/أيلول القادم، قبيل العام الدراسي الجديد، كما دعوا إلى مقاطعة المشاركة في الانتخابات البرلمانية المتوقع إجراؤها نهاية العام الحاليّ.
العديد من الساسة المعارضين يتهمون السلطات باستغلال قوانين الطوارئ المطبقة منذ الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار فيروس كورونا لتقليص مساحة الحقوق المدنية والسياسية الممنوحة للمواطنين دستوريًا
وأمام تلك الخطوات التصعيدية التي تعززت ببعض المقاطع المصورة لنائب النقيب التي هاجم فيها رئيس الحكومة، اتخذ النائب العام قراراته بغلق النقابة وتوقيف عدد من أعضائها، في محاولة لتخفيف حدة التوتر، الذي يبدو أنه سيتصاعد أكثر فأكثر بعد الحديث عن إضراب المئات من المعلمين في بعض محافظات المملكة واعتصام الكثير منهم أمام مقر وزارة التربية والتعليم بالعاصمة عمّان، رفضًا للإجراءات الأمنية ضد نقابتهم.
لا يمكن فصل ما يحدث حيال نقابة المعلمين عما تواجهه المعارضة السياسية في المملكة من تهميش لافت للنظر، غير أن تزايد معدلات الفساد وتراجع مستوى معيشة المواطنين في ظل تباطؤ وتيرة الإصلاحات السياسية أدى إلى تزايد معدلات الاحتجاجات الشعبية خلال الآونة الأخيرة بصورة ما عادj تجدي معها أساليب القمع التقليدية المعتادة.
العديد من الساسة المعارضين يتهمون السلطات باستغلال قوانين الطوارئ المطبقة منذ الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار فيروس كورونا لتقليص مساحة الحقوق المدنية والسياسية الممنوحة للمواطنين دستوريًا، وهو ما يتجلى عبر سلسلة الاعتقالات بحق النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.
رئيس جبهة العمل الإسلامي، مراد العضايلة، أحد أبرز الوجوه السياسية المعارضة في المملكة، يحذر من الحملة التي تشنها الحكومة ضد نقابة المعلمين، ويربطها بالهجمات الممارسة ضد المعارضين بصفة عامة، لافتًا إلى أنها “ستؤدي إلى مزيد من التأزيم المجتمعي في وقت الناس يعانون من اختناق بسب الظروف الاقتصادية”.
ويمر الأردن بضائقة مالية مؤلمة ربما تكون الأشد من أزمة الثمانينيات، وذلك بسبب تداعيات كورونا التي أثرت بشكل كبير على معدل النفقات الذي ارتفع بصورة كبيرة لمعالجة الآثار الاجتماعية والاقتصادية لتفشي الوباء، هذا بجانب الآثار السلبية الواضحة على التمويل الخارجي.
هذه الوضعية الحرجة عبر عنها وزير المالية الأردني محمد العسعس في تصريحاته التي أدلى بها مؤخرًا بشأن انخفاض الإيرادات المحلية بقيمة 849 مليون دولار حتى نهاية أبريل/نيسان الماضي، فيما توقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.4%.
تصعيد جديد يدفع ثمنه المواطن الأردني الباحث عن الخروج من شرنقة الأزمة التي يعايشها طيلة الأشهر الماضية، ورغم الجهود المبذولة رسميًا والوعود التي يتلقاها ليل نهار من الحكومة والسلطات، فإن الوضع يسير من سيئ إلى أسوأ وهو ما يجعل التصعيد مع نقابة يبلغ حجمها 100 ألف عضو مغامرة ربما تعمق الأزمة لا تحلها.