ترجمة وتحرير: نون بوست
بينما كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يقوم بتهميش منافسيه لتعزيز سلطته قبل بضع سنوات، خشي مسؤول الاستخبارات السعودي السابق سعد الجابري أن يستهدفه الأمير في نهاية المطاف لذلك فرّ من المملكة. ووفقًا لرسائل نصية ووثائق قانونية راجعتها صحيفة “نيويورك تايمز”، حاول الأمير إعادته منذ ذلك الحين. طلب منه أولاً العودة إلى المملكة للحصول على وظيفة جديدة، ثم حاول تسليمه بتهمة الفساد عبر الإنتربول، ولكن دون جدوى.
كتب الأمير محمد إلى المسؤول السابق في أيلول/ سبتمبر 2017 ما يلي: “أنت متورط في العديد من قضايا الفساد الكبيرة التي وقع إثباتها. لا توجد دولة في العالم سترفض تسليمك”. لكن الإنتربول شكّك في التزام السعودية بالإجراءات القانونية الواجبة وحقوق الإنسان عند معالجتها لقضايا الفساد، واعتبر أن الطلب السعودي لتسليم الجابري تحركه دوافع سياسية مما ينتهك قواعد المنظمة، وذلك وفقا لوثائق الإنتربول. ولهذا السبب حذفت المنظمة اسم الجابري من نظامها.
تسلط الرسائل والوثائق النصية التي راجعتها الصحيفة – والتي لم يقع الإبلاغ عنها سابقًا – الضوء من جديد على الحد الذي وصل إليه الأمير محمد في ممارسة السيطرة على السعوديين الذين يخشى إمكانية إطاحتهم به. لقد تزايدت حدة الصراع هذه السنة. ففي آذار/ مارس، احتجزت المملكة العربية السعودية ابن وابنة الجابري وشقيقه، وعلى خلفية ذلك اتهم أقاربهم ومسؤولون في الولايات المتحدة السعودية بأنها احتجزتهم كرهائن لتأمين عودة الجابري.
في الأسبوع الماضي، استغلت وسائل الإعلام الإخبارية التي تسيطر عليها الدولة في المملكة مقالا نشر في صحيفة “وول ستريت جورنال” اتهم فيه مسؤولين سعوديون مجهولون الجابري بإهدار مليارات الدولارات من أموال الدولة لإثراء نفسه وأقاربه. ونشرت إحدى الصحف السعودية ملصق مطلوبين عليه وجه الجابري، وذلك كجزء من المحاولات الواضحة لتشويه سمعته في المملكة.
تأتي هذه الاكتشافات وسط مخاوف بشأن صحة والد الأمير محمد، الملك سلمان، الذي يمكن أن تجعل وفاته الأمير مسؤولاً عن المملكة العربية السعودية لعقود. وقد أفادت وسائل الإعلام السعودية يوم الخميس بأن الملك البالغ من العمر 84 سنة دخل المستشفى في مطلع الأسبوع وخضع لعملية جراحية ناجحة على المرارة.
منذ أن أصبح والده ملكًا في سنة 2015، تولى الأمير محمد البالغ من العمر 34 سنة مسؤولية السياسات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية بينما استهدف النقاد والأعداء من خلال حظر السفر والاعتقال والدعاوى القضائية. ولكن هذه الأساليب الاستبدادية المتزايدة لفتت انتباه العالم عندما قتل عملاء سعوديون الكاتب السعودي المعارض جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في 2018، مما أثار إدانة واسعة النطاق. لفتت التحركات السعودية ضد الجابري الانتباه في واشنطن، حيث يعتبره العديد من المسؤولين شريكا استخباراتيا قيما.
سعد الجابري على أقصى اليسار في حفل زفاف عائلي في الرياض سنة 2016.
في رسالة إلى الرئيس ترامب هذا الشهر، أشار أربعة من أعضاء مجلس الشيوخ إلى الجابري بأنه “حليف مقرب للولايات المتحدة وصديق”، وقالوا إن الولايات المتحدة “عليها واجب أخلاقي يحتم عليها فعل ما في وسعها للمساعدة في ضمان حرية أبنائه”.
لم يستجب المسؤولون في السفارة السعودية في واشنطن لطلبات التعليق بشأن الرسائل النصية بين الأمير محمد والجابري أو طلب الإنتربول السعودي أو مزاعم الفساد في المملكة. وقد استعرضت الصحيفة عشرات الرسائل النصية بين الرجلين التي قدمتها شركة “نورتون روز فولبرايت” القانونية في كندا التي تعمل لصالح ضابط الاستخبارات السابق، فضلا عن وثائق الإنتربول التي أبلغت الجابري بقرارها بشأن الدعوة السعودية المرفوعة ضده.
ارتبط صعود الجابري سقوطه بعلاقته بمنافس بن سلمان الأول على العرش السعودي الأمير محمد بن نايف، الذي ترأس وزارة الداخلية وأصبح ولياً للعهد في سنة 2015. وقد أصبح الجابري، عالم اللغويات والحائز على شهادة دكتوراه في الذكاء الاصطناعي، مسؤولا بارزا في الوزارة، التي تتعامل مع قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب، مما جعله على اتصال منتظم بالدبلوماسيين الأمريكيين ومسؤولين من وكالة المخابرات المركزية. وقد أشاد كثيرون بكفائته المهنية.
قال دوغلاس لندن، الضابط السابق في الخدمة السرية التابعة لوكالة المخابرات المركزية والباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، إن “الجابري ذكي حقًا ولديه معرفة موسوعية. لقد وفى بوعده، ولم يبالغ في وعيده وكان ينفّذ ما يقول”. ولكن نجم الجابري أفل عند بزوغ نجم ولي العهد، حيث فُصل ضابط الاستخبارات بموجب مرسوم ملكي في سنة 2015.
في سنة 2017، بدأ الجابري يخشى من أن يحلّ الأمير محمد بن سلمان مكان بن نايف في ولاية العهد ويبدأ في استهداف حلفائه المحليين، لذلك غادر المملكة واستقر في تركيا. ووفقا للإصدارات المترجمة من النصوص التي قدمتها شركة الجابري القانونية، في 18 حزيران/ يونيو من تلك السنة، أرسل الأمير محمد رسالة نصية إلى الجابري يُناشده فيها بالعودة للمساعدة في حل مشكلة غير محددة مع محمد بن نايف.
جاء في الرسالة التي كتبها الأمير محمد بن سلمان: “أريد أن أشرح لك ما حدث مؤخرًا والتوصل إلى اتفاق معك بشأن استراتيجية لحل كل هذه الصعوبات”. فرد عليه الجابري بأنه “مستعد لقبول ما يأمر به”. وذكر الأمير محمد إنه يريد أن يجتمع ثلاثتهم حتى “يتصالحوا ويعود كل شيء إلى ما كان عليه”. وفي 20 حزيران/ يونيو، قال الجابري إنه لا يستطيع العودة إلى المملكة العربية السعودية على الفور بسبب العلاج الطبي الذي يتلقاه. ولكن الأمير محمد قال إنه استدعاه فقط لأنه “بحاجة ماسة لمساعدته”.
لكن في اليوم التالي، أطاح بن سلمان بمحمد بن نايف ليحل محله. ووُضع محمد بن نايف تحت الإقامة الجبرية، ومُنعت ابنته سارة، التي كانت تبلغ من العمر في ذلك الوقت 17 سنة، وعمر البالغ من العمر 18 سنة، من مغادرة المملكة العربية السعودية.
عمر الجابري، 21 سنة
سارة، 20 سنة
تعهّد الجابري بالولاء للأمير محمد بن سلمان باعتباره ولياً للعهد، بينما شجعه الأمير على العودة للمملكة لتقلّد منصب جديد مهم. وقد كتب الأمير محمد: “عندما تعود سالما، سأشرح لك أصل المشكلة. ما زلت بحاجة إليك للتعامل مع أي شخص يسعى لخلق الفوضى والصراع”.
يُذكر أن الجابري طلب من الأمير محمد رفع الحظر المفروض على سفر أبنائه، بيد أن الأمير محمد لم يستجب. وبعد ذلك بثلاثة أشهر، طلب الجابري من الأمير محمد مرة أخرى رفع حظر السفر “للسماح لأبنائه بالمغادرة حتى يتمكنوا من إنهاء دراستهم”. فرد الأمير محمد “عندما أراك، سأشرح لك سياق الموضوع”.
كرر الجابري طلبه وفي المقابل، كان رد محمد بن سلمان: “عندما أراك، سأشرح لك كل شيء”. وبعد بضعة أيام، طلب محمد بن سلمان من الجابري العودة إلى المملكة العربية السعودية في اليوم التالي، رابطا عودته إلى هناك برفع حظر السفر عن أبنائه.
في هذا السياق، كتب محمد بن سلمان: “أريد حل مشكلة ابنك وابنتك، لكن هذا الملف حساس جدا” – ويقصد بذلك ملف محمد بن نايف – “أريد رأيك فيه بالإضافة إلى معلومات منك بشأنه. كما أريد أيضًا أن أتوصل إلى تسوية معك بشأن وضعك المستقبلي وما ينبغي أن تكون عليه التفاصيل”.
بعد فترة وجيزة، أرسل محمد بن سلمان رسالة نصية أخرى مهددًا فيها هذه المرة باعتقال الجابري في الخارج. وبما أن الخطر بات واضحا الآن، انتقل الجابري من تركيا إلى كندا وفقًا لابنه خالد المختص في أمراض القلب والمقيم أيضًا في كندا.
في محاولة لإعادته قسرًا إلى الوطن، أرسلت السلطات السعودية ملفا إلى الإنتربول، تطالب فيه الدول الأخرى بالتعاون في تسليم الجابري، وذلك فقًا لوثائق الإنتربول. ولكن بدلاً من أن يتضمن ملف الإنتربول بلاغا أحمر، الذي يعمل كمذكرة اعتقال دولية، قدمت السلطات السعودية منشورًا وهي طريقة اعتبرتها الإنتربول غير رسمية لأعضائها لطلب المساعدة من دول أخرى.
ارتبط صعود وسقوط الجابري بعلاقته بمنافس بن سلمان الأول على العرش السعودي، الأمير محمد بن نايف، الذي أطيح به في سنة 2017.
تأكد الجابري من أن اسمه كان على نظام الإنتربول في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2017، وذلك عندما مُنعت زوجته وبقية أقاربه من السفر من تركيا إلى كندا لأن أحد المرافقين كان اسمه سعد الجابري وهو حفيده ويحمل نفس اسمه. ومع ذلك، تمكنت العائلة من الوصول إلى كندا عبر الولايات المتحدة وطعنت في إدراج اسم الجابري في نظام الإنتربول. وقد فازوا في شهر تموز/ يوليو 2018، وفقًا لوثيقة الإنتربول حول هذا القرار. ولكن الوثيقة لم تذكر بالتفصيل الدليل والاتهامات التي وجهتها المملكة العربية السعودية ضد الجابري. برفضها للطلب السعودي، انتقدت اللجنة تعامل المملكة السابق مع قضايا الفساد و”غياب الإجراءات القانونية وضمانات حقوق الإنسان”.
كما أشارت اللجنة إلى الحملة التي شنها محمد بن سلمان في سنة 2017، عندما اعتقل بعض أغنى رجال الأعمال وأبرزهم في المملكة في فندق ريتز كارلتون الرياض بتهمة الفساد. وقال مسعفون إن العديد منهم تعرضوا للاعتداء ومات شخص واحد من سوء المعاملة.
على خلفية ذلك، كتبت لجنة الإنتربول أن لجنة مكافحة الفساد التي أشرفت على حملة القمع كانت “جزءًا من استراتيجية سياسية يقودها محمد بن سلمان لاستهداف أي منافس أو معارض سياسي محتمل”.
سرعان ما وجدت المملكة العربية السعودية طرقاً أخرى للضغط على الجابري.
ففي شهر آذار/ مارس، قُبض على ابنه عمر وابنته سارة الممنوعين من مغادرة المملكة في منزلهما بالرياض. وفي أيار/ مايو، قبضت السلطات على شقيقه. وقال الدكتور خالد الجابري إن أحدا لم يتصل بأقاربهم منذ ذلك الحين.
في هذا السياق، كتب السيناتور عن ولاية فيرمونت باتريك ليهي في تغريدة له على على تويتر تضمنت برسالة منه ومن ثلاثة أعضاء آخرين موجهة إلى ترامب: “العائلة المالكة السعودية تحتجز سارة وعمر الجابري كرهائن.. واستخدام الحكومة لهذه الأساليب أمر بغيض ويجب الإفراج عنهما حالا”.
المصدر: نيويورك تايمز