خلال السنوات الأربعة الأخيرة، اختار المغرب الابتعاد قليلًا عن الملف الليبي والاكتفاء بمراقبة الوضع من بعيد، فضلًا عن تبني خيار الحياد السلبي، ما أثار استغراب العديد من المتابعين. هذا الموقف يبدو أن سيتغير؛ فالحراك الدبلوماسي في الرباط هذه الأيام يوحي بوجود تغييرات مهمة في هذا الأمر، فهل يرجع المغرب للعب دور الوسيط والاستفادة من تجربة 2015.
تجدد الحراك الدبلوماسي المغربي
العاصمة المغربية الرباط استقبلت أمس الأحد رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري، الذي يقوم بزيارة رسمية إلى المغرب تلبية لدعوة من رئيس مجلس النواب المغربي لحبيب المالكي لبحث الأزمة الليبية.
بالتزامن مع ذلك وصل رئيس البرلمان المنعقد في طبرق عقيلة صالح إلى الرباط بدعوة من رئيس البرلمان المغربي أيضًا، ومن المنتظر أن يجري رئيس مجلس النواب المغربي، مباحثات مع المشري وصالح لبحث تطورات الأزمة الليبية.
ومطلع هذا الشهر، أبلغ وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، مجلس الأمن ثلاث رسائل عبر فيها عن “قلق وخيبة أمل، ودعوة المملكة المغربية للتعبئة” في مواجهة التدهور المستمر للوضع في ليبيا.
ودعا بوريطة إلى “التعبئة” لترجمة الإجماع الدولي إلى إجراءات قوية وملموسة، مشددًا على أن الحل “يجب أن يكون سياسيًا لا عسكريًا، وأن يأتي من الليبيين أنفسهم، ويضمن وحدة ليبيا وسيادتها وسلامتها الترابية”.
للمغرب، عدة نقاط قوة لتسوية الملف الليبي، منها أنه عضو في اتحاد المغرب الكبير الذي تنتمي إليه ليبيا
يؤكد المحلل السياسي المغربي رشيد لزرق في حديث لنون بوست أن تعقيد الوضع الداخلي الليبي ودخول لاعبين دوليين في الصراع داخل التراب الليبي، حتم على الفاعلين في الأزمة الليبية العودة إلى الطرح المغربي بالنظر لوقوف المغرب على مسافة واحدة بين جميع المتدخلين في ليبيا.
يضيف لزرق في حديثه لنون بوست، الوضع في ليبيا يحتم حضور فاعل أساسي محايد لحل الصراع هناك على أساس اتفاق الصخيرات، باعتباره اتفاقًا مرجعيًا قبله الجميع، ويمكن أن يكون الآن مخرجًا لحل الأزمة في هذا البلد العربي.
قبل 4 سنوات، احتضنت مدينة الصخيرات المغربية مختلف الأطراف الفاعلة في ليبيا على طاولة واحدة، لبحث حل لأزمة بلدهم المنكوب، فكان أن توصلوا لاتفاق سياسي لتسوية الأزمة الليبية، في 17 من ديسمبر/كانون الأول 2015، وقد نص هذا الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية واعتبار برلمان طبرق الهيئة التشريعية وتأسيس مجلس أعلى للدولة ومجلس أعلى للإدارة المحلية وهيئة لإعادة الإعمار وأخرى لصياغة الدستور ومجلس الدفاع والأمن.
بدوره يؤكد الباحث المغربي عبد الوهاب السحيمي في حديث لنون بوست أن اتفاق الصخيرات 2015 المُوقع تحت رعاية الأمم المتحدة، يعتبر الاتفاق المرجعي لأي تسوية مستقبلية لهذا الملف، فهو نتاج لمجهود مغربي ولا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار هذا المجهود.
ودائمًا ما يؤكد المسؤولون في المغرب تمسك بلادهم باتفاق الصخيرات السياسي كمرجعية أساسية لمعالجة النزاع المسلح في ليبيا، في الوقت الذي تسعى فيه العديد من الأطراف الأخرى على غرار مصر والإمارات وفرنسا للإطاحة بهذا الاتفاق، وتشجيع المتمرد خليفة حفتر على خرق بنوده والتنكر للمؤسسات التي انبثقت منه.
صخيرات 2 دون حفتر
من الواضح أن المغرب، وفق رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني عبد الرحيم المنار اسليمي، اختار الوقت المناسب لجمع أطراف الأزمة الليبية الرئيسية، فحضور عقيلة صالح وخالد المشري يأتي في ظرف سياسي وعسكري معقد تكاد تُغلق فيه كل الأبواب.
هذا التحرك الدبلوماسي المغربي، تسعى الرباط من خلاله، وفق حديث عبد الرحيم المنار اسليمي لنون بوست، إلى إرسال إشارة أساسية مفادها أن الليبيين من دون أمير الحرب حفتر يمكنهم الوصول إلى حل سياسي، فالمغرب لا يتعامل مع حفتر، واختار مدخل الممثلين السياسيين في شرق ليبيا وغربها لبداية مفاوضات من مرجعية اتفاق الصخيرات التي لازال المرجع الوحيد للوصول لحل سياسي.
يعتقد اسليمي، أن المغرب باستقبال صالح عقيلة وخالد المشري في الرباط يكون قد بدأ في بناء الصخيرات الثانية التي لا يمكن أن يكون فيها حفتر، فحضور عقيلة صالح وخالد المشري هي زاوية جديدة تُفتح لتقريب الأطراف الليبية في الشرق والغرب.
وأضاف، من المتوقع أن تتوسع التنظيمات والشخصيات التي ستحضر المغرب من شرق ليبيا وغربها لإكمال اتفاق الصخيرات الثانية، لكن الأساسي الآن هو ثقة صالح والمشري معًا في الدور المغربي بليبيا ويجب ألا ننسى أن عقيلة رفض الحضور إلى الجزائر في الأسبوع الماضي.
وبين محدثنا أن الأمر الأساسي في هذا اللقاء هو إخراج خليفة حفتر من ليبيا القادمة، ذلك أنه إذا كل المبادرات السابقة من باريس إلى برلين والقاهرة قد حضرها حفتر، فإن المبادرة المغربية لا تعترف بحفتر ولا تجعله جزءًا من الحل القادم.
أهم امتياز يمتلكه المغرب هو كونه غير معني مباشرة بالصراع عكس العديد من الدول التي تدعي الحياد كلامًا وفي الواقع تساند طرفًا معينًا
توقع رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني أن تنجح الجهود المغربية، وأن تجد تحركاتها الدبلوماسية صدى مهما عند كل الأطراف “فالسياسة الخارجية المغربية تتصف بالاتزان والتريث وتعرف جيدًا الوقت الذي تتقدم فيه المبادرات وتوقيت القيام بالاتصالات لمحاولة جمع أطراف الأزمة الليبية”.
نقاط قوة عدة
للمغرب، عدة نقاط قوة لتسوية الملف الليبي، وفق عبد الوهاب الحسيمي، منها أن المغرب عضو في اتحاد المغرب الكبير الذي تنتمي إليه ليبيا وبالتالي المغرب أقرب لهذا البلد من أي بلد اخر، ثم اتفاق الصخيرات الذي يعتبر المرجعية الاممية الأولى لتسوية الملف وقّع فوق تراب مغربية وبمجهود مغربي خالص، ثم يبقى المغرب هو البلد الجار الوحيد لليبيا الذي يعرف استقرارًا نسبيًا مقارنة مع البلدان المغاربية الأخرى.
أضاف الحسيمي، مادام المغرب قد استطاع تجميع الفرقاء الليبيين على طاولة واحدة في الصخيرات وتم توقيع أبرز اتفاق في هذا الملف منذ الإطاحة بنظام العقيد القذافي سنة 2011، فبالتأكيد يبقى قادرًا على جمعهم مرة أخرى للبحث عن حلول وسبل لتجاوز الأزمة.
ويؤكد محدثنا أن المغرب وعلى غرار الدول المغاربية وخاصة تونس والجزائر، ليست له أطماع مادية في ليبيا، فهو يسعى للحل في ليبيا باعتباره بلد جار وأي مشكل داخلي يهدده لا محال سيشكل خطرًا على المغرب وعلى عموم الدول المجاورة وخاصة دول المغرب الكبير.
بدوره يوكد رشيد لزرق أن أهم امتياز يمتلكه المغرب هو كونه غير معني مباشرة بالصراع عكس العديد من الدول التي تدعي الحياد كلامًا وفي الواقع تساند طرفًا معينًا وتساهم في مزيد تأزيم الوضع في ليبيا حتى لا يتم التوصل إلى حل بين الفرقاء.
أضاف لزرق في حديثه لنون بوست، يمكن للمغرب أيضًا أن يستثمر علاقته الجيدة مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية لتكون مدخلًا للمصالحة وإعادة إعمار ليبيا، على اعتبار أن الأوضاع اليوم أكثر نضجًا، بفعل تطور الأحداث هناك.
وأشار محدثنا إلى أن المغرب قادر على لعب دور مهم مع الأشقاء الآخرين لحل الأزمة الليبية، والحيلولة دون دخول بعض الأطراف إلى الداخل الليبي، حتى لا يتفاقم الوضع أكثر ويتم التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف.