(1) ثورة 18 يوم
بات يقينيًا لدى بعضنا – وأنا منهم – تاريخيًا وواقعيًا استحالة أن تنتهى ثورة وتحقق أحلامها وأهدافها خلال ثمانية عشر يومًا..
أولاً: تاريخيًا الأمر مختلف تمامًا لكننا لا نقرأ التاريخ جيدًا:
(1) الثورة الفرنسية:
اندلعت 1789 واستمرت عشر سنوات حتى 1799 في ثلاث مراحل ملكية دستورية ثم نظام جمهوري ثم تراجع للتيار الثوري أتاح لنابليون الانقلاب على النظام الجمهوري إلى ديكتاتورية توسعية عام 1799 (ويكبيديا).
(صورة لاقتحام سجن الباستيل في 14يوليو 1789- ويكبيديا)
أنهت الثورة الفرنسية 1789 حكم الملك لويس السادس عشر وحولت الحكم إلى نظام جمهوري، ورفعت شعارات الحرية والإخاء والمساواة، كما استندت إلى دستور ينص على حقوق الأفراد وواجباتهم، وأعلنت قيام دولة المؤسسات ممثلة في الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، مؤكدة على حق الأفراد في التنظيم وحريتهم في الاعتقاد. (الباحث/ هانى جودة)
(2) الثورة الإنجليزية:
من 1642 حتى 1660
قضت فعليًا ونظريًا على فكرة حق الملوك الإلهي، وأصبح البرلمان هو صاحب الكلمة العليا في شئون الحكم. (ويكبيديا)
(3) ثورة التحرير الجزائرية:
اندلعت ثورة التحرير الجزائرية في 1 نوفمبر 1954 ضد الاستعمار الفرنسي الذي احتلّ البلاد منذ سنة 1830، ودامت طيلة 7 سنوات ونصف من الكفاح المسلح والعمل السياسي، وانتهت بإعلان استقلال الجزائر يوم 5 جويلية 1962 بعد أن سقط فيها أكثر من مليون ونصف مليون شهيد جزائري؛ وذلك ما أعطى الجزائر لقب بلد المليون ونصف المليون شهيد في الوطن العربي. (ويكبيديا)
ثانيًا:
الواقع أشد ألمًا ووجعًا حيث أثبت الواقع سذاجة لا حدود لها فى تفكيرنا، فكيف لنظام عسكري ديكتاتوري تغلغل في مفاصل الدولة العميقة لأكثر من ستين عامًا ينشر فسادًا في شتى صور الحياة، كيف له أن يسقط في ثمانية عشر يومًا؟!
كيف لجيش كامب ديفيد أن يسقط في ثمانية عشر يومًا؟
وكيف لداخلية الأنظمة المستبده أن تسقط في ثمانية عشر يومًا؟
وكيف لقضاء دنشواي وأحكام الظلم والجور أن يسقط في ثمانية عشر يومًا؟
وكيف لإعلام العار والخزي والكذب والخداع إعلام 67 أن يسقط في ثمانية عشر يومًا؟
وكيف لجينات الذل والعبودية الموروثة في الدم المصري أن تسقط في ثمانية عشر يومًا؟
(2) التابوهات والرموز والمشايخ
لم يعد بعد الثورة والانقلاب رمزًا إلا وكسر، ولا تابوهًا إلا وسقط، ولا شيخًا إلا ووقع – ولازال – تيار السقوط يجري سريعًا بحيث لا يترك للنفس فرصة للتفكير فيما يحدث!
سقط تابوه الجيش المصري العظيم عند كثير من الناس بعد أن رأى جنوده ينتهكون ست البنات، ويقومون بكشوف العذرية، ويطلقون الرصاص ليقصفون به مستقبل شبابهم وأبنائهم وأرواحهم، ويسرقون الأوطان والأموال والأرواح.
وسقط تابوه جهاز مخابرات رأفت الهجان وأسطورته بعد أن اجتهد خلال ثلاثة أعوام في سرقة الثورة وخطفها وتشويهها وكان – وبلاشك – الطرف الثالث صاحب الثلاثمائة ألف بلطجي والذين سعوا في الأرض فسادًا وإفسادًا، قتلوا فيها الأرواح، وسرقوا فيها أحلام شباب آمن بمستقبل وطنه وأمته.
وسقط تابوه مفهوم الدولة وصورتها في تصور الحركة الإسلامية، فلم يعد هناك تصور حقيقي لماهية الدولة وحقيقتها وشكلها في فكر الحركة الإسلامية بعد أن فشلت أكبر حركة إسلامية في العصر الحديث في تقديم نموذج يحتذى به سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا.
وسقط تابوه النهضة ومهندسها الذي كانت تنحنى له الجباه، وتجلس تحته الهامات، وتنسج حوله الأساطير، وتفرض حوله سياج من الهالات والخطوط الحمراء.
سقط تابوه المشايخ والعلماء الذين صدعوا رؤوسنا ولوثوا أفكارنا، فمن كان يتوقع أن عمرو خالد يشجع البيادة وحكمها، وحسان يصمت على الدماء ويتنساها، والحوينى يعتزل الفتنة ويترك الدنيا دون أن يمارس فيها جرحه وتعديله؟
ومن كان يتوقع أن نصر فريد واصل يشجع على قتل الناس، وزكريا عبد العزيز يحكم بالمؤبد على فتيات صغيرات إيمانًا منه بالورق وكفرًا منه بالقيمة والمبدأ؟
سقط تابوه التيار الإسلامي وعلاقته بالناس وتواجده في الشارع والذي طالما شرب حتى الثمالة من هول أعداد مؤيديه في الشرعية والشريعة ومدى صدق ما ينادي به من أفكار يوتوبيه لا مكان لها في عالم الناس.
وسقط تابوه الشعب المصري العظيم والذي تحول البعض منه إلى مسوخ بشرية، وكائنات زومبية تفوض القاتل ليسفك الدماء وتفرح في استئصال فصيل وطني وقتل أفراده واعتقال أبنائه وسرقة أمواله وهتك أعراضه، شعب هلل للطاغوت ورضى بالذل والسكوت واستأنس للمتغلب السارق السافك للدماء واطمأن له.
(3) الوطن
الوطن الذي نعيش فيه ويعيش فينا هو الوطن بمفهومه العقدي وطن (لا إله إلا الله) والذي يسع ويشمل وطن المولد والمنشأ بمعناه السياسي، فإذا تعارض الوطن العقدي مع الوطن بمفهومه السياسي يقدم الوطن العقدي عليه حيث إن النبي – صلى الله عليه وسلم – عندما خرج من مكه (وطن المولد والنشأه) قال لها (ما أطيبكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ”. رواه الترمذي الحديث رقم 3926، ص 880 لكن عندما عادته وحاربته حاربها في غزوات بدر وأحد ودخلها فاتحًا في فتح مكة.
والوطن (وطن المولد والمنشأ) هو المسكن الذي تسكن إليه والمأوى الذي تأوى إليه، تأكل فيه وتنام هانئًا مطمئنًا فيه وتتعلم فيه وتعالج فيه وتنال حريتك وكرامتك فيه، ليس هو وطن (حضن السفاح) الذي تُقتل فيه وتُنتهك حريتك وكرامتك فيه وتطارد فيه وتعتقل فيه ولا تنعم فيه بحرية أو إنسانية أو عدالة اجتماعية.
(4) الجماعة الربانية
الربانية لغة تعني الانتساب للرب وتعنى أيضًا من يربي الناس ويعلمهم ويأخذ بأيديهم إلى الجادة..
وكأحد أفراد جماعة الإخوان المسلمين الذين لفظتهم الجماعة لخبث عندي قبل الثورة – كما مشهور عند أبناء الجماعة عندما يترك أحد الجماعة فيهرول أحدهم بعبارة (إنما تلفظ الجماعة خبثها!) – كنت أحد المؤمنين بربانية الجماعة بالمعنى الأول وهو الانتساب للرب الخالق البارىء!
والانتساب للرب الخالق شيء عظيم ومشرف في التعلق بالرب الخالق والرازق وطاعته وعبادته كفرد من عباده الكثر، وهذا الفرد يحمل تصورًا عن فهمه للدين ليس هو التصور الإلهي ذاته، لكن فهم الفرد للتصور الإلهي وليس مراده والذي بالضرورة قد يكون هذا الفهم صوابًا يحتمل الخطأ أو النقد أو التعديل.
وهذا التصور والفهم لا يملك حصرية الحق وصورته نقيض مايقول الأستاذ البنا والذي يصف الإخوان (نحن دعوة القرآن الحق الجامعة الشاملة)!
فكيف بدعوة القرآن الحق الجامعة الشاملة أن تداهن الظالم وتصادق الفاجر وتصمت على الدماء ولا ترى الانتهاكات في حق الإنسان وكرامته وحريته؟
هناك مرض خطير قد يصيب الإنسان (وخاصة الإسلامي لجمال مايحمله .. أو يدعى أنه يحمله).
هذا المرض هو (اللسعة الإنسانية)
واللسع هو اللدغ أو اللفح أو الإيذاء
وعندما تلدغ أو تلفح أو تؤذي الإنسانية في مضمونها وقيمتها فهذه مصيبة..
والمشكلة أن تكون جزءًا من ظاهرة اللسع الإنساني بل وتزيد من تطورها..
وتغيير جيناتها بطفرات الممارسة الخطأ – وتكون أسيرًا لهذه الممارسات بل وتبررها –
وما (ست البنات) منا ببعيد.
(5) السلمية تنتصر
لم يتح لنا التاريخ والواقع الرفاهية في التفكير في هل السلمية هي الخيار الوحيد لتحقيق أحلامك وأهدافك وأهداف ثورتك النبيلة؟
فجاء واقعنا المعاصر ليلطم وجوهنا بصفعاته القوية ويقول لنا جاهرًا صوته: السلاح هو من ينتصر في واقعنا ومنطقتنا ولك بعض الأمثله.
– انتصرت الثورة الليبية – أو تكاد – في مواجهتها مع القذافي تارة ومع ذيول ثورة نظامه المضادة وحلفائها الإقليمين في ثوبها الحفترى وطردته صاغرًا مدحورًا من ليبيا.
– فرض – أو يكاد – الحوثيون أجندتهم على الواقع اليمني بقوة السلاح وفقط.
– انتصارات داعش في المنطقة كانت ولا تزال بالقوة المسلحة.
– انتصار حماس على عدونا الصهيوني ومكانتها وقدرها في الأمة لم تحصل عليه بمفاوضات ولا سلميه إنما بقوتها المسلحة.
(6) الانقلاب يترنح
ما كرهت في حياتي مثل خدعة (الانقلاب يترنح) التي لا يعرف مصدرها ومن روجها لكن استعملت كثيرًا من قبل مؤيدى د/ مرسى وقادة التحالف الوطني، فلا يكاد يخلو لقاء تلفزيوني خلال عام مضى من هذه الكلمة أو أحد مترادفاتها مثل (الانقلاب يلفظ أنفاسه الأخيره) و(قائد الانقلاب يعيش في مأزق شديد) وهكذا..
لكن الحقيقة وبعد أكثر من عام ( الانقلاب يترنح ويتوغل وينتشر ويستمر!).