الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم الإثنين (27/7/2020) شهد محيط بلدتي كفرشوبا والهبارية في منطقة العرقوب شرق الجنوب اللبناني قصفًا إسرائيليًا من مواقع الاحتلال في: جبل الروس والرمثا والسماقة ومن داخل مزارع شبعا المحتلة، وقد طال القصف منزلًا في بلدة الهبارية، غير أنه لم يسفر عن إصابات، واقتصرت الأضرار على الماديات، وعلى حرائق اندلعت في محيط بلدة كفرشوبا استدعت تدخل الدفاع المدني اللبناني، ومناشدة الأهالي عبر مكبرات صوت المآذن من أجل إخماد هذه النيران التي أتت على أحراج السنديان وعلى بعض بساتين الزيتون.
الرواية الإسرائيلية
قوات الاحتلال الإسرائيلي زعمت أن خلية مؤلفة من ثلاثة إلى أربعة أفراد تابعة لـ”حزب الله” كانت تحاول التسلل من محيط بلدة كفرشوبا باتجاه مواقع الاحتلال الإسرائيلي في مزارع شبعا المحتلة، وأنها كانت تنوي القيام بعمل أمني لم تحدد طبيعته، ثم تضاربت الرواية الإسرائيلية بعد ذلك، فقالت أولًا إن الخلية “المكتشفة” أطلقت النار على آلية إسرائيلية ثم دخلت في اشتباك مع الجنود، ثم قالت بعد ذلك إن جنود الاحتلال اكتشفوا عملية التسلل وأحبطوها واستهدفوا الخلية وأوقعوا أفرادها بين قتيل وجريح، ثم جرى التراجع حتى عن هذه الرواية خاصة لناحية الحديث عن قتلى وجرحى في الخلية “المكتشفة”، كما تحدثت الرواية الإسرائيلية عن توثيق لديها عما جرى في تلك المنطقة، غير أنها لم تنشر هذا التوثيق حتى كتابة هذه السطور إن كان موجودًا فعلًا.
نفي حزب الله
من جهته نفى “حزب الله” في بيان رسمي صدر عنه أن يكون قد دخل في اشتباك مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في منطقة مزارع شبعا أو أن يكون قد قام بأي عمل عسكري في تلك المنطقة أو في غيرها، وعزا ما جرى إلى التوتر والقلق الذي يعيشه جنود الاحتلال خوفًا من رده، وأكد أن رده على مقتل أحد عناصره في سوريا قادم لا محالة، وأضاف إلى ذلك رده على استهداف أحد منازل بلدة الهبارية بقذيفة مدفعية.
الحقيقة أن هذه المنطقة التي جرت فيها العمليات العسكرية عصر يوم الإثنين كانت قبل عدوان تموز 2006 تشكل موقعًا طبيعيًا لتمركز “حزب الله” في مواجهة قوات الاحتلال الاسرائيلي في مزارع شبعا المحتلة، وكان للحزب في تلك المنطقة مواقع عسكرية ومنصات صواريخ ووجود دائم، وكان ذلك معروفًا ومرئيًا من سكان البلدات المحاذية للمزارع المحتلة.
غير أن الحزب انسحب من تلك المنطقة المحاذية لمزارع شبعا بموجب وقف الأعمال الحربية والقرار الدولي 1701 الذي منع وجود الحزب العسكري في منطقة جنوب الليطاني المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة، لكن ذلك لا يعني بالطبع أن الحزب ليس لديه قدرة على الوصول إلى تلك المنطقة التي خبرها بشكل جيد على مدى ست سنوات من الوجود فيها بين عامي 2000 و2006.
مآلات الأوضاع
سواء كان ما جرى في محيط بلدات العرقوب مواجهة حقيقية بين قوات الاحتلال الإسرائيلي و”حزب الله”، أم كان محاولة إسرائيلية لاستدراج الحزب إلى مواجهة في غير زمانها، غير أن ما جرى لم يقف بعد عند هذا الحد.
سنكون أمام مشهد مواجهة جديدة قد تكون قريبة أو بعيدة لا فرق، غير أن كلًا من طرفي المواجهة حريص على أن لا تنزلق الأمور إلى مواجهات كبيرة
فرئيس وزراء دولة الاحتلال الاسرائيلي ووزير حربه حذرا لبنان و”حزب الله” من مغبة استخدام الأراضي اللبنانية منطلقًا لشن أي عملية ضد قوات الاحتلال، وقالا إن قوات الاحتلال ستحمل لبنان مسؤولية ما تم تسميته اللعب بالنار، كما أن “حزب الله” تعهد بأن يرد على مقتل أحد عناصره في سوريا بعد أن نفى أن يكون قد قام بأي عمل عسكري عصر الإثنين.
هذا يعني أننا سنكون أمام مشهد مواجهة جديدة قد تكون قريبة أو بعيدة لا فرق، غير أن كلًا من طرفي المواجهة حريص على أن لا تنزلق الأمور إلى مواجهات كبيرة ومفتوحة.
بالنسبة للحزب اللبناني يعنيه الحفاظ على قواعد الاشتباك القائمة والحفاظ على توازن الردع، لذلك أشار نائب أمينه العام، الشيخ نعيم قاسم، في حديث تليفزيوني إلى هذا الأمر، فهو غير معني بمواجهات كبيرة ومفتوحة حاليًّا لأنه منشغل بمواجهة الأزمات الداخلية في لبنان على مستوى الحصار الاقتصادي والسياسي، وإيجاد الحلول للمشكلات التي يعاني منها البلد، والمسؤول عنها بشكل أساسي الحكومة التي يوفر لها “حزب الله” الغطاء الكامل.
أما بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي فيعنيه في هذه المرحلة أيضًا زيادة حجم الضغط على “حزب الله” والإبقاء على حالة التأهب والتوتر لدى قواعده التي تضاف إلى حالة القلق من الوضع الاقتصادي الضاغط على لبنان بشكل عام، وبالتالي فالكيان الإسرائيلي لا يريد أيضًا مواجهة مفتوحة لأنها غير مضمونة النتائج بالنسبة له، ولأن حجم الضغط الذي يواجهه “حزب الله” في الداخل كبير جدًا، وما يعني الإسرائيلي، بشكل أساسي في هذه المرحلة، الحفاظ على حرية التحرك في السماء السورية وضرب أي أهداف يريدها هناك من دون إجراء أي عملية حساب لتداعياتها، لذلك هو معني أيضًا بالضغط على الحزب من خلال أعمال موضعية حاليًّا لكنها قد ترتقي في فترات لاحقة إلى حرب واسعة أو مواجهات مفتوحة، لكن يبقى ذلك رهن التطورات والمستجدات والأهداف التي يمكن أن تتحقق لكل فريق.
بانتظار ذلك سيظل لبنان والحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة في حالة انتظار وترقب تزيد من حالة الانكماش الداخلي والأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة، وبانتظار الجولة الجديدة القادمة.