تتجه تركيا لتصبح لاعبًا محوريًا في سوق التجارة الإلكترونية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا برقم معاملات 20 مليار دولار ونسبة نمو 35% في السنوات الخمسة الأخيرة. أنعشت جائحة كورونا هذه السوق الواعدة بالتوازي مع ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت والتعامل بالبطاقات البنكية وتطور المنافسة بين شركات خدمات اللوجيستيك والتوصيل.
تؤكد كل المؤشرات أن هذا القطاع يسجل أكبر نسبة نمو بالمنطقة، مستفيدًا من جائحة كورونا وتوفر بنية تقنية وبنكية ولوجيستيكية مساعدة على تطوره المطرد، فحسب إحصاءات الجمعية التركية للتجارة الإلكترونية ETID بلغت مداخيل هذا القطاع 9.2 مليون دولار في الأشهر الأربع الأولى من سنة 2020، محققًا نسبة نمو تتجاوز 48% بالمقارنة مع السنة الماضية.
بلغ رقم معاملات التجارة الإلكترونية عام 2019، 20 مليار دولار، تحققت 85% منها تلبية للطلب المحلي، ويؤشر معدل النمو السنوي للقطاع الذي بلغ 35%، خلال السنوات الخمسة الأخيرة إلى أن هذا النمو بنيوي.
فما سر هذا النمو المطرد؟ وإلى أي حد ساهمت جائحة كورونا في تزايد اللجوء للمنصات الإلكترونية والتبضع سواء لتلبية الحاجات اليومية الأساسية أم الثانوية كالملابس والأدوات الإلكترونية؟ “كانت كورونا لحظة مفصلية في تطور قطاع التجارة الإلكترونية بتركيا بسبب إكراهات التوصيات الصحية التي فرضت التباعد الاجتماعي وعدم استعمال الأوراق المالية، وقد أجبرت هذه الوضعية ملايين المواطنين للجوء إلى المواقع الإلكترونية لتأمين احتياجاتهم اليومية”، كما يفسر ذلك بسام شحادات، مدير شركة 2P لخدمات التسويق الرقمي والعلاقات العامة.
جاءت هذه التوصيات الصحية لتعزز سوقًا كانت تتمتع بنضج كافٍ حتى قبل الجائحة، ولا أدل على ذلك من أن عدد مستخدمي الإنترنت تجاوز 63 مليون في بداية 2020 بمعدل توغل فاق 77% حتى يونيو 2020، واستعمال الإنترنت المتزايد هو ما يفسر أن أكثر من 60% من الأتراك يتسوقون عبر الخط خاصة الملابس والأحذية والإلكترونيات الاستهلاكية، إضافة إلى ذلك، فإن 76% من المتسوقين أونلاين يلجأون إلى البحث والاستعلام عبر الإنترنت قبل الإقدام على عمليات شراء كبيرة.
دمقرطة الولوج إلى البطاقات البنكية
من جهة أخرى، ساهم نضج استعمال البطاقات المصرفية في تسريع وتيرة سوق التجارة الإلكترونية، فقد بلغ عدد البطاقات المصرفية في تركيا حاليًّا 234 مليون بطاقة، مما يبوء تركيا المقام الأول بأوروبا متجاوزة بريطانيا في سوق بطاقات الائتمان وألمانيا في سوق البطاقات المصرفية.
وفضلًا عن ذلك، فإن استعمال البطاقات البنكية في المدفوعات شهد نموًا بنسبة 36% سنة 2019 محققًا رقم معاملات يناهز الـ23 مليار دولار.
سنة 2020 كانت سنة تحول، حيث تم توظيف آلاف العمال لمواكبة تزايد ضغط طلبات التوصيل الناتجة عن إكراهات التنقل والسفر المفروضة بسبب قرارات الحظر المتكررة نتيجة الجائحة
“مع إكراهات الجائحة، وانفجار عدد مستعملي الإنترنت، وتداول البطاقات البنكية، استفادت سوق التجارة الإلكترونية من وجود منافسة حادة بين العشرات من شركات الشحن واللوجيستيك، واحتدمت هذه المنافسة بين شركات خدمات التوصيل بعد قرارات حظر التجول منذ شهر مارس”، كما يفسر يونس الديوري، مدير شركة Garraje للخدمات الرقمية، فقد دفعت كورونا العديد من السلاسل التجارية مثل Sok وMigros و101A لتقديم خدمات التوصيل إلى عملائها دون احتساب إضافات إلى الأسعار.
جميع المحلات التجارية التركية تقترح، مبدئيًا، خدمة التوصيل، لكن سنة 2020 كانت سنة تحول حيث تم توظيف الآلاف من العمال لمواكبة تزايد ضغط طلبات التوصيل الناتجة عن إكراهات التنقل والسفر المفروضة بسبب قرارات الحظر المتكررة نتيجة الجائحة.
ودفع نضج السوق المحلية أحد كبار الفاعلين في السوق اللوجيستيكية ـ وهي PTT ـ إلى إطلاق أكبر منصة تجارة إلكترونية ـ epttavm.com ـ مع بدء مشاورات مع دول من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتوفير خدمات توصيل مختلف المنتجات التركية، ولعبت هذه المنصة دورًا مركزيًا في توفير خدمات التوصيل المجاني للكمامات ومواد التعقيم دعمًا لمبادارات الدولة الرامية للحد من انتشار الفيروس.
استثمارات دولية بالعديد من الشركات التركية الواعدة
إن نمو التجارة الإلكترونية بتركيا أجج شهية عدد من الشركات الدولية للاستثمار في العديد من المواقع التجارية الرائدة، فتطبيق Getir مثلًا تمكن من جذب استثمار دولي بقيمة 38 مليون دولار وذلك بعدما حقق أرقام نمو سريعة، فالشركة وصلّت أكثر من مليون ونصف طلبية في ديسمبر 2019 بمدن إسطنبول وأنقرة وإزمير وإزميت.
لا شك أن هذا التمويل سيفسح للتطبيق التركي إمكانية فتح فروع خارج تركيا بالبرازيل والمكسيك وفرنسا وبريطانيا مع الحفاظ على وعدها: التوصيل في أقل من 10 دقائق حتى باب منزل العميل.
آفاق التجارة الإلكترونية بتركيا ستراهن على ثلاثة عوامل مؤثرة
النموذج الثاني لنجاح التجارة الإلكترونية التركية هو شركة Vivense المتخصصة في بيع الأثاث والديكور عبر الإنترنت، التي تمكنت، في شهر يوليو 2020، من جلب استثمار بقيمة 130 مليون دولار من طرف ACTERA، وهي صندوق استثمار دولي في الشركات الناشئة، ويرمي هذا التمويل إلى تسريع تطور Vivense وتوسعها دوليًا، حيث تطمح إلى فتح فرع لها بمدينة لندن بحلول سنة 2021.
ومن جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى أن أحد عمالقة التجارة الإلكترونية على الصعيد الدولي، وهو Alibaba، لم يتوان عن الاستثمار في السوق التركية الواعدة، حيث اشترى 82% من رأس مال تطبيق Trendyol للتسوق عبر الإنترنت سنة 2018 مقابل 753 مليون دولار.
والأمر نفسه حدث، قبل ذلك، مع تطبيق Yemeksepeti المتخصص في توصيل وجبات الأكل الذي اشترته الشركة الألمانية Delivery Hero سنة 2015، مقابل 589 مليون دولار.
إن هذه الديناميكية، داخليًا ودوليًا، دفعت وزارة التجارة التركية إلى إعلان إطلاق منصة رقمية، في أقرب الآجال، تهدف إلى تطوير سياسات فاعلة في مجال التجارة الإلكترونية عن طريق التعريف بنظام معلومات التجارة الإلكترونية ETBIS وتوفير جميع البيانات اللازمة لها.
وبذلك، فإن آفاق التجارة الإلكترونية بتركيا ستراهن على ثلاثة عوامل مؤثرة: أولها جذب المزيد من الاستثمارات الدولية في شركات التجارة الإلكترونية المحلية، ثم دعم مبادرات التصدير خارج السوق المحلية عبر شركات اللوجيستيك والتوصيل المحلية والدولية، وأخيرًا تقوية الترسانة القانونية والبنكية لحماية المستهلك على الخط.