في 24 من شهر يونيو/حزيران الماضي عقدت الرئاسة التركية لقاءً جمع الرئيس رجب طيب أردوغان مع عدد من الشباب الأتراك، جاء اللقاء قبل يوم واحد من دخول ما يقرب من 2.5 مليون طالب اختبار القبول في الجامعات التركية “YKS” الذي قررت الحكومة سابقًا تأجيله لمدة شهر بسبب جائحة كورونا، لكنها عادت لإرجاعه إلى موعده الأصلي في 27 من يونيو/ حزيران الماضي، الأمر الذي أثار غضب الطلبة الأتراك ووضعهم تحت ضغط شديد.
وقعت حادثة الـ“dislike” كما أصبح يطلق عليها في الإعلام التركي عندما ضغط مئات آلاف الطلبة والشباب على زر “لا يعجبني أو dislike” في أثناء البث المباشر للقاء الرئيس مع الطلبة على موقع اليوتيوب، بعد أن كتبوا بشكل جماعي عبارات تدعو إلى الامتناع عن التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، الأمر الذي دفع مدير القناة على موقع اليوتيوب إلى تعطيل خاصية التعليق على البث المباشر.
وفي السياق ذاته اعترض مجموعة كبيرة من الطلاب على قرار تقديم موعد الاختبار من خلال تخفيض تقييم تطبيق شركة “ETSTUR” السياحة على متجر جوجل، حيث تعود ملكية الشركة إلى وزير السياحة الحاليّ مهمت أرسوي، فقد رأى الطلاب أن تقديم موعد الاختبار مرتبط برغبة الوزارة في إنقاذ الموسم السياحي بتركيا، هذا الأمر وجه أنظارهم تجاه شركة وزير السياحة.
هذه الأحداث وغيرها، أضاءت مستشعرات الأحزاب التركية والمهتمين بالشأن العام في تركيا ووجهتها إلى هذا الجيل القادم من بعيد، حيث بدأت الأحزاب التركية بالتخطيط ووضع الإستراتيجيات بما يتناسب مع هذه الفئة الجديدة التي بدأت تطفو على سطح المجتمع والسياسة التركية.
تصنيفات الأجيال
جرت العادة لدى الباحثين في العلوم الاجتماعية والإنسانية على تقسيم الفئات العمرية للبشر إلى أجيال مستندين في ذلك إلى أحداث تاريخية تركت أثرها على المجتمعات الإنسانية، ففي الولايات المتحدة أطلق لقب “الجيل الأعظم” على الفئات التي ترعرت خلال فترة الكساد الكبير وخاضت لاحقًا غمار الحرب العالمية الثانية، فيما أطلق لقب “الجيل الصامت” على الفئات التي ولدت خلال فترة الكساد والحرب العالمية الثانية وعاشت فترة ما بعد الحرب.
أما الفئات التي ولدت في فترة ما بعد الحرب فسميت باسم “طفرة المواليد” Baby boomers كناية عما شهده العالم في ذلك الوقت من تزايد في أعداد السكان والمواليد، ويلحظ في هذه التسميات المركزية الغربية، فأحداث الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية هي أحداث تركت أثرها الكبير في مجتمعات الدول المتقدمة بالدرجة الأساسية دون أن تشمل بقية البلدان التي عاشت في ظلال الاستعمار والهيمنة الغربية.
لاحقًا مع ازدياد مفاعيل العولمة على المجتمعات الإنسانية أصبح بالإمكان الحديث عن أجيال عالمية تمتلك خصائص متشابهة، وجرت العادة لدى الباحثين المعاصرين على تقسيم الأجيال إلى ثلاثة أقسام ( X,Y,Z): الجيل الأول (X) يقصد به الفئات التي ولدت في الفترة بين العام 1965 والعام 1979 أي من تتراوح أعمارهم الآن بين 41-55 عامًا، حيث ترعرع ونشأ هذا الجيل في ظل ثورة التلفاز والإنترنت، كما عايش هذا الجيل أحداثًا تاريخيةً كالحرب الباردة ونهايتها.
الجيل الثاني (Y) أو ما يعرف بجيل الألفية ويقصد بها الفئات التي ولدت بين العام 1980 والعام 1995 أي أن أعضاء هذا الجيل تتراوح أعمارهم بين 25-40 عامًا، نشأ هذا الجيل في ظل النقلات النوعية التي شهدها عالم الإنترنت والاتصالات، فعاصر بداية الحاسوب والإنترنت والأجهزة المحمولة كما عاصر ثورتها وانتشارها، أما الجيل الثالث (Z) وهو الجيل الذي ولد منذ العام 1996، ورغم الاختلاف بشأن التاريخ الواجب البدء منه، لكن بشكل عام من الممكن القول إن الفئة التي يشملها الجيل (Z) هي الفئة ما دون الـ24 عامًا.
نشأت هذه الفئات وترعرعت في ظل حالة التطور التي شهدها عالم الهواتف المحمولة والإنترنت، فشكلت الفئات المولودة بين العام 2001 والعام 2018 ثلث سكان العالم البالغ عددهم 7.7 مليار نسمة، ووفقًا لديميت لوكسلو أستاذ علم الاجتماع في جامعة يدي تبه فإن جيل “Z” يمتلك مجموعة من الخصائص العالمية المشتركة أهمها أنه الجيل الأكثر مكوثًا في النظام التعليمي والأكثر تعلمًا بين الأجيال السابقة، لكن في نفس الوقت لم ير نتائج ذلك في حياته العملية.
الجيل (Z) في تركيا الأكثر تعلمًا واستخدامًا للتكنولوجيا
وفقًا لبيانات سنة 2019 الصادرة عن دائرة النفوس التركية، فإن عدد الأشخاص الذين ولدوا في الفترة (1997-2012) بلغ 20.6 مليون شخص، 13.9 مليون شخص منهم تراوحت أعمارهم بين 7 و17 عامًا، و6.8 مليون شخص تراوحت أعمارهم بين 18 و22 عامًا، ومن المتوقع أن يبلغ 1.228 مليون شخص في العام 2020 سن الـ18.
وفي ذات السياق بلغ عدد جيل (X) وهي الفئة التي ولدت في الفترة (1965-1980) ما يقرب من 16.2 مليون شخص، فيما بلغ عدد المنتمين إلى الجيل (Y) وهي الفئة التي ولدت في الفترة (1981-1996) ما يقرب من 21.9 مليون شخص.
عاش جيل (X) وجزء من جيل (Y) الأزمات والإشكاليات الاقتصادية والسياسية التي مرت بها تركيا قبل تولي حزب العدالة والتنمية السلطة عام 2002، أما الجيل (Z) فنشأ وترعرع في ظلال شروط حياتية مختلفة طغى عليها التطور التكنولوجي وثورة الاتصالات بالإضافة إلى الإمكانات المتعلقة بالتعليم وتوافر البيانات والمعلومات وانتشارها، فلم تعد وسائل الإعلام التقليدية المشكل الوحيد للوعي العام في تركيا، بل دخلت عليها وسائل أخرى يظهر هذا الجيل قدرات في التعامل معها وتوظيفها.
على صعيد التعامل مع التكنولوجيا فوفقًا لنتائج دراسة أعدتها شركة “Dimensional Research” لصالح شركة ديل في الفترة بين أغسطس وسبتمبر 2018 وشملت أكثر من 12 ألف طالب من المراحل الثانوية وما بعدها، من 17 دولة مختلفة، أظهر الجيل “Z” في تركيا ميلًا واضحًا نحو العمل والاشتغال في المجالات المتعلقة بالتكنولوجيا المتقدمة وصناعتها، حيث أبدى 86% من الطلبة الأتراك المستطلعة آراؤهم رغبة في العمل في مجالات تتعلق بالتقنيات العالية “high-tech”، كما رأى 66% منهم ضرورة أن يحتوي مكان العمل على أحدث التقنيات التكنولوجية.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية عبر 68% من الطلبة عن رغبتهم في العمل في مجالات تتعلق بالتقنية العالية، في حين رأى 37% ضرورة أن يتوافر مكان العمل على أحدث التقنيات التكنولوجية، كما يرى 47% من الطلبة الأتراك أن مهاراتهم في التعامل مع التقنيات العالية وقدراتهم على دمجها في حياتهم الخاصة والعملية مرتفعة، في حين يرى 30% من طلبة المملكة المتحدة ذات الأمر، علمًا بأن المتوسط العالمي هو 33%، وأظهرت الدراسة أن طالب من كل 3 طلاب يعتقد أن قدراته في التحليل والتقييم مرتفعة، في حين أن المتوسط العالمي 23%.
الجيل (Z) في تركيا: البطالة والقلق من المستقبل في صدارة همومه
رغم مهارات الجيل (Z) في استخدام التكنولوجيا وقابليته العالية للعمل في بيئات تعتمد على هذه التقنيات، بالإضافة إلى التعليم العالي الذي حصل عليه، فإنه يتعرض لصعوبات كبيرة متعلقة بترجمة هذه الإمكانات والمقدرات في واقعه العملي.
فعلى خلاف الأجيال الماضية التي استفادت من التطور الاقتصادي الذي شهدته البلاد بعد تولي حزب العدالة والتنمية الحكم، بدأت طلائع هذا الجيل بالدخول سوق العمل في ظل صعوبات كبيرة يواجهها الاقتصاد التركي ونسب بطالة مرتفعة، فقد أظهرت بيانات المركز التركي للإحصاء أن نسبة البطالة بين الفئة العمرية (24-15) وصلت إلى 24.6%، ويزداد الأمر صعوبة لدى الإناث، حيث أشارت بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية “OECD” إلى أن نسب البطالة لدى الإناث من الفئة العمرية (20-24) تزيد بـ3% عن الذكور، وجاءت أزمة كورونا الأخيرة لتضاعف أزمة البطالة لدى هذا الجيل وخاصة الذين تخرجوا حديثًا من مؤسسات التعليم العالي.
ختامًا: جيل أم أجيال؟
عند الحديث عن جيل معين فمن الصعب تناوله ككتلة واحدة متجانسة، بقدر ما يتم دراسته كإطار عام يضم مجموعات عمرية مختلفة، فلو نظرنا إلى الجيل “Z” في تركيا، سنجد أنه من الصعوبة مقاربة الأجيال التي ولدت في سنوات (1996-1999) التي دخل جزء معتبر منها في سوق العمل فيما يقضي جزء آخر سنواته الدراسية الأخيرة مع الفئات الأخرى التي ما زال جزء كبير منها في المراحل الثانوية والإعدادية.
ورغم ذلك فإن هذا التفريق أو التفصيل قد يكون مفيدًا في حقول أخرى تسعى إلى معرفة تفصيلية أكثر، لكنه يضحى أقل أهمية عند تناول الجيل من مقاربة اجتماعية سياسية تسعى إلى تناول حركة الجيل وتفاعلاته ومقاربته للمسائل الاجتماعية والسياسة، فالفروقات الزمنية القائمة بين المجموعات المتنوعة في إطار الجيل الواحد تصبح أقل أهمية مقارنة بحجم المشترك المستند إلى السمات الاقتصادية والتوجهات السياسية ومجالات التفاعل وقضاياه وأدوات الجيل التي يعبر من خلالها عن وجوده العام.
بالتالي فإن مقاربة الجيل “Z” كوحدة واحدة في السياسة التركية من الممكن أن يكون عمليًا ومساعدًا لفهم شكل السياسة التركية في الفترة المقبلة، في ظل توجه أفراد هذا الجيل إلى أن يشكلوا الكتلة الأهم والاكثر تأثير في تفاعلات السياسة التركية.