ترجمة وتحرير نون بوست
يبدو أن قادة الصين وأمريكا يشعرون بالحنين لأسوأ مظاهر القرن الـ20، فبعد الكشف مؤخرًا عن العمالة القسرية وفصل العائلات وقمع ولادات الإيغور، لم يعد هناك شك بأن سياسات الحزب الشيوعي الصيني ضد سكان آسيا الوسطى الأصليين تتفق مع تعريف الأمم المتحدة للإبادة الجماعية.
بينما بدأت إدارة ترامب بشكل متأخر للغاية في فرض عقوبات بسبب هذه الأعمال الوحشية، فإن سياساتها ضد الصين مدفوعة بمنفعة ذاتية وليس لأسباب إنسانية، فمن الواضح أنه بعد استرضاء شي جين بينغ، يأمل ترامب الآن في حرب باردة تغطي على فشله في الاستجابة لفيروس كورونا.
لذا كيف يجب أن تستجيب الدول الأخرى لأزمة شينجيانغ وسط استفزازات ترامب الخطيرة، قد يساعدنا أن نفهم ما يحدث في شينجيانغ خارج سياق جعجعات الدول العظمى.
ما تفعله جمهورية الصين الشعبية في شينجيانغ لا علاقة له بمكافحة الإرهاب، إنه تتويج لحملة دامت عقدًا من الزمان لتطوير مقاطعة شينجيانغ في الشمال الغربي ليصبح مظهرها وسكانها أشبه بالصينيين.
لقد كشفت الصين عما كان مرتبطًا سابقًا بسياسات تعددية متنوعة من أجل الاستيعاب تهدف إلى هندسة شعب “تشونغهوا” المتماثلة: هوية قومية صينية موحدة تظهر في “حلم الصين” الخاص بشي جين بينغ.
بعد قمع الشرطة لمظاهرة سلمية للإيغور في أورماتشي عام 2009 بالقوة المميتة وتحول الوضع إلى عنف، زاد الحزب استثماراته في المنطقة، حيث طالب المحافظات والمدن الغنية في شرق الصين ببناء حدائق صناعية ومناطق تجارية في شينجيانغ.
ولأن تكاليف العمالة مرتفعة في بقية الصين، نقلت الدولة زراعة القطن والصناعات منخفضة القيمة من الساحل الصيني إلى شينجيانغ، وكان الهدف من ذلك توفير وظائف صناعية لمزارعي الإيغور الفقراء وعمالة رخيصة للمصنعين الصينيين.
بالإضافة إلى عملية تحويل الإيغور إلى عمال مصانع صينيين، هاجم الحزب رموز هويتهم، فقد هدم مدينتي قشغر وهوتان وفرض عقوبة على ارتداء الحجاب أو تغطية الرأس للنساء وإطلاق اللحية بين الشباب ثم حظرهم بعد ذلك، وعارض إقامة الصلاة علنًا وصيام رمضان والامتناع عن المشروبات الكحولية، وقمع ثقافة الإيغور ولغتهم، لدرجة أن طلاب آخر صف متبقٍ لدارسة اللغة الإيغورية في شينجيانغ يدرس الكلاسيكيات الصينية بترجمة إيغورية بدلًا من كلاسيكيات الإيغور.
أرسل الحزب فرقًا من الشرطة والمفتشين للبحث وحتى العيش في منازل الإيغور لاكتشاف أي علامات للتطرف الديني مثل حيازة القرآن الكريم، ونتيجة لذلك ازدادت الاضطرابات.
بدأ الحزب الشيوعي الصيني في قمع ولادت الإيغور مع تشجيع الهان (الأغلبية العرقية الصينية) للحصول على مزيد من الأطفال
بعد وقوع 4 حواث إرهابية صغيرة عامي 2013 و2014 فرض الأمين العام الجديد للحزب شين جوانجو مراقبة ذات تقنية عالية تسمى “grid policing” وهي نقاط تفتيش مكثفة ومراكز شرطة حول المناطق المشتبه بها.
تم استخدام نظام ذكاء اصطناعي جديد على قاعدة بيانات سلوكية وبيولوجية واسعة لتقييم وفرز وتقديم ما يقرب من مليوني شخص يُعتقد أن لهم أفكارًا متطرفةً للسجن أو الإقامة الجبرية التعسفية.
أما أطفال المعتقلون فقد تم إرسالهم لدور الأيتام والمدارس الداخلية لتنشئتهم ليكونوا صينيين، في الوقت نفسه بدأ الحزب الشيوعي الصيني في قمع ولادت الإيغور مع تشجيع الهان (الأغلبية العرقية الصينية) للحصول على مزيد من الأطفال.
ومن خلال فرض استخدام السيدات “للولب الرحمي” (أداة لمنع الحمل) (تشير البيانات إلى أن 80% من استخدام اللوب الرحمي في الصين عام 2018 كان في شينجيانغ التي تمثل 1.8% من الكثافة السكانية للصين) وعمليات التعقيم والاعتقالات الجماعية، تمكن الحزب من خفض معدلات النمو السكاني بنسبة وصلت إلى 84% بين سكان الإيغور من عام 2015 وحتى 2018.
يعد النقل القسري للأطفال وإجراءات منع المواليد المتعمدة اثنين من خمسة عناصر في تعريف الأمم المتحدة للإبادة الجماعية، منذ 2019 نقل الحزب مئات الآلاف من الإيغور وغيرهم من سكان شينجيانغ من معسكرات الاعتقال والقرى إلى المصانع في تلك الحدائق الصناعية التي بنتها محافظات ومدن وشركات شرق الصين كجزء من مشاريع التنمية.
كما نقل عشرات آلاف الإيغور إلى مصانع في الأجزاء الغربية من الصين وتسكينهم في ثكنات خاضعة للنظام العسكري، إن القيام بذلك يعني أن المحافظات والمدن الصينية وآلاف الشركات التي استثمرت في شينجيانغ وبنت وزودت معسكرات الاعتقال، شركاء في نظام جولاج شينجيانغ (الجولاج اسم يُطلق على معسكرات الاعتقال والعمل الإلزامي والسخرة السوفيتية).
أشارت التحقيقات مؤخرًا إلى تورط 83 علامة تجارية عالمية على الأقل في سلاسل التوريد المرتبطة بنظام العمالة الإجبارية، إن الولايات المتحدة محقة بشأن التحقيق وحظر استيراد المنتجات من سلاسل التوريد تلك، ويجب على أي شركة تستورد من أي مكان في الصين وليس شينجيانغ فقط أن تضاعف إجراءاتها.
وكذلك باستخدام قانون سياسة حقوق الإنسان الإيغورية الذي تم تمريره مؤخرًا وقانون ماغنيتسكي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شين ومسؤولين آخرين في شينجيانغ، كما وضعت الوكالات الأمنية والشركات الصينية في قائمة “Entity List” التي تمنع وصولهم للتكنولوجيا الأمريكية.
هذه التطورات إيجابية، فقانون سياسة حقوق الإنسان الإيغورية الذي أجله ترامب لعام ونصف على أمل أن يمنحه شي جين بينغ صفقة تجارية للمساعدة في إعادة انتخابه، يعد أداةً دقيقةً ومحددةً لاستهداف انتهاكات الحزب الشيوعي الصيني لحقوق الإنسان.
توفير الدعم والملاذ القانوني للإيغور والكازاخ وغيرهم من سكان شينجيانغ المنفيين أمر بالغ الأهمية
لكن تطبيقه وعقوبات ماغنيتسكي العالمية لن تختلف كثيرًا عن الإجراءات الأخرى التي يقوم بها البيت الأبيض وتعد أفعالًا عدائية ضد الصين والشعب الصين مثل فرض الجمارك على البضائع الصينية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارت واستخدام مصطلح عنصري للإشارة إلى كوفيد-19 بدلًا من التعاون لهزيمة جائحة عالمية وإلغاء هيئة السلام وبرنامج فولبرايت وإطلاق صفة “جواسيس” على الطلاب والعلماء الصينيين والتهديد بحظر أعضاء الحزب الشيوعي الصيني وعائلاتهم (يبلغ عددهم أكثر من 200 مليون وأغلبهم لا دور له في صنع السياسات)، وإغلاق القنصلية الصينية في هوستون وتكساس في وقت قصير.
رغم أن هناك بالتأكيد قضايا هيكلية تكمن وراء التنافس الصيني الأمريكي، يجب أن لا نهمل المدى الذي تسبب فيه جشع السلطة والجنون المحض من القمة إلى تفاقم التوترات، فالصين والولايات المتحدة أفضل من زعمائهم الحاليّين.
يجب أن تفكر بقية الدول والمنظمات متعددة الأطراف والمنظمات غير الحكومية والأشخاص خارج الحكومات الأمريكية والصينية وتتصرف برشاقة لوقف الإبادة الجماعية وتجنب الحرب الباردة في الوقت نفسه.
من الضروري أيضًا التحقيق في سلاسل التوريد وإدانة ومعاقبة الشركات والمسؤولين المرتبطين بجولاج شينجيانغ، كما أن توفير الدعم والملاذ القانوني للإيغور والكازاخ وغيرهم من سكان شينجيانغ المنفيين لهو أمر بالغ الأهمية.
نددت العديد من الدول الديمقراطية بالأعمال الوحشية في شينجيانغ في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي انسحبت منه أمريكا بكل تهور مفسحة الطريق أما الصين للانحراف عن أهداف المجلس.
رغم أن هذه الدول البالغ عددها 22 (من بينها بريطانيا ومعظم دول أوروبا وكند واليابان وأستراليا ونيوزيلاندا) عددها أقل من الدول المصطفة خلف بكين، فإن البيان المشترك الذي يدين الاعتقالات الجماعية في شينجيانغ أمر مهم مثل أي تحركات مماثلة في المستقبل.
في الوقت نفسه كل ما يمكن القيام به لإبطاء قطار سياسيات ترامب الصينية السريعة ومعارضة العنصرية والعنف الصيني العشوائي هو أمر ضروري، إذا وقفت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهم من الحلفاء الديمقراطيين في المنتصف بين الحرب الباردة الأمريكية الصينية، فإن أزمة هواوي ستكون مجرد بداية.
إن الحفاظ على العلاقات الثقافية والأكاديمية مع الصين الآن أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، فكراهية الأجانب في البيت الأبيض تسعى لإقصاء الشعب الصيني من الأراضي الأمريكية.
ورغم أن الرئيس الأمريكي نفسه غير معروف بالاستماع للنصائح الحكيمة، فإن الكلمات التحذيرية من أصدقاء أمريكا ما قبل ترامب يمكنها أن تظل مؤثرة في المحادثات الواسعة وتمنع جنون الرهاب الصيني من التصاعد مع أزمة كورونا.
المصدر: الغارديان