أيام عجاف يمر بها قطاع السياحة بالمغرب، بسبب تداعيات جائحة كورونا والقيود المفروضة على التنقل وتخفيض الدخل المتاح للمستهلكين، فلم يتمكن كثيرون من السفر في إجازة صيفية، لتكون السياحة أبرز القطاعات المتضررة من الأزمة الصحية العالمية وآخر المتعافين منها، في بلد يساهم فيه هذا القطاع بنحو 10% من الناتج الإجمالي المحلي.
وباء قلب الموازين
في سيناريو متشائم للغاية، توقع مجلس التجارة العالمي التابع للأمم المتحدة، أن يتكبد الاقتصاد المغربي خسائر تصل إلى 11.37 مليار دولار بسبب حالة الجمود التي يعاني منها قطاع السياحة، لكن في حالة السيناريو المتفائل ستصل الخسارة إلى 6 مليارات دولار، وفق تقرير منظمة “أونكتاد”، وستظل حالة الانكماش سارية على الرغم من انتعاش السياحة ببطء، لأن الخسائر التي تسببها جائحة كورونا لها تأثير سلبي أيضًا على القطاعات الاقتصادية الأخرى المتعلقة بتوفير السلع والخدمات التي يبحث عنها المسافرون في أثناء إجازاتهم مثل الفنادق والطعام والمشروبات والترفيه.
مراكش.. وجهة سياحية قصفها فيروس كورونا
خلال العام الماضي، استقبل المغرب 13 مليون سائح، وبلغت عائدات هذا القطاع الحيوي 8.11 مليار دولار، مقارنة بـ7.54 مليار دولار خلال سنة 2018، حيث استحوذت فنادق مراكش وأكادير (وسط المغرب) على الحصة الأكبر من ليالي المبيت بـ57% من أصل 25.2 مليون ليلة مبيت.
استبشرت الحكومة المغربية خيرًا وتطلعت إلى استقطاب 20 مليون سائح من مختلف دول العالم خلال 2020، لكن الوباء قلب الموازين، وبالتالي فكرت الحكومة في خطة بديلة لتخفيف حدة الخسائر.
ما زالت الحدود البرية والجوية والبحرية مغلقة إلى أجل غير مسمى، ما يعني أن الجالية المقيمة بالخارج لن تشد هذا العام رحالها إلى المغرب بنفس الأعداد المعتادة قبل الجائحة، عكس العام الماضي حين شهدت عملية “مرحبا” وصول أكثر من 2.9 مليون مغربي مقيم بالخارج.
الطيران المغربي: الخاسر الرابع في إفريقيا
تلقت حركة الطيران بالمغرب ضربة قاسية بعدما تقلصت بنحو 5 ملايين مسافر إثر تعليق الرحلات الجوية أواسط مارس الماضي، ما ترتب عليه خسائر كبيرة لشركة الخطوط الملكية المغربية قدرت مبدئيًا بنحو 33 مليون دولار أسبوعيًا، لتكون الخطوط المغربية رابع أكثر الشركات تضررًا على الصعيد الإفريقي، ما دفعها إلى التفكير في تقليص مناصب العمل وتخفيض الرواتب وإلغاء بعض المسارات، ولإنقاذ الشركة من الإفلاس تعهدت الحكومة بتوفير 6 مليارات درهم (640.24 مليون دولار) بغض النظر عن الكلفة الاقتصادية التي يمكن أن تتحملها المالية العمومية.
تعليق النشاط الاقتصادي إثر تفشي الجائحة سيؤدي إلى تأثيرات سلبية على ميزانية الدولة لسنة 2020، حيث سيتفاقم عجز الميزانية ليصل إلى نحو 7.4% من الناتج الداخلي الإجمالي، وستؤدي هذه الظروف إلى زيادة القروض الخارجية، هكذا سيصل الدين العمومي الإجمالي إلى نحو 92% من الناتج الداخلي الإجمالي، أي ارتفاع بنحو 12 نقطة مقارنة بالسنة الماضية.
لحظات قبل الهروب الكبير
طوق النجاة الذي تعول عليه الحكومة لإنعاش هذا القطاع الحيوي كان تحفيز الحركة الداخلية والاعتماد على السائح المحلي في ظل توقف التنقل الدولي، غير أن هذه الخطة لن تعوض الخسائر التي مني بها القطاع في ظل الأزمة الصحية، ولن تعوض السياحة الدولية، فنسبة السياح المحليين لا تتجاوز ثلث ليالي المبيت في الفنادق المصنفة.
أصدر رئيس الحكومة سعد الدين العثماني قرارًا صارمًا يلزم أعضاء الحكومة ومختلف المسؤولين بقضاء عطلهم داخل المغرب طيلة العام الحاليّ، حتى لو فتحت حدود البلاد، من أجل إنعاش الأنشطة السياحية بالبلاد.
سعد الدين العثماني رئيس الحكومة
لتعويض الخسائر التي راكمتها شهور من الحجر وحظر التنقل، رفعت الفنادق والمنتجعات الترفيهية والمطاعم وغيرها أسعار خدماتها، ما اضطر البعض إلى تقليص مدة عطلتهم، فيما عزف آخرون عن قضاء الإجازة بسبب نقص المال وتراجع متوسط الدخل الشهري للنشيطين المشتغلين بمعدل النصف خلال فترة الحجر، حيث تكبد الحرفيون والعمال والفلاحون النصيب الأكبر من هذه الخسائر.
وفي الوقت الذي كان يقضي فيه المغاربة عطلاتهم بمدن حيوية، ومنهم من كان يستعد للسفر لقضاء مناسبة عيد الأضحى مع عائلاتهم، أصدرت الحكومة قرارًا مباغتًا يوم الأحد 26 من يوليو/تموز الحاليّ يمنع السفر بعد منتصف الليل من وإلى ثماني مدن حيوية، وهي الدار البيضاء وسطات وبرشيد وفاس ومراكش وطنجة وتطوان.
برر العثماني هذا القرار بعدم التزام المواطنين بالتدابير الاحترازية، ما أدى إلى ارتفاع عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا، ولا ينبغي أن ينتقل الوباء إلى مدن تعرف حالات إصابة قليلة جدًا، وأحيانًا غير موجودة، مشددًا على أن القرار ضروري و”فكرنا فيه منذ مدة، تحسبًا للوضعية المقلقة، فصحيح أنه متحكم فيها، لكنها مقلقة من حيث مآلاتها” يضيف العثماني.
اختناق مروري بعد إعلان الإغلاق
ليلة الهروب الكبير سارع كثيرون إلى السفر على عجل للالتحاق بعائلاتهم ومدنهم، فاكتظت الطرق بالسيارات التي اصطفت في طوابير طويلة على محطات الأداء، وقضى مسافرون آخرون ليلة بيضاء في محطات الحافلات والقطار للحصول على “تذاكر الهروب”، طبعًا لم تمر هذه الليلة الاستثنائية بسلام، فكثيرون بقوا عالقين، وعمت الفوضى ووقعت حوادث سير خطيرة لم تعلن السلطات أي حصيلة رسمية بشأنها.
“حكومة فاقدة للبوصلة”
قرار ارتجالي كهذا، صاحبه سخط واستياء عبر عنه المواطنون على شبكات التواصل الاجتماعي، منهم من وصف العثماني بـ”الطبيب النفسي الذي تسبب في نوبة نفسية لدى الناس”، وانطلقت مسيرة احتجاجية إثر ازدحام كبير للعربات بطريق “تيزي نتيشكا” نحو وزازات (الجنوب الشرقي) تسبب في شلل تام لحركة المرور.
أما أحزاب المعارضة فقد وجدت في ذلك فرصة للنيل من الحكومة ومن حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) الذي يرأسها، كحزب الأصالة والمعاصرة (أكبر حزب معارض بالبرلمان) الذي قال: “الحكومة فاقدة للبوصلة، تجرب القرارات في المواطنين دون خيط ناظم”، واصفًا هذه القرارات بـ”المرتبكة، فهي تارة ترفع الحجر وتشجع على السياحة الداخلية، ثم تفرض حصارًا شاملًا دون سابق إنذار”.
عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة
وأكد حزب التقدم والاشتراكية أن القرار كان يقتضي إمهال المواطنين الوقت الكافي، وأوضح أن الأمر كان يستدعي الأخذ بعين الاعتبار ظروف عشرات الآلاف من الأُسر، التي تسبب لها عدم تواصل الحكومة قبليًا في شأن القرار، في ارتباكٍ كبير ومشاكل جمة، أما الحزب المغربي الحر (خارج البرلمان) فقد تقدم إلى الملك محمد السادس بملتمس عاجل من أجل “إقالة الحكومة ومحاسبتها على فشلها الذريع في تدبير أزمة جائحة كورونا”.
كما طالب حزب الاتحاد الاشتراكي بمثول وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت ووزير الصحة خالد آيت الطالب في البرلمان من أجل تقديم تفسيرات عن خلفيات قرار منع السفر، وشدد حزب الاستقلال على ضرورة حضور رئيس الحكومة للبرلمان من أجل عقد اجتماع يدرس قرار الإغلاق المفاجئ، دون مراعاة المدة الزمنية لتطبيقه والظروف الإنسانية وأجواء عيد الأضحى.
كشفت الأزمة الصحية هشاشة التعبئة وضعف التواصل لدى الأحزاب السياسية، المعارضة والمشكلة للاتلاف الحكومي على حد سواء، ووجدت نفسها أمام موجة من الانتقادات بسبب ضعف أدائها في مواجهة تداعيات الجائحة، فضلًا عن فقدان النزاهة والانضباط للمسؤولية والانتهازية في التعامل مع الوضع الصحي، فظهرت الأحزاب محتشمة عبر ندوات افتراضية وبلاغات تدعو المواطنين إلى الالتزام بالتدابير الاحترازية، في دور يخالف ما كان متوقعًا، وينزع المصداقية ويزيد من تراجع فقدان ثقة الشارع المغربي في الأحزاب السياسية.