ترجمة وتحرير نون بوست
مَثّل الوباء تجربة عالمية لتحديد تكاليف ومنافع القوى العاملة عن بعد. ولكن قبل انتشار فيروس كورونا بوقت طويل، عمل العديد من الأشخاص خارج المكاتب. وجد تقرير جديد يبحث في بيانات العمل عن بعد قبل الأوبئة أن السماح بالعمل خارج المكتب يمكن أن يكون وسيلة لتوجيه الثروة بعيدا عن أغلى 15 مدينة كبرى في الولايات المتحدة، حيث تتركز الوظائف والفرص في السنوات الأخيرة.
وجد تقرير “أبوورك”، وهي منصة للعمل الحر على الإنترنت، أنه على الرغم من أن نصف الإنفاق كان من الأعمال التجارية المتواجدة في أفضل 15 مدينة كبرى في سنة 2018، فإن نسبة أكبر بكثير من 72 بالمئة من الأرباح ذهبت إلى العمال الذين يعملون خارج المدن الكبرى الخمسة عشر، مما يعني أن جزء هاما من الإنفاق كان يتدفق من المدن الكبرى إلى عمال المدن الأصغر. الجدير بالذكر أن “أبوورك” ليس طرفا محايدا بشكل تام، كما أن الغرض المعلن من التقرير الجديد هو تسليط الضوء على الفوائد الاقتصادية للعمل عن بُعد. ومع ذلك، تقدم البيانات رؤى مهمة محتملة في وقت كانت فيه المدن الصغرى والعمال في حاجة إلى دعم اقتصادي أكبر مما كانوا عليه قبل الوباء.
رغم المبالغة في تقدير بعض التقارير عن نزوح وشيك للمناطق الحضرية، فإن الظروف الاقتصادية المتباينة بين المدن الصغرى والكبرى موجودة على أرض الواقع. واجهت المدن الأصغر صعوبة في التعافي من الانكماش الاقتصادي، وهي تتأثر على نحو غير متناسب باتجاهات العولمة مثل التجارة الخارجية والتشغيل الآلي.
وفقا لدراسة نشرتها مؤسسة بروكينغز في سنة 2017، ارتفع التوظيف في القطاع الخاص بمعدل أسرع مرتين تقريبا في المدن الكبرى مقارنة بما كان عليه في المدن الصغرى بين سنة 2009 وسنة 2015. وفي حين لم يقع المرور بالخسائر الاقتصادية الكاملة لفيروس كورونا، إلا أن الوضع في المدن الصغرى ينذر بوقوع كارثة حتمية، إذ لم تتجاوز سوى 36 مدينة فقط عتبة 500 ألف نسمة للتأهل للحصول على أموال “قانون كيرز”.
من جهته، قال آدم أوزيميك، كبير خبراء الاقتصاد في أبوورك ومؤلف التقرير: “هذا يُظهر إمكانية العمل عن بعد لنشر الفرص الاقتصادية في مختلف أنحاء البلاد. لقد تجمعت الفرص في عدد قليل من الأماكن في هذا البلد، وهذه الأماكن باهظة التكاليف بالفعل”.
العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى بما في ذلك شركة تويتر وفيسبوك قد قررت بالفعل مواصلة العمل عن بعد
بالإضافة إلى ذلك، وجد التحليل أن العاملين في تلك المدن الكبرى الأكثر تكلفة يكسبون أموالا أكثر من عمال المدن الصغرى، حيث أن المحترفين في المدن الكبرى الخمسة عشر حققوا في المتوسط أكثر من 40 بالمئة من الأرباح أكثر من المحترفين الذين يعملون في المدن الصغرى. على سبيل المثال، يجني عامل التسويق العادي الذي يعمل في مدينة من المدن الكبرى الخمسة عشر 46.63 دولارا في الساعة. في المقابل، يكسب عامل التسويق العادي في المدن الصغرى 31.10 دولارا في الساعة.
على الرغم من هذا الفارق الكبير، فإن العمال المستقلين في المدن الصغرى الذين تعاقدوا مع عملاء “أبوورك” في أغلى 15 مدينة كبرى يتقاضون أكثر من نظرائهم المحليين، وذلك وفقا لمقارنة مع بيانات مكتب إحصاءات العمل. إذا كان على شركة مقرها في سان فرانسيسكو التعاقد مع محاسب في كليفلاند، على سبيل المثال، فإن هذا المحاسب سيتقاضى في المتوسط حوالي 19 بالمئة أكثر من العامل العادي في كليفلاند ككل، وفقا للتقرير. وهذا يعني أن الشركات في المدن الكبرى يمكن أن تكون مصدرا مهما للاستثمار في المدن الصغرى. ومن بين القيود الملحوظة التي تتسم بها بيانات “أبوورك” هو أنها تنظر فقط إلى الأشخاص الذي يعملون لحسابهم الخاص، والذين لا يمكن مقارنة تعويضاتهم بشكل مباشر بالموظفين بدوام كامل الذين يعملون عن بعد.
في بحث آخر حديث، أجرى أوزيمك استطلاعات لمديري التوظيف للتعبير عن موقفهم من العمل عن بعد خلال فترة انتشار فيروس كورونا، ووجد أن 32 بالمئة منهم لاحظوا ارتفاع الإنتاجية بين عمالهم، مقارنة بنحو 23 بالمئة ممن سجلوا انخفاضا في الانتاجية. وبالمثل، شهدت شركات أخرى ارتفاعا في الإنتاجية خلال فيروس كورونا، لكن البعض، بما في ذلك شركة مايكروسوفت، يخشون تراجع الإنتاجية مع مرور الوقت. وفي استطلاعات أخرى، قال بعض العمال وأرباب العمل إن التقسيم المثالي للعمل سيكون عن بعد بدوام جزئي، مما يعني أن العمال قد يضطرون للعيش بالقرب من المكتب.
مع ذلك، فإن العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى بما في ذلك شركة تويتر وفيسبوك قد قررت بالفعل مواصلة العمل عن بعد، مشيرة إلى بعض المزايا مثل مجموعة توظيف أكثر تنوعا وتقليل متطلبات المساحات المكتبية. في الواقع، بدأ العديد من المديرين التنفيذيين في حساب مقدار المال الذي يمكنهم توفيره من خلال تقليص المساحات المكتبية في المدن الكبرى.
إذا نظرت إلى صاحب عمل في مكان مرتفع التكاليف وعامل في مكان منخفض التكاليف، فهناك عدد كبير من الفوائد المتاحة للاثنين. كان لابد من إرغام العديد من الشركات على تجربتها
في المقابل، قال بريثويراج تشودري، أستاذ بكلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، الذي يدرس ممارسة العمل من أي مكان: “كان هناك انحياز بين بعض الأشخاص فيما يتعلق بأنواع الوظائف التي يمكن القيام بها عن بُعد. لقد وقع كسر النموذج القائل بأن العمل عن بعد يقتصر على بعض الوظائف فقط”.
بالطبع، لا يزال هناك الملايين من الوظائف في الولايات المتحدة التي لا يمكن القيام بها عن بعد، خاصة بين العمال الأساسيين وذوي الأجور المنخفضة. في هذا الصدد، أظهر تحليل أجراه المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية في نيسان/ أبريل أن 40 بالمئة من الوظائف يمكن إجراؤها عن بُعد، لكن توسيع فرص العمل عن بعد يمكن أن يكون له أثر جانبي متمثل في تفاقم عدم المساواة.
في الواقع، إن تبني عقلية العمل عن بعد مهم لتوسيع فرص التشغيل في صناعة التكنولوجيا بشكل خاص، التي شهدت تركيزًا عاليًا لفرص العمل، حيث أن إعادة توزيع هذه الوظائف في مكان آخر يمكن أن يقلل من تكاليف السكن في أغلى المناطق المركزية. عند الإعلان عن سياسة العمل عن بعد على فيسبوك، قال مارك زوكربيرج إن شركته يمكن أن توفر المال من خلال دفع الموظفين على أساس تكلفة المعيشة، وهي سياسة يمكن أن تقلل من مزايا الرواتب للعاملين عن بُعد في المدن الأقل تكلفة.
إن تحليل أبوورك لا يشير إلى بيانات الأجور التي يحصل عليها العمال الذين انتقلوا إلى أماكن أخرى، ولكنه ينظر إلى الفوائد المادية للعمال الذين ينتقلون إلى مناطق أقل تكلفة. ووفقا للتقرير، فإن “العمال سيكونون بأفضل حال حتى مع خفض الأجور بفضل انخفاض تكاليف المعيشة”. على سبيل المثال، يجني محترف ذو مهارات متوسطة في مدينة سان خوسيه الكبرى 46.23 دولار في الساعة، ولكن متوسط قيمة المسكن هناك أكثر من 1.2 مليون دولار. وطبقا للتقرير، فإن البيت العادي الذي يعيش فيه العامل الماهر يتجاوز متوسط الراتب السنوي للعامل ذي المهارة المتوسطة بنسبة 1100 بالمئة، وهو ما يزيد كثيرا عن المتوسط في الولايات المتحدة والذي يبلغ نحو 340 بالمئة من الدخل السنوي للشخص “القادر على العمل عن بُعد”.
من جهته، قال أوزميك: “إذا نظرت إلى صاحب عمل في مكان مرتفع التكاليف وعامل في مكان منخفض التكاليف، فهناك عدد كبير من الفوائد المتاحة للاثنين. كان لابد من إرغام العديد من الشركات على تجربتها”.
المصدر: بلومبيرغ