يحتفل التونسيون اليوم الجمعة، على غرار باقي المسلمين في أنحاء العالم بعيد الأضحى الكريم، حيث أدى مئات الآلاف منهم صلاة العيد في المساجد رغم تسجيل إصابات جديدة بفيروس كورونا في البلاد خلال الأيام الأخيرة.
ويعتبر عيد الأضحى – الذي يأتي في الـ10 من شهر ذي الحجة من كل سنة هجرية – أحد العيدين المعتمدين شرعًا في الإسلام، وهو يوم “الحج الأكبر” الذي يقوم فيه الحجاج بأغلب المناسك، وله أهمية خاصة عند التونسيين.
للتونسيين طقوس متعددة في هذا العيد الذي يسمى عندهم بـ”العيد الكبير”. في هذا التقرير لنون بوست، سنحاول رصد علاقة التونسي بالأضحية ولحم العيد، فالمبدأ الأساسي في تونس عدم ترك أيّ شيء يضيع، فكل شيء في أضحية العيد يمكن استغلاله أو تناوله حتى فيما يتعلق بجلد الأضحية.
عملية الذبح
يصلي رب البيت صلاة فجر العيد في المسجد ثم يتناول بعدها الإفطار مع أهله، ليتوجه فيما بعد إلى المسجد لأداء صلاة العيد، وما إن تنتهي الصلاة، حتى يقفل راجعًا إلى بيته ليجتمع مرة أخرى بأهله وأبنائه، ويغير ملابسه ويرتدي ملابس الذبح.
في البداية، يتم “تكتيف” الأضحية جيدًا ثم توجيهها نحو القبلة، وما إن تطمئن حتى يتم الذبح بشكل سريع بسكين حاد حتى لا تتعذب، بعد الذبح، تُثقب إحدى أرجل الأضحية ثم يُنفخ فيها ليسهل تجريدها من جلدها، بعد ذلك يتم تعليقها على الجدار لنزع الجلد.
“فروة الخروف” يتم تحويلها لسجادة رائعة تضيف ملمسًا خاصًا على ديكور المنزل
عقب الانتهاء من ذلك يبدأ تقطيع لحم الأضحية في أجواء عائلية ممتعة، ما إن تنتهي عملية التقطيع حتى يتم تقسيم الأضحية، قسم يبقى للعائلة (شواء وأكل يومي وغيره)، وقسم آخر مهم من الأضحية يقدم للفقراء والمحتاجين.
ويتقرب التونسيون إلى الله تعالى أيام عيد الأضحى الكريم بذبح أضاحيهم والإهداء منها للفقراء والمحتاجين والمساكين والسائلين في تجسيد لتعاليم الإسلام، حتى تعم الفرحة بيوت جميع المسلمين ولا يبقى بيت لا تدخله فرحة العيد الكبير.
استخدامات متعددة
كل ما في الذبيحة يتم استخدامه ويجد له مكانًا على مائدة العائلة أو في البيت، حتى “فروة الخروف”، يتم تحويلها لسجادة رائعة تضيف ملمسًا خاصًا على ديكور المنزل، يتم تنظيف الجلد إما في البيت وإما في محلات خاصة، ثم رمي الملح عليه وتجفيفه وتسريحه ثم صبغه، حتى يتم تهيأته بشكل نهائي.
رأس الخروف يتم شيه، وهي عملية تعني وضع رؤوس الأضاحي فوق النار لمدة من الزمن حتى تنضج وتكون صالحة للطهي، وغالبًا ما تتم العملية خارج البيت ويفضل التونسيون طهي الرؤوس مع الكسكس، بينما يفضل آخرون تبخيرها.
نفس الأمر بالنسبة للأقدام، أو ما يعرف بـ”الكرعين” في تونس، حيث يتم شيها وبعد ذلك تطهى، غالبًا في إناء مع الزيت والبصل والتوابل والحمص، ومثلها مثل الرؤوس، فهي مليئة بالسعرات الحرارية، ويشترط طهيها لمدة زمنية طويلة مقارنة باللحم حتى تتخلص من جميع الجراثيم التي قد تكون عالقة بها.
أما شحوم الأضحية، فتحفظ في الثلاجة لأجل استخدامات غذائية متنوعة، منها “خبزة المطبقة”، وهي أكلة تونسية اشتهر بها خاصة الجنوب التونسي، وهي عبارة عن خبز عربي تتكون عجينته من طحين وخميرة خبز وقليل من الماء والملح تشبه بشكلها عجينة البيتزا.
يتم طهيها في الفرن أو على الحطب في قدر خاص بها، والمطبقة مشهورة أساسًا بحشوها الذي يتكون من الشحم والبصل والطماطم تقطع كلها مربعات صغير في وعاء ثم نظيف لها الملح والبهارات حسب الذوق ونخلطها بقليل من الماء، وبعدها نضعها وسط العجينة التي نشكلها في شكل نصف دائرة كبير الحجم ويتم طهيها.
تُسارع بعض المناطق في الجنوب التونسي لطبخ العُصبان في أوّل وجبة تلي حفل الشّواء أول أيام العيد الكريم
الأحشاء أيضًا لا يتم التخلص منها، فغالبًا ما يتم استخدامها في أكلة “العصبان”، ففي مواسم عيد الأضحى لا يخلو منزل في تونس من صناعة العصبان، فتتحولق حوله الصبايا لمساعدة الأم على التحضير، ويتنافسن على ذلك لأن الأشد كفاءة منهن سوف تحظى برضى أفراد العائلة والزوار وينسب إليها إعداده وتحضيره وخاصة لذته.
إلى جانب أكلة “العصبان” تستخدم العائلات التونسية الأحشاء في أكلة تعرف باسم “القلاية”، فبعد غسل كرش الخروف وأمعائه جيدًا، تطبخ هذه المكونات على نار هادئة بإضافة الزيت والتوابل والبصل والزيتون، وتستعمل أيضًا لطهي طبق “الشْمِنْكَة”.
في البداية، تقوم النساء بتنظيف الكرشة والأمعاء بشكل جيد ثم يقمن بتقسيم الكرشة لأجزاء متساوية ويقمن بخياطتها على شكل الجيوب، أو كرات صغيرة الحجم ويتركن جزءًا منها مفتوحًا وذلك لإدخال الحشو الذي يتكون من الخضر واللحوم والأمعاء والقلب والرئتين والكبد والتوابل والفلفل الأسود والأرز، ليتم خياطة ما تبقى من الكيس بعد ذلك، حتى يتم الحفاظ على تماسك هذا الكيس العجيب.
تُسارع بعض المناطق في الجنوب التونسي لطبخ العُصبان في أوّل وجبة تلي حفل الشّواء أول أيام العيد الكريم، في حين تترك بقية المناطق العصبان للأيام المُوالية، وعادة ما يطبخ مع طبق الكسكسي اللذيذ سلطان المائدة التونسية.
فضلًا عن كل هذه الاستخدامات، تعتبر حفلات الشواء، أبرز الفعاليات خلال أيام العيد، يتم قبلها اختيار قطع من اللحم تكون صالحة للشواء، ثم يتم إعداد خليط لحوم الشواء، وبعدها يتم التوجه نحو الشواية والاستمتاع باللحم والوقت الطيب مع الأهل.