ترجمة وتحرير نون بوست
أربك الخطاب الأخير لزعيم الحوثيين باليمن، عبدالملك الحوثي، توقعات العديد من المراقبين والمحللين وتركتهم في نقاشات طويلة عن الكيفية التي من الممكن أن يؤثر بها الخطاب الأخير على المشهد في اليمن.
منذ بداية مسيرات الحوثيين ضد الحكومة اليمنية في 18 أغسطس الماضي، دعا زعيم الجماعة أتباعه للتظاهر في العاصمة والمطالبة بإلغاء الزيادات التي فُرضت على أسعار الوقود ولإجبار الحكومة على الاستقالة.
وبعد تصاعد الأحداث بشكل كبير عقب قيام الشرطة اليمنية بقتل اثنين من أنصار الحوثي بالقرب من مطار صنعاء، تكهن العديدون أن الزعيم الشاب سيدعو مؤيديه للانتقام، لكن الحوثي انتهز الفرصة لحث أتباعه على التزام الهدوء.
كان الحوثي قد وعد، في أول خطاب له في أغسطس، بالرد بقوة إذا ما حاولت الحكومة قمع أنصاره، لكن يوم الأحد، وعندما أطلقت الحكومة النار على المتظاهرين، ظهر الحوثي بشكل غير متوقع على محطة تليفزيونية موالية للحوثيين، وقام بإلقاء خطاب يبرر فيه التظاهرات ويحث أنصاره على التحلي بالصبر.
قال الحوثي في خطابه “لن يتراجع شعبنا عن مطالبه المشروعة”.
محمد عايش، رئيس تحرير صحيفة الأولى، قال إنه حبس أنفاسه خلال خطاب الحوثي، كان قلقًا من أن الحوثي سيستفز أنصاره ليستحثهم على حمل السلاح والاستمرار في محاربة الحكومة.
قال عايش في تصريحات صحفية إن خطاب الحوثي حمل “مسحة واضحة من اليأس” إذ أن الحكومة بدت كما لو كانت غير مبالية على الإطلاق أو أنها غير راغبة في الاستماع للمطالب بالأساس.
الزعيم الشاب
“عبد الملك الحوثي” كان في الخامسة والعشرين من عمره عندما تولى أمر الجماعة في 2004 بعد وفاة شقيقه الأكبر حسين، الذي قُتل في الجولة الأولى من الحرب مع حكومة الديكتاتور اليمني علي عبد الله صالح.
وعلى عكس سلفه، الذي حصل على تعليم رسمي، كان يدرس عبد الملك على يدي والده بدر الدين، الزعيم الشاب الذي نادرًا ما يوافق على المقابلات الصحفية للإعلاميين اليمنيين أو الدوليين، يقيم في منطقة غير معلومة في محافظة صعدة، معقل الحوثيين.
وفي السنوات الأخيرة، قاد عبد الملك معارك الحوثيين مع الحكومة السابقة، وبعد انهيار الحكومة في 2012 قاد معارك أيضًا مع إسلاميين في محافظات عمرات والجوف ومأرب.
وفي أول خطاب علني له عشية بدء الاحتجاجات، قدم الحوثي ثلاثة مطالب: حل الحكومة، إلغاء قرار رفع الدعم عن الوقود، وتنفيذ نتائج مؤتمر الحوار الوطني الذي بدأ في 2013 بعد الإطاحة بصالح.
ضم المؤتمر الوطني الأحزاء السياسية والنشطاء وحتى النساء، وخرج بالمئات من التوصيات التي مهدت الطريق لبناء فيدرالية يمنية جديدة.
وفي ديسمبر الماضي، وكرد فعل على مطالب المؤتمر، وافق “عبد ربه منصور هادي” الرئيس اليمني، على حل الحكومة واستعادة أسعار الوقود جزئيًا وتحديد إطار زمني لتنفيذ التوصيات.
الحوثيون رفضوا مقترحات هادي وطالبوا باستقالة فورية للحكومة وبإلغاء كامل لزيادة أسعار الوقود.
اليأس، الإحباط أم التهدئة؟
يوم الأحد، وبدلاً من التزام خطاب تهديدي للرئيس اليمني، بدا الحوثي أكثر تصالحية، بدا كما لو كان يستجدي عبد ربه منصور هادي لتلبية المطالب.
الحوثي قال في خطابه إن هادي “سيُحاسب أمام الله وأمام الشعب، وسيحاسبه الله يوم القيامة، ولا علي محسن (قائد الجيش)، ولا حامد الأحمر (رجل الأعمال اليمني قوي النفوذ) سيستطيعا إنقاذه حينها”.
المعلقون اليمنيون يقولون إن ذروة اليأس في خطاب الحوثي هو تخويف هادي بالله بدلاً من تهديده بانتفاضة حوثية أخرى أو بتصعيد الاحتجاجات.
ربما يكون أنصار الحوثي غير مستعدين لتقديم المزيد من التضحيات، وهذا ما انعكس على خطابه.
يؤكد محللون أيضًا أن اللغة التصالحية التي اعتمدها الحوثي قد تكون محاولة من الحوثي لتهدئة أنصاره الذين اعتادوا على استخدام العنف لحل القضايا السياسية بدلاً من التغيير الديمقراطي.
الحوثيون المدججون بالسلاح يصرون الآن على إسقاط الحكومة بالوسائل السلمية التي تشمل حصار المنشآت الحكومية وشل حركة المرور في العاصمة، لكن المحللين لديهم شكوكًا حول قدرة الجماعة على الالتزام بذلك بالنظر إلى التاريخ الطويل من الصراعات الذي كان الحوثيون في القلب منه.
يقول “عبد السلام محمد” مدير أحد المراكز البحثية في صنعاء إن “الحوثيين حصلوا بالفعل على مزيد من التعاطف، لكن هجومًا على مواقع للجيش بعد يومين من خطاب الحوثي سرعان ما أفقدهم ذلك التعاطف”.
وأضاف “لا تملك الجماعات المسلحة الصبر لمشاهدة نتائج نضالها السلمي على الأرض، وفي غياب نتائج سريعة، فإن تلك الجماعات تعود لاستخدام السلاح والسيطرة على الأرض بالعنف”.
ورغم ذلك، تشير مصادر إلى وجود محادثات بين الحكومة اليمنية وبين الحوثيين، وقد أشار إليها الحوثي أيضًا في خطابه الأخير.
النّفَس الطائفي
العديد من خطابات الحوثي ركزت على مهاجمة حزب الإصلاح الإسلامي في اليمن، وهي ما يقول محللون إنها تكشف عن انحياز أيديولوجي للجماعة وليس انحيازًا مطالبيًا.
على مدار السنوات الثلاث الماضية، تصاعدت التوترات بين الحوثيين والتجمع اليمني للإصلاح، في ديسمبر 2011 ألقى حزب الإصلاح بثقله خلف السلفيين في دماج بينما كانوا يقاومون حصار الحوثيين، وفي 2013 تحالفت القبائل الموالية لحزب الإصلاح مع ألوية الجيش لمحاربة الحوثيين في محافظة عمران.
الخطاب الأخير على هدوئه إلا أنه لم يكن استثناء في مهاجمة حزب الإصلاح، فقد أطلق الحوثي لنفسه العنان في انتقاد الحزب، الذي لا زال يقاتل أتباعه في محافظة الجوف، ألقى الحوثي باللائمة على حزب الإصلاح وحمله مسئولية أخطاء الحكومة، على الرغم من أن الحزب غير ممثل سوى في أربعة وزارات في الحكومة.
قال الحوثي في خطابه إن “حزب التجمع اليمني للإصلاح اتخذ موقفًا جامدًا من مطالب الشعب، أظهرت معظم الأطراف تفهمهم للمطالب الشعبية من خلال مبادراتهم، وأنا أدعو جميع أعضاء الحزب، بما فيهم المتطرفون إلى مراجعة مواقفهم من أجل الشعب”.
“سامي نعمان” الصحفي اليمني والمحلل السياسي، قال إن الحوثيين يحاولون عزل حزب الإصلاح عن الحكومة وعن الرئيس والقوى الأخرى التي تعارض الحوثيين.
وقال نعمان إن خطاب الحوثي يظهر أن الزعيم لا يهدف فقط إلى إلغاء القرارات الأخيرة أو تطهير الحكومة من الفساد، لكن أيضًا تصفية حساباته مع الإسلاميين السنة.
الحقيقة أنه لا الرئيس اليمني الحالي، الذي دافع عن سياسات حكومته الاقتصادية، ولا حزب الرئيس السابق الذي قتل زعيم الحوثيين في 2004 تلقى انتقادات مثل التي تلقاها التجمع اليمني للإصلاح من الحوثي، على الرغم من سيطرة حزب هادي على أكثر من نصف وزارات الحكومة.
هذا يعزز الاعتقاد بأن انتفاضة الحوثيين قامت بدوافع طائفية ولاستهداف خصومهم الإسلاميين.
المصدر: ميدل إيست آي