ترجمة وتحرير نون بوست
بوتلي، روبوت بلاستيكي صغير يدعي أنه يقوم بأشياء كبيرة. وفقًا لشركة “ليرننغ ريسورسز”، يمكن لبوتلي تعليم الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 5 سنوات أساسيات البرمجة الحاسوبية. في الواقع، هذا ما تعد به شركة أمازون: “سيتعلم الأطفال البرمجة في دقائق”.
باستخدام جهاز التحكم عن بعد، يمكن للأطفال “برمجة” مسار للروبوت، مثل التحرك إلى الأمام أو الدوران. بطريقة ما، يصمم الأطفال خوارزمية، وهي تشكل لبنة أساسية في إعطاء الأوامر للحاسوب.
هل يستطيع بوتلي الذي يباع بـ60 دولارًا تقريبًا، تعليم طفلك كيفية تنفيذ التعليمات خطوة بخطوة؟ نعم بالتأكيد. هل سيحول بوتلي طفلك الصغير إلى نسخة من مارك زوكربيرج عند دخوله إلى الصف الأول؟ على الأغلب لا.
بوتلي ليس وحده المستفيد من تلهف الآباء والأمهات لتطوير مهارات أطفالهم الإدراكية بأسرع وقت ممكن. بدأت تجارة ألعاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، أو الألعاب التي تروج للعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، تنمو حتى قبل أن تتجه المدارس في مختلف أنحاء العالم نحو الإغلاق. وعزز فيروس كورونا هذا الاتجاه بشكل لافت.
في الفترة ما بين 15 مارس/ آذار و 4 يوليو/ تموز، ارتفعت مبيعات الألعاب العلمية بنسبة 66 بالمائة مقارنة بالفترة ذاتها نفسه من العام الماضي، وفقًا لشركة “إن بي دي” لأبحاث السوق، حيث أقبل الآباء بلهفة على ألعاب الكيمياء والروبوتات لينشغل بها أطفالهم خلال فترة الحجر المنزلي.
شهدت شركة “كيوي كو” المتخصصة في ألعاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، زيادة بنسبة 150 بالمائة في مبيعاتها السنوية من مارس/ آذار إلى يونيو/ تموز.
توصي غومر بأن ينظر الآباء إلى ألعاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات تماما مثل ألعاب التزيين والحرف اليدوية
ولكن عندما يتعلق الأمر بتعلم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، فإن الخط الفاصل بين التسويق والواقع التعليمي يصبح ضبابيًا بعض الشيء. يقدم العديد من مصنعي الألعاب وعودا جريئة، ويؤكدون أن ألعاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات ستعلم الأطفال الهندسة والكيمياء وما إلى ذلك. ازدهرت هذه الصناعة في السنوات الأخيرة، ولكن هناك القليل من الأدلة لدعم كل هذه الادعاءات. (أكد متحدث باسم “ليرننغ ريسورسز” أن الشركة لم تجر أبدا تجارب عملية لإثبات ما إذا كان بوتلي يستطيع تعليم الأطفال البرمجة الحاسوبية.)
تقول أماندا غومر، وهي أخصائية في علم نفس الأطفال ومؤسِسة منظمة “غود بلاي” البحثية في المملكة المتحدة: “نرى الكثير من الألعاب التي تأتي معها ادعاءات زائفة لا يثبتها العلم. كلنا يريد أن يكون طفله عبقريًا، وهذا جزء من المشكلة”.
سواء تعلق الأمر بـ أخطبوط “فيشر برايس” الذي يساعد الأطفال على تعلم “مهارات الجمع والطرح والنمذجة”، أو مختبر “هاند تو مايند” المصغّر للعلوم، أو روبوت بوتلي، لا يمكن لألعاب الهندسة والرياضيات أن تفي بوعودها التسويقية. يجب على الآباء الذين يأملون في أن يدعموا ما يتعمله أطفالهم في المدارس، أن يكونوا حذرين من هذه الإدعاءات.
تضيف الدكتورة غومر: “الإجابة الصريحة والصادمة هي أنك لا تعرف ما إذا كانت تعمل أم لا.. إنها في الغالب حملات علاقات عامة”.
توصي غومر بأن ينظر الآباء إلى ألعاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات تماما مثل ألعاب التزيين والحرف اليدوية. فهم لا يتوقعون أبدا إذا قام أطفالهم بالرسم والتلوين أن يبدعوا في القريب العاجل أعمالا فنية تُعرض في متحف الفن الحديث في نيويورك.
وحسب الدكتورة غومر فإن “ألعاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لا يمكن أن تعلم الأطفال الكثير من الأشياء، إنها تدخلهم فقط إلى ذلك العالم”.
عدد قليل فقط من الباحثين تمكّنوا من دراسة تأثير ألعاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لمدّة كافية وتقديم نتائج موثوقة
صعوبة دراسة تأثير الألعاب التعليمية
الألعاب التعليمية قديمة قدم الألعاب نفسها، ولكن مصطلح العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات يعود إلى مطلع الثمانينات، عندما وجدت التقارير البحثية أن المهارات التقنية للطلاب الأمريكيين كانت أقل من مهارات نظرائهم في الدول الأخرى. دفع ذلك إلى الاهتمام بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في المدارس الأمريكية وتوظيف المزيد من المعلمين الذين يدرسون هذه المواد.
في الواقع، ساد القلق من خسارة الطلاب الأمريكيين لوظائفهم أمام نظرائهم من الدول الأخرى، وأدى ذلك إلى طفرة في صناعة الألعاب التعليمية، وهرعت الشركات إلى وضع ملصقات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات على منتجاتها. قُدرت قيمة صناعة ألعاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بـ3.6 مليار دولار العام الماضي، وفقًا لشركة تكنافيو لأبحاث السوق. لكن هذه الصناعة لا تخضع للرقابة من أي جهة رسمية، مثل إدارة الغذاء والدواء التي تطالب مختلف الشركات بإثبات فعالية منتجاتها.
يؤكد كين سيتر، أحد المسؤولين عن برنامج تطوير التسويق والدعاية في الجمعية الأمريكية لصناعة الألعاب، أنّه أدرك وجود مشكلة حقيقية عندما كان يزور أحد معارض الألعاب السنوية. يقول كين إنه لاحظ أنّ ألعاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات موجودة في كلّ مكان، ولكن عندما كان يسأل عن سر هذا الانتشار، كان يحصل على 500 إجابة مختلفة.
في السّنة الماضية، أصدرت الجمعية ورقة بيضاء تحتوي 14 قاعدة إرشادية عن هذه الألعاب، وأكّدت أنها يجب أن تكون من نوعية الألعاب “مفتوحة الاحتمالات” أو تتضمن “تجارب حسّية ملموسة”. لن تكون هذه التوصيات إلزامية، كما أنّه لن تكون هناك مساءلة للشركات التي تستخدم علامة الألعاب العلمية دون اتباع الإرشادات.
في الحقيقة، عدد قليل فقط من الباحثين تمكّنوا من دراسة تأثير ألعاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لمدّة كافية وتقديم نتائج موثوقة. كما أن أولئك الذين واصلوا العمل على هذه البحوث لفترة طويلة أقّرّوا بأنّه علم غامض.
ألعاب البناء البسيطة هي في الحقيقة ألعاب علوم وتكنولوجيا وهندسة ورياضيات، لأنها تعلم الأطفال أمورا أساسية، مثل الأشكال
تقول جوليا ديلاب، مديرة مركز تعليم الطفولة المبكرة في جامعة ولاية كونيتيكت الشرقية: “لقد درسنا الألعاب لمدة 10 سنوات، والشيء الوحيد الثابت الذي توصلنا إليه هو أن كل طفل مختلف عن الآخر. لذا سيكون لديّ شكوك بشأن أي منتج يقدم وعودا كبيرة”.
رغم ذلك، ليس من الصعب أن نجد ادّعاءات منذ هذا القبيل. فمثلا، سيارات ”ليرنينغ ريسورسز” تدّعي أنها تعلم الأطفال مفاهيم علمية رئيسية مثل الجاذبية والاحتكاك، والدفع والسحب، أو ألعاب “ثامس آند كوسموس” لتحليل الجينات، وألعاب ”ليب فروغ” البلاستيكيّة التّي يُزعم أنها تُعلم الأطفال في سن 9 أشهر مفاهيم علمية مبسطة.
(رفضت كل من فيشر برايس و” ليب فروغ” التعليق على الأمر، ولم تقدم ”هاند تو مايند” أي إجابة، بينما أكّد المتحدث باسم “ثامس آند كوسموس” أن الشركة لا تجري تجارب على ألعابها). على الرّغم الوعود البراقة، لا تقدم هذه الشركات أيّ دليل على أن الأطفال سيخرجون بأي معارف جديدة عندما يحصلون على هذه الألعاب.
العودة إلى الألعاب التعليمية القديمة
يقول خبراء الطفولة أنه على الرغم من كل تلك المخاوف، إلا أنّ كثيرا من ألعاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات مفيدة طالما أن الآباء يحدّدون سقفا لتوقّعاتهم.
تعتقد ديلاب أن أبسط الألعاب هي الأكثر فعالية للأطفال الصغار في مرحلة ما قبل المدرسة. تساعد ألعاب الرياضيات الأطفال على تعلم الجمع والطرح، وأمّا بالنسبة لألعاب لعلوم، فهي تعلمهم ببساطة الربط بين السبب والنتيجة. وهناك أيضا العدسة المكبرة التي تسمح للأطفال بمشاهدة الحشرات والعشب.
تضيف ديلاب أنّ “ألعاب البناء البسيطة هي في الحقيقة ألعاب علوم وتكنولوجيا وهندسة ورياضيات، لأنها تعلم الأطفال أمورا أساسية، مثل الأشكال، والسبب وراء انهيار المبنى عندما نضع القطعة الأكبر على القمة.. يوجد سبب وجيه لاستمرار تلك الألعاب القديمة إلى يومنا هذا”.
تقول ساندرا أوه لين، مؤسِسة شركة ”كيوي كو”، أن شركتها تحاول إزالة الغموض عن ألعاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.على سبيل المثال، صندوق كيوي يمكّن أطفالا تتراوح أعمارهم بين 3 و4 سنوات من تقطير القليل من الماء من خلال مناديل ورقية ملونة على حقيبة بيضاء، وهو ما يعلّمهم كيفية دمج الأصباغ لصنع ألوان مختلفة.
ألعاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لا تعلّم الطفل البرمجة أو أشياء من هذا القبيل، ولكنها تسمح له بأن يلهو ويكتشف هواياته
وتضيف لين: “عادة ما تُستخدم في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات كلمات ومفاهيم المعقّدة، الاّ أنّنا نريد أن نجعل الأمر أكثر بساطة”. من جانب آخر، يؤكّد بعض الخبراء أن الأطفال يكتسبون مهارات من اللعب بمفردهم أكثر مما يكتسبونه عند اللّعب مع البالغين.
يقول تزيفي هاميتز، وهو مدير فضاء ترفيهي بمدرسة خاصة في لوس أنجلوس، إنّ العديد من الألعاب تدّعي أنها تعزّز مهارات الأطفال في الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا، رغم أن معظمها يحتاج إلى تدخل شخص بالغ لمساعدة الطفل.
يضيف هاميتز: “يجب أن يتمكن الأطفال من التعامل مع ألعاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بمفردهم. لا يستطيع طفلي البالغ من العمر 3 سنوات استخدام لعبة الرّموز هذه بمفرده”. مع ذلك، يعتقد هاميتز أن هناك فائدة في أن يلعب الأطفال بهذه الألعاب، بشرط أن يدرك الكبار أنها للتسلية، وليس بالضرورة للتعلم.
يقول هاميتز في هذا السياق: “إن ألعاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لا تعلّم الطفل البرمجة أو أشياء من هذا القبيل، ولكنها تسمح له بأن يلهو ويكتشف هواياته”. يقول الخبراء إن ألعاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات تساعد الأطفال على التفكير، لكن ذلك لا يتطلب ألعابا جذابة وباهظة الثمن، بل يمكن أن يتم ذلك عبر أنشطة بسيطة مثل زراعة البذور. تقول ديلاب “إذا كنت تريد ألعابًا تجعل الأطفال مهتمين بما يدور من حولهم، اجعلهم يطرحون أسئلة من قبيل، كيف تعمل الأشياء ولماذا”.
المصدر: نيويورك تايمز