ترجمة وتحرير: نون بوست
تُجري أخصائية علم النفس الاجتماعي في كلية لندن للاقتصاد، سونيا ليفينغستون، أبحاثا حول علاقة الأطفال بالوسائط الرقمية. وتتمثل التجربة التي لطالما حلمت بإجرائها في: “دعنا ننعزل عن العالم الخارجي، ونرى كيف يكون الحال إذا كان لديك التكنولوجيا فحسب”.
جعلت جائحة الكورونا من حلمها حقيقة. بدأت تدابير الإغلاق تجتاح أنحاء العالم بأسره، وعلقت العائلات في الداخل مع أجهزتها الرقمية بدلًا من أماكن العمل، أو المدارس، أو العائلات والأصدقاء. وقد وضحت ليفينغستون أن ذلك علمنا أمرًا مطمئنًا كان علينا معرفته طوال هذا الوقت: “بالطبع، تريد العائلات البقاء معًا”، وتشتاق الأمهات وحتى المراهقون لرؤية أصدقائهم وجهًا لوجه، وركوب درجاتهم والذهاب إلى المدرسة.
ما دمنا نعيش تلك التجربة، فإن هذا هو الوقت المثالي للجلوس مع ليفينغستون وزميلتها في التأليف، أليسيا بلوم روس – الباحثتان اللتان أعتمد عليهما في تأليف كتابي “فن وقت الشاشة” – والتحدث إليهما عن كتابهما الجديد “تربية الأطفال لمستقبل رقمي“، الذي اعتمد على العديد من سنوات البحث مع مجموعة متنوعة من العائلات في المملكة المتحدة.
فيما يلي، نتحدث عما وجدته الكاتبتان عن الثقة بالنفس والهدوء في عالم التربية الرقمية.
يصنف الكتاب الأولياء إلى ثلاث مجموعات: مجموعة تقاوم التكنولوجيا، مجموعة تحاول إيجاد نوع من التوازن، ومجموعة تتبنى وتحتضن التكنولوجيا. هل بإمكانك أن تحدثينا عن ذلك أكثر؟
سونيا ليفينغستون: لقد فكرنا في هذه المجموعات الثلاث كثلاثة أساليب أو طرق لتفاعل الوالدين مع العالم. هناك من يقاومون التكنولوجيا. فبالنسبة لبعض الآباء، يكون ذلك استجابة لمشكلة من نوع ما. لكننا فوجئنا عندما وجدنا أن دافع المقاومة غالبًا ما يكون نابعا من القيم، حيث يعكس الرغبة في إعطاء الأولوية للأنشطة غير الرقمية ورؤى المستقبل، ويكون أحيانًا وسيلة لمقاومة الضغوط الاجتماعية والاستغلال التجاري بشكل عام.
بما أن الأهل وأطفالهم يستطيعون التعرف على جوانب التكنولوجيا المثيرة معًا، غالبًا ما امتلكت هذه العائلات أكثر ممارسات مشتركة فيما بينها
سمعنا من الكثيرين من الآباء أنهم يحاولون البحث عن التوازن. وتلك النصيحة السائدة لجميع الأهالي، أي إيجاد التوازن بين الخارج والداخل، وبين الحياة الواقعية والرقمية، وأنواع مختلفة من الأنشطة.
لكن المجموعة التي أثارت اهتمامنا بشكل خاص هي مجموعة الأهالي الذين “يحتضنون التكنولوجيا”. وهم الأهالي الذين وجدوا إجابة للأسئلة التالية: “أيجب أن تسمح لطفلك بقضاء ساعات طويلة أمام الشاشات؟ أم يجب عليك تقييده؟ هل هي المستقبل أم مشكلة فحسب؟”.
تبدو هذه المجموعة كما لو أنهم يقولون من خلال التكنولوجيا “انظر! هذا هو المستقبل، وعلينا أن نتأقلم معه بإيجاد طريقنا الخاص”. غالبًا ما كانوا أكثر الأفراد حماسة وتعلقًا بأسلوبهم المتبع. وبما أن الأهل وأطفالهم يستطيعون التعرف على جوانب التكنولوجيا المثيرة معًا، غالبًا ما امتلكت هذه العائلات أكثر ممارسات مشتركة فيما بينها.
ما معنى أن تكون “والد تكنولوجيا سعيد” كما سميتها في كتابك؟ وهل لي ببعض الأمثلة؟
أليسيا بلوم روس: من بين الأمور التي تعلمتها شخصيًا من الآباء الذين احتضنوا التكنولوجيا، هو طريقة التمثل بالقيم العائلية من خلال التكنولوجيا. فعلى سبيل المثال، إذا كانت العائلة ذات حس فني، فنعم قد يقومون بطي الورق والتلوين، ولكنهم قد يجدون تطبيق مونيمونت فالي الأخاذ لاستخدامه للعب مع أطفالهم. وقد يشاهدون الأفلام التي تتوافق مع رؤى الأهل والمحادثات التي يريدون خوضها مع أبنائهم. ومن المؤكد أن الأطفال لديهم اهتماماتهم الخاصة أيضًا، ولكن الأهل كانوا جزءا مُهمًا جدًا في تشكيلها.
أنا حتمًا، وأقول هذا كوني والدة توأم يبلغان من العمر سبع سنوات يمران بزمن الوباء، مع العمل بدوام كامل، أجد الكثير من الإلهام من أساليب هؤلاء الأمهات والآباء، لأنني بالفعل بحاجة للاعتماد على التكنولوجيا.
ومن الحديث مع الكثير من الأهالي المطمئنين بتبنيهم للتكنولوجيا، علمت أن علي لعب دور نشط في إيجاد ما أريد أن يقضي أطفالي وقتهم فيه.
يعجبني استخدامك كلمة “مطمئن” لأنني أشعر أن الآباء والأمهات بحاجة ماسة لسماع ذلك في وقتنا الحالي. كلنا نستخدم التكنولوجيا بالطريقة التي تصفينها، خاصةً الآن، لإيجاد وقت لأنفسنا. لكن ذلك يصاحبه شعور مثقل بالذنب والقلق. إن طريقتك أكثر تعمقًا وإيجابية، فهي تجعلنا نفكر في نوعية الوقت الذي يجب أن نقضيه أمام شاشات التكنولوجيا لنشعر بتحسن.
أليسيا بلوم روس: لقد تعلمنا من هذا البحث أن الأهالي يمتلكون العديد من الأدوات المختلفة في جعبتهم. وقد ركزت الكثير من النصائح الموجهة إلى الآباء على التقييد والتوسط، ومن هذه الأدوات: القوانين الموضوعة المحددة، وتخصيص وقت معين، والانتباه للساعة والوقت المقضي. ولكن هل هناك أداة أخرى أستطيع استخدامها الآن؟ من إحدى هذه الأدوات البحث والمعالجة بالأنشطة المحددة التي تريد أن يقضي أطفالك وقتهم فيها.
يمكن أيضا التحدث معهم بشأن ما يقومون به من نشاط أو ما يشاهدونه. مثلًا، ابني ذو السبع سنين يحب برنامج نينجاغو، وهو ليس أكثر البرامج إفادة ولكنني أستطيع التحدث مع ابني عنه لدى انتهائه. أستطيع أن آخذه وأقفز معه على الأريكة كما تفعل شخصيات نينجاغو. بإمكاني بدء ذلك ومن ثم يمكن لأخته المشاركة، مما يسمح لي بالذهاب لتجهيز العشاء أو العمل. نريد أن نستخدم الوسائط الرقمية كنقطة بداية لقضاء وقت أكثر كعائلة.
ليفينغستون: لم نجد أن الأهل كانوا يبحثون عن النصح فقط، بل كانوا أيضا على استعداد لتلقي كمية هائلة من النصائح في نفس الوقت. ويدل البحث على أن العائلات التي تحاول العيش بديمقراطية يتمتع أفرادها بقدر عالي من الثقة، حيث يشعر الأطفال أنه باستطاعتهم اللجوء إلى عائلاتهم إذا حصل خطب ما، دون الشعور بأنهم سيعاقبون أو ينتقدون. وقد رأينا أيضًا أن الأهل يستخدمون الوسائط الرقمية كجزء من المفاوضات، للعثور على أمر يقضون وقتهم مع أطفالهم فيه أو لبدء محادثات جادة أو صعبة معهم.
إذًا، إن فكرة أن تكون من أعداء التكنولوجيا، وهو ما تريده وسائل الإعلام منا، تتعارض مع قيمة مهمة لدى العديد من العائلات، ألا وهي إيجاد أسرة حيث يكون للجميع رأيٌ في القرارات المتخذة.
ليفينغستون: بكل تأكيد، الأهل ليسوا جاهلين فهم يفهمون التكنولوجيا ولديهم خبرتهم الخاصة بها. بإمكان الآباء والأمهات الثقة بأنفسهم للاستفادة مما تعلموه واللجوء إلى قيمهم لاتخاذ الأحكام وتوضيحها لأطفالهم، لأن الأطفال في كثير من الأحيان سيريدون مجادلة ذلك الحكم، ولكنهم سيفهمونه في آخر المطاف. لكن إن حدث العكس، فسوف يقاومونه أكثر.
كيف يعمل النهج القائم على القيم مع الآباء والأمهات الذين يواجهون مشكلة مثل “هل يجب علي إعطاء طفلي هاتفًا”؟ على سبيل المثال كيف يمكنهم التعامل مع ذلك بمهارة؟”.
ليفينغستون: السؤال الأساسي لدى الوالدين هو “ما هو العمر المناسب لطفلي للحصول على هاتف؟” حسب ما أشار إليه البحث، هناك عدة طرق متخذة في هذه الحالة، فلا وجود لإجابةٍ واحدة صحيحة. فالأسرة الديمقراطية تفكر بالقيم التي تحاول ترسيخها لدى أطفالهم وكذلك القيم التي قد يمتلكها الأطفال وعلاقتها المتوقعة مع الهاتف.
إذا كانت القيمة المهمة لجميع الأفراد هي البقاء آمنين، يجب طرح السؤال التالي: هل الهاتف هو الطريقة المناسبة للبقاء في أمان أم سيكون هناك طرق أخرى لإدارة وضمان سلامة الطفل؟ إذا كان الأمر يتعلق بالتواصل مع أفراد العائلة الذين ليسوا في نفس المنزل؟ من الواضح أنهم يحتاجون إلى الوصول إلى الهاتف، ولكن ربما لا يحتاجون إلى هواتفهم الخاصة. إذا كان الأمر يتعلق بلعب الألعاب والتسلية عندما يكونون بمفردهم، فربما يكون الحل للأطفال الصغار هو مدهم بهاتف دون شريحة اتصال. ليس هناك سن واحد مناسب، ولكن الأهم من ذلك هو ما يحاول الوالدان فعله بشراء الهاتف لطفلهم.
ماذا عن النمو الاجتماعي والعاطفي لأطفالنا من خلال الأجهزة والشاشات؟ فمع انتقال كثير من أنشطة أطفالنا الاجتماعية للعالم الرقمي، ما هي المخاطر التي قد تحصل؟ ما هي التنازلات؟ وكيف يمكن للوالدين التعامل مع ذلك؟
بلوم روس: أعتقد أن الوباء قد علمنا في الواقع أننا نقدر التواصل الشخصي المباشر، حيث أن الجميع يتشوقون للعودة إلى ذلك، وأن استخدامنا للوسائط الرقمية ما هو إلا وسيلة لتكميل وتعزيز الطرق التي يمكن من خلالها أن نكون معًا.
إن الوسائط الرقمية لن تحل مكان الطرق الأخرى للتواجد معًا، وإنما توفر فقط نوعًا من طوق النجاة وترسم خطًا مباشرًا ومستمرًا للعائلات التي ربما قد عاشت بعيدًا عن أحبائها حتى قبل تفشي الوباء. جميعنا نفتقد لرؤية أشخاص ليسوا من عائلتنا المقربة.