لم يكن مايك هندمارش، العقل المدبر للحرس الرئاسي الإماراتي وصاحب التاريخ الوحشي من العمليات العسكرية القاسية، المرتزق الأجنبي الوحيد الذي سلمه محمد بن زايد مفاتيح جيش بلاده عبر تقليده قيادة إحدى أهم الوحدات ذات طبيعة العمل الخاص، فهناك جنرالات آخرون نالوا نفس المرتبة تقريبًا وفي مقدمتهم الأمريكي ستيفن توماجان.
يعد توماجان الذي يتولى حاليًّا قيادة الطيران المشترك بجيش الإمارات، أحد أبرز المقربين من ولي عهد أبو ظبي، الذي تربطه به علاقات قوية للغاية، إذ يبدو أنه مغرم بمرافقة جنرالات العالم، وإن كان ذلك وفق مبدأ ميكافيللي بحت، فالرجل يبحث عن توسعة دائرة نفوذة حتى لو كان ذلك بأيادي مجرمي حرب أو مرتزقة من دول أخرى.
لم يكن اسم الجنرال الأمريكي الذي خدم في جيش بلاده أكثر من عشرين عامًا مطروحًا على موائد الإعلام العربية والأجنبية، حتى مايو 2018، حين كشف أحد المواقع الأمريكية هوية شخص يشرف على فرع المروحيات العسكرية بالإمارات، في الوقت الذي كانت تتحرك فيه أبو ظبي في “أحد أكثر الصراعات دموية في العالم” وهي الحرب في اليمن، وكان هذا الشخص يدعى ستيفن توماجان.
نختتم في هذه الحلقة التاسعة والأخيرة ملف “مرتزقة أبناء زايد” الذي قد بدأناه معًا، عبر إلقاء الضوء على أحد جنرالات المرتزقة الذين استعان بهم محمد ابن زايد لتأهيل صفوف جيش بلاده وتوظيفه لخدمة أجنداته الإقليمية من خلال العديد من الجرائم المرتكبة في اليمن وغيرها التي تندرج تحت مسمى “جرائم الحرب” التي تضرب بمواثيق حقوق الإنسان عرض الحائط.
نابليون الصغير
في مايو 2018 ذكر موقع “بازفيد نيوز” الأمريكي أن توماجان يُشرف على قطاع سلاح الطيران في الإمارات، مستندًا في تقريره المنشور على 3 مصادر على مقربة كبيرة ومعرفة جيدة بالجنرال الأمريكي، حيث أشاروا إلى انخراطه في عمله بأبو ظبي بعد تركه للجيش الأمريكي عام 2007.
عمل توماجان في القطاع الخاص لفترة قبل أن ينتقل إلى الإمارات، حتى حين كان ضابطًا في الجيش الأمريكي، ومن أبرز الوظائف التي تقلدها إدارته لشركة متخصصة في عمليات تكبير الصدر في ولاية تينيسي، كعمل إضافي، وهو ما يوثق حب الرجل للمال.
لم يقف نفوذ توماجان عند الدور القيادي لسلاح الطيران الإماراتي فحسب، بل تجاوز ذلك إلى التحكم في خريطة التسليح وتعاقدات السلاح التي تبرمها أبو ظبي مع بعض القوى الأجنبية
وبعد انتقاله لأبو ظبي لفت أنظار ابن زايد، كما لفتها نظيره الأسترالي السابق، ولم يتردد الجنرال الإماراتي في الحصول على خدمات الجنرال الأمريكي، لينضم بعد فترة قصيرة إلى صفوف جيش الإمارة الخليجية حيث ترقى بمستويات قياسية حتى وصل لقيادة الطيران المشتركة.
أحد الضباط في الجيش الأمريكي وصف دور توماجان في الإمارات بـ”الغريب” وأن عليه العديد من علامات الاستفهام فيما يتعلق بالمهام الموكلة إليه، وهو الضابط أساسًا في صفوف القوات المسلحة الأمريكية، لافتًا إلى أنهم كانوا ينعتونه بـ”نابليون الصغير”، حسب الموقع الأمني “بازفيد”.
اعتراف رسمي بالانضمام للجيش الإماراتي
في 10 فبراير 2017 نشرت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” على موقعها الإلكتروني شريط فيديو مصور تحت عنوان (الإمارات العربية المتحدة في مركز التدريب الوطني) ظهر فيه توماجان ليؤكد بكل وضوح أنه ضابط بالقوات المسلحة الإماراتية، وكانت هذه المرة الأولى التي يعلن فيها هذه الحقيقة.
وفي المقطع ظهر الجنرال الأمريكي قائلًا: “القوات الإماراتية تحلق في أول مهمة خارجية بمركز التدريب الوطني، إن استمرار العلاقة المتجذرة بين جيشي الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، يعزز الشراكة العملياتية فيما بيننا”.
وأعاد التأكيد أنه القائد العام لقيادة الطيران المشتركة في الإمارات، مضيفًا: “دولة الإمارات دولة صغيرة للغاية وليس لدينا مساحة الأرض التي لديكم (أي الأمريكان) لهذه الأنواع من التدريبات، ولذا فنحن نقدر كرم الضيافة الذي أظهرْتموه لدولة الإمارات العربية المتحدة ولجنودي”.
غير أنه وفي مقابلة أخرى أشار إلى أنه لم يقسم على الولاء للإمارات ولا جيشها، منوهًا أنه ليس إلا متعاقد مدني موثوق به لدى الإماراتيين، وقد نال ثقة نائب القائد الأعلى، في إشارة لابن زايد الذي وثق فيه وأوكل إليه مهمة تشكيل قيادة طيران الإمارات المشتركة، مؤكدًا أنه لم يقم بأي نشاطات تخالف القوانين الأمريكية.
أنشطة توماجان تستحق الملاحقة القضائية وذلك منذ انضمامه لصفوف الجيش الإماراتي، بموجب قانون جرائم الحرب، واستنادًا للتقارير الحقوقية التي فضحت الجرائم المرتكبة عن طريق الغارات الجوية العشوائية وغير المتناسبة في اليمن
نفوذه داخل الجيش
لم يقف نفوذ توماجان عند الدور القيادي لسلاح الطيران الإماراتي فحسب، بل تجاوز ذلك إلى التحكم في خريطة التسليح وتعاقدات السلاح التي تبرمها أبو ظبي مع بعض القوى الأجنبية، ومن أبرز الصفقات التي أبرمها الجنرال الأمريكي تلك الصفقة الموقعة قبل عدة أعوام لتحديث أسطول الطائرات العسكرية الإماراتية التي كانت قيمتها 10 مليارات دولار.
يضع الجنرال الأمريكي يديه على كل صغيرة وكبيرة داخل سلاح الطيران، ويتحكم في كل الأنشطة التي تقوم بها الطائرات المختلفة التي تشكل قوة سلاح الجو ومنها أباتشي وتشينوك وبلاك هوك، وهي التي تم استخدامها في الحرب باليمن كما سيرد ذكره لاحقًا.
خبرة توماجان العسكرية على مدار عقدين كاملين داخل الجيش الأمريكي ساعدته في تكوين شخصية ذات حضور فعال، استطاع من خلاله أن يفرض نفسه على كل المحيطين به، فأبهر قادة الجيش الإماراتي وولي عهد الإمارة بقدراته الخارقة، حتى بات يتحكم في مجريات الأمور داخل اجتماعات أفرع القوات المسلحة.
الشهادات التي وثقها الضباط المتعاملون معه كما كشفها الموقع الأمريكي “بازفيد نيوز” تذهب إلى أنه كان شخصًا غير طبيعي، وهو ما يشير إلى تشابه كبير بينه وبين الجنرال الوحشي مايك هندمارش، ويفسر بصورة كبيرة لماذا يقع اختيار ابن زايد على هذه النوعية من الشخصيات العسكرية.
تورطه في اليمن
في 16 مارس/آذار 2017 انتشرت التقارير الإعلامية والإخبارية التي تشير إلى مذبحة وقعت بحق لاجئين صوماليين غير مسلحين كانوا يستقلون قاربًا من مضيق البحر الأحمر باتجاه إريتريا أو السودان، هربًا من الجحيم اليمني، إلا أنهم تعرضوا لوابل من النيران من طائرة مروحية عسكرية.
التقارير التي تم توثيقها بشهادة الناجين من تلك المجزرة كشفت أن ما يزيد على 42 شخصًا لقوا حتفهم في الحال جراء القصف، فيما جرح 80، وبحسب الشهادات فإن المروحية العسكرية أطلقت النار على اللاجئين لمدة خمس دقائق كاملة، وذلك خلال تحرك دائري لها حول القارب من كل اتجاه، فيما اختفى الناجون خلف الجثث هربًا من الرصاص الذي كان يسقط زملاءهم.
أصابع الاتهام توجهت سريعًا صوب التحالف الذي تقوده السعودية، حسبما أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان لها في 26 من مارس 2017، كاشفة أن الحادث قد يرقى إلى جريمة حرب، فيما دارت الشكوك حول الإمارات التي أصدرت هي الأخرى بيانًا لتبرئة ساحتها من تلك التهم.
التحقيقات التي استبعدت احتمالية ارتكاب الحوثيين تلك الجريمة كونهم لا يملكون هذه النوعية من الطائرات المزودة بمدافع رشاشة، أشارت بشكل أو بآخر إلى تورط الإمارات التي كان لديها الدوافع والوسائل والفرصة، غير أن ذلك لم يتم التوصل إليه بشكل رسمي للإدانة الأممية.
تثبت الإمارات يومًا بعد يوم أن تحقيق أحلام أبناء زايد وتنفيذ أجندتهم الإقليمية لا يمكن له أن يتم إلا عن طريق جيش من المرتزقة
وبحسب التحليل المعلوماتي الصادر عن موقع “جست سكوريتي” الأمني فإن أنشطة توماجان تستحق الملاحقة القضائية وذلك منذ انضمامه لصفوف الجيش الإماراتي، بموجب قانون جرائم الحرب، واستنادًا للتقارير الحقوقية التي فضحت الجرائم المرتكبة عن طريق الغارات الجوية العشوائية وغير المتناسبة في اليمن والاحتجاز التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري وفرض الحصار وإغلاق مطار صنعاء الدولي، وكلها تحت قيادة الجيش الإماراتي، خاصة سلاح الجو.
العديد من التقارير الإعلامية تذهب إلى أن ليس اليمن وحده مسرح جرائم مرتزقة الإمارات، فهناك مسارح أخرى لا تقل نشاطًا وإجرامًا عن تلك الممارسة على تراب البلد السعيد سابقًا، كما كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” عام 2012 تمويل إماراتي كامل لإنشاء مليشيا مقاتلة، يمكن أن تهزم القراصنة قبالة السواحل الصومالية.
وفي النهاية تثبت الإمارات يومًا بعد يوم أن تحقيق أحلام أبناء زايد وتنفيذ أجندتهم الإقليمية لا يمكن له أن يتم إلا عن طريق جيش من المرتزقة، من هنا وهناك، تعتمد عليهم الدولة في ترتيب أوراقها، حتى باتت مقدراتها بأيدي الأجانب، غير مهتمة بأي أبعاد إنسانية أو أخلاقية، فالغاية عندها تبرر الوسيلة، وهو ما يجعل شعاراتها المرفوعة باسم الإنسانية لا تعدو كونها شعارات للاستهلاك المحلي وتجميل الصورة المشوهة لا أكثر.