تخيم على العلاقات المصرية الكويتية أجواء من التوتر لم تشهدها منذ عقود طويلة، على خلفية العديد من الأزمات المتتالية التي نشبت بين البلدين منذ ظهور فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) التي كان لها صدى مدويًا على منسوب العلاقات الأخوية المتجذرة بين الأشقاء.
وما إن تهدأ الأوضاع حتى تشتعل مجددًا، لتعكس حالة من الاحتقان الشديد تفرض نفسها، ليس على مستوى النظم الحاكمة في البلدين، بل تجاوز الأمر إلى مستوى العلاقات بين الشعبين، التي تعكرت بصورة كبيرة، كانت منصات التواصل الاجتماعي ساحة كبيرة للعديد من المعارك بينهما.
الأزمات المصحوبة بموجات توتر متلاحقة في العلاقات بين القاهرة والكويت أثارت قلق الكثيرين لا سيما أن الأجواء تسير من سيئ إلى أسوأ، في ظل تأجيج تلك الوضعية من بعض الانفعاليين في الجانبين الذي كان له دور كبير في الضغط على سلطات البلدين، الأمر الذي انعكس سلبًا على المواطنين هنا وهناك.
تساؤلات عدة عن مستقبل العلاقات بين الطرفين في ظل تصاعد منسوب التوتر، لا سيما أن الوضع بات خارج السيطرة في كثير من مساراته بعد دخول شخصيات عامة وسياسية وبرلمانية على خط الأزمة، ما دفع الكثيرين إلى التساؤل عن مستقبل العلاقات بينهما.
أزمات متتالية
الأشهر السبع الماضية شهدت عددًا من الأزمات عمقت حالة الاحتقان الشعبي والرسمي بين البلدين، البداية كانت مع اكتشاف فيروس كورونا، بداية العام الحاليّ، الذي كان له تداعيات سلبية على العمالة الوافدة في الكويت ومن بينها العمالة المصرية التي يتجاوز عددها النصف مليون شخص بحسب الإحصاءات.
أفرزت جائحة كورونا وضعًا اقتصاديًا سيئًا، دفع بنسبة كبيرة من العمالة للتقاعد، هذا بجانب عدد كبير من المصريين باتوا في حكم العالقين بالدولة الخليجية بعد وقف رحلات الطيران كأحد الإجراءات الاحترازية، وهنا بدأت الأزمة بعدما شن بعض البرلمانيين والشخصيات العامة هجومًا على العمالة المصرية بدعوى عدم التزامهم بالتدابير الصحية ما يشكل خطرًا على صحة الكويتيين أنفسهم.
بعض النشطاء الكويتيين على منصات السوشيال وعلى رأسهم مبارك البغلي الذي يلقب نفسه بـ”الصحفي” أطلقوا سهام النقد والتوبيخ والاستنكار والتطاول على مصر، حكومة وشعبًا، الأمر الذي أثار حفيظة الشارع المصري الذي انتفض هو الأخر لتوجيه السباب، حتى تحولت مواقع التواصل لحرب افتراضية بين الشعبين.
وما إن بدأت الأمور تهدأ نسبيًا، حتى عادت للاشتعال مجددًا، ففي نهاية مارس/آذار الماضي، دعت الفنانة الكويتية حياة الفهد، إلى ترحيل الوافدين المصابين بالفيروس من بينهم المصريين خارج البلاد أو نقلهم إلى الصحراء، وهي التصريحات التي وصفت بالعنصرية وقتها، وذلك قبل أن توضح وجهة نظرها في مداخلة تليفزيونية لها أنها لم تقصد المصريين على وجه التحديد.
وفي مايو/آيار الماضي عادت الأجواء لتشحن مرة أخرى بعد تطاول الناشطة الكويتية ريم الشمري على المصريين بوصفها أنهم جاءوا لـ”يخدموا” الكويتيين وفقط، وهو التصريح الذي قوبل بدعم كبير من نشطاء كويتيين، فيما شن المصريون حملة إلكترونية ضد الناشطة ليدخل السجال بين الطرفين معركة جديدة على ساحات الحرب الافتراضية.
وفي نفس الشهر تصاعدت بعض الأصوات السياسية والبرلمانية وعلى رأسهم النائبة صفاء الهاشم لتطالب بترحيل العمالة الأجنبية من البلاد، وعلى رأسها العمالة المصرية، وتخفيض نسبة الاعتماد عليهم، علمًا بأن هذا الصدام ليس الأول بين الهاشم والمصريين، ليزداد الوضع تأزمًا.
وبعد شهر ونصف من الهدوء النسبي في العلاقات بين البلدين، تخللها تحمل الكويت لنفقة عودة العالقين المصريين لبلادهم، التهبت الأجواء مرة أخرى في يوليو الماضي، وذلك حين انتشر مقطع فيديو يظهر اعتداء مواطن كويتي على شاب مصري بالصفع على وجهه 3 مرات داخل أحد المتاجر، الأمر الذي أشعل غضب المصريين.
ورغم الإجراءات المتخذة من جانب السلطات الكويتية لتوقيف المواطن المعتدي واتخاذ الإجراءات القانونية حياله، وتعاطف شريحة كبيرة من الكويتيين مع الشاب المصري، فإن تفاصيل المقطع المصور كانت صادمة لمشاعر المصريين بصورة عمقت الاحتقان المتبادل.
وقبل عدة أيام أعربت السفارة الكويتية في القاهرة عن غضبها لفيديو منتشر على موقع يوتيوب تحت مسمى “تحدي حرق العلم الكويتي” الذي أطلقه اليوتيوبر المصري محمد رضا، ودعا من خلاله بعض الشباب المصري لحرق العلم الكويتي مقابل مبلغ مالي قدره 500 دولار أمريكي.
ورغم أن الفيديو أظهر رفض المصريين لحرق العلم الكويتي رغم الإغراءات المالية، فإنه أثار حفيظة الكويتيين لتتحول الواقعة إلى أزمة بين البلدين، ما دفع النيابة المصرية لتوقيف اليوتيوبر والتحقيق معه، غير أنها أفرجت عنه بعدما ثبت عدم إدانته والتأكد من أن الهدف من الفيديو هو إثبات حب الشعب المصري للكويت ورفضه الإساءة إليها أيًا كان المقابل المادي.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه شركة مصر للطيران استئناف رحلاتها للكويت بعد انقطاع 3 أشهر، فوجئ الجميع بقرار هيئة الطيران المدني الكويتي، السبت الماضي، 1 من أغسطس 2020، بقرار وقف الرحلات من 31 دولة من بينها مصر، كإجراء احترازي لمواجهة تفشي كورونا.
القرار أثار ضجة كبيرة خاصة أن التبليغ به جاء قبيل تحرك أول رحلة من مطار القاهرة، الأمر الذي أثار غضب الركاب المصريين الذين اضطروا للنزول وحمل حقائبهم والعودة لمنازلهم مرة أخرى، لترد عليه القاهرة بإلغاء جميع رحلاتها المجدولة مع الكويت.
كل شعوب الأرض تحترم الكويت ورموزها وشعبها إلا المصاروة الذين شتموا الكويت ورموزها وتاريخها وطعنوا بأعراض الشعب الكويتي
ترحيل المصاروة من بلادنا واجب وطني
— مبارك البغيلي (@M__albugaily) June 13, 2020
العمالة المصرية.. الضحية الكبرى
الحرب الافتراضية بين البلدين، التي أخذت مناحي سياسية وشعبية متفرعة، ألقت بظلالها على مستقبل العمالة المصرية في الدولة الخليجية، التي باتت محل استهداف من بعض الكويتيين، وهو ما انتقل من منصات الإنترنت إلى الساحات الرسمية، سواء داخل وزارة الخارجية أم مبنى البرلمان.
في 28 من مايو الماضي تقدم عدد من أعضاء البرلمان الكويتي “مجلس الأمة” بمقترح يتعلق بتنظيم استقدام العمالة الأجنبية، وذلك بهدف ضمان عدم تأثيرهم على التركيبة السكانية على بلادهم، حيث حدد نسبًا معينة لكل جالية داخل الدولة، ممنوع تجاوزها وإلا تعرض صاحبها للعقوبة.
ووفق المقترح فإن عدد أفراد الجالية المصرية يجب ألا يتجاوز الـ10% من المقيمين داخل الكويت، وعليه فإنه في حال تطبيقه فيجب ترحيل ما يزيد على نصف مليون مصري مقيم داخل البلاد، معظمهم من العاملين في القطاع العام (الحكومة) بجانب ممارسات الإقصاء المتوقعة في ظل إستراتيجية “التكويت” المتبعة مؤخرًا.
لم تكن العمالة المصرية وحدها المستهدفة من تلك الإجراءات، إذ يواجه ملايين العمال الأجانب في دول الخليج مصيرًا مشابهًا في ظل التداعيات الاقتصادية السلبية التي مني بها الخليجيون جراء فيروس كورونا، هذا بجانب الهزة الكبيرة التي تعرضت لها اقتصادات تلك الدول بسبب انهيار أسعار النفط، ما دفع الحكومات هناك لاتخاذ إجراءات حادة من بينها تقليص العمالة الأجنبية.
العلاقات بين البلدين.. إلى أين؟
رغم ما تحمله الأزمات الأخيرة من قدرة على تأجيج الوضع بين البلدين، فإنها وحدها لا يمكنها إحداث التأثير الواقع حاليًّا، فحالة الاحتقان المتبادل بين الشعبين وتربص كل طرف بالآخر، تخفي تحت رمادها نارًا على أهبة الاستعداد للاشتعال في أي وقت.
تلك النار المستترة تحت ستار الدبلوماسية والمصالح المشاركة تعكس وبشكل كبير طبيعة العلاقات المتوترة بين البلدين، رغم التنسيق الظاهري المعلن للخارج، وهو ما توثقه بشكل أو بآخر مواقف السلطات الكويتية الداعمة لنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ 2013 وحتى اليوم.
غير أن تباين وجهات النظر حيال بعض الملفات الإقليمية، وعلى رأسها الأزمة الخليجية واختيار الكويت لموقف المحايد الوسيط في الأزمة دون الارتماء في أحضان الرباعي، بجانب الموقف من جماعة الإخوان المسلمين، كل هذا تسبب في شروخات كبيرة في جسد العلاقة بين البلدين.
حالة من القلق تخيم على الكثير من الخبراء والمقربين من دوائر صنع القرار في البلدين خشية تفاقم الأزمة بصورة لا يمكن السيطرة عليها، ومن ثم تنشط الجهود الدبلوماسية خلال الساعات الماضية لاحتواء الموقف وتضييق الخناق عليه لئلا يتجاوز الخط المسموح به كالعادة كحرب إلكترونية لا تفارق منصات السوشيال ميديا.