يبدو أن مغامرات ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس في منطقة الخليج العربية، لم تكشف جميعها بعد، ففي كل مرة يتم رفع الستار عن مغامرة جديدة بطلها خوان كارلوس، مغامرات ارتبطت جميعها بشبهات فساد، ما دفع كارلوس إلى مغادرة البلاد عله ينجو من حكم القضاء الإسباني الذي يتابعه.
رشاوى بحرينية
في الوقت الذي كانت فيه السلطات البحرينية تقمع شعبها إبان ثورات الربيع العربي وتصادر رأيه وتمارس أبشع الانتهاكات في حقه، كان الملك الإسباني حينها خوان كارلوس يشيد بما اعتبره التطور والإصلاح البحريني ورجاحة حكم العائلة المالكة في المملكة البحرينية.
إشادة الملك خوان كارلوس بما اعتبرها حينها الرؤية الإصلاحية للعاهل البحريني حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة لم تكن مجانية، فالرجل قبض على تلك الكلمات القليلة الأموال الكثيرة، فالمهم عند البحرينيين أن يتم دعمهم من الخارج حتى يتمكنوا من مواصلة قمعهم.
صحيفة “الموندو” الإسبانية، نشرت مؤخرًا تقريرًا تحدثت فيه عن تفاصيل رشاوى قدمت لملكهم السابق، حيث تقول الصحيفة إن العاهل البحريني حول مبلغًا يقدر بنحو 1.7 مليون يورو إلى الحساب السويسري الخاص بالملك الأب خوان كارلوس كهدية.
وفي وقت سابق من هذه السنة، كشفت صحيفة التلغراف أنه في عام 2008 أنشأ خوان كارلوس – وهو والد الملك الحاليّ فيليبي – مؤسسة مبهمة في بنما تسمى لوكوم، حيث تلقى الحساب المصرفي السويسري لهذه المؤسسة مبلغًا قيمته 1.7 مليون يورو.
حتى إن غادر البلاد، ستبقى الفضائح والقضايا المتعلقة بشبهات فساد تلاحق الملك الإسباني السابق خوان كارلوس
زعم خوان كارلوس أن العاهل البحريني هو الذي منحه هذا المبلغ كهدية تقديرًا لمكانته في شبه الجزيرة العربية، لكن في الحقيقة هذا المبلغ تم منحه لكارلوس حتى يلمع صورة المملكة المعروفة بانتهاكها لحقوق الإنسان.
الملك الذي يدعي حماية بلاده لحقوق الإنسان وعملها الدؤوب على نشر قيم الديمقراطية تبين فيما بعد أنه يتلقى الأموال للتغطية على جرائم الدول الاستبدادية، ليس هذا فحسب بل يروج لصورة مغايرة تمامًا للواقع الذي تعيشه الشعوب في تلك الدول.
مملكة البحرين التي يحكمها أحد أشد الأنظمة العربية قسوةً واستبدادًا، أرادت من خلال هذه الأموال شراء ذمة الملك الإسباني، حتى يساهم في تبييض صورتها الملطخة بدماء أبناء شعبها، لدى الأنظمة والرأي العام الغربي.
الأموال السعودية
ليس هذا فحسب فقد أعلنت المحكمة العليا الإسبانية قبل شهرين فتح تحقيق في احتمال تورط الملك المتنحي خوان كارلوس، بقضية فساد مرتبطة بتشييد قطار فائق السرعة في السعودية.
يشمل التحقيق مصارف سويسرية، ويشتبه مسؤولو مكافحة الفساد الإسبان، أنّ خوان كارلوس أخفى أموالًا غير معلنة في سويسرا، وكانت شركات إسبانية قد فازت بعقد قيمته 6.7 مليار يورو لبناء خط قطار سريع بين مكة والمدينة.
يذكر أن هذا التحقيق قد فتح في سبتمبر/أيلول 2018، بعدما تناقلت وسائل إعلام محلية وأجنبية شائعات بشأن ثروة خوان كارلوس الغامضة، وقد تم خلال التحقيق استجواب محامي الملك السابق في سويسرا ومستشاره المالي وآخرين على صلة به، من بينهم عشيقة ألمانية سابقة لكارلوس، تدعى كورينا ساين فيتجنشتاين.
نشرت وسائل إعلام إسبانية في يوليو/تموز 2018 تسجيلات تؤكد فيها كورينا زو ساين فيتجنشتاين أن خوان كارلوس تلقى عمولة في أثناء منح شركات إسبانية عقد لإنشاء قطار فائق السرعة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة سنة 2011.
ويركز التحقيق على مبلغ مالي تلقاه خوان كارلوس من العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله عام 2008 بقيمة 100 مليون دولار، ويشتبه في أن هذا المبلغ له علاقة بإبرام عقد بقيمة 6.7 مليار يورو لإنشاء خط سكك حديدية فائق السرعة بين المدينة ومكة من تحالف شركات إسبانية بعد ذلك بثلاث سنوات.
إلى جانب ذلك، سبق أن كشفت وسائل إعلام إسبانية تكفل قطب سعودي لم تذكر اسمه برحلة صيد قام بها الملك السابق خوان كارلوس في بوتسوانا مع عشيقته كورينا زو ساين فيتجنشتاين، لاصطياد الفيلة في وقت كانت فيه البلاد تعاني من معدلات بطالة قياسية.
خروج من الباب الصغير
هذه القضايا المتتالية، حتمت على خوان كارلوس مغادرة البلاد إلى وجهة غير معلومة، حيث أعلن القصر الملكي في إسبانيا مغادرة الملك السابق خوان كارلوس البلاد، وأعلن كارلوس خطوته في رسالة وجهها إلى ابنه الملك فيليب.
وجاء في رسالة، كارلوس إلى ابنه “تحدوني الرغبة في أن أفعل أفضل ما في مصلحة الشعب الإسباني ومؤسساته وأنتم كملك. أبلغكم بقراري، مغادرة إسبانيا في هذا الوقت”، وجاء في الرسالة أن قراره بمغادرة البلاد يرجع إلى رغبته في تسهيل مهام ابنه الملك، في هدوء وسكينة.
بمغادرته البلاد بهذه الطريقة، يكون خوان كارلوس قد خرج من الباب الصغير، يذكر أن كارلوس جلس على العرش عام 1975 بعد وفاة الجنرال فرانسيسكو فرانكو ونال احترامًا كبيرًا لدوره في قيادة البلاد من الدكتاتورية إلى الديمقراطية.
سمح كارلوس الذي بقي ملكًا على إسبانيا مدة 38 عامًا بالانتقال من الحكم الديكتاتوري إلى الديمقراطية، وقد نجح في وقف انقلاب عسكري عام 1981، وساهم بقدر كبير في ترسيخ قيم الديمقراطية في بلاده.
خوان كارلوس الذي كان يعد خلال فترة توليه العرش، أحد أكثر ملوك العالم شعبية، لم يفلح في الحفاظ على شعبيته الكبيرة، حيث فقد ثقة الكثير من الإسبان في الفترة الأخيرة، بسبب سلسلة من الفضائح وشبهات الفساد التي تلاحقه.
وسبق أن تنازل خوان كارلوس عن العرش لفائدة ابنه سنة 2014، فيما بعد أعلن ابنه فيليب السادس أنه تخلى عن ميراث والده وسحب منه مخصصاته السنوية البالغة 200 ألف يورو، بعد أن شعر بالحرج من ورود أسمه كأحد المستفيدين من تحويل الأموال السعودية إلى المؤسسة في بنما التي تدير الحساب في سويسرا.
حتى إن غادر البلاد، ستبقى الفضائح والقضايا المتعلقة بشبهات فساد تلاحق الملك الإسباني السابق خوان كارلوس، ما يجعل المؤسسة الملكية هناك في إحراج كبير، فهل يضطر الملك الحاليّ لحبس أبيه حتى تتوقف الألسن والأقلام عن الحديث عن هذه الفضائح؟