حالة من الهلع والهول والوجوم والصدمة العارمة المخيفة خيمت على أبناء بيروت وأهلها عصر يوم الثلاثاء 4 من أغسطس/آب 2020 جراء الانفجار الكبير والمخيف الذي حصل عند الساعة السادسة والدقيقة العاشرة عصرًا في مرفأ بيروت، الذي وصلت أصداؤه إلى محيط يتجاوز مسافة 40 كيلومترًا عن بيروت، وشعر به أهالي وسكان مدينة صيدا في الجنوب، وبعض مدن وبلدات جبل لبنان وكسروان والشوف، وأدى إلى دمار كبير في المرفأ، حيث دمر الانفجار عنابر القمح ومستودعات اللحوم والأدوية وغيرها من السلع المستوردة والحاجات الأساسية للناس، فضلًا عن كل ما حواه المرفأ من بضائع وسلع وحاجيات، حتى إنه يمكن القول إن المرفأ دُمر بشكل كامل ويحتاج إلى وقت ليس قليلًا من أجل تأهيله وإعادته للعمل.
كما أدى الانفجار الكبير الذي وصل عصفه إلى محيط 1000 متر عن المرفأ، إلى تدمير شركة الكهرباء في بيروت التي لا تبعد إلا مئات الأمتار عنه، وكذلك بعض الأبنية والمستشفيات ومنها مبنى جريدة النهار وغيره من الأبنية المأهولة بالسكان.
كما خلف الانفجار عشرات القتلى وآلاف الجرحى، فقد أعلن وزير الصحة اللبنانية أن عدد القتلى بلغ 80 شخصًا مرشح للزيادة، فيما بلغ عدد الإصابات نحو 4000 جريح غصت بهم مستشفيات العاصمة قبل أن تطلق الوزارة والجهات المعنية مناشدات بتحويل الجرحى إلى مستشفيات خارج العاصمة في المحافظات الأخرى، كما طلبت من فرق الإسعاف العاملة على كل الأراضي اللبنانية التحرك والعمل على نقل الجرحى، وإلى التبرع بالدم من الوحدات كافة نظرًا للحاجة إلى ذلك.
كيف حصل الانفجار؟
لا بد من التنوية والإشارة أولًا إلى أنه ليس هناك رواية رسمية ثابتة لما جرى ولا لكيفية حصول الانفجار بانتظار اكتمال التحقيقات.
نفت مصادر قريبة من حزب الله أن يكون للحزب أسلحة أو صواريخ في المرفأ أو أن يكون المرفأ قد تعرض لهجوم إسرائيلي
غير أن المعلومات التي تم تداولها والفيديوهات القصيرة التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لأفراد وأشخاص عاديين أظهرت أن حريقًا عاديًا حصل في جانب من جوانب المرفأ بالقرب من العنبر رقم 12، وسرعان ما امتدت النيران إلى داخل العنبر بعد فشل رجال الإطفاء في إخماد الحريق، وفي لحظات أدى الحريق إلى انفجار أول ليس كبيرًا، غير أن النيران كانت قد اشتعلت بمواد مفرقعة، وامتدت أكثر إلى العنبر 12 الذي كان يحوي موادًا كيماوية (نيترات الصوديوم) بحسب تصريح المدير العام للأمن العام.
أدى اشتعال هذه المواد (نيترات الصوديوم) إلى انفجار كبير وهائل هز بيروت والمناطق المحيطة وترددت أصداؤه في المدن والبلدات المحيطة ببيروت على مسافة 40 كيلومترًا، وحول الانفجار العاصمة بيروت إلى مدينة منكوبة كما أعلن محافظ العاصمة، ووصف ما جرى بأنه قد يفوق في هوله ما جرى في هيروشيما.
شائعات وتوضحيات
بالتزامن مع الانفجار الذي أصاب مرفأ بيروت، سرت في العاصمة شائعات كثيرة تراوحت بين الحديث عن هجوم إسرائيلي عبر الطائرات على المرفأ واستهداف أسلحة وصواريخ كانت في طريقها لـ”حزب الله”، كما تناولت الشائعات أن الهجوم كان عبر صاروخ كروز الدقيق والمدمر، كما سرت شائعات عن وجود لطائرات استطلاع إسرائيلية في سماء العاصمة في اللحظة التي حصل فيها الانفجار.
كما تم تناقل أخبار منسوبة لرئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي وهو يهدد لبنان و”حزب الله” ويتبنى الهجوم على المرفأ، وسرعان ما تبين عدم صحتها، وتبين أنها تصريحات لنتنياهو خلال جولة له في شمال فلسطين المحتلة صباح يوم الثلاثاء، وكذلك سرت شائعة عن خبر منسوب لصحية “هآرتس” الإسرائيلية تتبنى فيه القيادة الإسرائيلية الهجوم، غير أنه تبين سريعًا أن الخبر عار عن الصحة تمامًا.
من جهتها نفت مصادر قريبة من “حزب الله” أن يكون للحزب أسلحة أو صواريخ في المرفأ أو أن يكون المرفأ قد تعرض لهجوم إسرائيلي، واكتفت المصادر بهذا النفي دون الدخول في التفاصيل.
أما الحكومة اللبنانية فقد اكتفت بما صرح به المدير العام للأمن العام بشأن فرضية انفجار نيترات الصوديوم بسبب الحريق في المرفأ على أن تكتمل الرواية الرسمية بعد اكتمال التحقيقات، وقد دعا رئيس الجمهورية، ميشال عون، المجلس الأعلى للدفاع إلى اجتماع استثنائي ليلًا لمتابعة التطورات، فيما تعهد رئيس الحكومة بمحاسبة المسؤولين عن الكارثة في أي موقع من مواقع المسؤولية.
فرضية الهجوم أو العمل المدبر
رغم الروايات غير الرسمية التي تستبعد فرضية العمل المدبر أو الهجوم، فإن متابعين في بيروت لا يستبعدون أن يكون خلف ما جرى عمل منظم ومدبر أو ربما هجوم حقيقي، خاصة أنه يأتي في توقيت ينتظر فيها لبنان إعلان حكم المحكمة الدولية بجريمة اغتيال الرئيس الأسبق رفيق الحريري، وكذلك على أعتاب التجديد لقوات الطوارئ الدولية (اليونيفل) في أواخر الشهر الحاليّ، وفي ظل تصعيد إسرائيلي على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة وتهديد باستهداف البنية التحتية للبنان في أي مواجهة مقبلة مع حزب الله.
كما أن متابعين في بيروت يضعون ما جرى في إطار العمل المدبر حتى لو كان الأمر يتصل بانفجار نيترات الصوديوم، ويشيرون إلى أن الانفجار يزيد حجم الضغط على لبنان على المستويين الاقتصادي والأمني بهدف إخضاع البلد من ضمن الحروب التي تدور في المنطقة ومنها لبنان.
على كل حال شكل هذا الانفجار صدمة حقيقية للبنانيين وأرخى بثقله عليهم خاصة لناحية الخوف والقلق مما هو آتٍ في ظل تصاعد التهديدات والمخاوف من انزلاق البلد إلى فوضى داخلية أو حرب مفتوحة عبر الحدود.