قد تكون المرة الأولى في التاريخ أن يتدخل رئيس أكبر دولة في العالم في شؤون تطبيق للرقص والغناء انتشر بين الشباب، بل ويصبح مقلقًا له ويتناوله في حديثه عدة مرات خلال أيام قلائل. فما قصة تطبيق تيك توك الذي أرّق الرئيس ترمب واختصر عداءه للصين فيه؟!
وُلِد تطبيق TikTok عام 2016 من شركة Bytedance الصينية، وهي واحدة من الشركات الأكثر قيمة في العالم، ارتفعت شعبية التطبيق ويُعتقد أن لديه الآن أكثر من 850 مليون مستخدم نشط شهريًا حول العالم، علمًا بأن مجموع مستخدميه تجاوز المليارين.
ومع بداية انتشار التطبيق صرح Alex Malafeev، الشريك المؤسس لشركة SensorTower، وهي شركة أمريكية تتّبع التطبيقات، قائلًا: “ما نراه في الوقت الحاليّ هو تطبيق يحث الخطى بمسار يؤهله أن يكون منافسًا محتملًا لـInstagram”.
بدايةً مثّل TikTok منطقة مجهولة بالنسبة للمستخدمين، حيث أتاح لهم الفرصة لاقتناص متابعين جدد، وربما مع مرور الوقت صاروا نجومًا على منصة جديدة ولم يكونوا ليجدوا مثل تلك الفرصة على المنصات الأقدم.
التطبيق هو أول منصة لمشاركة الفيديوهات القصيرة اكتسبت حقًا المستخدمين على مستوى العالم منذ إغلاق Vine – تطبيق فيديوهات قصيرة من تطوير تويتر – في أوائل عام 2017، فجذب التطبيق منذ انطلاقه فئة المراهقين والشباب، وهم النسبة الأكبر بين مستخدميه، إذ وجدوا فيه ملجأً لإظهار مواهبهم في الرقص والغناء عبر مقاطع فيديوية لا تتجاوز الـ60 ثانية.
بيّنت متاجر أبل وجوجل أن التطبيق حل في المرتبة الثانية في عدد التنزيلات عام 2019 بعد تطبيق WhatsApp
ومع تنامي مستخدمي التطبيق بشكلٍ أسّي، وانتقاله خارج حدود الصين (البلد الأصل) عام 2017، فكّرت “Bytedance” في جذب المزيد من الشركات المنتجة للموسيقى، وتمخض عن ذلك استحواذها على شركات عالمية منها شركة “Musical.ly” الأمريكية مقابل مليار دولار.
أرقام أثارت حفيظة المنافسين
النمو المتسارع للتطبيق، الذي ترجمته أرقام وإحصاءات متاجر التطبيقات الذكية دفعت عمالقة التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي إلى محاولة تقليد تلك التجربة، حيث بيّنت متاجر أبل وجوجل أن التطبيق حل في المرتبة الثانية في عدد التنزيلات عام 2019 بعد تطبيق WhatsApp.
حيث تم إجراء 44% من جميع عمليات تنزيل TikTok البالغ عددها 1.65 مليار عام 2019 وحده، وشكلت الهند نسبة 44% من أصل 323 مليون من إجمالي التنزيلات عام 2019، قبل أن تحظرهُ الشهر الماضي بسبب مناوشات عسكرية مع الصين على الحدود.
كما أشارت الإحصاءات إلى ارتفاع الوقت المنقضي على TikTok بنسبة 210% على أساس سنوي عام 2019 على مستوى العالم، كما تم تنزيل TikTok أكثر من ملياري مرة اعتبارًا من أبريل 2020.
ووفقًا لتقديرات App Annie وهي شركة تراقب بيانات التطبيقات، كان معدل الوقت الذي يقضيه الشباب على التطبيقات هو: فيسبوك 45% وإنستغرام 44% وسناب شات 32%، وبحلول سبتمبر الماضي ارتفع معدل TikTok إلى 39%.
كِبار التواصل الاجتماعي ومحاولات التقليد المستمرة
بعد النجاح الذي حققه التطبيق الصيني والتهديد المباشر لجماهيرية التطبيقات المشابهة، وبغية كسب المزيد من المستخدمين، حاولت شركات جوجل وفيسبوك تطوير تطبيقات مشابهة لعمل TikTok خلال السنتين الماضيتين، حيث أطلق فيسبوك تطبيق “Facebook Lasso” في نوفمبر 2019، يتيح للمستخدمين تحميل مقاطع فيديو تصل مدتها 15 ثانية مع إمكانية إدخال مقاطع موسيقية إلى الفيديو.
تم تنزيل التطبيق من المتاجر أكثر من 500000 مرة، معظمها في المكسيك، وفقًا لـSensor Tower،6، وفي الشهر الماضي، أطلق فيسبوك أيضًا تطبيق “Instagram Reels” في البرازيل كتجربة بعد فشل تطبيق “Lasso”، ويتيح “Reels” للمستخدمين تحميل مقاطع الفيديو مدمجة مع موسيقى ووضعها في القصص.
وفي محاولة للتقليل من قيمة تيك توك وإبعاد المستخدمين عنه، اتخذ فيسبوك خطوات للتحذير من التطبيق بحجة عدم احترامه لخصوصية المستخدمين.
استغل زوكربيرغ جذور TikTok الصينية لانتقادها علانية، وفي خطاب بجامعة جورج تاون، روج فيه لفيسبوك كشركة أمريكية حريصة على حماية حرية التعبير، قال زوكربيرغ: “تبني الصين شبكة الإنترنت الخاصة بها التي تركز على قيم مختلفة للغاية، وتقوم الآن بتصدير رؤيتها للإنترنت إلى دول أخرى”.
سيتمكن منشئو المحتوى من الاستفادة من كتالوج YouTube الحاليّ للموسيقى المرخصة لدمجها مع مقاطع الفيديو
وبعد Facebook Lasso وInstagram Reels، عمل YouTube على تطوير تطبيق الفيديو خاصته الذي أطلق عليه “Shorts”، ويتوقع المراقبون أن يرى التطبيق النور نهاية عام 2020 وسوف يكون المستخدمون قادرين على تحميل ملفات الفيديو على شكل مقاطع قصيرة داخل تطبيق يوتيوب، كما سيتمكن منشئو المحتوى من الاستفادة من كتالوج YouTube الحاليّ للموسيقى المرخصة لدمجها مع مقاطع الفيديو.
فاتورة العداء السياسي بين الصين وأمريكا يدفعها تيك توك
يعد تطبيق تيك توك أول تطبيق تواصل اجتماعي غير أمريكي يحقق هذا النجاح بل وينافس وربما يتغلب على التطبيقات الأمريكية، إذ قفزت القيمة السوقية للتطبيق لحدود 100 مليار دولار متجاوزةً قيمة فيسبوك التي كانت بحدود الثمانينيات.
في فبراير 2019، عاقبت لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية TikTok بـ5.7 مليون دولار بسبب انتهاك قانون حماية خصوصية الأطفال على الإنترنت (COPPA)، بعد شكاوى من أنه جمع معلومات شخصية للأطفال دون سن 13 عامًا دون موافقة الوالدين بشكل غير قانوني.
وفي أبريل 2019، حظرت محكمة عليا في الهند، التطبيق لمدة أسبوع، متهمةً إياه بنشر المواد الإباحية، ومن المحتمل تعرض الأطفال لخطر المحتالين الجنسيين، وتؤثر سلبًا على الصحة العقلية لمستخدميها.
وفي ديسمبر 2019 قدّم طالب جامعي أمريكي دعوى قضائية ضد تطبيق TikTok، متهمًا إياه بنقل بيانات المستخدم الخاصة إلى خوادم في الصين، رغم تأكيد مالك TikTok Bytedance أنها لا تخزن البيانات الشخصية هناك.
وقبل ذلك بشهر، فتحت الولايات المتحدة مراجعة للأمن القومي لمالك TikTok ByteDance لاستحواذها على تطبيق فيديو قصير Musical.ly بقيمة مليار دولار.
ومنذ ذلك الحين، تحدث المشرعون من جميع أنحاء الطيف السياسي والمنظمات التجارية القومية مثل Swadeshi Jagran Manch عن علاقة TikTok الوثيقة المزعومة مع الحكومة الصينية، ودعا البعض مرارًا إلى حظر المنصة.
أثار كبار المشرعين الأمريكيين الآخرين مخاوف بشأن احتمال أن يسرب Tiktok بيانات المستخدمين إلى الحكومة الصينية، كما واجه التطبيق أيضًا أسئلة عما إذا كان يخفي مقاطع الفيديو من احتجاجات هونغ كونغ لإرضاء الحكومة الصينية، وهو أمر نفته شركة ByteDance مرارًا وتكرارًا.
كشف TikTok مؤخرًا أنه حظر 49 مليون مقطع فيديو لانتهاكها سياساتها في الأشهر الست الأخيرة من عام 2019، حيث ضاعفت جهودها لإبعاد نفسها عن جذورها الصينية، وقالت الشركة في مدونة على الإنترنت عن هذا الأمر: “دعونا نكون واضحين للغاية: TikTok لا يزيل المحتوى بناءً على الحساسيات المتعلقة بالصين”، “لم تطلب منا الحكومة الصينية مطلقًا إزالة أي محتوى ولن نقوم بذلك إذا طُلب منا ذلك”.
بالإضافة إلى ذلك ، قال TikTok إن فريق الاعتدال في الولايات المتحدة، الذي يقوده من كاليفورنيا، يراجع المحتوى بشأن الالتزام بالسياسات الأمريكية، “نحن لا نتأثر بأي حكومة أجنبية، بما في ذلك الحكومة الصينية”.
كان التطور الكبير الذي حصل هو تهديد الرئيس ترامب بحظر التطبيق بشكل نهائي من البلاد
وقال TikTok: “لا نعمل في الصين، وليس لدينا أي نية للقيام بذلك في المستقبل”.
لكن التطور الأخير كان على مدى الأسبوعين الماضيين، وذلك عندما لمّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمخاطر التطبيق، ثم غرد بعد ذلك بأن تطبيق “تيك توك” أحد أذرع الصين للتجسس على المواطنين الأمريكيين، وفي الجمعة الماضية كان التطور الكبير الذي حصل هو تهديد الرئيس ترامب بحظر التطبيق بشكل نهائي من البلاد.
هذا القرار للرئيس الأمريكي انتقده الكثيرون، إذ صرحت جنيفر جرانيك مستشار المراقبة والأمن السيبراني لدى اتحاد الحريات المدنية في الولايات المتحدة، قائلة: “حظر تطبيق يستخدمه ملايين الأمريكيين للتواصل مع بعضهم البعض يشكل خطرًا على حرية التعبير وهو غير عملي من الناحية التكنولوجية”.
عرض مايكروسوفت فرصة نجاة وخروج بأقل الأضرار
في خضم تهديد ترامب واستعداد الشركات المنافسة لاستقبال المغادرين من تطبيق “تيك توك”، تلّقت “ByteDance” عرضًا مفاجئًا لبيع جزء من التطبيق، وبالأخص ذلك المتعلق بالولايات المتحدة.
جاء العرض من شركة “مايكروسوفت” الأمريكية، واشترطت مايكروسوفت أن تدير هي خدمات TikTok في كل من الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، كما يتضمن العرض نقل البيانات الخاصة للمستخدمين الأمريكيين وحفظها في الولايات المتحدة.
وقالت مايكروسوفت: “هذا الهيكل الجديد سيبنى على التجربة التي يحبها مستخدمو TikTok حاليًّا، مع إضافة حماية عالمية وخصوصية، وحماية أمان رقمية”، وبيّنت مايكروسوفت أن المحادثات بينهما ستنتهي بحلول 15 من سبتمبر، سواء تم التوصل إلى اتفاق أم لا.
يرى البعض أن عرض مايكروسوفت يمثل أفضل الفرص للشركة الصينية في الوقت الراهن، إذ سيدر عليها عشرات المليارات
في حين أن ByteDance لم ترد على الفور على المنشور، إلا أنها نشرت بيانًا يوم الأحد الماضي على موقع Toutiao، وهو موقع التواصل الاجتماعي الصيني الذي تمتلكه بيّنت فيه “أنها كانت ملتزمة دائمًا بأن تصبح شركة عالمية”، كما زعمت أن الشركة تواجه حاليًّا “جميع أنواع الصعوبات المعقدة التي لا يمكن تصورها”، مع وجود “بيئة سياسية دولية متوترة”.
ووضح دانييل آيفز المحلل في Wedbush للأوراق المالية، أن Tiktok يمكن أن يكون “الشريك المناسب في الوقت المناسب” لشركة Microsoft، ويقدر قيمة التطبيق بنحو 50 مليار دولار، لكن قيمته ستتأثر بشدة إذا أُغلق في الولايات المتحدة.
وبينما الشركتان دخلتا في مراحل التفاوض، فإنّ الوقت المتبقي لهما ينفذ، إذ أبلغ الرئيس ترامب شركة مايكروسوفت بأن لديها موعدًا حتى 15 من الشهر الحاليّ لكسب الصفقة، وإلا فإن التطبيق سيتم حظره بشكل كامل من البلاد، ويرى البعض أن عرض مايكروسوفت يمثل أفضل الفرص للشركة الصينية في الوقت الراهن، إذ سيدر عليها عشرات المليارات، إضافة لعدم خسارتها لثاني أكبر سوق لها بعد الهند.