بلحظة ما قد تنقلب حياة البعض رأسًا على عقب حرفيًا، حوادث تصيب أحدنا وتتغير الحياة بلمح البصر بعدها للأبد.
حادث سير على أحد الطرقات، حريق، صعق كهربائي، إصابة عمل بإحدى المكائن، أو تشوه ولادي ربما، جزء من الحوادث التي قد يتعرض لها إنسان ما في هذا الكوكب ليصبح بعدها مرهونًا بتلك الإعاقة وبتلك اللحظة التي سلبته شكل الحياة التي عهدها.
الإعاقة وما يترتب عليها من تبعات نفسية واجتماعية يعاني منها المصاب وحلقة المقربين المحيطة به تجعل حياتهم من أقسى ما يكون والسبب شعور المصاب بالعجز وأنه عبء على من حوله، الغضب الذي ينتابه، السؤال القاتل: لماذا أنا؟ والتحديات اليومية التي تخلفها الإصابة من رعاية والقيام بأبسط فعاليات الحياة (قضاء الحاجة، تغيير الملابس، الأكل وغيره).
التفكير النمطي لما بعد الإعاقة هو محاولة خلق حالة من التأقلم للمصاب وأهله، لكن ماذا لو فكر أحدهم خارج الصندوق؟ ماذا لو أعاد الحياة إلى سابق عهدها ليس بإدارة عجلة الزمن إلى الوراء وتغيير الماضي، بل بإعطاء الأمل لفاقديه وإعادة الحياة لما كانت عليه؟
عمر أوزكان جراح التجميل التركي الذي أجرى أول عملية نقل رحم ناجحة في العالم، وأول عملية نقل وجه في تركيا ورائد نقل الأطراف عالميًا، الذي استطاع أن ينقل الطب في تركيا إلى مستويات رفيعة، وأعطى للكثيرين فرصةً لعيش حياة طبيعية بعيدًا عن الإعاقة والألم.
ولد عمر مصطفى أوزكان عام 1971 لأسرة متوسطة الحال في هايمانا – أنقرة كابن من أصل ستة أطفال، والده كان بائعًا للأقمشة ووالدته ربة منزل ترعى العائلة، تلقى تعليمه الأولي في أنقرة وكان حلم طفولته محصورًا بين الطب والطيران، لكنه اختار مسار الطب لإيمانه بأن مهنة الطب رسالة إنسانية بإمكانها أن تحدث الفرق في حياة الآخرين.
يقول عمر أوزكان إنه بعد أن عاد إلى تركيا وضع لنفسه 3 أهداف، وهي إجراء عمليات زراعة الأعضاء التالية: أطراف ورحم ووجه.
التحق أوزكان بكلية طب haccettepe وتخرج فيها عام 1995. أوزكان الذي كان يريد أن يتخصص في جراحة الأوعية الدموية حملته الصدفة لدراسة اختصاص الجراحة التجميلية ليكمل التخصص من نفس الجامعة التي تخرج فيها عام 2001.
أتيحت لأوزكان فرصة تطوير مهاراته الجراحية عندما التحق عام 2004 بزمالة بحثية بجامعة طوكيو في اليابان ليتلقى تدريبًا في عمليات الترقيع والجراحة الدقيقة المتطورة، ثم ليكمل شغفه في أخذ الخبرات والمهارات الجراحية الاحترافية بانتقاله إلى تايوان جامعة I-Shou بالأخص التدريب على جراحة اليد.
في 2006 حصل عمر أوزكان على منحة من الرابطة الأوروبية لجراحي التجميل EURAPS في جامعة ميونخ التقنية – ألمانيا.
بعد حصوله على هذه الخبرات عاد أوزكان إلى بلده ليبدأ مشواره في جامعة أكدنيز كبروفيسور مساعد عام 2006 في قسم الجراحة التجميلية، يقول عمر أوزكان إنه بعد أن عاد إلى تركيا وضع لنفسه 3 أهداف وهي إجراء عمليات زراعة الأعضاء التالية: أطراف ورحم ووجه.
اجتهد عمر أوزكان بجد، درس واطلع كثيرًا، سافر وحاول اكتساب المهارات، ثم وضع لنفسه الأهداف وبدأ بالسير نحوها حتى عام 2010 حين ابتدأ بنقل الحلم إلى واقع عندما أجرى أول عملية نقل أطراف ناجحة في تركيا ضمن فريق طبي من جامعة أكدنيز (من ضمنهم زوجته الدكتورة أوزلينين أوزكان) لجيهان توبال المزارع الذي فقد كلتا يديه خلال موسم حصاد الذرة بسبب إحدى الآلات، وعاش لمدة عامين فاقدًا ليديه بانتظار متبرع حتى عام 2010 عند وفاة فاتح دميريل ذي الثالثة والعشرين عامًا الذي توفي بحادث سير في مدينة موغلا التركية.
في لقاء تليفزيوني مع جيهان توبال تحدث عن ذراعيه الجديدتين وامتنانه لكل لحظة في حياته الجديدة بعد العملية وكيف أصبح باستطاعته أن يرعى طفليه وابنه عمر أوزكان توبال الذي أسماه على اسم الدكتور عمر أوزكان، وكيف بإمكانه أن يؤدي مهامه اليومية من عمل ورعاية عائلته دون مساعدة.
عام 2011 استطاع عمر أوزكان أن يذلل المستحيل ويهب الأمل ويكتب اسمه ضمن الأشخاص الذين غيروا وجه الطب عندما أجرى أول عملية زرع رحم ناجحة، عندما نقل رحم امرأة متوفاة إلى ديريا سرت التي ولدت بتشوه ولادي من دون رحم مما حرمها الأمومة التي تحلم بها، أُجريت العملية بنجاح في مستشفى جامعة أكدنيز بأنطاليا، لتضع مولودها الأول الذي اسمته عمر أوزكان) بعد تسع سنوات من عملية زراعة الرحم.
فرحة الدكتور عمر أوزكان وزوجته بولادة ديريا كانت كبيرة، لكن ثمة ما ينغصها عندما يفكر بالعديد من النساء اللاتي يأملن أن يصبحن أمهات ذات يوم، محاولًا مساعدتهن بالسعي لتشريع قوانين تخص هذا الأمر بتركيا، كما أنه تلقى العديد من الطلبات لأجل نقل خبرته في هذا المجال إلى بقية دول العالم.
بعد تحقيقه لهدفين من الأهداف التي وضعها لنفسه، اقترب من المهمة الأصعب وهي عملية زراعة وجه كامل، رغم تأثره بفيلم Face Off كما يقول، فإنه يذكر اللحظة التي أتم هو وفريقه العملية وسادت لحظات من الصمت داخل صالة العمليات بعد أن رأى الفريق شخص آخر غير الذي أدخلوه للعملية.
العملية أجريت لأوغور أكار الذي تعرض لحادث حرق عندما كان طفلًا رضيعًا أدى إلى تشوه وجهه بالكامل، اليوم يمضي أوغور ذو السادسة والعشرين عامًا في حياته الجديدة بفرح بعد أن كان منعزلًا لا يستطيع الخروج إلى الأماكن العامة بسبب خوف الناس وهروب الأطفال عند رؤيته، يقول في مقابلة له إنه يعمل ويخرج للأماكن العامة ويحبه الناس من حوله، وجرب أحاسيس جديدة كتحريكه عضلات وجهه وحلاقة الذقن وغيرها من الأحاسيس التي كان يفتقدها بوجهه السابق ويطمح إلى الزواج وتأسيس عائلة ويقول بعد المعجزة التي حدثت له ماذا يطلب أكثر من الله!
أردوغان يستقبل عمر أوزكان بعد إجراء أول عملية زراعة وجه في تركيا
رسالته إلى طلاب الطب
أوزكان يؤمن بإنسانية الطب بعيدًا عن المادة، ويقول إن دراسة الطب صعبة جدًا وتحتاج إلى تفرغ تام، فلا يمكن أن يعمل طالب الطب في مهنة ثانية لأن ذلك يؤثر على أدائه ويفقده الشغف بالدراسة والتعلم والبحث عن المعلومة، كما يشدد على أن اختيار الشخص للطب يجب أن لا يكون مبنيًا على غاية الدخل الجيد والحصول على المال الذي توفره هذه المهنة، فهو يتبنى فلسفة خاصة في هذا الموضوع بأن الإخلاص بالعمل وإتقانه بغض النظر عن المجال هو الذي يجلب المردود المالي الجيد.
أبحاثه
لعمر أوزكان العديد من الأبحاث العلمية التي نشرت في المجلات العلمية الرصينة تتناول مواضيع متعددة منها أبحاث عن تعابير الوجه والإحساس بعد زراعة الوجه وأبحاث عن زراعة الرحم وتصنيع المهبل وأبحاث عن الترقيع وغيرها.
يعيش البروفيسور عمر أوزكان وزوجته وابنتاه زينب وناز في أنطاليا، ويقول إنه دائمًا متأهب لإجراء عملية زراعة أعضاء عند توافر متبرع، حيث خصصت له وزارة الصحة مروحية تساعده على نقل الأعضاء التي يريد زراعتها بشكل سريع حتى يتسنى الاستفادة منها بالسرعة اللازمة.
كما يرفض بشكل قطعي فكرة السفر خارج تركيا رغم تلقيه العديد من عروض العمل، لكنه يؤمن أن ما يسهم به من عمليات نقلت الطب في تركيا إلى مستويات متقدمة ويقول إنه يفضل أن يكون موظفًا بسيطًا داخل بلده على أن يسافر ويتركها.
حكاية عمر أوزكان من الحكايات الملهمة التي تعطينا درسًا أن لا حدود لإرادة الإنسان وأن المستحيل يصبح مستحيلًا عندما يتوقف الإنسان فقط عن المحاولة.