ترجمة وتحرير نون بوست
من داخل بيت عربي تقليدي قديم يقع بين مدينتي عفرين وأعزاز اللاتي تقعان تحت سيطرة المعارضة، بذل اللاجئ الفلسطيني عمار القدسي كل جهده للاستقرار والشعور بأنه في وطنه، ربّى القدسي – الناشط الفلسطيني السوري الذي نزح في أثناء الحرب السورية – أبناءه السبع على المقاومة والصمود والنضال، تلك المبادئ التي تعلمها من آبائه، فقد ولد القدسي لأسرة نازحة، حيث طردت عائلته من فلسطين عام 1948.
يقول القدسي إن قوات الرئيس السوري بشار الأسد أخرجته من مخيم اليرموك الفلسطيني في دمشق وسرقت ودمرت منزله، تمامًا مثلما فعل الإسرائيليون مع منزل والديه وأجداده في فلسطين.
كان مخيم اليرموك المعروف بعاصمة اللاجئين الفلسطينيين أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين خارج بلادهم، يقع المخيم بالقرب من حي الميدان جنوب دمشق، ويُعرف شارعاه الرئيسيان (اليرموك وفلسطين) بأسواقهما الشعبية الصاخبة مجتذبًا الفلسطينيين والسوريين طوال اليوم.
تدمير المخيم
توقف هذا النشاط البشري الجذاب في بدايات 2011 عندما اندلعت الاحتجاجات السلمية المناهضة للحكومة عبر البلاد تلاها القمع المتواصل الذي تحول إلى حرب أهلية مستمرة، شارك العديد من سكان اليرموك في الثورة الشعبية ضد الأسد وسيطر عليه الثوار والمسلحون في عدة نقاط حتى استولت عليه القوات الموالية للحكومة في منتصف 2018.
قامت قوات الأسد بمحاصرة وقصف المخيم في نهاية المطاف ودمرت أجزاءً واسعةً من هذا المخيم المكتظ بالسكان، انتشرت الحكايات عن الجوع تحت الحصار مع صور صادمة نشرتها الأمم المتحدة لفلسطينيين يصطفون وسط الأنقاض للحصول على المساعدات.
لقد قاد جنود الأسد عمليات نهب واسعة النطاق من بينها سلب أسطح المباني الخرسانية غير الرسمية لبيع حديدها كخردة
طُرد المقاتلون المسلحون والمواطنون المعارضون للأسد في 2018 إلى الشرق والشمال حيث وجد القدسي نفسه الآن، لا يرى الكثير من الفلسطينيين أن الأسد مدافع عنهم كما يصور نفسه، بل إنه سفاح والآن لص.
منذ مارس 2011 قتلت القوات الموالية للحكومة 3196 لاجئًا فلسطينيًا من بينهم 491 شخصًا قُتلوا تحت التعذيب و2663 شخصًا ما زالوا مفقودين منذ اعتقالهم في سجون المخابرات وفقًا لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
يقول القدسي: “بينما يدعي الأسد دفاعه عن القضية الفلسطينية، فإنه يخطط لتدمير ما تبقى من مخيم اليرموك، لقد قاد جنود الأسد عمليات نهب واسعة النطاق من بينها سلب أسطح المباني الخرسانية غير الرسمية لبيع حديدها كخردة”، ما بقي حتى الآن قد لا يكون موجودًا قريبًا.
في أواخر شهر يونيو أعلن مجلس محافظة دمشق المسودة الأولية لخطة تجديد وإعادة بناء اليرموك وفقًا لقانون 10 وهو قانون سيئ السمعة طُرح قبل عامين، يصادر القانون الممتلكات، تاركًا المواطنين السوريين النازحين أو الذين فقدوا وثائق الملكية غير قادرين على الطعن في القرار.
قسمت الخطة المخيم 3 أجزاء وفقًا لحجم الأضرار ومن الممكن الطعن في المسودة خلال 30 يومًا، ورغم أن المسودة نُشرت للتو، فإن حكومة الأسد كانت تدرس إصلاح المخيم منذ فترة.
في أوائل 2019 استبدلت رئيس اللجنة الوطنية لمخيم اليرموك الذي كان فلسطينيًا مستقلًا يعمل بعيدًا عن الحكومة ومتعاونًا مع وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”.
يمهد ذلك الطريق لبدء تنفيذ قانون 10، ومطالبة المواطنين العائدين للمخيم بإثبات ملكيتهم أو مشاهدتها وهي مدمرة أو تم الاستيلاء عليها، تعرضت العديد من سجلات الأراضي السورية للتدمير في أثناء الحرب وأصبحت 50% فقط من الأراضي السورية مسجلة وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش.
بالنسبة للعديد من السوريين والفلسطينيين يعد إثبات الملكية أمرًا مستحيلًا، أعلن مدير الدراسات الفنية في مجلس محافظة دمشق معمر دكاك في أوائل شهر يوليو أن سكان مخيم اليرموك لن يحصلوا على منازل بديلة.
سرقة قانونية
أدان حقوقيون وجماعات فلسطينية من جميع الأطياف تلك الخطة بداية من مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا في المملكة المتحدة وحتى حركة حماس التي طالبت بعودة الفلسطينيين إلى منازلهم وتجديدها بأنفسهم.
أطلق النشطاء الفلسطينيون حملات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي ونشروا عريضة لرفض الخطة وقع عليها أكثر من 800 فلسطيني وسوري، يقول ثائر أبو شرخ – لاجئ وناشط فلسطيني يعيش في شمال سوريا -: “نحن أصحاب مؤامرة عمرها 70 عامًا، هذه الخطة تنهي رمزية المخيم”.
يقول أبو شرخ: “لا جدوى من الاعتراض أو اللجوء للقضاء السوري، إننا نتعامل مع عصابة تستثمر في القضية الفلسطينية من أجل مصالحها الخاصة”
يقول فايز أبو عيد الناشط في مجموعة العمل إن نحو 60% من سكان المخيم البالغ عددهم 220 ألف مواطن سيتأثرون بالخطة بشكل مباشر، ويضيف: “تتضمن الخطة منازل المخيم التي لا تضم أغلبها أوراق ملكية، لذا سيتم مصادرتها وفقًا لقانون 10”.
بالنسبة لأيمن أبو هاشم المحامي الفلسطيني السوري المقيم في تركيا، فإن الموعد النهائي بعد 15 عامًا لتنفيذ الخطة الذي حدده مجلس المحافظة في أواخر 2019 هو رسالة للفلسطينيين للبحث عن منازل بديلة.
ما زال الفلسطينييون في دمشق يقدمون اعتراضاتهم لمجلس المحافظة الذي يحصل على رسوم لكل ورقة اعتراض، لكن لم تُعلن النتائج بعد، يقول أبو شرخ: “لا جدوى من الاعتراض أو اللجوء للقضاء السوري، إننا نتعامل مع عصابة تستثمر في القضية الفلسطينية من أجل مصالحها الخاصة”.
مشاريع الأسد
تضع الحكومة السورية أعينها منذ فترة طويلة على المناطق الواقعة حول العاصمة “لتطويرها”، ويقع مخيم اليرموك على أطراف المشروع المعروف باسم “مشروع مدينة باسيليا” الذي سيشمل تطوير أكثر من 900 هكتار من الأحياء السكنية جنوب دمشق.
هذا المشروع يشبه مشروع مدينة ماروتا سيئ السمعة وهو عبارة عن مجمع سكني حديث لامع يضم مراكز تجارية خارج دمشق، هذه المدن لن تكون في متناول المواطن السوري الذي يعاني الآن من أزمة اقتصادية شديدة.
لا يمكن لأحد أن ينكر أن اليرموك بحاجة للتجديد، فحتى قبل الحرب كان واحدًا من أفقر أحياء دمشق مثله مثل جميع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وقد عانى المخيم تحت سيطرة جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامة “داعش” التي استولت على المخيم من الجيش السوري الحر عام 2015.
ومع ذلك عندما طُرد القدسي ومواطنون آخرون عام 2018 من المخيم، كانوا يعلمون أن الحكومة السورية تضع خطة بالفعل لتسوية منازلهم بالأرض وتطوير المخيم، فعلى سبيل المثال، بدأ العمل في مدينة ماروتا منذ 2012.
يقول القدسي: “من المعروف أن منازل المخيم تم تدميرها في الحرب كجزء من مخطط تنظيمي للأسد، هذه الخطط القذرة تخدم أهداف الاحتلال الإسرائيلي لعزل الفلسطينيين وطمس هويتهم”.
المصدر: ميدل إيست آي