“بيروت مدينة منكوبة”.. من كان يصدق أن أحد أجمل مدن العرب وأكثرها جاذبية يصل بها المطاف إلى ما وصلت إليه، وفق نعت مجلس الدفاع الأعلى اللبناني، على خلفية ما تعرض له مرفأ المدينة الساحرة من تفجيرات خلفت وراءها عشرات الشهداء وآلاف الجرحى.
في وقت لا يساوي في حساب الزمن لحظات عادت العاصمة اللبنانية عقودًا طويلة إلى الخلف، وسط مشاعر متناقضة يكسوها الوجوم على الحالة المذرية التي باتت عليها نتيجة التفجيرات التي وصل صداها إلى محيط يتجاوز مسافة 40 كيلومترًا عن بيروت، والقلق مما يمكن أن تخلفه من تداعيات مستقبلية تزيد أوجاع اللبنانيين آلامًا جديدةً.
للوهلة الأولى لبث لقطات التفجيرات، لم يخطر ببال أحد على الإطلاق أن ما حدث لا يعدو كونه مقطعًا مصورًا لأحد مشاهد أفلام السينما التسجيلية عن القنابل النووية ومظاهر انشطارها أو جزءًا من فيلم وثائقي عن الحرب العالمية الثانية وتفجيرات هيروشيما ونجازاكي.
الحادث الذي أسفر – حتى كتابة هذه السطور – عما يزيد على 100 قتيل وقرابة 4 آلاف مصاب، أعاد للبنانيين الذكريات الصعبة التي شهدتها بيروت حين تم تفجير موكب الرئيس رفيق الحريري في 14 من فبراير/شباط 2005 وهي القضية التي لا تزال عالقة في أذهان الشارع بذكرياتها الأليمة وينتظر صدور حكم بشأنها من المحكمة الدولية نهاية الأسبوع الحاليّ.
حالة من الغموض تخيم على الحادثة التي ألقت بظلالها على المشهد العالمي برمته، وسيناريوهات عدة صيغت لتفسير ما جرى، غير أن كل هذا لا يتجاوز حاجز التخمينات في ظل ندرة المعلومات وغياب التصريحات الرسمية، ليدفع الشعب اللبناني وحده ثمن تلك الطلاسم التي تسيطر على أفق بلاده لعقود طويلة.
وبعيدًا عن التهديدات الصادرة عن السلطات الرسمية اللبنانية، الرئيس ورئيس الحكومة، بمحاسبة المتورط في هذه الحادثة التي لا تزال تعاني من تعقيد خيوطها المتشابكة، فإن بيروت الجميلة التي كنا نعرفها باتت اليوم تحت أنقاض ماسورة فساد كبيرة، ظلت لسنوات طويلة تختبئ خلف ستائر الطائفية حتى انفجرت اليوم لتسقط معها الأقنعة عن الجميع دون استثناء.
قنبلة نووية صغيرة
قبة اللهيب والدخان الناجمة عن الانفجار التي أظلت سماء بيروت وصفها البعض كأنها “قنبلة نووية صغيرة”، إذ كان من المحتمل أن تكون تداعياتها أكثر كارثية مما حدث، حيث تدمير المدينة بأكملها، غير أن السمات الجغرافية للمرفأ والعاصمة وقفت حائلًا دون تعظيم الكارثة.
السؤال البديهي الذي فرض نفسه مع اللحظات الأولى للانفجار: هل من الممكن أن ينجم عن نترات الأمونيوم وهي المادة التي كانت مخزنة في العنبر رقم 12 من المرفأ بحسب مسؤولي الأمن العام في المدينة، كل هذا التأثير الذي أصاب الجميع بالذهول والصدمة؟
وتعد نترات الأمونيوم (NH4NO3) من المواد ذات القابلية للاشتعال وإحداث التأثير الكبير، وهي عبارة عن ملح بلوري يتشكل من تفاعل مادتين – كما يشير اسمه – هما “الأمونيا” (NH3) و”حمض النيتريك” (HNO3)، وتستخدم في العديد من الصناعات الكيميائية مثل السماد الزراعي.
وبحسب الخصائص الفيزيائية لتلك المادة فإنها قابلة للذوبان في الماء، ولا تحترق بسهولة إلا إذا كانت ملوثة بمواد قابلة للاشتعال، لكنها عند الاحتراق تكون نتائجها مروعة، كما ينتج عن احتراقها أكاسيد النيتروجين السامة التي من الممكن أن تصيب المقربين من محيطها.
جيمي أوكسلي، أستاذة الكيمياء بجامعة رود آيلاند، التي أجرت دراسات عن اشتعال مادة نترات الأمونيوم تقول في تصريحات لها: “من الصعب جدًا إشعالها، كما أنه ليس من السهل تفجيرها”، فيما كشف تقرير فني لوزارة الزراعة الفرنسية أنه لا يمكن إحداث انفجار في النترات إلا عبر التماس مع مادة غير متوافقة أو مصدر شديد للحرارة.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تقع فيها مثل تلك التفجيرات الناجمة عن مواد كميائية من هذا النوع، حيث شهدت العقود الماضية العديد من الحوادث المشابهة التي خلفت مئات القتلى، منها ما وقع في ألمانيا 1921 وتكساس في 1947 وأوكلاهوما عام 1995 وتولوز في 2001.
من سيصلح ما انهار في لبنان, مَن سيَجبر كسور اللبنانيين النفسية والمادية, من ذا الذي سيحاسب ومن يحاسب, مَنْ سيمحو الفشل ويزيل الفساد, من سيقنع اللبنانيين والعرب أنه في أمل؟!!#تفجير_بيروت #انفجار_المرفأ #PrayForLebanon #لبنان pic.twitter.com/EtbIYFV8uO
— سلمى الجمل (@AljamalSalma) August 5, 2020
التوقيت.. تعميق الجراح
تتوالى الأزمات تلو الأخرى على البلد الذي ظل يحمل معاني الجمال والرقي والأناقة في كل مجالات الحياة لسنوات طويلة، وكأنه كتب على هذا الشعب أن يدفع ثمن طلاسم المشهد وأبجدياته المتناثرة، فالقراءة الأولية لتلك التفجيرات تتسق بشكل كبير – رغم وقعها الكارثي – مع معطيات الواقع.
وتأتي تفجيرات المرفأ في وقت تعاني فيه الدولة اللبنانية من تقاطعات مركبة لأزمات عدة، بدءًا من الواقع الداخلي المترهل وما يشهده من صراعات سياسية ألقت بظلالها على الوضع الاقتصادي الذي تحول إلى خنجر في ظهر مواطني الدولة، ما تسبب في مزيد من التعقيدات.
فأزمات الحكومة لا تتوقف، وأحدث فصولها وليس آخرها استقالة وزير الخارجية ناصيف حتى، قبل أيام، وسط مخاوف من استقالات أخرى لعدد من الوزراء، الأمر الذي من الممكن معه أن تتعرض الحكومة التي يهمين عليها تيار الثامن من آذار لهزة ربما تعرضها للسقوط.
هذا بخلاف تصاعد الأجواء بين “حزب الله” ومعه إيران من جانب، و”إسرائيل” من جانب آخر، وهي التقاطعات التي كانت محط أنظار المحللين والخبراء في تقديرهم للموقف عقب التفجيرات، كما سيرد ذكره لاحقًا، وصولًا إلى تداعيات الأزمة السورية التي تتشابك في كثير من خيوطها مع التصعيد الإسرائيلي الإيراني.
كذلك تتزامن تفجيرات بيروت مع قرب صدور الحكم الصادر من المحكمة الدولية في قضية اغتيال رفيق الحريري نهاية هذا الأسبوع، مع العلم أن أربع شخصيات تنتمي لــ”حزب الله” على رأس قائمة المتهمين، وهو ما قد يترتب عليه عقوبات دولية قد تفرض على الحزب.
الفساد.. المتهم الأول
تشير التصريحات المختلفة أن نترات الأمونيوم التي تم تفجيرها داخل مخازن المرفأ تعود إلى العام 2015 حين تم توقيف سفينة محملة بـ2750 طنًا من تلك المواد في سبتمبر/أيلول 2013 في لبنان، وذلك بعد تعرضها لعطل مفاجئ أجبرها على الرسو في ميناء بيروت.
وبعد خضوع السفينة التي كانت ترفع علم مولديفيا وكانت مبحرة من جورجيا إلى موزمبيق للتفتيش والعثور على تلك المواد المتفجرة، تم منعها من الإبحار لأسباب بعضها يتعلق بتعقيدات خاصة بالحصول على تأشيرات سفر لطاقم السفينة، بجانب دعاوى قضائية مقدمة ضدها من دائنين.
وبعد مداولات وسجالات عدة تم الاتفاق على عرض السفينة للبيع في مزاد علني، غير أن خطورة إبقاء نترات الأمونيوم على ظهر السفينة دفع السلطات اللبنانية إلى تفريغها وتخزينها في العنبر رقم 12، وهو أحد المخازن الكبيرة في الميناء، لتظل هذه الكمية الكبيرة من تلك المادة الخطيرة داخل المخزن حتى تفجيرها.
مدير عام الجمارك السابق شفيق مرعي والحاليّ بدري ضاهر، أرسلوا أكثر من كتاب إلى قضاء العجلة للمطالبة بتصدير هذه الكميّة، لما تمثله من خطورة، خاصة بعد إبلاغ الجيش اللبناني أنه ليس بحاجة إليها، غير أن تلك المكاتبات لم تجد صداها فضلًا عن الرد عليها من الأساس!
المعطيات المتوافرة حتى الآن بخصوص #بيروتبيل، تشير الى أنّ لبنان وقع ضحية لغز كبير يحيط بملف واضح.
رسالتان من #شفيق_مرعي و #بدري_ضاهر (الأخيرة المتوافرة تعود لآخر ٢٠١٧) الى قاضي الامور المستعجلة تؤكد على وجوب نقل كمية النيترات الأمونيوم من مرفأ بيروت نظراً لخطورتها الشديدة”.١/٣ pic.twitter.com/56KTxIO8LU
— Fares Khachan (@faresk2002) August 5, 2020
وقبل ستة أشهر من الآن حذرت مديرية أمن الدولة في تقرير لها من خطورة تلك المواد، لافتة إلى مشاكل كبيرة في العنبر المخزن فيه النترات “عنبر 12″، داعية إلى التحرك الفوري لتجنب أي تداعيات سلبية، ورغم مراجعة هذا التقرير من أكثر من مسؤول، فإنه لم يحرك ساكنًا!
في عشرينيات القرن الماضي، وقع انفجار كبير في أحد الموانئ الأمريكية، جراء سوء تخزين أسمدة نترات الأمونيوم، وبعد دراسة فيزيائية متخصصة تبين أن إضافة كربونات الكالسيوم CaCO3 (الجير) إلى النترات يحول دون تفجيرها، لأن هذا الجير يتحلل فور سخونة الأسمدة بأشعة الشمس أو أي مادة أخرى، ما ينتج عنه كميات هائلة من غاز ثاني أكسيد الكربون الخامل CO2 التي تمنع اشتعال أو تفجير هذه النوعية من الأسمدة.
ألم تكن تلك المعلومة البديهية للمتخصصين في الكيمياء والفيزياء متوافرة لدى من خزن هذه الكميات الكبيرة من النترات داخل المخزن غير المجهز؟ تساؤل يحاط بالكثير من أنسجة الشك وخيوط الريبة ويضع تهم التفجير المتعمد على طاولة التحقيقات.
وعطفًا على التساؤل السابق: كيف لكمية هائلة من تلك المواد الخطرة أن تُخزن في عنبر غير مؤهل لمدة 7 سنوات كاملة في قلب المدينة المأهولة بالسكان دون أن يتحرك أحد؟ علمًا بأن هذا الملف لم يكن سرًا، فقد شهد جولات عدة داخل المحاكم اللبنانية، ذات السؤال جاء على لسان الرئيس اللبناني، ميشيل عون، حين قال إن “من غير المقبول” أن تكون شحنة من نترات الأمونيوم تقدّر بنحو 2750 طنًا موجودة منذ 6 سنوات في مستودع من دون إجراءات وقائية، متوعدًا “بإنزال أشد العقوبات” على المسؤولين عن ذلك.
إرث الفساد المثقل الذي أرهق كاهل الدولة اللبنانية على مدار عقود طويلة، والمشترك فيه جميع التيارات السياسية، بات المتهم الأول في هذه الواقعة، حتى إن لم يكن بطريق مباشر، وذلك رغم تعدد السيناريوهات والتأويلات التي حيكت لقراءة ما حدث من أكثر من زاوية.
القارئ الجيد لخريطة الفساد في الشارع اللبناني، يجد أن منظومة التشريع متخمة بعشرات القوانين التي تحارب الفساد وتسعى لتطويقه بشكل كامل، بل ربما تكون التشريعات المحاربة للفساد في تلك الدولة واحدة من أكثر القوانين حزمًا وشدة في المنطقة العربية والشرق أوسطية على الإطلاق.
غير أن شتان بين المنظومة التشريعية والممارسات الفردية والمجتمعية، وهو ما خلق حالة من التناقض الرهيب بين القوانين وفلسفتها القائمة على الفردنة ومسؤولية كل فرد عن نفسه في إطار مؤسسي قانوني، والممارسة الطائفية في المصالح.
وعليه فإن الفساد الذي نخر عظم المجتمع اللبناني ليس فساد فرد قدر ما هو فساد “وضع” بأكمله، فالممارسة الواقعية التي تتم خارج القانون تخدم في المقام الأول الأنظمة الطائفية ومصالحها المتشعبة أكثر من مجرد فساد مواطن أو مسؤول أيًا كان حجمه ومركزه.
ولطالما دفع اللبنانيون إرث الطائفية البغيض منذ 5 من نوفمبر/تشرين الثاني 1989، حين صادَق البرلمان اللبناني على اتفاق الطائف، لتخرج الدولة من حرب أهلية مظلمة إلى نفق أكثر ظلامًا من الطائفية المبهمة، حيث تقلد زعماء الطوائف مقاليد السلطة، ليعطوا الطائفية شرعية مطلقة في السياسة العامة للدولة.
ومنذ نهاية 1989 وحتى تفجيرات بيروت الدامية تمحورت معظم الأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية في الشارع اللبناني حول جولات الكر والفر من معارك النزاع بين الأحزاب الطائفية على تورتة الهيمنة الحكومية والمناطقية والمالية التي استنزفت موارد الدولة الاقتصادية والبشرية.
سيناريوهات قيد التخمين
لم يغلق الفساد كمتهم أول ورئيسي لتفجيرات الثلاثاء الدامي الباب أمام العديد من السيناريوهات الأخرى التي يأتي معظمها في إطار “التخمين” و”الاجتهاد” من خلال ربط الأحداث والتقاربات ببعضها البعض، ومحاولة الخروج منها ببعض الاستنتاجات التي يمكن البناء عليها مستقبلًا.
السيناريو الأول وضع لبنته الأساسية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيث رجح أن ما حدث كان بفعل فاعل، وذلك على خلفية حديثه مع مسؤولين أمريكيين، حين قال: “تحدثت مع عدد من المسؤولين العسكريين، وقالوا لي إن انفجار بيروت يبدو أنه ناجم عن قنبلة، وإنه يبدو اعتداءً”.
حزب الله كان أحد السيناريوهات المطروحة على مائدة التحليل بقوة، حيث ألمح البعض إلى علاقة قوية تربطه بتلك التفجيرات التي يعتقد البعض أنها كانت استهدافًا لمخازن الأسلحة الخاصة به في تلك المنطقة (ضاحية بيروت) الواقعة تحت نفوذه المباشر.
غير أن العميد الركن المتقاعد بالجيش اللبناني يعرب صخر، نفى أن يكون للحزب علاقة بما حدث، مرجعًا في تصريحاته لـ”الأناضول” سبب الانفجار إلى “اشتعال مجاور أو إهمال أو ظروف الطقس في مخزن أو مستودع يحتوي على مواد شديدة التفجير”.
الرأي ذاته ذهب إليه المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي أوضح أن “الكلام عن مفرقعات مثير للسخرية، فلا مفرقعات، إنما مواد شديدة الانفجار، ولا أستطيع استباق التحقيقات” وذلك على خلفية تصريحات أدلى به عقب تفقده لموقع الانفجار.
وعلى صعيد آخر، فإن سرعة رد الفعل الإسرائيلي، عبر التصريحات التي أدلى بها رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، واستعداده تقديم المساعدة للبنانيين، عززت وبشكل كبير من حجم وقيمة الاتهام الموجه لتل أبيب بالوقوف خلف تلك العملية، خاصة أن لبنان يمثل أحد أهم مهددات الأمن القومي الإسرائيلي على الاتجاه الشمالي.
ورغم التفاهمات العديدة بين حزب الله و”إسرائيل”، فإن ذلك لا يمنع الأخير من القيام بأي عمليات استباقية ضد مواطن ارتكاز الحزب، لا سيما في المناطق التي يسيطر عليها، مستغلًا الحالة المتردية التي باتت عليها الدولة التي تعاني من مخاض الطائفية البغيضة.
وبعيدًا عن تلك التخمينات فإن المحصلة الأولى لقراءة تلك التفجيرات في ضوء المعطيات الداخلية والتقاربات الخارجية تشير إلى أن الساحة اللبنانية باتت مهيأة أكثر من أي وقت مضى لحدوث مثل تلك العمليات، فما تعانيه البلاد من طعنات الداخل لا يقل دموية عما يتربص به عدو الخارج.
تداعيات أكثر قسوة
لو كان الأمر يتوقف عند حاجز عشرات الشهداء وآلاف الجرحى جراء تلك التفجيرات لكان الأمر يسيرًا رغم كارثية المشهد، إلا أن التداعيات المتوقعة ستكون أكثر قسوة، على المستويات كافة، وإن كانت إرهاصاتها الأولى ستظهر بعد خفوت الأضواء المسلطة على الحدث.
فالانفجار عمق الوضع الاقتصادي المتدهور بطبيعة الحال، حيث أدى إلى احتراق صوامع القمح الرئيسية، وما لذلك من تهديد كبير لمستقبل الأمن الغذائي في البلاد، وإن كان تأثير ذلك سيؤجل حينًا من الوقت مع مسارعة العديد من الدول عرض مساعداتها الاقتصادية على اللبنانيين دعمًا لهم في مصابهم الجلل.
وزير الاقتصاد اللبناني، راؤول نعمة، تعقيبًا على تداعيات التفجيرات، قال إن احتياطات بلاده من الحبوب لا تكفي لمدة “أقل من شهر” وذلك بعدما دمر التفجير الصومعة الرئيسية للقمح، التي كانت تبلغ طاقتها الاستيعابية، نحو 120 ألف طن، هذا بخلاف الخسائر الناجمة عن تدمير ميناء بيروت الذي كان يستقبل قرابة 70% من حركة التبادل التجاري مع دول العالم، إضافة إلى أن ما يزيد على 300 ألف لبناني باتوا دون مأوى بعد هدم منازلهم إثر الانفجار.
وفي الوقت الذي التزمت فيه الدول الصمت حيال ما يتعرض له لبنان خلال الأشهر الماضية من أزمات اقتصادية وسياسية طاحنة، أشعلت معها الساحة الداخلية التي توقفت جذوتها مؤقتًا بسبب فيروس كورونا المستجد، ها هي اليوم تقدم يد المساعدة عقب التفجيرات الدامية، فما لم يتحقق بالدبلوماسية تحقق بالكارثة، لتسارع دول مثل العراق وفرنسا وروسيا وتركيا وفلسطين والكويت وأمريكا ومصر بجانب الاتحاد الأوروبي، لإعلان استعدادها لإرسال مساعدات عاجلة، تتضمن مستشفيات ميدانية وشحنات نفط ومعونات اقتصادية.
الوضع اللبناني بات على صفيح ساخن، فمن المتوقع بعد أن تنجلي ستائر الدعم المؤقت تعاطفًا مع ما حدث، أن تعود الأمور إلى أصعب مما كانت عليه، أزمات تعصف بالدولة من كل جانب، تاركة الشعب اللبناني وحده في مواجهة مصير غامض تحدده معاول الفساد والطائفية.
وأيًا كان السبب وراء تلك التفجيرات، شرارات كهربائية أودت إلى انفجار أو تخريب متعمد من تيارات بعينها أو حتى استهداف إسرائيلي عبر “الدرون”، التي لم يتأكد منها حتى الآن ومن السابق لأوانه الارتكان إليها، فإن النتيجة واحدة، آلاف القتلى والجرحى وأضعاف مثلهم سيدفعون ثمن ما حدث، ومدينة تحتاج إلى وقت ليس بالقصير لتعود لها نضارتها وبهجتها، بسبب إهمال وفساد مسؤولين اتخذوا من زعماء الحرب وأمراء الطائفية حوائط صد ووقاية.