محكمة لبنان الخاصة.. من التفجير إلى النطق بالحكم

أقل من 48 ساعة تفصل اللبنانيين عن معرفة حكم المحكمة الخاصة بلبنان في حق المتهمين الأربع بتدبير التفجير الذي أودى بحياة رئيس وزراء بلادهم الأسبق رفيق الحريري و21 آخرين، في فبراير/شباط 2005، يوم انتظره اللبنانيون أكثر من 15 سنة، لكن تم استباقه بتفجير مدوي راح ضحيته المئات بين قتيل وجريح.
تفجير ضخم، سواء كان بفعل فاعل أو بسبب الفساد وتقصير مسؤولين في البلاد، سيبعد اللبنانيين قليلا عن متابعة المحاكمة، لكن ستبقى قضية اغتيال الحريري حادثًا مفصليًا في تاريخ لبنان المعاصر، في هذا التقرير لنون بوست سنرجع قليلًا إلى الوراء لرصد أهم الأحداث والتطورات في هذه القضية الشائكة.
حدث مفصلي في تاريخ البلاد
الـ14 من فبراير 2005، كان يومًا مفصليًا في تاريخ لبنان، يومها كان موكب رئيس وزراء الأسبق رفيق الحريري (استقال من منصبه في 2004) عائدًا من مقر مجلس النواب في ساحة النجمة وسط بيروت، عندما دوي انفجار ضخم استهدف الحريري لدى وصوله قبالة فندق سان جورج على الطريق الساحلي.
سمعت بيروت بأكملها الانفجار الضخم، دقائق معدودات، حتى عرف سبب الانفجار والمستهدف، سيارة مفخخة انفجرت والمستهدف هو رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق وواحد من أكبر رجال الأعمال العرب، الذي ساهم بشكل كبير في إعمار لبنان بعد فترة الحرب الأهلية.
تقول المحكمة إن سليم عياش كان شخصية محورية في تخطيط عملية الاغتيال وتنفيذها
كان العديد من معاوني الحريري من بين القتلى، فضلًا عن واحد من أصدقائه، بالإضافة إلى وزير الاقتصاد اللبناني الأسبق باسل فليحان، وأدت شدة الانفجار إلى هدم فندق سان جورج وبعض المباني المحيطة بمنطقة المريسة التي تعج بالمؤسسات الاقتصادية غرب بيروت.
بحسب التحقيقات التي أجريت، فجّر انتحاري يقود شاحنة فان بيضاء من طراز ميتسوبيشي ما يعادل طنين من مواد شديدة الانفجار عند الساعة 12.55 ظهرًا من يوم 14 آذار، بعد جزء من الثانية من مرور السيارة الثالثة في الموكب وهي من طراز مرسيدس “إس 600” كان الحريري يقودها بنفسه.
الانسحاب السوري من لبنان
جاء اغتيال رفيق الحريري، الذي كان يعتزم قيادة معارضة برلمانية، عقب الانتخابات في ربيع العام 2005، في فترة بالغة الحساسية وفي خضم توتر بينه وسوريا، التي كانت قواتها منتشرة في لبنان وتتحكم بمفاصل الحياة السياسية هناك.
اغتيال الحريري فجر ثورة شعبية هي “ثورة الأرز”، أجبرت النظام السوري على الانسحاب من لبنان في 26 من أبريل/نيسان 2005، لتنتهي بذلك عقود طويلة من سيطرة السوريين على لبنان ومساومة الأسد بها كل القوى الدولية ليحقق مكاسبه، وتحويله اللبنانيين إلى قرابين للحصول على مراده.
محكمة لبنان الخاصة
بعد سنتين من حادثة الاغتيال، تأسست محكمة لبنان الخاصة في ليدشندام إحدى ضواحي مدينة لاهاي بهولندا التي تضم محاكم دولية عديدة وذلك لأغراض أمنية ولضمان سير عملها بنزاهة واستقلال، وتأسست المحكمة بمرسوم أصدرته الأمم المتحدة عام 2007 وبدأت مداولاتها في لاهاي في 1 من مارس/شباط 2009.
تُعد هذه المحكمة، التي من المفترض أن تُطبق القانون الجنائي اللبناني، بحسب موقعها الإلكتروني “الأولى من نوعها في تناول الإرهاب كجريمة قائمة بذاتها”، وكلفت منذ تأسيسها 600 مليون دولار، دفع لبنان الغارق في أزمة اقتصادية، جزءًا منها.
دعم إنشاء المحكمة في لبنان تحالف 14 آذار، في حين عارضها قوى 8 آذار التي تضم كل “حزب الله” وحركة أمل والتيار الوطني الحر بدعوى أنها تعمل على تدويل لبنان وتؤدي إلى التدخل الدولي والخارجي بشؤون لبنان الداخلية.
المتهمون
في يناير/كانون الثاني 2011 اتهمت المحكمة التي تتألف هيئتها من قضاة لبنانيين ودوليين، 4 أعضاء في حزب الله اللبناني، وهم مصطفى بدر الدين وسليم عياش وحسين عنيسي وأسد صبرا، باغتيال الحريري.
وُجهت لجميع المتهمين تهمة التآمر لارتكاب عمل إرهابي، في حين وُجهت لسليم عياش اتهامات بارتكاب عمل إرهابي وبالقتل والشروع في القتل، لكن رغم مرور 13 سنة على تأسيس المحكمة، لم يتم بعد معرفة شيء عن مكان وجود المتهمين.
سنة 2016، سقطت الدعوى في حق مصطفى بدر الدين، القيادي في “حزب الله” بعد أن قتل في سوريا، ولعب بدر الدين دورًا كبيرًا في عملية الاغتيال، بحسب توصيف الادعاء في المحكمة، خصوصًا أنه كان “مسؤولًا كبيرًا في “حزب الله” وخبرته العسكرية أوصلته لقيادة قوات الحزب في سوريا وتجلت بطريقة تنفيذ اغتيال رفيق الحريري، وهو كان العقل المدبر لاغتيال الحريري”.
تقول المحكمة إن سليم عياش كان شخصية محورية في تخطيط عملية الاغتيال وتنفيذها، فيما تقول إن الرجال الثلاث الآخرين المتهمين بأنهم شركاء في مخطط الاغتيال ساعدوا أيضًا في إعداد بيان زائف بالمسؤولية عن التفجير لصرف الأنظار.
دائمًا ما ينفي “حزب الله” الذي يشارك في الحكومة اللبنانية، وله قوات مقاتلة مزودة بأسلحة ثقيلة، أي دور له في مقتل رفيق الحريري
استمع القضاة، خلال المحاكمة بين عامي 2014 و2018، إلى 297 شاهدًا، وقدم المدعون ما يصفونه بأنه “فسيفساء من الأدلة” القائمة في أغلبها على سجلات الهواتف المحمولة، ويقول المدعون إن نمط المكالمات الهاتفية يبين أن الرجال الأربع كانوا يراقبون الحريري في الشهور التي سبقت عملية الاغتيال وأنهم ساعدوا في تنسيق الهجوم وتوقيته.
تقول المحكمة إن المتهمين حاولوا جاهدين تصوير العملية على أن من نفذها هم متطرفون إسلاميون، خصوصًا بعد الفيديو الذي تم نشره، كما من خلال شراء السيارة التي نفذت عبرها العملية، من مدينة طرابلس الشمالية، المعروف أنها تضم غالبية من الطائفة السنية.
يوم للحقيقة والعدالة
من المنتظر أن تصدر المحكمة بعد غد الجمعة قرارها، ما إذا كانت قد تأكدت أن المتهمين الأربعة مذنبون بما لا يدع مجالًا للشك أم لا، وإذا صدر الحكم بالإدانة فستعقد جلسات أخرى لإصدار الأحكام، وأقصى عقوبة ممكنة في حالة الإدانة هي السجن مدى الحياة.
هذه الجلسة التي تقرر أن يصدر حكمها مع مشاركة جزئية عبر الإنترنت، سيحضرها رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري (ابن رفيق الحريري)، واعتبر الحريري الأسبوع الماضي أن الجمعة سيكون “يومًا للحقيقة والعدالة من أجل لبنان”.
إدانة حزب الله؟
القرار المنتظر للمحكمة، من المرجح أن يدين “حزب الله” ويؤكد صلة الحزب بمقتل الحريري، السياسي الذي كان يحظى بتأييد الغرب ودول الخليج العربي المناوئة لطهران، ومع ذلك من الصعب أو لنقل من المستحيل أن يسلم الحزب المتهمين إذا أدينوا.
دائمًا ما ينفي “حزب الله” الذي يشارك في الحكومة اللبنانية وله قوات مقاتلة مزودة بأسلحة ثقيلة، أي دور له في مقتل رفيق الحريري، كما أنه يرفض المحكمة ويصفها بالـ”مُسيسة”، وسبق له أن شكك في نزاهتها وحيادها.
وحذر حسن نصر الله الأمين العام لـ”حزب الله” في وقت سابق، من أن جماعته “ستقطع يد” أي شخص يحاول القبض على أي من أنصاره بسبب اغتيال الحريري الذي شكّل علامة فارقة في تاريخ لبنان البلد الجميل.
جدير بالذكر، أن “حزب الله” تمكن عقب اغتيال الحريري من تعزيز منظومة الأسلحة الخاصة به، كما فرض سيطرته على مرافق الدولة اللبنانية الرئيسية كمطار رفيق الحريري الدولي ومرفأ بيروت والمعابر غير الشرعية التي تربط لبنان بسوريا.