ترجمة وتحرير نون بوست
أعتقد أن العديد من الناس سمعوا عن منظمة “أمهات ميدان مايو” في الأرجنتين، إنها منظمة للأمهات الأرجنتينيات واللاتي ينظمن احتجاجات صامتة ضد اختفاء أطفالهن أثناء الديكتاتوريات العسكرية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
منذ عام 1977 وحتى عام 2006 تتجمع الأمهات في ميدان مايو في بيونس أيريس ويرتدين أوشحة بيضاء مطرزة بأسماء وتواريخ ميلاد أطفالهن مطالبين بأجوبة من الدولة، لقد كان شكلًا قاتمًا للاحتجاج لكنه نجح في مقاضاة جنرالات وضباط شرطة ومعاقبتهم على جرائمهم ضد الإنسانية.
من المحتمل أن لا يكون الكثيرون على دراية بحركة احتجاجية مماثلة وهي “رابطة آباء وأمهات الأشخاص المختفين” (APDP) والتي أسستها الناشطة بارفينا أنغار في كشمير عام 1994 مع آخرين ممن تعرض أحبابهم للاختفاء.
وصل عدد الأشخاص المختفين في كشمير منذ الثورة ضد النظام الهندي في أواخر الثمانينيات إلى 8000 وحتى 10000 شخص، اختفى جافيد ابن أنغار عام 1990 عندما كان مراهقًا، تجتمع أنغار مع بقية أفراد الرابطة في سريناغار عاصمة كشمير في اليوم العاشر من كل شهر وهم يرتدون عصابات رأس تحمل مربعات فارغة لصور جوازات سفر لتخليد ذكرى المختفين والمطالبة بإجابات.
رغم أن عدد حاضري الاحتجاج قد يكون قليلًا في بعض الأحيان، إلا أن الآباء والأمهات يحظون بفرصة الاجتماع على الأقل في مكان عام لمواساة بعضهم البعض والتظاهر والتحدث مع الصحافة، كل هذا تغير قبل عام مع إسكات تاريخي للأصوات الكشميرية.
في يوم 5 أغسطس 2019 قامت الهند بمحو الاستقلال الذاتي لكشمير بإلغاء مادتي 370 و35A من الدستور (والتي تضمن الوضع الخاص للمنطقة)، ووضعت المنطقة تحت حصار عسكري ورقمي مدمر.
هؤلاء المدافعون عن المختفين -أغلبهم من النساء- اختفوا أيضًا، لقد اختفوا من شاشاتنا ومن الذاكرة العامة، هذا المحو وغيره من عمليات المحو الأخرى التي تقوم بها الدولة الهندية عبر السنين خاصة في الأشهر الأخيرة يقودني إلى الاعتقاد بأن كشمير نفسها تعرضت للاختفاء القسري.
في كشمير؛ هناك اعتقالات جماعية ومراقبة على غرار الجستابو وتعذيب وقمع التجمع الحر وسحق الصحافة الكشميرية وفي الوقت نفسه السماح للصحفيين الهنديين والمبعوثين الأجانب بالذهاب في جولات “عادية” موجهة وتدمير الاقتصاد المحلي وأطول إغلاق للإنترنت تفرضه أي دولة ديموقراطية وتعطيل نظام التعليم.
حصلت شركات هندية على حقوق تعدين الرمال الكشميرية من قاع الأنهار عبر مزاد علني على الإنترنت بما يتجاوز الأسر المحلية بشكل صريح والتي تعتمد على تلك الرمال في معيشتها منذ سنوات.
هناك أيضًا تجريم غير مسبوق للكلام (حيث يوقع المفرج عنه على تعهد بالصمت) وسجن آلاف الشباب وتحويل الفنادق وبيوت الضيافة لمراكز احتجاز واسكات المجتمع المدني في كشمير، كل هذا يساعد على إزالة الوكالات الكشميرية، لإبقائها خارج الإطار.
تعمل الهند بالفعل على إعادة برمجة الحياة الاجمتاعية والاقتصادية للكشميريين بتعديل قوانين الإقامة والسماح للمواطنين الهنديين بحيازة عقارات وأراضي، وإزالة المؤسسات القديمة في ولاية كشيمر، من بين الكيانات التي تم حلها لجنة الطفل وهيئة حقوق المرأة ولجنة حقوق الإنسان في ولاية كشمير.
لقد وضعوا خطة لسرقة موارد كشمير، فمؤخرًا حصلت شركات هندية على حقوق تعدين الرمال الكشميرية من قاع الأنهار عبر مزاد علني على الإنترنت بما يتجاوز الأسر المحلية بشكل صريح والتي تعتمد على تلك الرمال في معيشتها منذ سنوات.
تقوم الهند بإنشاء “بنوك أراضي” من أجل الفرص الاستثمارية، حيث تمنح نفسها حق الحصول على أراض لقواتها المسلحة في أي مكان في كشمير، حتى وقت قريب كان الأمر يتطلب موافقة الحكومة المحلية لكنها استُبدلت العام الماضي بحكام هندي غير منتخب ولا يتعرض للمساءلة، تذكروا هاتين الكلمتين “أرض” و”بنك” إنهما أدوات فعالة للغاية لمزيد من الاستغلال والمصادرة والاحتلال.
لقد تحولت كشمير اليوم إلى مستعمرة على مرأى العالم أجمع، تحدث وزير الداخلية الهندي عن بناء مستعمرات ومعابد، وأصبح هناك تعليق حتى لأكثر المظاهر الصورية للحكم الذاتي، تم تجميد القانون المحلي، وتعليق 99% من طلبات المثول أمام المحكمة منذ أغسطس الماضي.
أطلق سراح ميان قيوم رئيس نقابة المحاميين في كشمير بعد عام من سجنه بشرط عدم الذهاب إلى المنزل قبل موعد محدد والتوقيع على تعهد بعدم الحديث، كانت المحكمة العليا الهندية هي من أصدرت تلك الشروط.
قبل انتشار كوفيد-19 في شهر فبراير، رفض المحكمة العليا عريضة مقدمة من منظمة كشميرية آخرى غير معروفة وهي رابطة “الناجون من الكريات” لهؤلاء الذين أصيبوا بالعمى نتيجة طلقات بنادق الكريات التي استخدمت لقمع الاحتجاجات في 2012، لقد قالت المحكمة أنه ليس من الضروري سماعهم.
بدأت الهند في مشروع لمنع الكشميريين من أي مظهر من مظاهر السيطرة على حياتهم، كان ذلك واضحًا في 5 أغسطس 2019 عندما أسرعت الهند إلى كشمير مع آلاف القوات الإضافية لقطعها عن العالم وأصبح جليًا منذ ذلك الحين.
في واحدة من أصعب الأفعال القسرية تمنع الإدارة الآن الأسر الكشميرية من دفن أبنائهم المسلحين القتلي في مقابر المنطقة، ولمنع الناس من حضور الجنازات قام المسؤولون الهنديون بنقل الجثث إلى مكان بعيد لدفنهم في هدوء، لقد تحولت الدولة إلى خاطفة للجثث أيضًا.
إن أحد الطرق التي تستخدمها الأنظمة القمعية للسيطرة هي إثارة ضعف السكان من خلال تعريضهم للإهانة بشكل يومي، يبدو أن الاستراتيجة الأساسية لدلهي الآن هي إهانة الكشميريين.
بعد عام من الضم هكذا أصحبت كشيمر، إنها لحظة مرعبة ازدادت سوءًا بسبب الإغلاق الذي فرضته الجائحة، حصار داخل حصار بينما نشهد في الوقت الحالي احتلال واسع النطاق لكشمير.
المصدر: الغارديان