ترجمة وتحرير نون بوست
تعتبر كينيا دولة متعددة الأعراق أنشأها البريطانيون قبل حوالي 130 سنة. بعد أكثر من قرن من الزمان، تمكنت هذه الدولة التي تعد تاريخيا واحدة من أكثر الدول الموالية للغرب في أفريقيا، من الحفاظ على استقرارها من خلال التحالفات السياسية الهشة بين نخب الإثنيات الخمس الكبرى التي تحتكر السلطة. تتحرك كينيا ببطء ولكن بثبات على الرغم من غياب المساواة بين الأقاليم والفساد والتهديدات الإرهابية وتغير المناخ.
قبل وقت طويل من وصول المستعمرين البريطانيين، كانت أراضي كينيا الحالية مأهولة بثلاث مجموعات عرقية كبيرة، الكوشيون والنيلوتيك والبانتو. كان البانتو من المزارعين المستقرين، أما النيلوتيك فكانوا من الرعاة الرحل، لكن بعض المجموعات استقرت بالقرب من بحيرة فيكتوريا واشتغلت بالصيد والزراعة.
اليوم، يمثل البانتو أغلبية سكان كينيا، يليهم النيلوتيك، في حين يمثل الكوشيون أقلية صغيرة. انحدرت من هذه العائلات الكبيرة المجموعات العرقية المختلفة التي تعيش في البلاد حاليا. من جهتها، تعترف الحكومة رسميا بما مجموعه 45 مجموعة عرقية، على الرغم من أن بعض الباحثين يرجحون أن العدد قد يصل إلى سبعين مجموعة.
تشكل خمس مجموعات إثنية ثلثي السكان، الكيكويو (17.7 بالمئة من السكان)، وقبيلة اللوهيا (14.3 بالمئة)، وقبيلة الكامبا (9.8 بالمئة) وهم من البانتو، والكالينجيون (13.4 بالمئة)، واللوو (10.7 بالمئة) وجذورهم نيلية.
لكل مجموعة ميزاتها الخاصة. بالنسبة إلى شعب الكيكويو، تعد ملكية الأرض ورعايتها أكبر دليل على المكانة والسلطة، مما جعلهم من رواد الأعمال. من جانبها، تمتلك قبيلة اللوهيا الأراضي الصغيرة، وهم من صغار المزارعين، وقد هاجر الكثير منهم إلى المدن.
تاريخيا، يعتبر شعب الكامبا من التجار وتتميز قبيلة اللوو باتباع تقاليد الصيد العريقة. يُعرف الكالينجيون بالرعي، كما أنهم قدموا لعالم الرياضة بعضا من أفضل العدائين في العالم، ومن ثم فإن سلسلة متاجر ديكاتلون الرياضية متعددة الجنسيات تطلق على علامتها التجارية للملابس الرياضية “كالنجي”.
حددت العديد من النزاعات حول الأراضي والموارد طبيعة العلاقات بين مختلف شعوب كينيا منذ القرن التاسع عشر. ولا يزال الاستقرار يعتمد على التحالفات الهشة بين الجماعات العرقية، في بلد يحشد فيه القادة السياسيون الناخبين بحسب العرق، ويعززون نظام “الزبائنية” الذي يمكن أن يفيد البعض ويضر البعض الآخر، اعتمادا على مستوى التمثيل الذي تملكه كل مجموعة في الحكومة.
هذا الوضع موروث جزئيا من البريطانيين الذين أنشأوا الحدود والمؤسسات والنظام السياسي الذي يشكل أساس كينيا اليوم، عند وصولهم إلى البلاد في أواخر القرن التاسع عشر.
اثنان من قبيلة الماساي يشعلان النار بطريقة تقليدية.
دولة أنشأها البريطانيون
استحوذت المملكة المتحدة على هذا الجزء من القارة الذي يُسمّى كينيا عندما تم تقسيم أفريقيا. وصل المستوطنون الأوائل إلى الإقليم في سنة 1888، وهم الذين شكلوا كينيا الحالية. عند وصولهم، قام البريطانيون بإنشاء خط سكة حديد بين كمبالا، عاصمة أوغندا الحالية، والتي كانت في أيدي البريطانيين أيضا في ذلك الوقت، ومدينة مومباسا الساحلية في كينيا، وذلك لربط الأراضي والوصول إلى البحر.
أثناء إنشاء الخط، مرّوا في سنة 1899 بمرتفعات وسط البلاد، وأسسوا عاصمة الإقليم التي أطلقوا عليها بعد ست سنوات اسم نيروبي، وهو مشتق من التسمية التي أطلقها الماساي على نهر قريب، ويعني “المياه الدافئة”.
بعد 15 سنة، في سنة 1920، أصبح الإقليم رسميا مستعمرة بريطانية تحت اسم “كينيا”، وهو مشتق من اسم أعلى جبل في البلاد، جبل كيرينياغا، والذي لم يتمكن المستوطنون من نطقه بشكل صحيح، ومعناه لدى شعب الكيكويو “جبل البياض”.
بالإضافة إلى تسمية الدولة والعاصمة، كان للبريطانيين دور في التقسيم الإداري الحالي لكينيا، وخلق ما يسمى بـ“المحميات العرقية”، وهي مناطق متجانسة عرقيا مصممة للسيطرة على الأقاليم وتجنب أعمال الشغب.
وقع فصل المجموعات العرقية المختلفة وحصرها في مناطق نادرا ما كان بإمكانهم مغادرتها. بهذه الطريقة، قسّم البريطانيون المجتمع وكرّسوا الفكر القبلي. بعد الاستقلال، تحولت تلك المحميات إلى أقاليم وشكلت لاحقا أساس النظام اللامركزي المكون من 47 مقاطعة والذي تم تطبيقه في سنة 2013.
نهاية استعمار أفريقيا
بشكل عام، يكمن التأثير الأكبر للاستعمار البريطاني لكينيا في استغلال الأرض. سيطر البريطانيون على الأراضي الكينية، وفي سنة 1934 كان ثلث المساحة القابلة للزراعة تحت أيديهم، على الرغم من كونهم يمثلون 0.25 بالمئة فقط من السكان. أجبر الاحتلال البريطاني، والذي كان يقوم أحيانا بعمليات تهجير قسري للسكان المحليين، الجماعات العرقية على الانتقال إلى مناطق أقل خصوبة أو احتلال أراضي مجموعات عرقية أخرى.
وإضافة إلى تركهم بلا أرض وتهجير مئات الآلاف، خلق الاحتلال صراعات عرقية. احتل شعب الكيكويو على سبيل المثال أراضي الماساي، وهو ما جعل هذه المجموعة التي تمثل الأغلبية في كينيا منبوذة من بقية الإثنيات. بالإضافة إلى ذلك، خلق البريطانيون انقساما في صفوف قبيلة الكيكويو نفسها ما أدى إلى ظهور نخبة حافظت على وجودها حتى اليوم.
مع الأزمة الاقتصادية في ثلاثينيات القرن العشرين، سعى البريطانيون إلى تحديث الزراعة المحلية لدفع تكاليف النظام الاستعماري من خلال بيع المنتجات الزراعية. استفاد من ذلك بعض مالكي الأراضي من الكيكويو الذين لاحظوا ارتفعت مداخيلهم بفضل الإعانات البريطانية والازدهار الاقتصادي في الأربعينيات، إذ قاموا بتصدير المنتجات إلى أوروبا التي دمرتها الحرب العالمية الثانية.
وفي نهاية الحرب، شعر العديد من الكينيين الذين وقفوا مع البريطانيين أنهم تعرضوا للخيانة، حيث استمروا في تلقي نفس الأجور وواجهوا نفس ظروف العمل عند عودتهم إلى كينيا، بالإضافة إلى إلزامهم بأداء أعمال قسرية لمدة 270 يوما على الأقل في السنة.
أدت معاملة البريطانيين السيئة للسكان المحليين إلى تأسيس أول اتحاد يطالب بالاستقلال، وهو الاتحاد الأفريقي الكيني في سنة 1944، وبعدها تأسست ميليشيات من شعب الكيكويو تنتمي للاتحاد تُعرف بـحركة ماو ماو.
ابتداءا من سنة 1952، هاجم الماو ماو المستوطنين بهدف إسقاط الحكومة البريطانية. في الحقيقة، دعمت الغالبية العظمى من قبيلة كيكويو الحركة، لكن نخبة صغيرة رفضت العنف وبقيت موالية للنظام الاستعماري. استمر تمرد حركة ماو ماو ثماني سنوات، وأسفرت المقاومة عن مقتل حوالي 11 ألف من شعب الكيكويو حسب الإحصائيات الرسمية، على الرغم من أن اللجنة الكينية لحقوق الإنسان تؤكد أنه وفاة ما لا يقل عن 90 ألف شخص واحتجاز 160 ألف آخرين.
استولى البريطانيون على ممتلكات المتمردين وتنازلوا عنها فيما إلى مجموعات الكيكويو الموالية لبريطانيا. عندما تم إطلاق سراحهم من السجون، تُرك المتمردون بلا أرض وأجبروا على الهجرة أو العمل مع قبيلة كيكويو.
القوات الموالية لبريطانيا تتقدم بحثًا عن مقاتلي حركة ماو ماو أثناء عملية التمرد.
من بين المعتقلين في ذلك الوقت، جومو كينياتا، وهو أحد قادة الإتحاد الإفريقي الكيني. بعد الحرب العالمية الثانية، وتجربة حركة ماو ماو، حاول البريطانيون التوصل إلى اتفاق مع الكينيين المعتدلين في سنة 1963، ومنحوا كينيا آنذاك الاستقلال.
وفي السنة ذاتها، أجرت كينيا أول انتخابات لها باعتبارها دولة مستقلة، وأصبح جومو كينياتا -رئيس اتحاد كينيا الأفريقي الوطني (وريث الإتحاد الإفريقي الكيني)- أول رئيس للبلاد.
سرعان ما تخلى الرئيس الجديد عن حركة ماو ماو، واصفا إياها بـ “الداء” وأبقاها محظورة طوال سنوات حكمه.
كان كينياتا من قبيلة كيكويو، وكان يؤمن بعقيدتها التي تتلخص في أن الجهد ضروري للتقدم في الحياة، ولهذا السبب أطلقوا على أنفسهم اسم “يهود كينيا”.
وتماشيًا مع هذه الفكرة، عارض كينياتا إعادة توزيع أراضي البلاد وثرواتها، ونعت أولئك الذين يريدون الحصول على “الأشياء بالمجان” بالكسل والأنانية. كما حافظ كينياتا على علاقاته بنخبة الكيكويو التي ظلت موالية لبريطانيا واستولت على السلطة بعد الاستقلال.
على الرغم من أن كينياتا كان في البداية يعتبر متطرفا في نظر المستعمرين، إلا أنه لم يكن قط متطرفا. فقد ترك مؤسس كينيا الحديثة ورئيسها الأول الأرض بين أيدي النخبة، ونأى بنفسه عن الاشتراكية السائدة في العديد من البلدان الأفريقية المستقلة حديثاً، وكرّس الانقسام العرقي الذي فرضه البريطانيون، ووضع مصالح قبيلته في المقدمة على مصالح بقية الكينيين.
الوحدة والرأسمالية
اعتمد كينياتا نظامًا مركزيًا بحجة أنه من أجل تكريس الوحدة الوطنية الكينية، كان من الضروري القضاء على الاختلافات القبلية، وأن أفضل وسيلة لتحقيق ذلك هو حكم الحزب الواحد. ترسّخت المركزية السياسية بعد وفاته، وقد تولى الحكم بعده دانيال آراب موي في سنة 1978، واعتمد رسميا بعد أربعة أعوام نظام الحزب الواحد.
كان موي زعيما استبداديا، فقد أدت محاولة انقلاب قادها ضباط في سلاح الجو سنة 1982 إلى سجن 2100 جندي، وفي أوائل التسعينيات أسفرت التحركات المطالبة بالديمقراطية عن وفاة أكثر من ألف متظاهر.
لم تنفتح البلاد على نظام متعدد الأحزاب إلا بعد نهاية الحرب الباردة. وحتى ذلك الوقت، حظيت كينيا بدعم متواصل من الغرب، وكانت الشريك الأبرز في أفريقيا ضد الاشتراكية. كان كينياتا معاديا للاتحاد السوفييتي، وقدم قواعد للجيش البريطاني في البلاد، وهي السياسة التي حافظ عليها موي، وذلك من خلال توقيع معاهدات عسكرية مع المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
كل ذلك ساعد كينيا على أن تصبح مقرا للعديد من المنظمات الدولية، وقد أسست الأمم المتحدة أحد مقراتها العالمية الأربعة في نيروبي سنة 1996.
بعد نهاية الحرب الباردة، ضغط الغرب من أجل نشر الديمقراطية في أفريقيا، بما في ذلك كينيا. في أواخر سنة 1991، أوقف 14 مانحًا دوليًا رئيسيًا جميع المساعدات المقدمة للبلاد، إلى أن انفتحت كينيا على الديمقراطية الليبرالية.
استمرت فترة الحكم الاستبدادي للرئيس دانيال أراب موي لأكثر من عقد، في حين استغرق أسبوعًا فقط لتغيير الدستور. ورغم كل شيء، ظل موي في السلطة ليفوز بالانتخابات الرئاسية في مناسبتين بطريقة غير شرعية حتى سنة 2002، حين حصل أول تدوال للسلطة في تاريخ كينيا، بفوز زعيم المعارضة مواي كيباكي بالانتخابات.
و على الرغم من الانتقال الديمقراطي وتداول السلطة، استمر الفساد في إلقاء الأعباء الثقيلة على الحكومة الكينية. تم اختلاس أكثر من مليار دولار خلال فترة حكم موي، وفي سنة 1993 وقعت فضيحة غولدنبرغ، وهي شبكة لتصدير الذهب بطرق غير قانونية.
ورغم أن خلفه كيباكي وصل إلى السلطة من خلال وعوده بمحاربة الفساد، فإنه تورط هو الآخر في أنغلو ليزينغ، والتي تم على إثرها تحويل 751 مليون دولار عن طريق عقود وهمية. هذه الفضائح ليست سوى غيض من فيض من ثقافة الفساد في المنتشرة في كينيا.
على الصعيد الاقتصادي، روّج كينياتا لنظام هارامبي (يعني في اللغة السواحيلية “كلنا معا” ويمثل شعار الدولة حاليا)، وقد حدّ من صلاحيات الدولة وشجّع المواطنين على العمل بجد لتحقيق التقدم. حظي هذا النظام بشعبية كبيرة لكنه لم يساهم في الحد من غياب المساواة، بل على عكس ذلك تماما عمّق في الفجوة بين الطبقات وبين المناطق.
تزداد النخب في كينيا ثراءً وتستحوذ العاصمة نيروبي على خُمس الناتج المحلي الإجمالي الحالي لكينيا، بينما يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لـ12 من أصل 47 مقاطعة، أقل من 1 بالمئة.
كما تترسّخ اللامساواة من خلال السياسة الاقتصادية القائمة على الزراعة. إن عدم الاعتماد على الموارد الطبيعية على غرار النفط أو المعادن سمح لكينيا بالحفاظ على نمو اقتصادي مستقر، وجعلها ثالث أكبر اقتصاد في أفريقيا جنوب الصحراء، نظرًا لتقلب الأحوال الإقتصادية في دول مثل أنغولا، والتي تعتمد أساسا على النفط.
أعطت الحكومة من خلال سياسة دعم الزراعة – والتي مثلت 34.19 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2019 – امتيازات لمالكي الأراضي من الكيكويو في مناطق وسط البلاد، على حساب أولئك الذين يعيشون في المناطق القاحلة في الشمال والشرق.
هناك عشر مقاطعات يعيش فيها أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، بينما تبلغ نسبة الفقر في نيروبي 16.7 بالمئة.
أدى انعدام المساواة على المستوى الاقتصادي، إلى جانب الانقسامات السياسية والاجتماعية، إلى موجات من العنف التي أظهرت هشاشة استقرار كينيا.
الهشاشة العرقية
في أواخر سنة 2007، أثارت نتائج الانتخابات المشكوك فيها توترا على الصعيد الاجتماعي في كينيا. أعيد انتخاب مواي كيباكي رئيسا للجمهورية بفارق 230 ألف صوت عن منافسه رايلا أودينجا الذي كان متقدما في عدد الأصوات في بداية عمليات الفرز.
صرّح رئيس اللجنة الانتخابية آنذاك بأنه لا يعرف اسم الفائز في الانتخابات وعمّت الاحتجاجات أنحاء البلاد. خلّفت الأحداث مقتل نحو 1400 شخص ونزوح 600 ألف من منازلهم خلال شهرين من العنف الذي وصف بأنه عرقي وموجه بشكل أساسي ضد شعب الكيكويو، وهي الجماعة العرقية التي ينتمي إليها كيباكي.
كان الهجوم على الكيكويو اختزالا سطحيا لأزمة عميقة في البلاد في الواقع، سببها الرئيسي النظام الانتخابي الذي يكرس هيمنة الأغلبية العرقية.
يمنح هذا النظام الموروث عن البريطانيين كل شيء للفائز، ويحرم الخاسر من الحصول على أي امتيازات. كما أنه نظام سياسي قائم على التعبئة العرقية، حيث يحرض القادة المجموعات المختلفة ضد بعضها أثناء الحملة الانتخابية، وينتهجون سياسة المحاباة عند وصولهم إلى السلطة.
يعتبر شعار “الآن نأكل” من الشعارات المنتشرة في كينيا، ويرمز إلى استفادة نخبة من الناس على المستوى الاقتصادي لأن حاكما من تلك المجموعة العرقية موجود في السلطة، ويقوم بخدمة مصالحها على حساب الكينيين من أعراق أخرى. في الحقيقة، يتقبل السكان هذه الثقافة الزبائنية والعرقية، والتي أدت إلى اندلاع أحداث العنف سنة 2007.
مرّ على رئاسة كينيا ثلاث رؤساء من شعب الكيكويو، وهم جومو كينياتا ومواي كيباكي، والرئيس الحالي أوهورو كينياتا، نجل جومو كينياتا. ويُعتبر دانيال آراب موي الوحيد الذي وصل لمنصب الرئاسة من قبيلة كالينجين. كما ينتمي أودينجا، الذي خسر الانتخابات سنة 2007، إلى مجموعة لوو العرقية، والتي لم تفز أبدا في الانتخابات.
توقف العنف سنة 2007 بعد أن أبرم كل من كيباكي وأودينجا اتفاقا يقضي بتشكيل ائتلاف يكون فيه الأول رئيسا والثاني نائب رئيس. أوقف هذا الاتفاق ما كان يمكن أن يؤدي إلى حرب أهلية، وهو مثال على سلوك تنتهجه النخب الكينية باستمرار، إذ تقوم بإثارة التوترات العرقية عندما تقترب الانتخابات، ولكنها تلجأ في النهاية إلى التوافق عندما يبدو أن النظام يسير نحو الانهيار جارفا معه كل الامتيازات.
خريطة إدارية لكينيا توضح أكبر المجموعات العرقية في كل مقاطعة من المقاطعات الـ 47. المصدر: إيفان كيم مع الاستعانة ببيانات من كتاب “تجربة تداول السلطات: الوحدة الوطنية وتفكيك الدولة الكينية”، بقلم دومينيك بوربيدج الصادر سنة 2019.
كانت انتخابات 2017 مرة أخرى مسرحا للصراع بين أودينجا وأوهورو كينياتا الذي كان رئيسا لمدة أربع سنوات وفاز مجددا بالانتخابات. وقد انتهى الصراع بالتوصل إلى اتفاق بعد إعادة الانتخابات.
على الرغم من ذلك، لم يؤد التوتر إلى اندلاع موجات من العنف بفضل التغييرات الدستورية التي أُقرت بعد أحداث 2007. كرّس الدستور الجديد في 2010 نظاما لامركزيا يمنع التفرد بالسلطة وحكم الفرد، ويشبه للنظام المعروف باسم ماجيمبو، والذي فككه جومو كينياتا في الستينيات.
في ظل وجود 47 مقاطعة وحكومات إقليمية، فإن الجماعات العرقية التي لم تتسلم السلطة أبدا تفعل ذلك الآن على المستوى المحلي. لم يغير هذا النظام ثقافة التصويت العرقي، لكنه سمح للسياسيين بالحصول على فرصة ثانية للوصول إلى السلطة، وبالتالي عدم توجيه غضبهم نحو الشارع وتهديد الاستقرار في المناطق التي يحكمونها.
التحديات والفرص
في خضم هذه الظروف السياسية، تواجه كينيا تحديات اجتماعية وأمنية كبيرة. فقد تسبب تغير المناخ في حدوث موجات من الجفاف في منطقة الشمال وظواهر مثل طاعون الجراد سنة 2019، والذي هدد المحاصيل والأمن الغذائي للعديد من الكينيين.
من ناحية أخرى، يتزايد التهديد الجهادي من قبل حركة الشباب الصومالية المرتبطة بتنظيم القاعدة، على الرغم من أن كينيا لديها قوات منتشرة في ذلك البلد. عانت كينيا من هجمات إرهابية منذ سنة 1998، حين قتلت القاعدة 224 شخصا في هجوم على السفارة الأمريكية في نيروبي.
تصاعدت هجمات حركة الشباب بمرور الوقت، وبعضها كانت هجمات دموية كبيرة مثل حادثة القتل الجماعي في مركز ويستغيت التجاري سنة 2013 ، وهجوم جامعة غاريسا سنة 2015 ، بالإضافة إلى هجوم على مجمع فندقي أدى إلى مقتل 21 شخصا في شهر يناير/ كانون الثاني سنة 2019. وقد قام كينيون بهذا الهجوم الأخير، مما يشير إلى أن التهديد الجهادي لم يعد يأتي من الخارج فقط.
ومع ذلك، تعد كينيا اليوم واحدة من القوى الصاعدة في أفريقيا، وأرضا للفرص الواعدة. تعد نيروبي أكبر مركز تكنولوجي في شرق أفريقيا. كما تُعتبر كينيا واحدة من الدول الرائدة عالميا في تحويل الأموال عبر الهواتف المحمولة، وتبلغ قيمة المعاملات من خلال هذا النظام 47 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2017.
بفضل متوسط أعمار يبلغ 18 سنة، ينتظر كينيا مستقبل مشرق إذا اغتنمت الفرص وقللت من المخاطر التي تحوم حول مستقبلها. لكن من أجل ذلك، ستحتاج إلى استقرار سياسي لا يمكن تحقيقه إلا بتغيير حقيقي لا يتوقف فيه السلم الاجتماعي على الترتيبات والصفقات بين النخب السياسية. وهو أمر يعتبر بعيد المنال في الوقت الحالي.
المصدر: إلوردين مونديال