ترجمة وتحرير نون بوست
بعد الجدل الذي أثارته معاهدة الـ 25 عامًا للتعاون الاستراتيجي بين إيران والصين، تتطلع طهران لتوقيع اتفاقية استراتيجية شاملة طويلة المدى مع موسكو. لم تكن هذه الأنباء مبشرة لواشنطن نظرا لأنها لا تخدم استراتيجية الضغط القصوى. وفي اتصال هاتفي مع فلاديمير بوتين، وافق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على مراجعة اتفاقية تعاون دامت 20 عامًا تنتهي في غضون ثمانية أشهر (آذار/ مارس 2021).
لكن لماذا أبرِم مثل هذا الاتفاق في هذا الوقت بالذات؟ يعتقد بعض النقاد أنه قبل إبرام معاهدة التعاون الاستراتيجي مع الصين والتفاوض على تمديد اتفاقية التعاون مع روسيا، كانت إيران تتعاون مع هذين البلدين بطريقة متوازنة، ومن المنطقي أنه إذا كانت هناك حاجة إلى عقد، فيجب أن لا تتجاوز مدته سنتين أو ثلاث. لكن الوضع الإقليمي والدولي أصبح صعبا للغاية بالنسبة لإيران في ظل ما تواجهه من صعوبات. فعوامل مثل الأزمة السورية وضغط العقوبات الاقتصادية وعقوبات الأسلحة والانسحاب أحادي الجانب للولايات المتحدة من الاتفاق النووي، دفعت إيران إلى المخاطرة بإبرام تعاون ثنائي طويل الأمد مع كل من روسيا والصين.
أولا، لابد من الإشارة بإيجاز إلى محتوى اتفاقية التعاون بين إيران وروسيا التي أبرمت سنة 2001. وُقّعت هذه الاتفاقية تحت عنوان “قانون المعاهدة على أساس العلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون بين إيران وروسيا” في 12 آذار/ مارس من سنة 2001 في موسكو، بحضور رئيسيْ البلدين محمد خاتمي وفلاديمير بوتين. في البداية، كانت مدة هذه الاتفاقية التي وافق عليها برلمانا البلدين 10 سنوات، إلا أنه بعد انتهائها وقع تمديدها لمدة خمس سنوات مرتين.
تنص المادة 21 من الاتفاقية على ما يلي: “تبرم هذه المعاهدة لمدة عشر سنوات، وإذا لم يعلم أي من الطرفين الطرف الآخر كتابيا بنيته إنهاء المعاهدة قبل سنة واحد على الأقل من انتهاء صلاحيتها، فإنه يتم تلقائيا التمديد فيها لمدة خمس سنوات إضافية”.
تضمن نص الاتفاقية على مقدمة و21 مادة. وتشير المادة السادسة من الاتفاقية إلى التعاون بين البلدين في مجال الطاقة، بما في ذلك الطاقة النووية، موضحة: “ستساعد الطاقة النووية في بناء محطات الطاقة النووية وتطوير الصناعة والعلوم والتكنولوجيا والزراعة والصحة العامة”. وتطرقت الأقسام الأخرى من الاتفاقية إلى التعاون بين البلدين في مختلف المجالات الاقتصادية والنقل والطاقة والسياسة والأمن. اعتبرت هذه الاتفاقية نقطة تحول دبلوماسية في القمة التي كانت تقريبا أول اجتماع يرتقي للمستوى المطلوب منذ 40 عامًا.
من المرجح أن يكون الضغط الأمريكي الذي دفع إيران نحو أحضان الصين وروسيا من بين الأسباب الرئيسية لإبرام هذه الاتفاقية
عارض الأمريكيون الاتفاقية في ذلك الوقت. وحيال هذا الشأن، قال الجنرال ليونيد إيفاشوف في ذلك الوقت: “قد تُعجب الاتفاقية البعض بينما لن تنال إعجاب البعض الآخر”، مضيفا “ستعمل بلادنا على تحقيق مصالحنا”. مثل هذا الاتفاق إشارة تحذير لإدارة جورج دبليو بوش بشأن اعتزام كل من إيران وروسيا مزيد العمل على الحد من نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة. في هذا الصدد، أفاد المتحدث باسم وزارة الخارجية آنذاك، ريتشارد بوتشر: “نحن قلقون بشكل خاص بشأن بيع الأسلحة التقليدية المتقدمة أو التقنيات الحساسة مثل التكنولوجيا النووية”.
شأنها شأن معاهدة التعاون لمدة 25 عامًا بين إيران والصين، فإن تمديد اتفاقية التعاون أو تغييرها إلى اتفاقية استراتيجية شاملة طويلة المدى سيثير مرة أخرى رد فعل سلبي من الولايات المتحدة، التي تسعى إلى عزل إيران سياسيا واقتصاديا. لذلك، يعد أي تعاون لإيران مع أي دولة انتهاكًا لهذه السياسة في واشنطن. ومن الواضح أن البيت الأبيض كان يهدف إلى إضعاف الاقتصاد الإيراني خلال السنوات القليلة الماضية من خلال اتباع سياسة “الضغط الأقصى”. وهذا يعني أن أي مخرج لإيران من هذا الوضع يقوض سياسة الضغط الأمريكية.
من المرجح أن يكون الضغط الأمريكي الذي دفع إيران نحو أحضان الصين وروسيا من بين الأسباب الرئيسية لإبرام هذه الاتفاقية. فمنذ أن فرضت الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات على صادرات النفط الإيرانية، واجهت طهران أزمة اقتصادية خانقة، واضطرت إلى الاستنجاد بالدول الأخرى وطلب الدعم للخروج من الأزمة. كما سعت واشنطن مؤخرًا إلى تمديد العقوبات وإضافة حزمة أخرى في مجلس الأمن الدولي، وذلك مع انتهاء حظر توريد الأسلحة إلى إيران الذي تفرضه الأمم المتحدة في تشرين الأول/ أكتوبر.
على إثر ذلك، تواصلت طهران مع كل من بكين وموسكو وحاولت الرد على ضغط واشنطن من خلال بعض التكتيكات. فلطالما زعمت إيران أن لديها خيارات أخرى إذا لم تظهر الولايات المتحدة استعدادها للتراجع عن سياسة العقوبات. ورغم الضغط الذي مورس على إيران من خلال فرض العقوبات وجائحة كورونا، لا تزال إيران مستعدة للمجازفة (أو بالأحرى إجراء محادثات مع الجانب الأمريكي).
بالنظر إلى المبادلات طويلة المدى مع روسيا والصين، يبدو أن إيران مستعدة لتغيير سياستها الخارجية وتكوين تحالف سعيًا للتخفيف من وطأة الضغط السياسي والاقتصادي الذي تمارسه واشنطن عليها. في سنة 2019، شاركت إيران في مناورة بحرية لم يسبق لها مثيل مع روسيا والصين، وبالنظر إلى المستجدات الحالية، يبدو أن إيران قررت التوجه أخيرا نحو “الشرق”. على عكس مسودة الاتفاقية مع الصين، يشوب محتوى اتفاقية التعاون مع روسيا عدم الوضوح.
تعد روسيا من بين الدول التي تعارض طلب الولايات المتحدة تمديد حظر توريد الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران
دعا السفير الإيراني في روسيا كاظم جلالي كلا من الصين وروسيا إلى تشكيل تحالف مناهض للعقوبات الأمريكية مع إيران لمجابهة الضغوط. من خلال مشاركة هذا التصور، قال جلالي إن الوقت قد حان لتشكيل تحالف مع الدول المتأثرة بالعقوبات يضم اقتصادات متقدمة على غرار روسيا والصين وإيران.
يزعم البعض أن هذه السياسة الخارجية أحادية الجانب قد تقيد إيران، التي تمكنت قبل خمس سنوات فقط من إنشاء علاقات مع الشرق والغرب من خلال إبرام الاتفاق النووي. ولعل أسهل طريقة لتجنب العقوبات هي استئناف مفاوضات الاتفاق النووي، ولكن يبدو أن إيران تتحرك في الاتجاه المعاكس.
القضايا الأكثر أهمية التي تسعل إيران وروسيا إلى العمل عليها
منع تمديد العقوبات المفروضة على توريد الأسلحة
تعد روسيا من بين الدول التي تعارض طلب الولايات المتحدة تمديد حظر توريد الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران، والذي من المقرر أن ينتهي في تشرين الأول/ أكتوبر من هذه السنة. لطالما حاول المسؤولون الأمريكيون إقناع دول أخرى بفرض حظر توريد الأسلحة إلى إيران، لكن محاولاتهم باءت بالفشل.
أخبر سفير إيران في روسيا صحيفة روسية بأن إيران مهتمة بشراء أسلحة جديدة من روسيا “لتعزيز قدراتها الدفاعية”. قد يكون شراء وبيع الأسلحة الروسية والصينية لإيران بعد الموعد القانوني النهائي للحظر مفيدا اقتصاديا لهما، وهما يفكران جديا في بيع الأسلحة لإيران.
الاتفاق النووي مع إيران
يعتبر الاتفاق النووي القضية الأكثر أهمية التي يجب معالجتها من خلال تمديد اتفاقية التعاون الإيرانية الروسية. مع انسحاب الولايات المتحدة أحادي الجانب من الاتفاق النووي، أصبحت شروط استئناف المفاوضات للتوصل إلى اتفاق جماعي أكثر صعوبة.
أظهرت كل من روسيا والصين، وإلى حد ما الاتحاد الأوروبي، رغبة في الحفاظ على الاتفاق النووي. ويبدو أن الروس يسعون للحفاظ عليه لأنهم على يقين من أنه يمثل أفضل طريقة ممكنة للسيطرة على إيران والحيلولة دون امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل، هذا إلى جانب استغلال الورقة الإيرانية في التفاوض مع الولايات المتحدة على القضايا الإقليمية (مثل أوكرانيا وسوريا) والقضايا العالمية (مثل العقوبات وتوازن القوى).
تشير الدلائل إلى أن روسيا والولايات المتحدة و”إسرائيل” توصلت إلى اتفاق في سوريا، وإلى أن إيران تسعى من خلال اتفاقية التعاون إلى التأكيد على دورها في تشكيل مستقبل سوريا
تعتقد الحكومة الإيرانية أن معارضة روسيا والصين لأي قرار صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا يخدم مصالح إيران، وعرقلة الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لتمديد حظر توريد الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خير دليل على “قوة العلاقات بين إيران وروسيا والصين، ومقاومتهم للنزعة الأحادية التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية”. ويؤكد المسؤولون الروس أن الاتفاق النووي أهم إنجاز للدبلوماسية متعددة الأطراف وأنه لا يزال هناك فرصة للحفاظ عليه.
من وجهة نظر الحكومة الإيرانية، إن اتفاقية التعاون الإيرانية الروسية التي دامت عشرين عامًا، من شأنها أن توفر دعما روسيا طويل المدى لإيران، والأمر الأكثر أهمية هو استخدام روسيا لحق النقض ضد الولايات المتحدة – لكن ذلك لن يكون دون مقابل.
الأزمة السورية
تمثل الأزمة السورية مصدر قلق آخر بالنسبة للقادة الدبلوماسيين في إيران وروسيا، إلى جانب كونها محور تعاون وخلاف بين البلدين. ساهمت الانتصارات التي حققها بشار الأسد بفضل الدعم الإيراني والروسي في بقائه في السلطة حتى الآن. ومن المتوقع أن تشهد سوريا في المستقبل تغييرات قد تخلق بعض الخلافات بين إيران وروسيا. ومن بين المشاكل المتعلقة بتمديد اتفاقية التعاون هو مستقبل سوريا والدور الذي ستلعبه إيران فيها، خاصة أن إيران قلقة بشأن عدم تدخلها الفعلي في مستقبل سوريا السياسي.
تشير الدلائل إلى أن روسيا والولايات المتحدة و”إسرائيل” توصلت إلى اتفاق في سوريا، وإلى أن إيران تسعى من خلال اتفاقية التعاون إلى التأكيد على دورها في تشكيل مستقبل سوريا، إلى جانب روسيا. وهناك مخاوف من تشكل تحالف بين روسيا والولايات المتحدة و”إسرائيل” والسعودية على المدى البعيد، مما يترك إيران دون حليف. قبل تحقيق هذا الهدف، بدأت إيران العمل على عرقلة جهود تشكيل هذا التحالف، والحفاظ على دعم روسيا من خلال التمديد في اتفاقية التعاون بينهما.
على الرغم من إصرار موسكو على أن تدخلها في سوريا كان الهدف منه محاربة الإرهاب، إلا أنها تحاول تغيير النظام والأنظمة الأمنية بالإضافة إلى تنصيب المزيد من الموالين لها في الجيش السوري. (يعتبر اللواء سهيل الحسن الذي يقود قوات النمر في الجيش السوري أحد أهم الشخصيات السورية التي روجت لها وسائل الإعلام الروسية، وهو من نواحٍ عديدة الشخص المثالي لخدمة مصالح روسيا في سوريا ما بعد الأسد).
قد يظل الأسد في السلطة من خلال تغيير الاقتصاد السوري والأجهزة الأمنية، لكن روسيا تعلم أنها لن تستفيد من بقائه لأن أوروبا لن تدعم مشاريع إعادة الإعمار في سوريا إذا لم يتنحى عن الحكم. تختلف روسيا وإيران حول مستقبل سوريا السياسي، حيث يدعم بوتين الأسد طالما أنه يحافظ على مصالح روسيا بما يتوافق مع سياستها الخارجية. ولكن لا شك أنه يبحث عن بديل للأسد قد يكون مختلفًا عما تتخيله إيران.
تسعى كل من روسيا والصين لقلب ميزان القوى وجعل العالم متعدد الأقطاب
خلاصة
من الصعب تحديد منافع الاتفاقيات المبرمة مع إيران بالنسبة لكلا الجانبين. وبما أن إيران قررت اتخاذ هذا القرار في ظل الأزمة الاقتصادية والسياسية، فإن عواقبه الداخلية والإقليمية غير معروفة. كما أن إمكانية تفعيل جميع بنود هذه الاتفاقيات يعتمد على الاتفاق الدول الموقع مع إيران. وتظل الثقة المتبادلة بين طرفي الاتفاق أهم عامل.
لا تمثل تجربة إيران في التعاون النووي مع روسيا في إطار الاتفاقية السابقة مؤشرا جيدا لإبرام اتفاق طويل المدى، ومن غير الواضح ما إذا كان الوضع الاقتصادي والسياسي داخل إيران مواتيا لمثل هذا الاتفاق. لذلك، يبدو أن إيران أكثر مستفيد من هذه الاتفاقية لأسباب عديدة: 1- الأزمة السورية، 2- مواجهة الأحادية الأمريكية، 3- الاتفاق النووي، 4- شراء أسلحة عسكرية، 5- حل الأزمة الاقتصادية الحالية.
بما أن إيران قلقة إزاء تشكيل روسيا في المستقبل تحالفا مع “إسرائيل” والولايات المتحدة والسعودية، فإنها تسعى إلى ضمان دعم روسيا والصين على المدى الطويل. من ناحية أخرى، تخشى كل من روسيا والصين حدوث تحول في سياسة إيران الخارجية تجاه الغرب. لذلك، يمكنها بواسطة هذا الاتفاق طويل المدى التحكم في إيران بطريقة ما.
بالنظر إلى العلاقة الخاصة بين روسيا و”إسرائيل”، فإن هذه الاتفاقية لن تؤثر على “إسرائيل” التي تمثل خطا أحمر بالنسبة لبوتين، ومن غير المرجح أن تثار قضية “إسرائيل” في الاتفاقية المقبلة. وبصرف النظر عن وجود الروس في “إسرائيل” واليهود في روسيا، فإن العلاقة الشخصية بين بوتين ونتنياهو وثيقة للغاية، ولن يسمح بوتين بتهديد سلامة المواطنين الروس في “إسرائيل”. وتوضح الضربات الجوية الإسرائيلية ضد المواقع الإيرانية في سوريا، وكذلك طلب روسيا من إيران الانسحاب من هضبة الجولان، هذه النقطة.
أما فيما يتعلق بتغيير النظام العالمي، تسعى كل من روسيا والصين لقلب ميزان القوى وجعل العالم متعدد الأقطاب. لكن النقطة الأهم تكمن في أن خطط وآراء روسيا والصين، وكذلك إيران، حيال هذه المسألة متباينة، حيث يسعى كل طرف لتحقيق مصالحه الخاصة. ولا يبدو أن هناك تحالفا استراتيجيا بين إيران وروسيا والصين على المدى الطويل. ينبغي أن تكون إيران أولا قادرة على تشكيل تحالف إقليمي، ثم على المستوى الدولي. ومن المرجح أن تنضم روسيا في المستقبل إلى الشبكة الإقليمية السعودية الإسرائيلية التي تركز على الولايات المتحدة.
المصدر: مودرن ديبلوماسي