يواصل رئيس الحكومة التونسية المكلف هشام المشيشي مشاورات تشكيل حكومته الجديدة، مشاورات التقى خلالها بالعديد من الشخصيات السياسية والأحزاب والمنظمات الوطنية لبلورة رؤيته وبرنامجه القادم، وضبط تشكيلة حكومته الجديدة قبل عرضها على مجلس نواب الشعب.
مشاورات تشكيل الحكومة التونسية دخلت أسبوعها الثالث، لكن رغم تقدم المشاورات والمفاوضات، لا أحد يعلم أي نوع من الحكومات سيشكلها المشيشي، هل ستكون حكومة الرئيس بعيدًا عن الأحزاب أم تكون حكومة حزبية تستمد دعائمها من أبرز الأحزاب الفائزة في البرلمان؟
حكومة سياسية
تطالب حركة النهضة الإسلامية، صاحبة الأغلبية في مجلس نواب الشعب، بحكومة وحدة وطنية بحزام سياسي واسع، وبمشاركة أكثر ما يمكن من الكتل والقوى السياسية، باستثناء تلك التي عبّرت عن رفضها تشكيل حكومة تضم الحركة.
وتدفع حركة النهضة، باتجاه إقناع رئيس الحكومة المكلف، بتشكيل “حكومة وحدة وطنية سياسية” تستجيب لتطلعات التونسيين، وعدم الإنصات إلى أصوات تشكيل حكومة كفاءات مستقلة غير حزبية تستبعد الأحزاب ذات الأغلبية في البرلمان.
وكان رئيس البلاد قيس سعيّد، قد كلف وزير الداخلية الحاليّ هشام المشيشي بتشكيل الحكومة، مستبعدًا الأسماء التي اقترحتها الأحزاب الرئيسية، والمشيشي رجل قانون، وشغل منصب المستشار القانوني للرئيس بعد أن كان مسؤولًا في عدة وزارات، وعُين وزير للداخلية في نهاية فبراير/شباط 2020 في حكومة إلياس الفخفاخ الذي قدم استقالته.
تسعى بعض الأحزاب والأطراف السياسية في تونس إلى دفع هشام المشيشي لتشكيل حكومة تكنوقراط تستمد شرعيتها من رئيس البلاد
ترى الصحفية التونسية شيماء التابعي أن هشام المشيشي في وضعية صعبة تفرض عليه تأسيس حزام سياسي قوي في البرلمان من أجل كسب الأغلبية والمرور بسلام، فالحكومة الحزبية في الوضع الحاليّ هي التي سترضي جميع الأطراف السياسية في البرلمان.
وتقول التابعي في حديثها لنون بوست: “المشيشي سينتهج هذه السياسة ويشكل حكومة حزبية ترضي الأحزاب الكبرى الممثلة في البرلمان، حتى لا يقع في نفس الفخ الذي وقع فيه سابقًا رئيس الحكومة المكلف السابق الحبيب الجملي”.
وترى محدثتنا أن هذا الاختيار يعتبر الأنسب لرئيس الحكومة المكلف في ظل هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، لأن الابتعاد تمامًا عن التجاذبات السياسية قد يعمق أزمة الانقسام والتشتت التي يعرفها المشهد السياسي في تونس.
وتسعى الكتل البرلمانية الأكثر تمثيلًا في البرلمان – وهي كل من حركة النهضة (54) وحزب قلب تونس (27) وائتلاف الكرامة (19) – لإقناع هشام المشيشي بتشكيل حكومة سياسية موسعة تضمن أكبر حزام سياسي لها في البرلمان، وتقطع مع رغبة البعض تشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية.
حكومة تكنوقراط
في مقابل ذلك، تسعى بعض الأحزاب والأطراف السياسية في تونس إلى دفع هشام المشيشي لتشكيل حكومة تكنوقراط تستمد شرعيتها من رئيس البلاد قيس سعيد، حتى إن كلفه ذلك معاداة الكتل الثلاثة الكبرى في مجلس نواب الشعب.
يرى الصحفي أحمد محروق أن المشيشي لن يخرج عن جلباب الرئيس قيس سعيد، وسيكون خادمًا مطيعًا لأوامره، وبالتالي فإن مصير هذه الحكومة وتركيبتها يتحكم فيها حاكم قرطاج وليس الأحزاب الموجودة في البرلمان.
استقال الفخفاخ على خلفية شبهات فساد
في حديثه لنون بوست، يؤكد أحمد محروق أن الرئيس يدفع دفعًا حثيثًا نحو حل البرلمان وإعادة الانتخابات لتوريط الأحزاب وترذيلها وتشويهها خدمة لمشروعه الغامض الذي يلغي فكرة النظام البرلماني المعدل ولا يعترف البتة بالأحزاب السياسية.
صحيح أن العقل يفرض على المشيشي تشريك الأحزاب في حكومته الجديدة، فالديمقراطيات تبنى وتنمو بالأحزاب، وفق محروق، لكن ذلك سيصطدم برغبة قيس سعيد الطامع في زعامة المشهد السياسي في البلاد وإقصاء كل منافس له.
وتشير تقارير إعلامية إلى إمكانية توجه هشام المشيشي إلى إعداد الحكومة القادمة بالتوافق مع رئيس الجمهورية لوضع مجلس نواب الشعب أمام الأمر الواقع، إما الموافقة على الحكومة مهما كانت تركيبتها وإما حل المجلس والاتجاه نحو انتخابات نيابية سابقة لأوانها.
يمكن لرئيس الحكومة المكلف أن يشكل حكومة غير حزبية لا تحظى بإجماع غالبية الطيف السياسي في البرلمان
تؤكد قيادات في حزب قلب تونس، أنّ حكومة هشام المشيشي هي حكومة رئيس الدولة الثانية، ففي اعتقادهم أن تركيبة الحكومة جاهزة في قصر قرطاج، ما يعني أن قيس سعيد يواصل خرقه للدستور وتنكره للأحزاب السياسية خاصة الفائزة بأغلبية مقاعد البرلمان.
حكومة جامعة
يعتبر المشيشي وفق بعض المتابعين للشأن العام مقربًا جدًا من القصر ومن الرئيس قيس سعيد الذي عول عليه وحمله مسؤولية قيادة الحكومة بعد استقالة إلياس الفخفاخ، إلا أن المرحلة القادمة تقتضي تشكيل حكومة جامعة لكل الأطراف السياسية المكونة للمشهد البرلماني، حتى تحظى بشيء من الاستقرار والتوازن الذي فقدته سابقتها، وفق الصحفي هشام بن أحمد.
وشهدت تونس منتصف شهر يوليو الماضي، استقالة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ بعد خمسة أشهر على توليه المنصب، وجاءت الاستقالة إثر إعلان حركة النهضة أنها قررت سحب الثقة من الفخفاخ على خلفية اتهامات في ملف تضارب مصالح، ومنح البرلمان التونسي الثقة لحكومة الفخفاخ نهاية شباط/فبراير2020، وهو يواجه اتهامات بتضارب المصالح وشرعت لجنة برلمانية في التحقيق فيها.
إلى حد اللحظة لم يسدل الستار عن تركيبة الحكومة أو حتى مكوناتها الأساسية، لكن يبدو أن المشيشي سيستجيب لتطلعات غالبية الأطراف السياسية والاجتماعية التي طالبته بتكوين حكومة كفاءات مضيقة وهو الخيار الذي ربما سيتوخاه ولن يقامر بمعاكسة التوجه العام، وفق بن أحمد.
يقول هشام بن أحمد “المشيشي سيتوجه لتشكيل حكومة غالبيتها مستقلة لكنها لن تخلو من بعض الوجوه الحزبية أو حتى الشخصيات المستقلة التي تحظى بدعم بعض الأحزاب، حتى تنال الثقة في البرلمان ولا تسقط”.
تدعو النهضة لحكومة حزبية واسعة
يضيف محدثنا “هشام المشيشي له خبرة عالية بطبيعة الإدارة التونسية وله من التجربة والحنكة في إدارة الوضع ما يخول له النجاح في تكوين حكومته المرتقبة وفق رغبة كل الأطراف بما فيها رئاسة الجمهورية”، ويتابع “المشاورات الحاليّة التي يقودها المشيشي قبيل الإعلان عن تركيبة الحكومة القادمة تتسم بنوع من العقلانية والتنظيم وذلك بعد استماعه لمعظم الأطراف بما فيها الكتل الحزبية الكبرى في البرلمان والأطراف الاجتماعية كاتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة وصولًا إلى رؤساء الحكومات والجمهورية السابقين”.
هذا التمشي يوحي، وفق بن أحمد، أن الرجل يريد أن يتجه نحو الاستماع وتشريك كل الأطراف ووضعها على بينة من المشاورات، وبالتالي لا يبدو أن المشيشي سيتجه في طريق تجاهل البرلمان والأحزاب والمنظمات الوطنية خلال مسار تشكيل الحكومة والاستئناس فقط بتوجيهات رئيس الجمهورية كما حصل مع حكومة إلياس الفخفاخ.
يمكن لرئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي أن يشكل حكومة غير حزبية لا تحظى بإجماع غالبية الطيف السياسي في البرلمان، ويمكن لحكومته أن تنال الثقة، لكن لا يمكنه مواصلة العمل لوقت طويل، وتجربة الفخفاخ خير مثال على ذلك.