في الوقت الذي يحيا العالم بأسره مِحّنًا اجتماعيةً واقتصاديةً، قربت بين الفرقاء ومنحت الإنسانية أبعادًا أخرى للتضامن العالمي بين البشر، تتعسف الهند وتتبع جملة من السياسيات الاستئصالية تجاه الكشميريين الذين تخضعهم لحصار عسكري وإرهاب متعدد الأوجه لتكميم الأفواه عن تداعيات جائحة كورونا على الناس، لدرجة أصبحت معها منطقة كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، التي يبلغ عدد سكانها 7 ملايين نسمة، من أعلى المناطق كثافة بالوباء في المناطق الهندية، في الوقت الذي تستغل هذا التوتر لإعادة هندسة المنطقة، وتمكين الهندوس في غياب شبه تام، للإعلام والمجتمع المدني والتضامن الدولي.
مكافحة كورونا بالقمع والتشريد
يمكن القول إن السبب الحقيقي لانتشار الوباء بهذه الصورة المخيفة هو القمع السياسي، فمنذ أن ألغت الحكومة الهندية المادة 370 من الدستور الهندي في أغسطس الماضي، التي كانت تنص على حكم ذاتي لكمشير، أدارت الهند المنطقة بشكل مباشر وعزلت ممثليها المنتخبين واعتقلت ثلاثة رؤساء وزراء سابقين، لا يزال أحدهم رهن الإقامة الجبرية، ورسخت لحكم الحديد والنار، حتى تنتقل إلى المرحلة الثانية التي تهدف لتغيير وجه المنطقة بالكامل.
هذا القمع الذي كشف وجه الأيدلوجيا الشيطاني، عندما تصبح هي العقيدة والهدف، فتعُمى القلوب والضمائر، وضع أطباء كشمير في مأزق خطير، إذ هددتهم الحكومة الهندية أن مجرد استغاثتهم وتصريحاتهم في بعض وسائل الإعلام عن ضعف البنية التحتية ونقص القوى العاملة والمعدات في كشمير، سيعني بالنسبة لها تقويض متعمد لجهود الحكومة في السيطرة على الوباء، وبالتالي ظهورهم في تقارير إعلامية محلية أو عالمية دون العودة إلى صناع القرار الأمنيين سيودي بهم إلى التشريد والسجن.
كشف الأطباء في مقابلات عدة نقص أجهزة التهوية في كشمير، فتشير بعض الإحصاءات الرسمية إلى أن المنطقة بأكملها لا يوجد فيها إلا نحو 100 جهاز تهوية، ما يعني أن هناك إهمالًا متعمدًا في تزويد كشمير بما تحتاجه لمواجهة الفيروس اللعين، وحتى الآن يحتمي بجهاز تهوية واحد فقط كل 71 ألف شخص، من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم ما يقارب 13 مليون نسمة، وهي كارثة حقيقية بكل المقاييس.
ورغم الافتقار الشديد للخدمات، فإن الحكومة تتعسف مع الأطباء، فأنهت عمل الكثير منهم بجانب نحو 250 ممرضةً، وكل هذا وسط قيود بوليسية مفروضة على استخدام الإنترنت، لدرجة أن الأطباء غير قادرين حتى على تنزيل المستندات ومقاطع الفيديو المهمة المتعلقة بإرشادات السلامة الأساسية لـCOVID-19 وغيرها من المعلومات ذات الصلة مثل إرشادات إدارة العناية المركزة، ما دعا عشرات الاتحادات الوطنية لوسائل الإعلام في جنوب آسيا، لمطالبة الحكومة الهندية رسميًا بإنهاء الحظر المستمر على الاتصالات هناك.
إعادة هندسة كشمير
هذا التعسف في التعامل مع جائحة عالمية، كان مدخلًا للسلطات الهندية في تنفيذ خطتها لإعادة رسم الحياة على أرض كشمير من جديد، وبأساليب استيطانية يرفضها المجتمع الدولي، وتتحدى قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كما تتحدى مشاعر المسلمين في العالم أجمع، حيث مررت الحكومة الهندية قرارًا بإعادة تنظيم جامو وكشمير لعام 2020 في محاولة لمنح غير الكشميريين – الهندوس تحديدًا – الحق في أن يصبحوا مقيمين دائمين في المنطقة.
الأجراء الذي اتخذ أحاديًا ومن جانب واحد فقط، في أغسطس من العام الماضي، ألغت الحكومة من خلاله الوضع الخاص للإقليم وسحبت بموجبه اعتراف الدستور الهندي في المادة 370 بأنها أرض متنازع عليها، ولهذا كانت تمنحها استقلالها في جميع السياسات باستثناء شؤون الخارجية والدفاع.
عززت الحكومة الهندوسية من تعسفها بإلغاء بند آخر، كان يمنع تمامًا توطين أي شخص من أماكن أخرى غير جامو وكشمير، كما كان يقف حائلًا أمام أي محاولة لشراء الأراضي في الإقليم، حتى لا يساهم ذلك في تغيير التركيبة السكانية، خاصة في الأراضي ذات الأغلبية المسلمة التي تستهدفها الأيديولوجية الهندوسية المتعصبة لحكومة حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم الآن الذي تسبب منذ صعوده الحكم قبل سنوات في هذه المآسي والمظالم، بسبب محاولاته الدائمة لاغتيال الصبغة الإسلامية للإقليم عبر استنساخ إستراتيجية “إسرائيل” في بناء المستوطنات، للقضاء على الهوية العربية بالمناطق التي تضع يدها عليها.
تجريد كشمير من وضعها الخاص، كان ينتظر فرصة للعمل بعيدًا عن الضغط، وهو ما جاء للحكومة الهندية على طبق من ذهب، خلال انشغال العالم بتداعيات فيروس كورونا، وقامت بتحديد ملكية الأراضي للسكان الأصليين، في الوقت الذي فتحت فيه الباب على مصراعية للهنود، للقدوم من أي مكان في البلاد والاستقرار في كشمير تحت حماية الدولة.
كل هذا في مواجهة سكان يخضعون بحكم الواقع الجديد لعدالة تعسفية إلى أقصى مدى، لدرجة منع النساء المقيمات في كشمير اللائي تزوجن من أجانب وأبناء هذه الزيجات من امتلاك أي عقارات في كشمير، ما رسخ للتمييز والتحيزة ضد المرأة المسلمة.
لم تنس الهند أيضًا تمكين الهندوس من الجهاز الإداري للإقليم، وأضافت للتعديلات الجديدة بنودًا تمكن “الأجانب” من شغل الوظائف الحكومية، وهي تعديلات تهدف بشكل أساسي إلى مواجهة النفوذ الباكستاني وتخفيف سيطرة المسلمين على مراكز التحكم وهيمنتهم على مراكز صنع القرار الإداري، ما يعزز في المقابل من ترسيخ الهوية الهندوسية للأمة، وهو الهدف الحقيقي من تغيير التركيبة السكانية.
أي دور للأمم المتحدة؟
منذ نحو عقد ونصف، وخلال فترة تولي كوفي عنان، مسؤولية الأمانة العام للأمم المتحدة، والرجل في خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة أعلن أن الأمم المتحدة لا تلبي احتياجات أعضائها، بما في ذلك الولايات المتحدة.
كشف عنان بوضوح أن الوضع الحاليّ للمؤسسة العالمية الأولى، أوصلها إلى مفترق طرق، وهي لحظة حاسمة قد لا تقل أهمية عن الأسباب نفسها التي قادت لتأسيس الأمم المتحدة عام 1945، ودعا الأمين الذي تعود أصوله إلى غانا إلى إصلاح جذري للمنظومة، تستطيع بموجبها مواجهة التهديدات والتحديات الهائلة التي تواجه البشر.
كانت اللحظة مناسبة من وجهة نظر عنان لبحث الخروقات التي تحدث من الجميع ضد الجميع، فهذا التوقيت كانت يشهد اجتياح أمريكا للعراق دون موافقة أممية، ما أعطى الذرائع لسيل الانتهاكات المتتالية للشرعية الدولية وللإنسانية بشكل عام.
شكل عنان بالفعل لجنة عليا تضم 16 من كبار المسؤولين السابقين ورؤساء المنظمات الدولية، لتحليل التحديات التي تواجه السلام والأمن الدوليين، وكلفهم برفع المقترحات وتقديم تقارير عن إصلاح الأمم المتحدة إلى الأمين العام.
اللجنة ركزت على تأثير تدخل التحالف في العراق دون موافقة مجلس الأمن على احترام المنظمة والشرعية الدولية من باقي الدول، في ظل تهديدات الصراع القائمة بين العديد من بلدان العالم، ما أخل بمعايير السيادة والتدخل الإنساني والمسائل المتعلقة باستخدام القوة، وهو أكبر تحدٍ للأمم المتحدة من وقتها وحتى الآن.
كل هذه المعطيات تشكل أساسًا يمكن من خلاله معرفة سر تجاهل الأمم المتحدة لانتهاكات الهند وغيرها من البلدان رغم عمليات التطهير العرقي واستهداف المسلمين التي تحدث على قدم وساق في إقليم كشمير، وآخرها الموافقة الباردة على عقد جلسة ـ غير رسمية ـ بناءً على طلب باكستان لمناقشة التطورات الخطيرة للأوضاع هناك.
لم تتخذ الأمم المتحدة أي إجراء ولم تصدر بيانًا واحدًا بعد الاجتماع الافتراضي خلف الأبواب المغلقة لإخبار العالم برد فعلها، ورغم استحسان باكستان لمجرد عقد الجلسة وعدم الالتفات لمحاولات الهند لمنعها، فإن المنظمة الدولية لم تكشف ما هو السبيل لتمكين سلطتها الأخلاقية والقانونية والسياسية من حسم الأزمة، ووقف هستيريا الإبادة الجماعية للشعب الكشميري من الحكومة البوذية، حتى لا تتوقف مساهمة المنظمة الدولية على مواقف عابرة لا تغني ولا تسمن من جوع.