تتسابق دول العالم في السنوات الأخيرة الماضية لاقتناء مصادر الطاقة النظيفة، فلا أحد يستطيع تحمل فاتورة الاستمرار في العبث بالكوكب إلى الأبد، من جراء الوقود الأحفوري، الذي يطلق ثاني أكسيد الكربون على الغلاف الجوي مما يساهم في تغير المناخ والاحتباس الحراري.
هذا القلق العالمي، جعل مختلف القطاعات تجدد نفسها، من التكنولوجيا إلى النقل، الكل يتجه نحو الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، ولم تكن البلدان العربية رغم كل ما تعانيه من أزمات سياسية واجتماعية وإنسانية بعيدة عن هذا الزخم، ولكن السؤال: ماذا أنجز العرب حتى الآن في هذا السباق المشتعل من المحيط إلى الخليج؟
الطاقة المتجدة
الطاقة المتجددة تعني الطاقة المستدامة، أو الشيء الذي لا يمكن أن ينفد، ولا نهاية له مثل الشمس على سبيل المثال، ولهذا يشير مصطلح الطاقة البديلة إلى مصادر الطاقة المتجددة، البديل الآمن للمصادر غير المستدامة والأكثر استخدامًا مثل الفحم والبترول.
من المثير للاهتمام أن نعرف أن بداية الالتفات لهذه البدائل، طرح خلال أزمة الطاقة أثناء حرب أكتوبر 1973، عندما أعلنت الدول العربية المنتجة للنفط توقّفها عن إمداد الدول الغربية المساندة لـ “إسرئيل” لتحدث أزمة ضخمة، كانت مدخلا للبحث عن وسائل بديلة لتوليد الطاقة.
ليس هذا فقط، بل شكل ارتفاع عدد سكان العالم بشكل مخيف، أحد الأسباب الرئيسية، لزيادة الطلب على الطاقة البديلة، من أجل تزويد المنازل والعمل والمجتمعات بالطاقة، فضلا عن الرغبة في الحفاظ على مستوى مستدام، وحماية الكوكب من أخطار تغيير المناخ.
وتنحصر مصادر الطاقة المتجددة الأكثر شيوعًا حاليًا، في الطاقة الشمسية، والرياح، والكهرومائية، والمد والجزر، والحرارية الأرضية، والكتلة الحيوية، وأصبحت تشكل حوالي 26٪ من حجم إنتاج الكهرباء في العالم، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية (IEA) زيادة حصة الطاقة البديلة إلى حوالي 30٪ بحلول عام 2024، كما تتوقع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة ـ إيرينا ـ بأن تصل نسبة استخدام الطاقة المتجددة في المجتمعات إلى 86٪ بحلول عام 2050 .
بحسب دراسة أجريت قبل أشهر، تحتل دول العالم الأول كما هو متوقع صدارة تريب قائمة العشر الأوائل للبلدان التي تستخدم أعلى كميات من الطاقة المتجددة، وتتصدر بلدان العالم دولة ألمانيا، التي رفعت رصيدها من الطاقة النظيفة إلى 12.74% من إجمالي حجم الطاقة المطلوبة للاستخدام لديها.
تلجأ الأسواق الناشئة إلى الاستعانة بتقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من عناصر الطاقة المتجددة
خلف ألمانيا تتمركز بريطانيا، التي قفزت بشكل هائل خلال الأشهر الماضية، لتصبح الدولة الثانية في القائمة التي توفر من الطاقة النظيفة ما نسبته 11.95% من إجمالي حجم الطاقة المطلوبة لديها، ويخلفهما دولة السويد، ثم أسبانيا، وإيطاليا، فالبرازيل، واليابان، وتركيا، واستراليا، وأخيرًا أمريكا التي رغم تقليلها دائما من المخاوف العالمية حول انبعاثات الكربون وتأثيرها على الكوكب، وتراها مبالغ فيها، إلا أنها تعتمد بنسبة 4.32% على الطاقة النظيفة من إجمالي الطاقة المطلوبة لديها.
الخريطة تتسع
رغم أزماتها التي لا تنتهي إلا أن خريطة الدول النامية التي تريد الاعتماد على الطاقة البديلة، تتسع بشدة، إذ تحدد دراسة لمركز بيو للأبحاث، أن هناك تسارع من دول مثل كينيا، والمغرب، وفيتنام، والفلبين، وباكستان للحصول على الطاقة النظيفة، والأخيرة استثمرت بأكثر من مليار ونصف مليار دولار في الطاقة النظيفة من 2009 وحتى 2013، ولم تضف طوال هذه السنوات إلا 10% فقط لاستثمارات الطاقة الإحفورية، بينما وجهت حوالي 91% من الميزانية إلى الاستثمار في الطاقة النظيفة.
وتلجأ الأسواق الناشئة إلى الاستعانة بتقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من عناصر الطاقة المتجددة، لأنها لا تحتاج إلى بنية تحتية مكلفة للشبكات، ولهذا فكل البلدان النامية أقرب للمنافسة مع دول العالم المتقدم في الحصول على طاقة من مصادر آمنة.
أما عن المنطقة العربية، فهي أفضل مناطق العالم جاهزية لتنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية، بسبب اتساع رقعة الصحارى فيها؛ وهو ما ترصده أبحاث متخصصة تؤكد أن ما يصل إلى الأراضي العربية من طاقة شمسية يبلغ حوالي 5 كيلو واط/سا، في المتر المربع الواحد خلال اليوم، ولهذا فالطاقة الشمسية على وجه التحديد محل اهتمام كبير لكل بلدان المنطقة.
وتعتبر السعودية أكبر دول المنطقة اهتماما بقضية الطاقة البديلة، وأخذ الاهتمام صبغة رسمية ترجمت إلى مشاريع للطاقة المتجددة منذ العام الماضي، الذي صدرت فيه خطة كاملة لإنارة جميع شوارع المدن اعتمادًا على الطاقة النظيفة.
طرحت المملكة حولي 12 مشروعًا في قطاع الطاقة المتجددة، بقيمة إجمالية تصل إلى نحو 4 مليارات دولار، خلال العام الحالي فقط، وتسعى المملكة إلى إيصال إنتاجها من الطاقة النظيفة إلى 27 جيجاواط بحلول العام 2024؛ منها 20 جيجاواط طاقة شمسية و7 جيجاواط طاقة رياح، كما أسست المملكة مركزًا لقدرات الطاقة المتجددة، ستبلغ سعته 200 جيجاواط وسينفذ خلال العقد المقبل ويهدف إلى تلبية حاجة المشروعات الداخلية والتصنيع المحلي في البلاد.
في قطر القضية أصبحت أيضا مسألة مصير، ولهذا لم تكتف باعتبارها أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، وطرقت باب إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية عبر توقيعها اتفاقية لإنشاء محطة الخرسعة الكبرى للطاقة الشمسية التي تعد من الأكبر في العالم بسعة كلية تقدر بنحو 800 ميغاواط.
وتقع محطة الخرسعة غرب مدينة الدوحة وتقام على مساحة 10 كيلومترات، بتكلفة إجمالية تقدر بحوالي 1.7 مليار ريال قطري، وتقدر السعة الكلية للمشروع بنحو 800 ميغاواط، وسيجري ربط 350 ميغاواطا مع الشبكة كمرحلة أولى في الربع الأول من 2021 على أن يبدأ التشغيل التجاري للسعة الكلية في الربع الأول من 2022.
وسيتم استخدام مشروع محطة الخرسعة في كأس العالم 2022 الذي يقام على الأرض القطرية، بحيث سيساهم في الوفاء بالتزامات الدولة بملف الاستضافة، ولاسيما أنه سيولد حوالي ثمانية أضعاف الطاقة الشمسية التي التزمت قطر ببنائها خلال تسويق ملفها، قبل أن تفوز فعليا بالتنظيم كأول دولة عربية تنظم هذا الحدث.
أما الإمارات العربية المتحدة، فتؤسس هي الأخرى واحد من أكبر مجمعات الطاقة الشمسية في العالم، وتتولى هيئة كهرباء ومياه دبي اللمسات الأخيرة لإنشاء مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، للدخول إلى عام 2030، والمدينة قادرة على توفير 25% من الطاقة النظيفة من طاقة الشمس.
أما عمان فبدأت العام الماضي أيضا في تتفيذ مشروعها الطموح لتركيب ألواح طاقة شمسية مزدوجة ومتعقبة للشمس لتزويد المدارس بالطاقة الشمسية، ويعتبر المشروع أول تجربة متكاملة لتطبيق أنظمة الطاقة الشمسية وتوصيلها بشبكة الكهرباء الأساسية ويحظى بدعم من الجهات الرسمية.
وتحاول السلطنة المضي قدما في الاستثمار بالطاقة النظيفة، وتخيف اعتمادها على الوقود الأحفوري لإنتاج الكهرباء حتى تلاحق العالم، ولهذا أطلقت أيضا مشروع «مرآة» بمحافظة ظفار جنوب البلاد، ويعتبر من أضخم مشاريع الطاقة الشمسية عالميًا، ويهدف إلى توليد نحو 1021 ميجاواط من الطاقة الحرارية.
وبنفس التسارع يمضى مشروع الاعتماد على الطاقة النظيفة في مصر، والتي بدأت هي الآخرى منذ العام الماضي الاستثمار في هذه الطاقة بملياري دولار، وانتهت بالفعل منتصف مارس الماضي من تشييد ثلاث محطات من مشروع يحمل اسم «شموس النوبة» بمجمع بنبان للطاقة الشمسية في محافظة أسوان، وسيصل إنتاج المحطات الثلاث إلى 186 ميجاواط، ويهدف المشروع إلى توليد 752 ميجاواط من الطاقة الكهربائية، لإمداد أكثر من 350 ألفًا من السكان بالكهرباء في المرحلة الأولى.
في مسار متزامن بدأت مصر أيضا، تشغيل أول مزرعة رياح في البلاد، برأس غارب في خليج السويس بقدرة إنتاج تصل إلى 262.5 ميجاواط، ولاسيما أن المزرعة مزودة بـ125 توربين، تبلغ قدرة كل منها 2.1 ميجاواط، وفقًا لنظام الإنتاج المستقل للطاقة، وتحاول القاهرة السباق مع الزمن للوصول بالبلاد من هذه التقنيات إلى 20% من إنتاج الكهرباء بحلول العام 2022، على أن تزيد إلى 42% بحلول العام 2035.
تسعى بلاد المغرب العربي على رغم من ظروفها السياسية لإحياء مشروعها الطموح لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة
على جانب آخر، تسعى المملكة الأردنية الهاشمية لإتمام مشروع محطة الطفيلة لطاقة الرياح جنوب العاصمة عمان بحلول نهاية عام 2020، وتعتبر الممكلة سباقة في هذا المجال، إذ بدأت في تدشين المحطة رسميا عام 2015 بتكلفة بلغت نحو 287 مليون دولار أميركي.
وتحاول الممكلة توفير كهرباء من خلال الطاقة النظيفة بنسبة تصل إلى 3%، لتفادي إطلاق حوالي 235 ألف طن من انبعاث الكربون سنويًا، وتعتبر المحطة هي أول مشروع للطاقة المتجددة على مستوى المرافق الخدمية في الأردن.
في المغرب العربي، وتونس على وجه التحديد، تسعى البلاد على رغم من ظروفها السياسية لإحياء مشروعها الطموح لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة، من خلال مشاريع ترمي إلى إنتاج 25% من حاجتها للكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية بحلول نهاية العام الحالي، على أن تقفز النسبة لتزيد بحوالي 35% في حدود عام 2030.
كانت تونس أعلنت العام الماضي عن البدء في إنتاج 120 ميجاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية كبداية للوصول في مرحلة لاحقة إلى إنتاج 1000 ميجاواط من الكهرباء بالطاقة المتجددة بقيمة 836 مليون دولار، ووافقت الحكومة على مشاركة القطاع الخاص في إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح، للمرة الأولى بعد عقود من بقاء مشاريع الطاقة حكرًا على القطاع العام.
أما المغرب، فيلحق بالركاب هو الآخر وعلى مستوى ضخم أيضا، حيث استثمر حوالي 9 مليارات دولار لإنتاج نحو 42% من احتياجاته للطاقة، وانحصرت استثماراته في ثلاثة مسارات، الطاقة المائية، والرياح، والشمسية، وتحاول الحكومة خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بنحو 9 ملايين طنٍّ سنويًّا بداية من العام الحالي.
عوائق عربية أمام الطاقة النظيفة
رغم انفتاح العواصم العربية، في مدى زمني متقارب لاقتحام مجالات الطاقة النظيفة، إلا أن هناك بعض العوائق التي تعترض طريقها، ويختلف الأمر ومستوى التجاوب والتعقيدات من الديمقراطيات الناشئة إلى الملكيات المطلقة في الحكم.
في تونس على سبيل المثال، لازال نشطاء المجتمع المدني، يهاجمون المشروع بضراوة، وخاصة بعد رفض جامعة الكهرباء والغاز التونسية التابعة لاتحاد الشغل، أكبر النقابات في البلاد، والتي كان لها دور كبير في ثورة 17 سبتمبر، لمشروع قانون إنتاج الكهرباء بالطاقات المتجددة.
النقابة تعتبر المشروع محاولة مبكرة لخصخصة القطاع، وترفض تكليف مستثمرين أجانب بالمشروع مما يعني بيع الإنتاج لشركة الكهرباء والغار بتكلفة مجحفة، كما تعتبر الاستثمار في هذا المرفق إشراك المستثمرين في اتخاذ القرارات السيادية المستقبلية للبلاد.
وتبرز الأزمة المشكلة الكبرى في الديمقراطيات الناشئة، ففي ظل الظروف المالية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، ترفض الشركة الرسمية للكهرباء اللحقاق بالعالم، وتطرح على الشارع سؤال أصعب: من يمتلك تحديدًا مفتاح القرار في تونس، الساسة أم المؤسسات التنفيذية؟
ولا تقف الأزمة في التحول إلى الطاقة النظيفة على تونس وحدها كنموذج للبدان الساعية إلى الديمقراطية عبر مخاض صعب، بل هناك أزمة حتى في البلدان التي تمارس فعليا الديمقراطية السيادية، أو الملكية المطلقة، التي رغم استقلال قرارها السياسي عن الشارع وعدم التأثر به، إلا أن الانتقال الكلي إلى استخدام الطاقة المتجدّدة سيواجه عقبات يصعب حلّها، وخاصة الاصطدام بمصالح الشركات البترولية متعددة الجنسيات.
وذلك عدا عن أن النفط يشكل حتى الآن في عدد غير قليل من البلدان العربية، المصدر الرئيسي للدخل وخاصة البلدان الخليجية، بالإضافة إلى صعوبة استبدال مركبات صديقة للبيئة بكل المركبات، فضلا عن ضعف قدرة المواطن على تحمل مثله هذه الكلفة، ولذلك إذا قررت البلدان العربية منافسة العالم في هذا التحدي خلال العقود القادمة لا بد أن تضع خطة واضحة الملامح والمسارات لتخطي هذه التحديات.