إلى أين تدفع أمريكا المعارضة الإيرانية في صدامها مع نظام الخميني؟

أوسع نشاط للمعارضة الإيرانية منذ نحو 20 عامًا.. هكذا يمكن وصف القمة العالمية التي عقدت في 20 يوليو/تموز الماضي، برعاية ما يسمى “المجلس الوطني الرئيسي للمقاومة الإيرانية” المعروف اختصارًا باسم (NCRI) وهو الذراع السياسية لمنظمة مجاهدي خلق المعارضة الشهيرة، الذي عقد عبر الإنترنت بسبب حائجة كورونا لمنافشة كيفية إسقاط النظام السياسي الإيراني وما البديل الممكن.
شارك في المؤتمر ما يقرب من 1000 شخصية سياسية بارزة من خمس قارات تضامنًا مع سعي الشعب الإيراني للحرية، كما عقدت بالتزامن مع المؤتمر تجمعات في أكبر المدن الأمريكية والأوروبية وجرى ربطها بالإنترنت لمتابعة حيثيات الفعالية الكبرى التي انطلقت من تيرانا عاصمة ألبانيا، وانخرط فيها ما يزيد على 30 ألف مشارك لديهم اهتمام بالحريات والديمقراطية من نحو 100 دولة، وهو أكبر وأضخم تجمع في تاريخ المعارضة الإيرانية، ويوحي من أول وهلة أن التنظيم أكبر من قدرة مجاهدي خلق التي تعمل منذ 40 عامًا، دون أن تصل إلى نفس هذا المستوى من التنظيم أو التأثير.
ما هي منظمة مجاهدي خلق؟
منظمة مجاهدي خلق الإيرانية هي امتداد تاريخي لحركة النضال القومي والتحرري في إيران، وتأسست فعليًا عام 1965 باعتبارها منظمة مسلمة ثورية وطنية وديمقراطية، علی أيدي محمد حنيف نجاد وسعيد محسن وعلي أصغر بديع زادکان، الذين كانوا ناشطين في الحرکة الديمقراطية ثم في حرکة التحرير.
وُضعت أهداف واضحة من البداية لمجاهدي خلق، وهي استبدال ديكتاتورية الشاه بنظام وطني ديمقراطي يعطي الشعب الإيراني سيادته وحريته، وحتى يحدث ذلك وضع المؤسسون مشروعًا روحيًا للكيان الوليد، متمثلًا في الإسلام، لكن كأيدلوجية ديمقراطية ذات ديناميكية تستطيع إقامة دولة ديمقراطية تبيح الحريات، بما لا يمكن ربط الديمقراطية بأي مشروعات رجعية، بل تقف على أركان ما أسموه “الاستيعاب الموضوعي للإسلام”.
اتخذ مجاهدو خلق من مفردتي “الفداء” و”الصدق” أساسين للبناء، فالحرية لا يمكن أن تأتي دون فداء لإزالة أي اضطهاد وظلم وقمع في المجتمع، ودون الصدق مع الشعب لا يمكن تحقيق شيء، لكن تجرى الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث أعدم مؤسسو المنظمة مع عدد من أعضاء لجنتها المرکزية بعد محاكمات صورية أمام محاكم الشاه عام 1972.
بعد وصول الخميني سدة الحكم وتمركز كل السلطات في يديه، بدأ ينظر إليهم باعتبارهم التهديد الحقيقي لمشروعه الأصولي الذي يمثله
رغم الضربات القوية، فإن المنظمة حظيت بانتشار كبير، وانضم لها الكثير من طلبة الجامعات ورجال الدين التقدميين ومعظم المثقفين الدينيين، في وقت لم تكن الفلسفة الخمينية قد ظهرت بالزخم الذي أدى إلى تقدمها لقيادة الثورة.
بعد وصول الخميني سدة الحكم وتمركز كل السلطات في يديه، بدأ ينظر إليهم باعتبارهم التهديد الحقيقي لمشروعه الأصولي الذي يمثله، ومع إقدامه على عمليات فزر سياسي وديني لأنصار الثورة، وفي ظل إصرار مجاهدي خلق على إعطاء الأولوية لقضايا مثل الحريات الديمقراطية وإلغاء الاحتكار والاعتراف بالحريات الأساسية وحقوق النساء وأمثالها من القضايا الرئيسة للمجتمع، اصطدم الخميني بهم وبدأ في التنكيل بهم وقمع مظاهراتهم بشكل دموي بداية منذ عام 1981.
قمة إسقاط الخميني
عبر جلسات ثلاثة، ألقى مجموعة كبيرة من أشهر الشخصيات المعارضة كلمات موجزة، وتحدث أشهر السجناء السياسيين الإيرانيين السابقين، كما تحدث بعض أفراد عائلات النشطاء الذين قتلوا على أيدي سلطات النظام، وتحدث أيضًا أنصار المقاومة الذين خدموا في الاستخبارات والجيش والدبلوماسية والمنح الدراسية للسياسة الخارجية قبل لجوئهم للخارج.
كان عنوان إيران الحرة يسيطر على إيقاع الكلمات وأصبح الشعار المشترك للجميع، وكان لافتًا أن هناك إجماعًا من الحاضرين على أن مشروع مجاهدي خلق هو البديل المقبول للمجتمعات الغربية عن الخميني ونظامه، وأكثر من عبر عن ذلك بوضوح تام الدبلوماسي الأمريكي ومستشار الأمن القومي لينكولن بلومفيلد الذي أكد في كلمته أنهم أفضل بديل ممكن للنظام الثيوقراطي الحاليّ لإيران.
يمكن القول إن الكثير من المتابعين للشأن الإيراني، يرون في مثابرة مجاهدي خلق، التي استطاعت إبقاء شعاراتها على قيد الحياة كل هذه السنوات رغم القمع السلطوي المدمر من النظام الإيراني، الأهلية الكاملة لأن يكون النظام البديل الذي يراعي حياة روحية لن يستغنى عنها السواد الأعظم من الإيرانيين، لكن بمكسبات حداثية مقبولة للمجتمع الدولي والأمن العالمي.
أبرز الملاحظات التي لا تحتاج إلى مجالس استشارية أو باحثين متخصصين لتفكيكها، كان انضباط الفعالية وقوتها والإمكانات التي ظهرت عليها، من حشد لكل هذه الشخصيات العالمية، من برلمانيين إلى حزبيين إلى شخصيات سياسية ومسؤولين حكوميين سابقين وحاليّين وخبراء ومدافعين عن حقوق الإنسان على وزن السيناتور السابق جوزيف ليبرمان وعمدة نيويورك رودي جولياني ورئيس مجلس النواب نيوت غينغريت ونائب رئيس أركان الجيش الأمريكي الجنرال جاك كين ووزير الأمن الداخلي توم ريدج والنائب العام مايكل موكاسي ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي لويس فريه ووكيل وزارة الخارجية للحد من التسلح والأمن الدولي روبرت جوزيف وقائد سلاح مشاة البحرية الجنرال جيمس كونواي، فضلًا عن توفير تغطية إعلامية من نحو 30 ألف موقع إلكتروني من 102 دولة، وهو أمر لا يمكن نسبته إلى المعارضة الإيرانية.
تضع أمريكا ملاحظاتها على المعارضة وتؤكد أنها تفتقر إلى الدقة الفكرية وتعاني من الانقسامات السياسية العميقة وتفتقر إلى الكفاءة التنظيمية
يكشف هذا الترتيب الضخم، إصرار البيت الأبيض على إسقاط نظام الخميني، واستدعائه للمعارضة بهذه الشكل، يعني أنها ستدفع إلى مواجهة أكثر شراسة لتكسير النظام من الداخل، وعبرت عن هذه الإستراتيجية بوضوح كلمة مديرة الاتصال العام السابق في البيت الأبيض التي أكدت أن الديكتاتورية الإيرانية تعيش لحظات ضعف والكثير من التقارير الدولية تؤكد حتمية سقوطها.
إشكاليات المعارضة في الخارج
رغم الدعم الواسع وغير المسبوق هذه المرة للمعارضة الإيرانية، فإن الأشهر المقبلة ستكشف إن كانت الإدارة الأمريكية تخلصت من عقدها تجاه المعارضة وملاحظاتها التاريخية عليها أم لا، فطوال الوقت والمسؤولون في أمريكا يعتبرون المعارضة لا تقدم إلا أمل ضئيل في المستقبل.
تضع أمريكا ملاحظاتها على المعارضة وتؤكد أنها تفتقر إلى الدقة الفكرية وتعاني من الانقسامات السياسية العميقة وتفتقر إلى الكفاءة التنظيمية على أرض الواقع، وبعض تقاريرها تؤكد أن مجموعات مثل مجاهدي خلق والملكية الإيرانية في المنفى، لا يمكنهم تقديم أي مكتسبات لترامب أكثر من مجرد ضغوط شديدة على النظام الإيراني، لكن عليه أن لا يتوقع أكثر من ذلك.
تقف معظم هذه التقارير على افتقاد المعارضة لآليات العمل الميداني وعدم امتلاكها أي سيناريوهات مقبولة على الأرض، أكثر من تصورات وردية جميعها تتخيل أن النظام سيتنازل بإرادته عن السلطة وقد يتحول في أي لحظة إلى ديمقراطية علمانية ليبرالية تكن كل الود للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
الإحباط من المعارضة كان يصل أعلى مراتب صنع القرار في البيت الأبيض، ففي الوقت الذي أيد جون بولتون المستشار السابق للأمن القومي، ومعه المحامي الشخصي للرئيس ترامب رودولف جولياني مشروع منظمة مجاهدي خلق لدرجة أن كل منهما شارك في مسيرات المنظمة في الأعوام الماضية.
تقف أجنحة أخرى على مشروع مناهض تمامًا لهذه الفكرة، ويدعمون عودة منطق الشاه من جديد، لا سيما أن هناك حنينًا في بعض طبقات الشارع الإيراني لهذه الفترة، وعبر بعض النشطاء على وسائل التواصل عن ذلك كثيرًا، كما هو الحال في المنطقة العربية، التي لدى بعض أبنائها حنين جارف لحقبات الملكية، التي كانت بالنسبة لهم، وجهًا متحضرًا يقدر على مسايرة التاريخ بشكل جيد.
وتدعم الجبهات الرافضة لمجاهدي خلق، رضا بهلوي نجل الشاه محمد رضا بهلوي، البالغ من العمر الآن 58 عامًا، لا سيما أنه واحد من أكثر الشخصيات البارزة في المعارضة الإيرانية بالمنفى، ويطلق على نفسه ولي عهد إيران، لكنه أيضًا يعاني بشدة وربما أكثر مما تعاني منه “مجاهدي خلق”، من افتقاد التنظيم الشعبي القادر على الإطاحة بالنظام من الداخل، وحتى الآن لا توجد لديه تصورات أيدلوجية مقنعة للقطاع الأوسع من الشارع، بالسير خلفه وتقديم تضحيات مقبولة من أجله.
تعيش الإدارة الأمريكية بين هذا وذاك، وما زالت متأرجحة بين مجاهدي خلق أو مشروع شاه جديد، والمعضلة ليست في الولاء للبيت الأبيض، فهذا أمر مضمون من الجميع، لكن العبرة في اختيارات الشارع، ومن يمكن استرضاؤه واللعب على أوتار موقفه التاريخي من الحياة، لا سيما أن النظام الإيراني لديه بالفعل العديد من نقاط الضعف التي تزداد بشكل غير مسبوق، من حيث أزمة الشرعية ونقص مؤيديه وتزايد الصعوبات الاقتصادية وتنامي المجتمع المدني بغض النظر عن تعرضه المستمر للاضطهاد والقمع بشكل منهجي.