“هتهددوني بالجهاز السيادي.. أنا مباخفش.. هتقتلوني؟ هتلفقولي قضية؟.. أنا عامل فيديو وسايبه لولادي.. هيخلص على الكل”.. بهذه الكلمات التي تحمل صبغة التهديد تحدى عضو البرلمان المصري مرتضى منصور، رئيس نادي الزمالك، أي مسؤول أو جهة من الاقتراب منه.
تأتي تلك التصريحات الصادرة في أبريل 2019 ردًا على ما أثير بشأن تدخل إحدى الجهات السيادية لمحاسبة منصور على تطاوله على سيدتين من أعضاء النادي، وهو ما أثار الجدل وقتها، لا سيما بعدما مر الموضوع دون مساءلة.. فكيف له أن يتحدى دولة بأكملها، ملوحًا بامتلاكه لمقطع مصور قادر أن يقضي على الجميع على حد قوله.
ملك السيديهات
مساءلته بالطرق القانونية باتت محل شك في ظل استمرار تمسك مجلس النواب بموقفه الرافض لرفع الحصانة عنه تمهيدًا لمحاكمته، وكان آخرها أمس حين رفض وكيل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالمجلس النائب إيهاب الطماوي، طلب النيابة العامة برفع الحصانة عنه لمحاكمته في البلاغ المقدم من النادي الأهلي، بدعوى أن البلاغات المقدمة له “كيدية”.
وكان رئيس الأهلي، محمود الخطيب، والمحامي سمير صبري، قد تقدما ببلاغات للنائب العام تتهم رئيس نادي الزمالك بالإساءة للدولة و100 مليون مصري، عقب انتشار فيديو مسرب له يسب فيه الخطيب و”كهربا” ويسيئ للمصريين والدولة، وهو البلاغ رقم 13 الذي يقدمه الأهلي ضد منصور لكن دون أي استجابة.
النادي الأكثر جماهيرية في مصر في بيانه المقدم للنائب العام أشار إلى أن “رئيس الزمالك يختبئ خلف الحصانة البرلمانية التي هي مقررة لحماية الوظيفة النيابية”، مشيرًا إلى أنها “لا تحول بأي حال دون مسألته في هذه الواقعة لارتكابه جرائم خدش سمعة العائلات وانتهاك الأعراض والحرمات، خاصة أن هذه الجرائم تهدم قيم وثوابت وتقاليد المجتمع المصري”.
ويمنع دستور الدولة تقديم أي عضو برلماني للمحاكمة القضائية دون إذن وتصريح من البرلمان، كما أشارت المادة 113 من الدستور التي نصت على أنه “لا يجوز في غير حالة التلبس بالجريمة اتخاذ أي إجراءات جنائية ضد أعضاء البرلمان إلا بعد الحصول على إذن سابق في المجلس”.
مرتضى منصور.. واحد من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل، ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي، لم يرحم أحد من تطاوله، تخطى خلال السنوات الماضية كل الخطوط الحمراء، وفي الوقت الذي ترفع فيها الدولة شعار القانون والعدالة وتؤكد تطبيقه على الجميع، تقف عاجزة أمام شخص لم يسلم أحد من لسانه.
عُرف بـ”ملك السيديهات” فقلما تجده في مداخلة تليفزيونية له إلا ويلوح بأنه يمتلك “سي دي” على هذا أو ذاك، مسخرًا درايته بالقانون الذي يمثله كونه محاميًا في تهديد كل من يعترض طريقه، حتى وصل به الحال إلى إهانة الدولة المصرية بأكملها حين قال إن البلد “مفيهاش راجل”.
الشعب المصري في نظره إما خائن أو عميل أو لديه أجندات خارجية، مدعيًا البطولة والنضال رغم أن سجل حياته مليئ بالصفحات المشينة، حول نفسه إلى دولة داخل الدولة، مستعرضًا عضلاته التجسسية على معارضيه، دون أن يقدر أحد على تقديمه للمحاكمة رغم جرائمه المرتكبة ليل نهار.. ليبقى السؤال: من يحمى ملك السيديهات؟ من يحمى مرتضى منصور؟
حب الظهور والشهرة
منذ دخوله المعترك الوظيفي العام وهو شخصية مثيرة للجدل، بدءًا من عمله كوكيل للنائب العام بمحافظة الإسماعيلية “شرق” حيث عُرف عنه وقتها حب الظهور وإدمان الزعامة، ونظرًا للمخالفات المرتكبة تم فصله من القضاء بقرار من مجلس القضاء الأعلى، وذلك على عكس ما يروج له دائمًا أنه استقال بسبب اعتراضه على تناول أحد الأفلام السينمائية لشخصية القاضي بشكل ساخر.
اشتهر بالدفاع عن الراقصات وتجار المخدرات، وعمل مستشارًا قانونيًا لمجموعة “الريان” لتوظيف الأموال، لكن بعد إلقاء القبض على صاحب المجموعة بتهمة التلاعب بأموال المودعين والنصب عليهم، ألقي القبض عليه كذلك، بعد أن اقتحمت قوات الأمن منزله ليعثروا بداخله على مستندات تؤكد تورطه في قضايا نصب وتلاعب مالي وإداري.
لم يترك البرلماني المثير للجدل شاردة ولا واردة إلا وأقحم نفسه فيها، سواء كان لذلك علاقة بطبيعة عمله البرلماني أم الرياضي أم لا، فبات يتحدث في السياسة والاقتصاد والأمن والمجتمع والثقافة والقيم والدين، معتمدًا على صوته العالي وأسلوبه الذي ربما يكون مثيرًا لبعض الإعلاميين في تحقيق معدلات مشاهدة كبيرة لبرامجهم المقدمة.
يرفع منصور شعار “أنت مش عارف أنا مين.. ملفك وسيديهاتك معايا”، وهو ما يدفع العديد من ضحاياه إلى الانسحاب مبكرًا من أمامه خشية ما يمكن أن يحدثه من “شوشرة” من باب “العيار اللى ما يصيبش يدوش” الأمر الذي يصوره على أنه انتصار يحسب له، وهو ما يوهم به أنصاره والمعارضين له على حد سواء.
عداء مستمر مع الإعلام
إن لم تُسخر له وسائل الإعلام ليل نهار للهجوم على من يشاء، وتُفرد له المساحات الزمنية، فالهجوم والترهيب والنقد هو رد الفعل المتوقع ضد الوسيلة الإعلامية والقائمين عليها، فالرجل لا يقبل النقد، معتبرًا نفسه خارج دائرة التقييم، فإما أن تكون الوسيلة “ملاكي” أو فليس هناك خيار آخر إلا التطاول والهجوم.
وردًا على تطاوله المستمر عبر الوسائل الإعلامية المختلفة، قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (حكومي) أكثر من مرة منعه من الظهور إعلاميًا، كما أوقفوا بعض البرامج التي يمولها نادي الزمالك وتتحول إلى ساحة معركة يصفي الرجل فيها حساباته الشخصية مع خصومه.
كما تصاعد عداؤه مع الصحفيين بصورة كبيرة خلال العامين الماضيين، ففي أكتوبر 2019 أصدر قرارًا بمنع دخول الصحفيين نادي الزمالك رغم أنهم أعضاء به، مهددًا بضربهم بـ”الحذاء”، في حالة اقترابهم من أسوار النادي، قائلًا: “الراجل فيكم يدخل شارع جامعة الدول العربية (مقر الزمالك)، ومحمود كامل عضو مجلس النقابة وخائن وعميل…” في إشارة لعضو مجلس النقابة.
الصدام مع الصحفيين يعود إلى ديسمبر/كانون الأول 2014 حين قرر تعليق دخول الصحفيين مقر النادي عقب الخسارة من نادي طلائع الجيش، بدعوى أن الصحفيين لم يتناولوا أخبار الزمالك في الصحف وقنوات التليفزيون بالصورة التي تليق وحجم هذا الكيان.
التلون السياسي
تلون عضو البرلمان المصري بشتى ألوان الطيف السياسي، فهو رجل كل مرحلة كما يلقبه البعض، غازل الحزب الوطني أيام عهد حسني مبارك، ثم داعب الإسلاميين بعد الثورة، وأخيرًا تنصل من كل ذلك ليرتمي في أحضان النظام الحاليّ بدعوى أنه قنبلة ثورية متحركة.
في الأيام الأولى لثورة 25 يناير 2011، دافع منصور عن نظام مبارك بصورة كبيرة، ووجه سبابه المعتاد واتهاماته التقليدية لشباب التحرير، ثم قاد تجمعات ومظاهرات مناهضة ومناصرة لمبارك في ميدان مصطفى محمود بالجيزة، ووجهت له اتهامات بالتورط في موقعة الجمل التي شهدت هجومًا داميًا على المتظاهرين في الميدان.
ورغم الإدانات الرسمية التي وجهت له، فإن الشرطة والسلطات الأمنية لم تستطع إلقاء القبض عليه، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات وقتها عن شبهة التواطؤ معه، خاصة أن له علاقات متشعبة مع الدولة العميقة وأجهزتها الأمنية والتنفيذية المختلفة.
ومع تولي الرئيس الراحل محمد مرسي مقاليد الحكم، تقرب رئيس نادي الزمالك من العديد من قيادات الإخوان، في محاولة للحصول على نصيب من “التورتة السياسية” لكن الأمر لم يدم طويلًا، وبعد الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب خرج الرجل للأضواء حاملًا لواء الثورة المضادة، مدعيًا أدوار البطولة في الهجوم على جماعة الإخوان وحكم الإسلاميين.
وسرعان ما تبدل جلده مرة أخرى مع المرحلة الحاليّة، حيث خلع من على ربقته عباءة الانتماء لنظام مبارك، ومغازلة الإخوان، ليقدم نفسة مرة أخرى على أنه ابن المرحلة الحاليّة، وبالفعل نجح عبر الآلة الإعلامية وصمت الأجهزة الرسمية عن ادعاءاته في الترويج لنفسه جيدًا حتى بات عضوًا بالبرلمان الحاليّ.
أزمات لا تتوقف
دخل رئيس نادي الزمالك وعضو البرلمان المصري عشرات المعارك الوهمية، مفتعلًا العديد من الأزمات، في محاولة للبحث عن انتصارات زائفة، يوهم بها أنصاره فيحقق من خلالها الجماهيرية والدعم اللازمين لاستمراره فوق كرسي رئاسة نادي بحجم الزمالك.
ومن أشهر أزماته تلك التي نشبت مع الاتحاد الإفريقي لكرة القدم “الكاف” بسبب تصريحاته السيئة ضد رئيس الاتحاد أحمد أحمد، وسكرتيره عمرو فهمي، حيث تقرر على إثرها تغريمه 40 ألف دولار، وتجميد عمله كرئيس للنادي، وهو ما لم يستجب له.
كذلك هجومه على أبناء النادي المعروفين ومنعهم من دخول النادي رغم تاريخهم الطويل، وعلى رأسهم اللاعب حازم إمام عضو مجلس إدارة اتحاد الكرة السابق، وهشام نصر رئيس اتحاد اليد، وخالد ناصف رئيس اتحاد الكرة الطائرة، بالإضافة إلى ياسر إدريس رئيس اتحاد السباحة، بجانب عبد الله جورج، عضو مجلس الإدارة الأسبق، وشطب عضويتهم من القلعة البيضاء.
وتعليقًا على هذا الموقف علق إمام بقوله: “رد فعل طبيعي في هذا الزمن من رئيس الزمالك، أي حد يختلف معاه، رد الفعل يكون الشطب”، مضيفًا “عائلة إمام كبيرة داخل الزمالك، شطب العضوية ممكن تؤثر على شخص فرحان إنه عضو في النادي، هذا لن يقلل مني أو يزودني كزملكاوي، اللي ليا في الزمالك أكبر من أي حد، مش شطب العضوية هيخليني مش موجود في الزمالك”.
وبجانب تلك الأزمات فقد خاض الرجل في أعراض وشرف كثير من الشخصيات الرياضية، منها المدير الفنى السابق للأهلى عبد العزيز عبد الشافى “زيزو” واللاعب السابق أحمد شوبير ورئيس نادي الزمالك السابق ممدوح عباس، بجانب الدخول في معارك جانبية مع المنتج السينمائي محمد العدل، ورئيس رابطة النقاد الرياضيين محمد شبانة.
صدامه مع الخطيب
من أشهر ساحات النزال التي خاضها رئيس نادي الزمالك خلال الآونة الأخيرة كانت ضد رئيس النادي الأهلي محمود الخطيب، التي بدأت منذ إعلان رئيس هيئة الترفيه السعودية، تركي آل الشيخ، دعمه للقلعة الحمراء بالصفقات القوية وهداياه المقدمة لأعضاء مجلس إدارة النادي.
اتهم منصور نظيره الأهلاوي بالحصول على “ساعات” قيمة من آل الشيخ، بجانب عشرات الملايين في صورة صفقات ودعم لنجاح الخطيب في انتخابات النادي، وهي الاتهامات التي طالما رددها رئيس الزمالك، وتقدم بها بمكاتبات رسمية لوزارة الشباب والرياضة.
النزاع بين الفريقين وصل إلى مستويات أخرى بعيدًا عن الخلافات الكروية، حيث وجه البرلماني المثير للجدل انتقادات واتهامات بعضها يتعلق بالشرف والنزاهة لمجلس إدارة الأهلي، وهو ما دفعه لتقديم ما يقرب من 13 بلاغًا للنائب العام للتحقيق معه فيما بدر منه، لكن جميعها حفظت بسبب رفض البرلمان رفع الحصانة عن عضوه المشاغب.
التطاول المستمر على الأهلي وقاماته أحدث حالة من الفتنة الكروية بين جمهور الناديين الذي يتجاوز عشرات الملايين، الأمر الذي دفع الحكماء من الجانبين للمطالبة بتدخل الدولة لوقف هذه المهزلة خشية تفاقمها، إلا أن أحدًا لم يتحرك، ليواصل ملك السيديهات تجاوزاته دون رادع حقيقي.
وأمام الضغط الكبير الذي تعرض له بسبب الفيديو الأخير المسرب الذي اتهم فيه مصر بأن “مفيهاش راجل” لجأ المحامي الشهير إلى حيلته المعتادة للهروب من الموقف، متهمًا ضابطًا قطريًا يدعى “أبو سنيدة” بتزوير المقطع وتركيب صوت مشابه لصوته، وهو الادعاء الذي قوبل بسخرية واستهجان حتى من بين أنصاره.
من يحمي مرتضى منصور؟
لفترة طويلة ظل التساؤل التالي: لماذا يترك مرتضى منصور رغم ما يثيره من جدل بين الحين والآخر؟ حاضرًا بقوة على لسان الكثير من المتابعين، لكن مع مرور الوقت تكشفت الإجابة رويدًا رويدًا، فالرجل ورقة جيدة يمكن الاستعانة بها في أوقات الأزمات والهجوم على الدولة.
ويمكن القول إن مرتضى وعلى مدار ما يقرب من ربع قرن من العمل العام بالوسط الرياضي لا يعدم الحيلة في اختلاق القضايا والأزمات الجدلية التي يثيرها كل فترة، الغريب أنه يحافظ على نجاحه الكبير في شغل الرأي العام بها والالتفاف حولها، ولعل ما يتمتع به من مهارات في هذه المسألة هي السبب الأبرز التي يجعل السلطة تحافظ على بقائه واستمراره كل هذا الوقت، بل وتوفر له الحماية والحصانة.
فمرتضى كغيره من الشخصيات المثيرة للجدل، مثل سما المصري وفيفي عبده وتوفيق عكاشة وغيرهم، يتم استخدامهم لإلهاء الرأي العام وقتما تكون دفته موجهة ضد النظام والحكومة، ففي هذا الوقت لا بد من اتباع سياسة “بص للعصفورة” عبر خروج تصريح جدلي هنا أو مقطع مصور هناك، يسحب معه الأنظار بعيدًا عن الملفات الحساسة والمهمة للشارع.
ويعد رئيس نادي الزمالك أكثر الأدوات الفعالة لتحقيق تلك الإستراتيجية، لذا يربط البعض بين ظهوره الجدلي والملفات المراد التشويش عليها وتوجيه الرأي العام عنها، وهو ما حدث في أكثر من ملف على رأسها سد النهضة وارتفاع الأسعار وزيادة الضرائب وغيرها من الملفات التي أثارت الشارع ضد الحكومة.
ومع ذلك يبقى السؤال: من يحمي مرتضى منصور؟ هذا هو التساؤل الذي طرحه لاعب منتخب مصر السابق، أحمد حسن، وذلك عبر حسابه على فيس بوك، حين نشر العديد من المستندات التي تضم تجاوزات ضد رئيس الزمالك، الذي شن ضده هجومًا عنيفًا كذلك.
حسن كتب على حسابه: “تحداني مرتضي منصور بأن أخرج هذه المستندات علي الرغم من أن هذه المخالفات يعلمها الجميع، والآن هل سيتم تشكيل لجنة من محافظ الجيزة ورئيس حي العجوزة، لاسترداد حق الدوله في هذه المخالفات، أم سيتم التغاضي كالعادة لأن هناك من يحمي مرتضي منصور؟”.
واختتم كابتن مصر السابق وعميد لاعبي العالم منشوره بتساؤل موجه للمصريين “من يحمي مرتضي منصور في كل هذه التجاوزات والاتهامات الباطلة، والخوض في الأعراض والتلفيق، والافتراء على الناس في حق الجميع من قيادات عليا في الدوله ومسؤولين ورموز وشخصيات عامة؟”.
إصرار البرلمان على عدم رفع الحصانة عن عضوه رئيس نادي الزمالك رغم عشرات البلاغات المقدمة، وغض الأجهزة السيادية طرفها عن تجاوزات الرجل بحقها في المقام الأول وحق المصريين تاليًا، ثم تهديده بين الحين والآخر أن أحدًا لا يجرؤ على الاقتراب منه، كل هذا أثار الشك والريبة في علاقة هذا الرجل بأجهزة الدولة.. فهل حقًا يمتلك “سيديهات” تدين الجميع من أعلى رأس في البلد لأقل مواطن فيها؟