بعد شد وجذب، من المنتظر أن تبدأ السلطات الإيطالية اليوم الإثنين، ترحيل المهاجرين التونسيين الذين وصلوا مؤخرًا إلى سواحل البلاد على متن قوارب بطرق غير نظامية. ترحيل هؤلاء يأتي في ظل ضعف الدبلوماسية التونسية بقيادة الرئيس قيس سعيد وعدم قدرتها على التفاوض مع الجانب الإيطالي في هذا الخصوص.
ليس هذا فحسب فالبعض اعتبر الأمر بمثابة التنكر لتونس التي سارعت إلى تقديم يد المساعدة لإيطاليا في بداية انتشار وباء فيروس كورونا، رغم حاجتها إلى جميع أطبائها وكل المعدات الطبية فوق أراضيها في تلك الفترة.
تونس بلد آمن
وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو أرجع سبب القرار إلى كون تونس بلدًا آمنًا وفق قوله، حيث قال في هذا الصدد “نحن بصدد العمل على وقف عمليات المغادرة من تونس، سيتم ترحيل المواطنين التونسيين الذين يصلون إلى إيطاليا، لأننا نعتبر أن تونس بلدًا آمنًأ يمكننا أن نستثمر فيه”.
دي مايو يرى أن تونس ليست في حالة حرب أو فيه اضطهاد، بناءً على ذلك، ستبدأ بلاد اليوم عمليات ترحيل المهاجرين التونسيين غير النظاميين بمعدل 80 ترحيلًا أسبوعيًا، مؤكدًا أن الحوار مفتوح مع السلطات التونسية فيما يخص ملف المهاجرين غير النظاميين.
تفرض السلطات الإيطالية الحجر الصحي على مئات التونسيين على متن سفينة إنقاذ المهاجرين غير النظاميين “أوشن فايكينغ”
عرفت السواحل التونسية خلال الآونة الأخيرة موجة غير مسبوقة لعمليات الهجرة غير النظامية نحو الساحل الإيطالي، ووفق بيانات وزارة الداخلية الإيطالية، فإن من مجموع 11 ألف و191 مهاجرًا غير نظامي وصلوا إلى البلاد منذ بداية العام الحاليّ، هناك 5 آلاف و237 منهم انطلقوا من سواحل تونس، ومن بينهم 4 آلاف تقريبًا يحملون الجنسية التونسية.
وتسعى السلطات الإيطالية إلى الوصول لاتفاق مع السلطات التونسية شبيه بالاتفاق الذي تم مع ألبانيا في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، بمقتضاه تقوم السلطات التونسية للاستيلاء على القوارب المستخدمة للهجرة وإغراقها أو تكفل إيطاليا بذلك مباشرة.
قرار مخالف لقوانين حقوق الإنسان
قرار السلطات الإيطالية ترحيل المهاجرين التونسيين غير النظاميين إلى بلادهم، اعتبره النائب التونسي عن كتلة المستقبل عن دائرة إيطاليا سامي عبد العالي، غير قانوني ومخالف لقوانين حقوق الإنسان ولكل الاتفاقيات.
وأوضح النائب التونسي في تصريح لإذاعة محلية أنه من المستحيل ترحيل هذا العدد الكبير من المهاجرين غير النظاميين إلى تونس خاصة في ضوء تداعيات فيروس كورونا، مشيرًا إلى أنه تم يوم أمس إعلان إصابة 12 مهاجرًا تونسيًا غير نظامي بفيروس كورونا.
وأكد عبد العالي أن استقبال 80 مهاجرًا أسبوعيًا يتطلب تحضيرات لوجستية، مستبعدًا أن تكون تونس جاهزة لذلك، خاصة في ظل الوضع السياسي والاقتصادي والصحي الذي تعيشه البلاد في هذه الفترة.
تكشف أرقام منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنّ عدد التونسيين الواصلين إلى إيطاليا بصفة غير قانونية بلغ أرقامًا قياسية مقارنة بالعامين الماضيين، إذ وصل عددهم، منذ بداية العام وحتى نهاية يوليو/تموز الماضي، إلى 5641 مهاجرًا مقابل 858 السنة الماضية و3351 سنة 2018، فيما زادت عمليات إحباط الهجرة السرية بنسبة 372%، بين عامي 2019 و2020.
وقف المساعدات
سبق أن اتهمت السلطات الإيطالية نظيرتها التونسية بالتساهل مع المهاجرين غير النظاميين الذين توافدوا مؤخرًا بنسق كبير على بلادها، وترى حكومة هذا البلد الأوروبي ضرورة أن تشدد تونس قبضتها على سواحلها للتصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية.
بالتزامن من ذلك، هددت الحكومة الايطالية تونس بقطع المساعدات عنها في حال عدم التصدي الجدي لهذه الظاهرة، وطلب دي مايو من اللجنة المشتركة للتعاون الإنمائي أن تؤجل مناقشاتها بشأن تخصيص أموال لتونس.
وقال وزير الخارجية الإيطالي: “أطلب منكم تعليق هذا التخصيص، الذي يبلغ 6.5 مليون يورو، بانتظار وضع خطة أوسع وأكثر تكاملًا، اقترحها ديل ري نائب وزير الخارجية، وكذلك التعاون الذي طلبناه من السلطات التونسية في مجال الهجرة”.
كما كثفت روما في الفترة الأخيرة ضغوطها على بقية الدول الأوروبية لوقف المساعدات الموجهة إلى تونس بسبب تنامي أعداد المهاجرين غير النظاميين على السواحل الإيطالية، ووقعت تونس وإيطاليا بروتوكلات تعاون تقضي بدعم الاقتصاد التونسي، مقابل موافقة تونس على ترحيل المهاجرين التونسيين غير نظاميين الذي يصلون إلى السواحل الإيطالية إلى بلادها.
وسبق أن وافقت تونس على بعض الاتفاقيات التي تقبل بموجبها ترحيل التونسيين من الأراضي الإيطالية، بسبب أوضاعها الاقتصادية الصعبة، وتدعو العديد من المنظمات لمراجعة الاتفاقيات الثنائية التي يقع على أساسها الترحيل القسري للتونسيين، واعتبرها غير عادلة.
معاملة سيئة
لم تكتف السلطات الإيطالية بهذا الأمر، بل عمدت إلى معاملة التونسيين هناك معاملة غير إنسانية، ووصفت العديد من المنظمات التونسية المدافعة عن حقوق الإنسان سوء المعاملة التي يتعرض لها المهاجرون في مراكز الإيواء بلمبدوزا وكاتانيا وفي سفينة الحجر الصحي بـ”غير الإنسانية”.
ونشر مهاجرون تونسيين غير نظاميين مقاطع فيديو، تحدثوا فيها عن حرمانهم من أبسط الحقوق الإنسانية في أثناء احتجازهم، وتطالب منظمات حقوقية تونسية وإيطالية السلطات الإيطالية بالإيقاف الفوري لعمليات الترحيل، التي قالت إنها تتناقض مع القوانين والمواثيق الدولية.
وتفرض السلطات الإيطالية الحجر الصحي على مئات التونسيين على متن سفينة إنقاذ المهاجرين غير النظاميين “أوشن فايكينغ” الراسية قبالة ميناء بورتو إمبيدوكلي في جزيرة صقلية، وشهدت السفينة محاولات انتحار وأعمال عنف وعمليات قفز من على متنها.
التونسيون لا يوجهون لومهم للسلطات الإيطالية فقط، بل لسلطات بلادهم أيضًا، حيث يتهمون الرئاسة والخارجية بالتراخي في معالجة ملف الهجرة
وسبق أن قامت روما بعمليات ترحيل عدة نحو تونس، ففي سنة 2016 جرى ترحيل 1268 مهاجرًا، و2125 مهاجرًا عام 2017، ثم سنة 2018 تمّ ترحيل 2127 مهاجرًا، بينما عام 2019 تم ترحيل 1739 مهاجرًا، ويتم الترحيل عادة عبر مطار النفيضة بمرافقة أمنية إيطالية حتى المطار التونسي.
التنكر لجميل التونسيين
بداية انتشار فيروس كورونا في إيطاليا، وتنكر الأوروبيين لروما، سارعت تونس إلى إرسال بعثة طبية تضم سبعة أطباء وممرضين، بهدف دعم “البلد الصديق” في مكافحة فيروس كورونا المستجد رغم تواضع الإمكانات الصحية التونسية.
وينتمي الأطباء والممرضون المتطوعون السبع إلى الجهاز الطبي العسكري، وهم متخصصون في الإنعاش والتخدير والأمن البيولوجي، وقد تم نشر الفريق لمدة 15 يومًا في مقاطعة لومبارديا الأكثر تضررًا جراء الوباء.
هذا الجميل التونسي تنكرت له روما بسرعة، ففي أول اختبار لها أدارت السلطات الإيطالية ظهرها للتونسيين الذين تضامنوا معها في محنتها المتواصلة منذ أشهر عدة رغم قلة إمكانات دولتهم وحاجتهم لكل طاقات البلاد للخروج من الأزمة هم أيضًا.
ضعف الدبلوماسية التونسية
التونسيون لا يوجهون لومهم للسلطات الإيطالية فقط، بل لسلطات بلادهم أيضًا، حيث يتهمون الرئاسة والخارجية بالتراخي في معالجة ملف الهجرة أو ما يصطلح عليه محليًا بـ”الحرقة”، وترك المبادرة للإيطاليين فقط.
تقول الباحثة التونسية عائشة الغربي في هذا الشأن: “ما زالت الدبلوماسية التونسية تتخبط في علاقة بموضوع المهاجرين غير النظاميين، بعد قرار وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو ترحيلهم إلى البلاد بداية من تاريخ 10 من أغسطس/آب الحاليّ”، وتضيف الغربي في حديثها لنون بوست “رغم اللقاء الذي جمع الرئيس التونسي قيس سعيد بوزيرة الداخلية الإيطالية لبحث سبل الحد من هذه الهجرة، فإن الموقف التونسي بدا باهتًا جدًا أمام تتالي التصريحات من الجانب الإيطالي بعد أن بلغ نسبة المهاجرين الإيطاليين نحو 45% من مجموع المهاجرين غير النظاميين في شهر يوليو/تموز الفائت”.
وتعتبر الباحثة التونسية أن هذا الملف، أحد أبرز الملفات أمام دبلوماسية بلادها التي ما زال موقفها ضعيفًا، وتؤكد الغربي أن الموقف الإيطالي الأخير من القضية همش الدور التونسي وجعل الرئاسة في موقف لا تحسد عليه.