استدعت محكمة العاصمة الأمريكية واشنطن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، و13 شخصاً آخرين؛ وفق أمر قضائي صادر في القضية المرفوعة من قبل الضابط السابق في جهاز الأمن السعودي، سعد الجبري، اليد اليمنى لوليّ العهد السعودي السابق محمد بن نايف.
وشمل الاستدعاء القضائي وفق ما تناقت بعض وسائل الإعلام مقربون من دائرة بن سلمان المغلقة، على رأسهم أحمد العسيري وبدر العساكر وسعود القحطاني، بالإضافة إلى مقيمين في الولايات المتحدة هما يوسف الراجحي وليلى أبو الجدايل.
ياتي هذا التحرك في ضوء القضية التي رفعها الجبري أمام محكمة واشنطن ضد ولي العهد وعدد من مساعديه بتهمة محاولة اغتياله للحصول على تسجيلات بحوزته فائقة الأهمية، وهي القضية التي أثارت ضجة كبيرة، كونها تعيد الأذهان إلى حادثة اغتيال المعارض السعودي جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده في إسطنبول، أكتوبر 2018.
وفي 6 أغسطس /آب الجاري نشرت صحيفة “ذا ستار الكندية” تقريرًا كشفت فيه إرسال بن سلمان مجموعة من القتلة المعروفين باسم “فرقة النمر” إلى كندا لقتل أحد رجال المخابرات السابقين، في إشارة للجبري، وذلك بعد أيام قليلة من قتل خاشقجي قبل عامين.
الصحيفة الكندية أشارت إلى أن بعض المسؤولين الذين شملتهم الدعوة المقامة من رجل المخابرات السابق متورطون في اغتيال خاشقجي، لافتة إلى زرع رجالات بن سلمان برنامج تجسس في هاتف الجبري الذي استند في دعواه المقامة في واشنطن لعلم مسئولين أمريكيين بشأن محاولة الاغتيال.
التشابه الملحوظ بين عملية اغتيال خاشقجي وملاحقة الجبري تشير إلى أن سياسية ولي العهد الدموية بشأن تصفية معارضيه في الداخل أو الخارج لم تتغير بعد، وذلك رغم الضغوط التي تعرض لها في أعقاب عملية إسطنبول، إلا أن الجديد في الحادثة الأخيرة أنها تعد نقلة نوعية في استراتيجيات إجرام بن سلمان وفرقة اغتياله.
نقلة نوعية
إقامة دعوة قضائية ضد ولي العهد أمام محاكم أجنبية تطور يمثل نقلة نوعية في مسار ملاحقة ابن سلمان وتوجهاته في استهداف المعارضين السعوديين، وفق ما ذكرت “نيويورك تايمز” التي أشارت إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها مسؤول سعودي سابق باتهام الأمير الشاب، الحاكم الفعلي للمملكة.
الصحيفة الأمريكية تعتبر هذا التحرك هو أحدث رد فعل في المعركة الدائرة بين بن سلمان وفريقه وبين المعارضين، والتي لجأ فيها ولي العهد إلى استخدام كافة الاستراتيجيات، المحرم منها والشرعي، لترسيخ دعائم سلطتهن حيث أطاح بكل ما يمكن أن يقف في طريقه، حتى من أبناء عمومته وكبار رجالات الأسرة المالكة.
السنوات التي عمل خلالها الجبري كمساعد لولي العهد السابق، بن نايف، استطاع خلالها أن يضع يديه على العديد من الملفات الهامة والحيوية للمملكة على رأسها الملف الأمني، هذا بجانب ما منحته وظيفته تلك من بناء شبكة علاقات قوية مع مسئولين من دول عدة، وهو ما اعتبره بن سلمان خطرًا من الممكن أين يعترض طريقه نحو خلافة والده على كرسي العرش.
ربما كان الجبري أول من افتتح شريط مقاضاة ابن سلمان، لكنه لن يكون الأخير، فمن المتوقع أن تشجع هذه الخطوة عشرات المعارضين المستهدفين بمنشار ولي العهد، على تكرارها
اللافت للنظر كذلك هو إصرار أسرة الجبري على المضي قدما في ملاحقة ولي العهد قضائيًا خارج الحدود، وهو ما نقلته “نيويورك تايمز” عن نجله الدكتور خالد، طبيب أمراض القلب المقيم في كندا، والذي أشار إلى أن عائلته اختارت تقديم دعوى قضائية كآخر خيار أمامهم من أجل الإفراج عن أقاربهم الذين اعتقلتهم سلطات المملكة للضغط على والده.
وأضاف نجل الجبري في تصريحاته للصحيفة الأمريكية: “لقد استنفدنا كل الطرق لتسوية الأمر بطريقة سلمية وتصالحية ولكن بدون نتيجة ونأمل أن يساعد هذا على إنهاء عذاب ومعاناة العائلة” وتابع: “طالما قلنا للسعوديين: لو كان عندكم قضية فأحضروها إلى المحكمة وها نحن نسهل الأمر عليهم بالحضور إلى المحكمة”.
الاغتيال الشرعي!
“قال بن سلمان إنه حصل على فتوى شرعية بعملية اغتيال سعد الجبري”.. هذا ما كشفته صحيفة “ذا غلوب آند ميل” الكندية خلال استماع أجهزة الأمن في كندا لتسجيلات بصوت مسؤولين سعوديين، من بينهم ولي العهد محمد بن سلمان، تتعلق بالتخطيط لعملية الاغتيال.
الصحيفة في تقرير لها استعرضت ملامح الخطة المعدة للتخلص من رجل المخابرات السابق، وفقًا للملفات الموجودة لدى محكمة واشنطن، لافتة إلى أن المعلومات التي توصلت إليها تذهب إلى إرسال عملاء من الولايات المتحدة لكندا للتخلص من الجبري.
الوثائق أفادت بلقاء عقده ولي العهد بمستشاريه المقربين مايو الماضي، أخبرهم خلاله بأنه حصل على فتوى لاغتيال المسئول السابق، منوهة أن قرار التخلص منه يعود إلى أكتوبر 2018 بعد أيام قليلة من اغتيال خاشقجي، غير أن رفض السلطات الكندية دخول العملاء المكلفين بالعملية للبلاد كان السبب وراء تأجيلها حتى الآن.
المدير السابق لجهاز المخابرات الكندية، ريتشارد فادن، أكد في تصريحات له أن بن سلمان كان يلاحق الجبري في كندا منذ فترة طويلة، وأنه وضعه تحت الرقابة عبر أجهزة التنصت والتجسس المختلفة، وذلك عن طريق عملاء له، واصفا إياه بأنه من “النوع الشرير جداً”.
ولي عهد فرق الموت
التفاصيل المتشابهة بين محاولة اغتيال الجبري ومن قبلها خاشقجي أثارت حفيظة هيئة تحرير صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية التي وجدت في هذا التشابه انعكاسًا لاستراتيجية ثابتة لدى ولي عهد المملكة في التخلص من المعارضين له، في محاولة لإسكات أصوات الجميع.
وتحت عنوان “ولي عهد فرق الموت السعودي” اعتبرت الصحيفة أن المملكة باتت تحت قيادة مسئول دموي لا يتعلم من دروس الماضي، ويصر على الإطاحة بكل ماهو أمامه من أجل أطماع النفوذ والسلطة، واصفة قضية خاشقجي بأنها قضية خداع وقتل مع الإفلات من العقاب.
حيث لم يعثر حتى كتابة هذه السطور على جثته رغم تمزيقها في مقر قنصلية بلاده في إسطنبول، مشيرة إلى أن الفصل الثاني من مسلسل الاغتيالات ربما يكون أكثر قسوة وتقشعر له الأبدان، ومحذرة مما وصفته “الغدر السعودي المزعوم” الذي يجب أن يُذكر الجميع مرة أخرى بأن “المملكة يقودها طاغية لا يرحم”.
وبصرف النظر عن مآلات الدعوى القضائية المرفوعة ضد بن سلمان، وما إذا كان سيمثل أمام المحكمة بناء على أمر الاستدعاء الموجة إليه أم لا، وهو أمر مستبعد إلى حد كبير، إلا أن ماحدث يعد نقلة نوعية في مسار ملاحقة ولي العهد السعودي أمام محاكم العالم.
ربما كان الجبري أول من افتتح شريط مقاضاة ابن سلمان، لكنه لن يكون الأخير، فمن المتوقع أن تشجع هذه الخطوة عشرات المعارضين المستهدفين بمنشار ولي العهد، على تكرارها، الأمر الذي ربما يكشف الوجه الحقيقي له ويسقط عنه القناع الذي دفع لأجل استمرار بقاءه عشرات المليارات.