تتميز العلاقات التركية العُمانية، على مدار قرون طويلة من الزمن، بكونها وثيقة لم يشبها أي توتر ملحوظ، وتحفو بالاحترام المتبادل والتقدير والدعم بين البلدين، وخلال السنوات الأخيرة، من الممكن ملاحظة تنامي العلاقات بشكل كبير بينهما، وخصوصًا في الفترة الأخيرة في عهد سلطان عُمان الجديد، هيثم بن طارق آل سعيد.
ونتحدث في هذا التقرير، عن ملف العلاقات التركية العُمانية منذ بدايتها في القرن السادس عشر ميلاديًا، وصولًا إلى هذا الأيام، وعن أبز المحطات بين البلدين.
تاريخ قديم وحافل
بدأ تاريخ العلاقات التركية العُمانية منذ القرن السادس عشر ميلاديًا، عندما طلب أهالي عُمان ومومباسا الإفريقية النجدة من والي الدولة العثمانية في اليمن سنان باشا، في زمن السلطان مراد الثالث، لتحريرهم من الاحتلال البرتغالي لبلادهم الذي جائهم عام 1508.
وقد لبى العثمانيون هذا النداء فورًا، حيث أمر الوالي بتشكيل حملة بحرية بقيادة الباي أمير علي بك، وإرسالها إلى عُمان عام 1585، فحاصر مسقط ودخلها، ثم سار فهاجم المراكز البرتغالية في شرق إفريقيا وأبرزها ممباسا.
وكاد العثمانيون يتمكنون من تحرير عُمان والساحل الإفريقي تمامًا من البرتغاليين، إلا أن حملة علي بك فشلت بسبب عدة عوامل، أولها خيانة أحد القبائل الإفريقية له (المعروفة باسم بازمبا)، وثانيها وصول الدعم للبرتغاليين عبر مضيق هرمز، وقد تم أسر علب بك واقتيد إلى لشبونة حيث قُتل عام 1586، بحسب كتاب “التاريخ الإسلامي-العهد العثماني”، لمحمود شاكر.
وبعد أن نالت عُمان استقلالها في عام 1650، أصبحت من أهم القوى العكسرية والبحرية في منطقة غرب آسيا وشرق أفريقيا، واهتم السلاطين العُمانيون على إقامة العلاقات الطيبة مع الدولة العثمانية، من خلال دعم بعضهما للآخر، خصوصًا وأن الدولتين كانتا يواجهان العدو نفسه في المنطقة، وهو بلاد فارس.
ففي عام 1773 أُصيبت مدينة البصرة، التي كانت ولاية عثمانية، بمرض الطاعون الذي حصد عشرات الآلاف من سكانها، فحاول الفرس استغلال ذلك وقامت القوات الإيرانية بمهاجمة الولاية في مطلع عام 1775 بقيادة كريم خان، وتلاه صادق خان، الذين عرّضوا البصرة إلى الخراب والدمار، وكانت الدولة العثمانية منشغلة في حروبها مع الروس في تلك الفترة.
وحينها استنجد أهالي البصرة بالإمام أحمد بن سعيد، حاكم عُمان، والذي تولى مسؤولية السلطنة قبل أشهر قليلة، فلبى النداء وأرسل جيشه بقيادة ابنه الأكبر هلال ليقود أسطولًا من 34 سفينة كبيرة مزودة بالمدفعية مع عدد من المراكب الأخرى الصغيرة، حيث استطاع العُمانيون دخول مدينة البصرة ومناصرة أهلها والتخلص من الحكم الإيراني الذي اضطر إلى توقيع معاهدة مع الوالي العثماني ضمنت انسحابه من المدينة.
ونتيجة لذلك، أصدر السلطان العثماني عبد الحميد الأول فرمانًا يقضي بتخصيص مكافأة سنوية لعُمان، وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي والسياسي في المنطقة، مع توسيع الامتيازات التي يحصل عليها التجّار والبحّارة العمانيون في موانئ الدولة العثمانية، امتنانًا منه وردًا للجميل الذي أبداه العُمانيون لنجدة أهالي البصرة، كما أمر بتقديم الدعم للجيش العُماني، ضد مطامع الفرس المستمرة.
وقد استمرت المراسلات والعلاقات الودية بين السلطان عبد الحميد الأول والإمام أحمد بن سعيد، فقد كان السلطان العثماني يكاتب الإمام ويخبره بكل ما يحدث في البصرة في تلك الفترة، وعندما أراد السلطان العثماني عقد الصلح مع الفرس حرص السلطان على أن يستشير ويخبر الإمام أحمد بالصلح، الأمر الذي يدل على عمق الروابط والصلات بين الدولة العمانية والإمبراطورية العثمانية.
العلاقات التركية العُمانية في العصر الحديث
اتسمت العلاقات التركية العُمانية في القرن الماضي بالدفئ، ولم يشبها أي توتر ولا حتى تطور ملحوظ، إلا أن الحكومة التركية اهتمت بإقامة علاقات دبلوماسية مع السلطنة في عام 1973، بعدما تولى السلطان الراحل قابوس، مقاليد الحكم في البلاد، ولكن لم تشهد العلاقات بين البلدين تطورًا حقيقيًا إلا في عصر حكم حزب العدالة والتنمية.
فقد حرصت الحكومة التركية في بداية الألفية الجديدة، على توسيع دائرة العلاقات الثنائية مع سلطنة عُمان، وتجديد روح الصداقة والتعاون التاريخي بينهما، ويتجلى ذلك بزيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان آنذاك، إلى مسقط عام 2005، من أجل تعزيز أوجه التعاون فى المجالات الاقتصادية والعلاقات التجارية والاستثمار المشترك ومجال التدريب المهني والتعاون فى المجال العلمي، والثقافى وتبادل الخبرات العسكرية، بين أنقرة ومسقط.
وفي عام 2010، قام الرئيس التركي السابق عبد الله غل، بإجراء تحركات مكثفة باتجاه دعم العلاقات الثنائية العُمانية التركية، توجت بزيارته إلى مسقط ولقائه السلطان الراحل قابوس، والتي جاءت عقب تشكيل اللجنة العمانية التركية المشتركة لدعم العلاقات بين البلدين، كما دعا السلطان الرئيس أردوغان إلى زيارة بلاده عام 2017.
ويهتم الأتراك باستمرار حركة الزيارات الرسمية إلى السلطنة، فقد قام وزير الخارجية التركي السابق، أحمد داود أوغلو بزيارة مسقط عام 2013، ثم زاره نظيره العماني في أنقرة، وفي حينها أبدى الوزير العمُاني دعم السلطنة لمساعي تركيا في الترشح للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي لعامي 2015 -2016.
وفي عام 2017، قام وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، بزيارة مسقط، وعلى الرغم من أن المسؤولين في البلدين وصفوا العلاقات الثنائية بينهما بالممتازة أثناء هذه الزيارة، إلا أن جاويش أوغلو عبر في زيارته أن الأمر السلبي في العلاقات الثنائية بين البلدين هو “قلة الزيارات المتبادلة بينهما”.
وفي مطلع شهر أغسطس/آب الجالي، اجتمع أمين عام وزارة الخارجية العمانية، بدر السعيدي، عبر تقنية الاتصال المرئي، مع مساعد وزير الخارجية التركي، سادات أونال، وبحثا تعزيز وتطوير العلاقات بين بلديهما والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
كما بحث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال اتصال هاتفي، مع سلطان عمان، هيثم بن طارق آل سعيد، قضايا إقليمية ودولية والعلاقات الثنائية بين البلدين، بحسب بيان لدائرة الاتصال في الرئاسة التركية.
العلاقات العسكرية الاقتصادية
أثمرت هذه الزيارات اتفاقيات مهمة في الجوانب العسكرية والاقتصادية بين البلدين، حيث بدأت العلاقات العسكرية والدفاعية تشهد تطورًا ملحوظًا، مع توقيع مذكرة تفاهم للتعاون العسكري في عام 2011، وبعدها بعام وبدأت مسقط تبدي اهتمامًا متزايدًا بشراء معدات عسكرية من صناعة محلية تركية.
وفي العام 2015، وقّع البلدان على عقد يقضي بتسليم شركة (إف إن إس إس) التركية المتخصصة في صناعة العربات المدرعة والقتالية وأنظمة التسلّح، الجيش السلطاني العُماني 172 مدرعة (بارس-3) القتالية من طرازات مختلفة بحلول العام 2020، وقد بدأ تسليم أولى هذه الطلبات بشكل فعلي عام 2017، فيما جاءت سلطنة عُمان عام 2018 في المرتبة الثالثة عالميًا، من حيث مستوردي الأسلحة من تركيا بواقع 150.5 مليون دولار.
وشهد عام 2017 زخمًا غير مسبوق في العلاقات الثنائية بين تركيا وسلطنة عُمان، وإعادة إحياء الاستشارات السياسية التي ظلّت متوقفة لأكثر من عقد من الزمان.
وفي مارس/آذار 2020، تم افتتاح فرع لشركة “هافلسان” التركية للصناعات الإلكترونية الجوية بالسلطنة، ضمن مشروع مشترك مع شركة عمانية لزيادة حجم الصادرات الدفاعية التركية إلى عمان، وفي مايو/أيار عام 2020، أعلنت سلطنة عُمان استلامها لزوارق سريعة من نوع “هرقل” مصنعة في تركيا؛ ضمن اتفاقية موقعة معها، مشيرة إلى أنها تأتي ضمن اتفاقية لتصنيع 14 زورقًا.
أما فيما يخص الجانب الاقتصادي والاستثماري، فيبلغ حجم الاستثمارات التركية في عُمان 8 مليارات دولار، حيث تعمل 20 شركة في مجال البناء والتشييد، في حين توجد 11 شركة عُمانية في تركيا تقوم باستثمارات قيمتها نحو 10 ملايين دولار، في مجال التعدين والاستيراد والتصدير والعقارات.
وقد ذكرت الغرفة التجارية العُمانية في فبراير 2020، أن التجارة الثنائية بين البلدين ارتفعت بنسبة 8% في 2018، كما ارتفع حجم التبادل التجاري إلى 490 مليون دولار، كما ذكرت صحيفة عمان، أن تركيا تشكل وجهة السياح العمانيين الأولى، تليها جورجيا ثم البوسنة.
الدعم العُماني المعنوي لتركيا
على الرغم من سياسة الحياد والعلاقات التقليدية، في إدارة العلاقات العُمانية مع الدول الأخرى في السنوات الأخيرة، خصوصًا فيما يتعلق بملفات الأزمات، كأزمة المسألة القطرية وكذلك تركيا مع دول الخليج العربي، إلا أن سلطنة عُمان عبرت عن موقفها الداعم والمتعاطف لتركيا في محطات أخرى، الأمر الذي أثار حفيظة واستغراب البعض.
فقد أبدت مسقط عن تعاطفها مع الحكومة التركية، عقب محاولة الإنقلاب الأخير في تركيا في يوليو/حزيران عام 2016، فقد أرسل السفير العماني في أنقرة قاسم بن محمد الصالحي، برقية تضامن إلى الحكومة التركية، تضمنت أيضًا إدانة لمحاولة الانقلاب ضد الحكومة الشرعية في تركيا.
ومؤخرًا، على عكس بعض الدول العربية التي انتقدت تحويل “آيا صوفيا” إلى مسجد، رحبت سلطنة عُمان بذلك القرار، وهنأت الأمة الإسلامية والشعب التركي ورئيسه رجب طيب أردوغان بقرار إعادة “آيا صوفيا” في إسطنبول إلى مسجد، الأمر الذي واجه انتقادات كبيرة في أواسط الجمهور الخليجي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
نهنئ أنفسنا ونهنئ الأمة الإسلامية جميعًا، ونخص بالتهنئة الشعب التركي المسلم الشقيق الأصيل وعلى رأسه قائده المحنك رجب طيب أردوغان برده معلم #آيا_صوفيا من جديد إلى بيت من بيوت الله التي أذن الله أن تُرفع ويذكرَ فيها اسمُه، يُسَبَّحُ له فيها بالغدو والآصال. pic.twitter.com/TZmWaLxoY4
— أحمد بن حمد الخليلي (@AhmedHAlKhalili) July 12, 2020
وفي بيان لمفتي السلطنة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، أصدره في 12 يوليو/حزيران 2020، قال: “نهنئ أنفسنا ونهنئ الأمة الإسلامية جميعًا، ونخص بالتهنئة الشعب التركي المسلم الشقيق الأصيل، وعلى رأسه قائده المحنك رجب طيب أردوغان، برده معلم آيا صوفيا من جديد إلى بيت من بيوت الله التي أذن الله أن تُرفع ويذكرَ فيها اسمُه، يُسَبَّحُ له فيها بالغدو والآصال”.
وتابع: “فهنيئاً لك أيها الشعب الأصيل في إسلامك ولقائدك هذه الخطوة الشجاعة، فامضوا إلى الإمام غير لاوين على شيء من ضجيج الباطل الذي تنعق به حناجر المارقين، فما هم إلا في الأذلين، وقد كبتوا كما كبت الذين قبلهم، وسيروا قدمًا في هذه الصراط المستقيم، وقلوب المسلمين وألسنتهم تلهج بالدعاء لكم”.
يعكس هذا البيان الذي أصدره مفتي السلطنة وما قبله من اتفاقيات ومواقف، حالة التقارب الكبير بين البلدين، خصوصًا في السنوات الأخيرة، وتواصلت مع السلطان الجديد هيثم بن طارق الذي خلف سلفه الراحل قابوس بن سعيد، الذي ازدادت في عهده المباحثات والاتصالات لتعزيز العلاقات بين البلدين في جميع المجالات.