لم تكن إضافات العلماء والأطباء المسلمين مقتصرة على الطب بالمجمل، بل كانوا أول من أسس مفهوم التخصص الدقيق، ففي مجال تخصص أمراض الجهاز العصبي عرف الأطباء المسلمون بعض الأمراض التي تصيب الدماغ والأعصاب، وعالجوا بعضها مثل “الفالج” المعروف حديثًا بالشلل، كما شخص ابن سينا شلل العصب الوجهي وشخص التهاب السحايا وعالجها.
حكاية اليوم عن شخص أَحب أن يعالج الأمراض التي تصيب الجهاز العصبي وقاده الشغف بالاختصاص ودقة الملاحظة إلى اكتشاف أحد أندر المتلازمات التي تصيب الجهاز العصبي، حديثنا عن الطبيب الأردني الدكتور عدنان العبد اللات، مكتشف متلازمة العبد اللات التي سميت باسمه.
ولد الدكتور عدنان سالم الالعبد اللات في السلط عام 1943 لأسرة متوسطة، فوالده كان يتاجر بالأغنام أما والدته فابنة أحد جاهات مدينة السلط منحدرة من عائلة محبة للعلم.
عاش عدنان ضمن عائلة كبيرة مؤلفة من عدد كبير من الأخوة والأخوات، وتربى على البساطة التي يتذكرها على أنها أيام جميلة، فلم تكن للفوارق الاجتماعية وجود والمحبة وصلة الأرحام وبساطة الحياة هي السائدة آنذاك.
انتقلت العائلة بسبب ظروف عمل والده إلى عمان، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارسها وعرف عنه النباهة والتفوق في دراسته، ليكمل تعليمه بتفوق عام 1960.
تقدم لدراسة الطب في دمشق، وكانت المنافسة كبيرة آنذاك لأن عدد المقاعد الممنوحة للطلبة الأجانب 10 مقاعد فقط، وبالفعل استطاع الحصول على مقعد لدراسة الطب في سوريا لينتقل من عمان إلى دمشق لدراسة الطب فيها للأعوام بين 1960-1967.
خلال فترة عمله، لاحظ أعداد المرضى المصابين الذين لم يجدوا من يعالجهم لندرة هذا الاختصاص في الأردن، لذلك قرر السفر إلى لندن لدراسة تخصص الأعصاب
رغم كون الدراسة في دمشق كانت شبه مجانية، فقسط الدراسة للطلبة العرب كان مبلغًا زهيدًا جدًا، فإنها كانت صعبة للغاية خصوصًا أن كليات الطب السورية تدرس المنهج العلمي باللغة العربية، ما يجعل الدراسة والعودة إلى المراجع أمرًا شاقًا وصعبًا.
بعد أن أنهى الدكتور عدنان تعليمه عاد إلى الأردن عام 1967، لكن ظروف الحرب آنذاك جعلته أمام خيار العمل ضمن صفوف الجيش كطبيب عسكري، ليتم تعيينه برتبة ملازم أول.
الطموح والبحث عن العلم كانا المحفز الأكبر للدكتور عدنان، وبذلك حاول أن يسافر إلى بريطانيا ليستقي العلم والخبرات، فانتقل إلى لندن في الفترة بين 1972-1974 وحصل على الزمالة البريطانية للطب الباطني MRCP وعاد بعدها إلى الأردن ليعمل في مجال اختصاصه بالمستشفى العسكري في الأردن.
خلال فترة عمله، لاحظ أعداد المرضى المصابين بالصرع والشلل وأمراض الذاكرة وأمراض الأعصاب الذين لم يجدوا من يعالجهم لندرة هذا الاختصاص في الأردن، لذلك قرر السفر مرة ثانية إلى لندن لدراسة تخصص الأعصاب.
التحق الدكتور عدنان بأعرق مستشفى بريطاني في مجال أمراض الأعصاب، المستشفى الوطني لطب وجراحة الأعصاب في كوين سكوير (أول مشفى أنشئ في إنجلترا متخصص في علاج أمراض الجهاز العصبي) ليحصل على شهادة FRCP.
اكتشافه لمتلازمة العبد اللات
بعد عودته من بريطانيا، لاحظ الدكتور عدنان في مريض أتى لمراجعته أعراضًا لم يقرأ عنها أو يرى ما يشابهها في بريطانيا، كان المريض يشتكي من اضطراب في تصبغ الجلد والشعر وشلل سفلي واعتلال العصب المحيطي، عند البحث أكثر وجد أعراضًا مشابهة في عائلة المريض (أخ المريض وأخته).
حاول الدكتور عدنان أن يحصل على استشارة أساتذته في لندن لكنهم أبلغوه أن لا علم لهم بمثل هكذا مرض، كان التحدي أمام الكتور عدنان كبيرًا بإقناع السلطات الأردنية (كونه طبيبًا عسكريًا) بالسفر مع المريض إلى بريطانيا لعقد لجنة من اختصاصي أمراض الأعصاب لمعرفة ماهية المرض.
بعد رفض الطلب ومحاولات متعددة استطاع الدكتور عدنان أن يسافر مع مريضه إلى بريطانيا، وعقدت لجنة مكونة من أكثر من 40 بروفيسور في مجال أمراض الجهاز العصبي، وتم التوصل إلى أن هذه المتلازمة غير مكتشفة مسبقًا، وأن الدكتور عدنان العبد اللات مكتشفها.
بذلك تم تكوين فريق من الباحثين في لندن عام 1980 لإجراء فحوصات الحمض النووي على المريض ليتم معرفة سبب المرض الذي يعتقد أن سببه صفة وراثية متنحية غير مرتبطة بالجنس، وأطلق على المرض متلازمة العبد اللات – ديفيس – فراج Abdallat–Davis–Farrage syndrome.
وبعد سبعة أعوام اعترف بهذه المتلازمة عالميًا وبمكتشفها التي سميت باسمه، ليصبح بعدها الدكتور عدنان الالعبد اللات أحد أهم أطباء الأعصاب في العالم.