حكاية اليوم بطلها “الساحر المصري” كما يصفه الإعلام في مصر، الجراح المصري العالمي كريم أبو المجد، رائد عمليات زراعة الأحشاء وأول من أجرى عملية زراعة أحشاء في العالم.
ولد كريم محمد أبو المجد في قرية صغيرة تسمى ميت عدلان بمركز بني عبيد في محافظة الدقهلية عام 1952، وتأثرت شخصيته كثيرًا بنشأته، فوالدته كانت مربية عظيمة زرعت في داخله معنى أن يحتفظ الإنسان بجذوره مهما تغرب بعيدًا، أما والده الذي توفي بسبب نزيف في المخ فقد مثّل موته الحافز الأكبر وراء إصراره على أن يصبح طبيبًا استثنائيًا يساعد الناس وينقذهم من المرض.
أكمل أبو المجد تعليمه الابتدائي في المنصورة وتخرج طبيبًا في جامعة المنصورة عام 1976، وخلال فترة عمله طبيبًا في مصر، كان يتألم كثيرًا عند رؤيته معاناة مرضى الكبد من الشباب وبقية الأعمار الذين يفقدون أرواحهم نتيجة مضاعفات المرض دون توافر علاج ينقذهم، وكان يؤمن أن زراعة الكبد هي الحل، لكن هذه العملية لم تكن متوافرة في مصر ولا في العالم العربي (أجريت زراعة الكبد في أمريكا لأول مرة عام 1967 على يد الجراح الأمريكي توماس ستارزل المعروف بأبو زراعة الأعضاء).
انتقل أبو المجد إلى أمريكا، لا يدفعه حب المال أو حب الشهرة، بل كان هاجسه الوحيد تلقي العلم والخبرات التي تنقذ الناس من المرض والموت، وبدأ بالفعل دراسة التخصص من خلال برنامج التعاون بين جامعتي إيموري في أتلانتا وجامعة المنصورة، ليحصل على الدكتوراه في جراحة الكبد عام 1987.
عام 1989 حصل على زمالة لزراعة الأعضاء من جامعة بيتسبرغ، والتقى بالجراح الأمريكي البارع توماس ستارزل، ليلقى إعجابه الكبير ويوكل إليه مشروع زراعة الأحشاء الذي كان قد بدأه من قبل.
الريادة
التحدي الكبير الذي كان يواجه زراعة الأعضاء هو رفض الجسم للعضو الجديد، لذلك كان لا بد من تطوير طريقة يستطيع بها الجسم قبول العضو المزروع جديدًا، كان الدكتور أبو المجد ضمن الفريق الذي ابتكر التاكروليمس Prograf® العلاج الذي أحدث ثورة في مجال زراعة الأعضاء.
ثم في عام 1990 استطاع الدكتور كريم إجراء أول عملية زراعة أحشاء ناجحة في العالم مع فريق جامعة بيتسبرغ، لم يكن هذا بالإنجاز السهل لأن المجال الذي برع به أبو المجد لم يكن مطروقًا من قبل، فلا توجد كتب أو مراجع أو حتى دراسات أو تجارب ممكن أن تقدم ولو بعض الفائدة، لكن أبو المجد استطاع التغلب على كل ذلك بمجموعة خطوات يذكرها في لقاء أجري معه، حيث يقول إن الفضل الأول فيما وصل إليه هو توفيق وفتح من الله سبحانه وتعالى، إذ يؤمن أنه وسيلة في الأرض لأجل علاج المرضى ويعتبر أكبر هبة ربانية أنه يستطيع زرع الابتسامة على وجه المريض ويرى الأمل في عيون أهله.
الأمر الثاني الذي ساعده فيما وصل إليه هو رغبته الشديدة منذ الطفولة بتغيير حياة البشر رغم إيمانه بأن الحياة والموت بيد الله، يقول أيضًا إنه يتعلم من كل مريض يخسره ومن كل تجربة جديدة يجريها في التقنيات الجراحية التي يبتكرها، وأنه يدون ما يبتكر ويجري الأبحاث لكي ينقل ما توصل إليه من علم وخبرات إلى من يأتي بعده.
فيلم وثائقي عن العمليات التي يجريها الدكتور كريم أبو المجد أنتجته قناة ديسكفري
بهذا الإنجاز العظيم الذي حققه، استطاع أبو المجد أن يفرض قدراته الجراحية في الأوساط العلمية الأمريكية والعالمية، وتطوير هذا النوع من العمليات، تم تأسيس تغطية الرعاية الطبية لمرضى زراعة الأحشاء في الولايات المتحدة.
أكمل أبو المجد شغفه في هذا المجال، وأصبح رائدًا عالميًا في عمليات زراعة الأحشاء وابتكار مهارات جراحية لإجراء عمليات تصحيحية لالتفاف الأمعاء حلت محل الطريقة التقليدية المتعارف عليها سابقًا.
عام 2001 تمت ترقيته إلى مرتبة بروفيسور في الجراحة بجامعة بيتسبرغ، كما أصبح أستاذًا للجراحة في جامعة كيس ويسترن ريزيرف ومدير مركز إعادة تأهيل وزرع القناة الهضمية في عيادة كليفلاند.
خلال 30 سنة من الريادة أجرى البروفيسور كريم أبو المجد مع فريقه ما يزيد على 450 عملية زراعة أحشاء، وله أكثر من 400 منشور علمي والعديد من الأبحاث الرصينة المتخصصة في مجال جراحة الكبد وزراعة الأحشاء والتقنيات الجراحية المبتكرة لتكون أساسًا علميًا رصينًا للجراحين الذين يأتون من بعده.
لم تكن الغربة والبعد عن مصر بالأمر الهين على أبو المجد، فقد كان دائمًا ما يشعر بالألم، لكنه كان يعزي نفسه بأمرين: الأول أنه كان مساندًا لكل الأطباء المصريين والعرب المهاجرين إلى أمريكا، والثاني أنه أعطى مثالًا مشرفًا للغرب عن المسلم الذي يسعى لعلاج وإنقاذ جميع الناس بمختلف دياناتهم وأعراقهم.
أما اليوم فيطمح إلى إنشاء مركز تخصصي في مصر لزراعة الكبد والأحشاء بالمجان (كلفة عملية زراعة الكبد نحو 500 ألف دولار) ونقل كل الخبرات التي اكتسبها إلى الجراحين المصريين الشباب.
رسالته إلى الجراحين الشباب
يقول البروفيسور أبو المجد إن الجراح الناجح عليه أن يجعل بوصلته متجهة إلى المريض دائمًا، وأن يسمع ما يقول المريض بكل التفاصيل لأن المريض دائمًا صادق فيما يقول، وأن يستمع إلى حدسه الخاص ويخلص العمل حتى يهبه الله نورًا للبصيرة.
كريم أبو المجد، حكاية ريادة عظيمة لم يكن لتحكى اليوم لولا جلد صاحبها وإصراره للوصول متحديًا المستحيل بيقينه أنك إذا صدقت النية وألحقتها بإخلاص العمل لا بد أن تصل للقمة.