بدأت الحكومة الموريتانية الجديدة عملها، على أمل أن تقوم بالعديد من الخطوات العملية لإنقاذ البلاد من أزماتها المتعددة، لكن من المنتظر أن تقف عديد العقبات أمام عملية الإصلاح في ظل تنامي الفساد والمحاباة والمحسوبية في البلاد، فضلًا عن انتشار ثقافة الإفلات من العقاب.
حكومة جديدة
تشكيلة الحكومة الموريتانية الجديدة ضمت 23 وزيرًا، أغلبهم من الحكومة السابقة التي استقالت الخميس الماضي على وقع تحقيقات برلمانية عن ملفات فساد كبيرة خلال عشرية الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني قد عين الخميس الماضي محمد ولد بلال -الذي ترأس من قبل عددًا من المؤسسات الحكومية- رئيسًا جديدًا للوزراء بعد ساعات من تقديم إسماعيل ولد الشيخ سيديا استقالة حكومته وسط تحقيق في مزاعم فساد.
وضمت الحكومة الجديدة 4 سيدات كلفن بحقائب وزارات التجارة والصناعة والسياحة، والإسكان والعمران والاستصلاح الترابي، والشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة، والبيئة والتنمية المستدامة.
يقع المشهد السياسي العام في موريتانيا تحت سيطرة “لوبيات” تشترك في المنافع الاقتصادية التي تجنيها الطبقة السياسية الحاكمة
احتفظ 17 وزيرًا من الحكومة المستقيلة بحقائبهم في الحكومة الجديدة، وبينهم وزراء الخارجية إسماعيل ولد الشيخ أحمد، والدفاع حننه ولد سيدي، والداخلية محمد سالم ولد مرزوق، والمالية محمد الأمين ولد الذهبي، والشؤون الإسلامية الداه ولد سيدي ولد أعمر الطالب.
فيما ضمت التشكيلة 6 وزراء جدد، هم: محمد محمود ولد بيه وزيرا العدل، الناها بنت الشيخ سيديا وزيرة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة، “عثمان مامادو كان” وزيرا الشؤون الاقتصادية وترقية القطاعات الإنتاجية، عبد السلام ولد محمد صالح وزيرا للبترول والمعادن والطاقة، المرابط ولد بناهي وزيرا للثقافة والصناعة التقليدية والعلاقات مع البرلمان، وأحمد تيجان تيام أمينا عاما للحكومة.
انتظارات كبيرة
يأمل الموريتانيون أن تقطع الحكومة الجديدة مع ممارسات الحكومات السابقة وأن توجه كل اهتماماتها لتنمية البلاد وخلق الثروة وجلب الاستثمارات الخارجية، حتى تعود بالفائدة على المواطن الموريتاني البسيط الذي يعاني من جميع النواحي.
وتقدر نسبة البطالة في موريتانيا بـ33%، إلا أن الحكومة ترفض الاعتراف بارتفاع نسبة البطالة إلى هذا الحد، وتعتبر أنها لا تتجاوز 10%، و تؤكد إحصاءات البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية ودراسات الباحثين أن ثلث الشباب في موريتانيا يعانون من البطالة.
الفساد استشرى في عهد ولد عبد العزيز
تسجل موريتانيا أعلى معدل للبطالة في صفوف الرجال حول العالم، بدورها تبلغ نسبة الفقر في هذا البلد العربي الذي لا يتعدى تعداده 4 ملايين نسمة 46% من مجموع السكان و75% من الفقراء من سكان الأرياف، مما يجعل الفقر ظاهرة ريفية بامتياز.
ويأمل الموريتانيون أن تحارب الحكومة الطبقية المتفشية في المجتمع من خلال مشاريع اقتصادية تحارب التهميش والفقر في مناطق تسكنها الطبقات المحرومة، وأن تتم الزيادة في الأجور ويطلق تأمين صحي لذوي الدخل المحدود، وتُشيد المدارس والجامعات وتخفض أسعار المواد الأساسية.
فساد مستشري
من المتوقع أن تواجه الحكومة الجديدة العديدة من العقبات أمامها على رأسها الفساد، الذي يعد من المعوقات الخطيرة التي تعرقل أي جهود تنموية داخل موريتانيا، حيث تعاني جميع القطاعات من تفشي هذه الظاهرة الخطيرة، حسبما تشير إليه العديد من التقارير الصادرة في موريتانيا، أو عن بعض منظمات محاربة الفساد في العالم.
ويعود تفشي ظاهرة الفساد بهذه الصورة داخل أروقة أجهزة الدولة إلى السياسات الفاشلة للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وفق العديد من القوى والتكتلات السياسية الموريتانية. يذكر أن تشكيل الحكومة الجديدة واستقالة سلفها نتيجة تقرير لجنة تحقيق برلمانية، تتعلق بالفساد، وأظهر تحقيق برلماني وجود أنشطة فساد مالي وإهدار للمال العام مشتبه بها رموز من نظام الرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز (2009-2019)، ومسؤولين في الحكومة السابقة.
تعتبر القبيلة في موريتانيا جماعة ضغط قوية ونافذة في البلاد، فهي من تصنع الحدث دون أن تتبناه، وتؤثر في القرار دون أن تعلن نفسها
أحيل تقرير اللجنة البرلمانية حول الفساد إلى القضاء لمحاسبة المشتبه بتورطهم في قضايا فساد في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وكان الأمين العام للرئاسة آدما بوكار سوقو قد أوضح أن الرئيس الموريتاني قرر إجراء هذا التعديل في الحكومة من أجل ضمان السير المنتظم للعدالة واحترام السلطتين التشريعية والقضائية.
وتحول الفساد الذي يقوض أسس الديمقراطية ودولة القانون والذي يحد من جودة الخدمات العمومية ويربك حياة المواطن، منذ وصول الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز للسلطة إلى كارثة بل إلى نمط للحكم، وهو ما جسده القضايا المرفوضة ضده.
المحسوبية والمحاباة
فضلًا عن الفساد، يقع المشهد السياسي العام في موريتانيا تحت سيطرة “لوبيات” تشترك في المنافع الاقتصادية التي تجنيها الطبقة السياسية الحاكمة، لذلك باتت المحاباة والمحسوبية السمات الأكثر سيطرة على الصورة بصفة عامة.
وما يزيد الطينة بلة، صعوبة التخلص من المحاباة في مجتمع تتحكم فيه القبيلة وترسم له خططه، فما زالت القبيلة تتحكم بمختلف مناحي الحياة من أصغرها إلى أكبرها دون استثناء في موريتانيا، لذلك يعد الانتماء القبلي هو الانتماء الأقوى لدى الفرد الموريتاني.
تعتبر القبيلة في موريتانيا جماعة ضغط قوية ونافذة في البلاد، فهي من تصنع الحدث دون أن تتبناه، وتؤثر في القرار دون أن تعلن نفسها، الجميع هنا يعلم قوتها ولكن لا يصرح بذلك، خشية منها، فالأمر من المسكوت عنه والمتعارف عليه في الوقت نفسه بين الجميع.
الوظائف العادية وحتى السامية، تتم تسمية أصحابها حسب القبائل التي ينتمون إليها، حتى تسمية الوزراء لا تسلم من الأمر، فالقبيلة من تتحكم في مفاصل الدولة والحكم وحتى المعارضة، وإن كان ذلك بصورة غير علنية، فلها أن تعين وأن تقيل من تريد، حتى إن اسم القبيلة الذي تنتمي إليه له أن يعوض الدراسة في كبرى الجامعات العالمية، فالقبيلة تغلب الكفاءة.
تعتبر ظاهرة الفساد والمحسوبية والمحاباة والإفلات من العقاب وعدم احترام القانون، وسوء استخدام الموارد البشرية من أبرز سمات منظومة الحكم في موريتانيا خاصة في ظل غياب تام لدولة المؤسسات والنظم، ما يجعل أي محاولات للإصلاح تصطدم بها وتحكم عليها بالفشل.