ترجمة وتحرير: نون بوست
في الرابع من آب/ أغسطس 2020، تسبب انفجار هائل في إحداث موجات مميتة في وسط بيروت. لينتشر بعد ذلك فيديو يوثق هذا الانفجار بنفس السرعة تقريبًا حول العالم. والآن، ظهرت بعض تفاصيل الانفجار الذي وقع في منطقة مخصصة لتخزين الألعاب النارية بمستودع صغير في نهاية مرفأ بيروت، بينما ينتظر العالم لمعرفة حصيلة الوفيات والإصابات والدمار النهائية. ومع ذلك، وبطريقة ما، فإن العالم يمتلك بالفعل فكرة عما يمكن توقعه من الحادثة نظرا لأن انفجارات مماثلة قد حدثت من قبل.
بصفتي مهندسة طب حيوي متحصلة على درجة الدكتوراه في أنماط الإصابات والصدمة التي تعقب الانفجار، فإن تجميع معلومات حول الانفجارات العرضية يعد جزءًا من عملي اليومي. نادرًا ما تكون الانفجارات العادية بهذا الحجم، ولكن تنطبق عليها نفس مبادئ الفيزياء والكيمياء. وقد ساعدني العلم، جنبًا إلى جنب مع بعض دراسات الحالة من التاريخ، على إجراء بعض الحسابات الأولية لمعرفة سبب هذا الانفجار أيضًا.
في سنة 1917، خلّف مزيج من 6 ملايين رطل من المواد شديدة الانفجار في ميناء هاليفاكس في مقاطعة نوفا سكوشا مساحة شاسعة من الحطام، الذي ظل حتى يوم الثلاثاء أكبر انفجار غير نووي على الإطلاق من صنع البشرية. بينما نتعلم المزيد عن الانفجار الذي وقع في بيروت، الذي يمكن أن يكسر اللقب الذي امتلكه انفجار ميناء هاليفاكس، تقدم قصة هاليفاكس ما من المتوقع معرفته عن الصدمة التي تلت الحادثة، وتفسر مقاطع الفيديو الحديثة للهواتف المحمولة، إلى جانب التفسير الفيزيائي للانفجار الذي استخلصه العلماء في القرن المنصرم، لماذا حدثت أنماط الصدمات هذه بتلك الطريقة.
الكيمياء السريعة لنترات الأمونيوم
كل حريق هو نتاج إعادة ترتيب للجزيئات، ويعد الانفجار في الأساس حريقا شُحن تربينيا ليصبح هيجانا مفرط الطاقة. تقوم التركيبات غير المستقرة بتبادل الذرات بين بعضها البعض، حتى تستقر كل تركيبة في وضع أكثر هدوءا وأقل طاقة، مثل الصخور عندما تصل إلى أسفل التل. لكن طاقة هذه التركيبات الزائدة تُستخدم في شيء ما.
في نار المخيم، حيث تصبح التفاعلات الكيميائية سهلة بفضل الأكسجين الموجود في الهواء وحده، يجري إطلاق الطاقة ببطء في شكل مستويات كافية من الحرارة والضوء. ولكن في حالة حدوث انفجار، يضاعف الأكسجين من سرعة عملية التفاعل بشكل مبالغ فيه.
كشفت التقارير الحديثة أن المبنى الذي تسبب في الانفجار ربما كان يخزن كميات كبيرة من نترات الأمونيوم، وهي مادة كيميائية قابلة للاشتعال لها مظاهر غير ضارة نسبيًا مثل السماد ولكن وقعت تجربتها أيضًا كوقود للصواريخ. ويمثل الأكسجين العامل المتسبب في تفعيل خاصية الانفجار المميتة لنترات الأمونيوم، وبالنظر إلى حدوث 47 انفجارًا هائلا معروفًا وعرضيًا لنترات الأمونيوم في القرن الماضي، فإن هذه الصفة لا يمكن إنكارها.
تكمن الإجابة على الكثير من الأسئلة العامة حول مقاطع الفيديو، بما في ذلك مصدر اللون الأحمر المروع لانبعاثات الدخان، في تفكيك التفاعل الكيميائي لنترات الأمونيوم
إن “الأمونيوم” عبارة عن ذرة نيتروجين متصلة بأربع ذرات هيدروجين (NH4+)، بينما يمثل “النترات” ذرة نيتروجين متصلة بثلاث ذرات أكسجين (NO3-). في ظل الظروف العادية، تساهم الشحنة الموجبة الخاصة بالأمونيوم والشحنة السالبة الخاصة بالنترات في انجذاب الجزيئين ليتصلا ببعضهما البعض دون إحداث أي ضرر، ولكن عندما تضاف شرارة تدرك الجزيئات أن ذراتها يمكن أن تصبح أكثر سرعة وتتحول إلى شيء جديد تمامًا.
عندما يقع تصنيع نترات الأمونيوم كسماد، يقع خلطها بمواد كيميائية أخرى عادة ما تمنع حدوث هذا التفاعل، على الرغم من أن انفجار معمل السماد في ويست بتكساس سنة 2013 أثبت أن هذه المواد الكيميائية ليست ناجحة دائمًا. وتشير التقارير الأولى الصادرة من بيروت إلى أن الأسمدة ربما كانت المتسبب في الانفجار مرة أخرى. ومع ذلك، أظهرت الصور التي وقعت مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي أكياسًا تحمل علامة “نيترو بريل إتش دي”، التي يُفترض أنها مخزنة في ميناء بيروت، وتكهن البعض بأنه إذا كانت هذه الصور حقيقية، فقد تمثل نيترو بريل نسخة مقلدة عن المادة المتفجرة نيترو بريل الأصلية.
صممت مادة نيترو بريل لتُستخدم في مناجم الفحم، لذلك من غير الممكن أن يكون هذا النوع الخاص من نترات الأمونيوم قد خُلط مع المواد الكيميائية المهدئة مثل تلك المستخدمة في الأسمدة. بدلاً من ذلك، قد يكون خُلط ليعمل كمادة متفجرة. وعندما يمزج النترات بهدف الانفجار، فإنه يتخلص من ذرات الأوكسيجين. تعد هذه التركيبة غير مستقرة كيميائيًا، مما يعني أن الروابط بين ذرات النترات والأكسيجين تهتز بمستوى غير مطمئن من التوتر الفيزيائي. يحرص النترات المحمل بثلاث ذرات أكسجين على دفع بعض هذه الذرات إلى أي أيون مجاور، ومع القليل من الحرارة المسؤولة عن تحريك الذرات، سيتلقى الأمونيوم هذه الذرات.
تكمن الإجابة على الكثير من الأسئلة العامة حول مقاطع الفيديو، بما في ذلك مصدر اللون الأحمر المروع لانبعاثات الدخان، في تفكيك التفاعل الكيميائي لنترات الأمونيوم. اللون الأحمر من النواتج الثانوية لاحتراق النترات وهو يمثل ثاني أكسيد النيتروجين، (NO2) وهو يتسبب في ذرف كم هائل من الأكسجين ما يفسر اكتسابه لونا أحمر داكنا يشبه لون الدم الأحمر القاني.
تنتج عن العديد من المواد المتفجرة ألوانا أثناء الانفجار على نحو يشير إلى تركيبها الكيميائي – وهي تعود إلى ما قبل العشرينيات من القرن الماضي – وبذلك يمكن الحصول على ألعاب نارية مختلفة الألوان ومتنوعة. ويعد ثاني أكسيد النيتروجين العامل الذي يجعل انفجار نترات الأمونيوم يتخذ لونا يشبه الدم. وفي حين أن انفجارا صغيرا سينتج عنه دخان برتقالي اللون، فإن انفجارا هائلا مثل انفجار بيروت إلى جانب ضوء الشمس سيكسب الدخان لونا داكنا أكثر.
وفقًا لبراد ووتيلاك، وهو فني مختص في القنابل وأخصائي متفجرات معتمد لدى مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات، عندما تكون انبعاثات الدخان كثيفة جدا، فإنها تبدأ في امتصاص ضوء الشمس الذي يؤدي انكساره إلى تعتيم الألوان الطبيعية التي ينتجها أي انفجار. ووتيلاك، ليس منخرطا بشكل مباشر في تحقيق انفجار بيروت ولكن له خبرة تناهز 16 سنة في التحقيق في حوادث الانفجارات، وهو يؤكد أن ارتداد ضوء الشمس داخل سحابة الدخان يؤدي إلى انكسار موجات ضوئية أخرى صغيرة في اتجاهات مختلفة. ولكن عندما يتصاعد الدخان على هذا النطاق الواسع، فإن الأمواج الضوئية الأكثر طولا والظلال التي تتخذ لونا أحمرا، هي التي تبقى ظاهرة ويمكن مشاهدتها على الجانب الآخر. لذلك، يصبح اللون داكنا وأكثر تركيزا مما يكون عليه في انفجار صغير.
بالنسبة للمتفجرات التي تُحدث انفجارا نقيًا، على غرار المتفجرات التي تستخدم في المجال العسكري، فهي تنتج دخانًا يبدو نقيًا فيتخذ لونا أبيض ناصعا يشبه الثلج أو أبيض باهتا وأحيانًا رماديا باهتا. لكن الانفجارات العرضية أقل نقاء وتنتج الرماد وجسيمات أخرى ومواد ملوثة متفحمة سوداء. تتصاعد هذه المادة اللزجة السوداء في السماء جنبًا إلى جنب مع المنتجات الثانوية الأخرى، لتلوين سحابات الدخان، وتصبح مثل بقايا فحم نيران المخيم المتروكة بعد الاحتراق. وحسب خبير الانفجار، تظهر بعض مقاطع الفيديو سحابة سوداء وحمراء تعلو رصيف بيروت وسببها “نترات الأمونيوم”.
ليست موجة صدمية
تُظهر مقاطع الفيديو أيضًا أدخنة تتخذ شكلا نصف كروي موحدا مثيرا للقلق تتصاعد خارج موقع الانفجار في شكل قبة من البخار الخانق الذي يندفع نحو كل شخص يصور، ويظهر وصول الدخان من خلال صوت واضح في الفيديوهات يرافقه اهتزاز. يشكل رد الفعل هذا موجة الضغط الناتجة عن الانفجار.
تسببت موجة الضغط، التي كانت أبطأ من سرعة الصوت البالغة 343 مترًا في الثانية، في دمار ورعب وارتباك وانتشار حطام الزجاج وتلف واجهات البنايات
ولكنها ليست موجة صدمية بل موجة ناتجة عن الضغط، وهذا الاختلاف الرئيسي يؤثر على عدد الضحايا المتوقعين. تنتقل موجة الضغط من نطاق صفر إلى أقصى مستوى في غضون صفر من الثانية. ويشبه تأثيرها الاصطدام بالأرض بعد التدحرج على جرف شديد الانحدار. أما قوة الموجة الصدمية فتشبه الاصطدام بالأرض بعد السقوط من الهواء وبلوغ السرعة القصوى. تولد المواد شديدة الانفجار موجات صدمية بينما تنتج المتفجرات البطيئة على غرار نترات الأمونيوم موجات ضغط لها شكل مميز، وهي تحدث في فترة زمنية يزداد الضغط خلالها بشكل تدريجي.
بسبب فيزيائها الرائعة والمعقدة، تنتقل الصدمات على نحو أسرع من سرعة الصوت، وتسبب ضررًا أكبر بكثير من موجات الضغط. ولحسن الحظ، نعلم أن هذا الانفجار لم ينتج عنه صدمة لأنه يمكن قياس سرعة الدخان الذي اتخذ شكل قبة بيضاء مليئة ببخار الماء.
تبلغ سرعة الصوت في الهواء 343 مترا في الثانية. واستنادًا إلى زاوية الرؤية ومشهد الأعمدة الحمراء المميزة المصورة في بعض الفيديوهات اللاحقة، تتبعت أحد مقاطع الفيديو في بيروت التي نشرتها صحيفة “الارديان” في فيديو صور على شرفة سطح حانة “لا ميزكاليريا”، وقمت بالقياس على بعد 885 مترًا من مركز الانفجار. من هذا المنطلق، يمكن رؤية موجة الضغط وهي تنتقل بدقة من مركز الانفجار أولاً إلى نقطة أخرى في منتصف الطريق بين نهاية الرصيف وحافة مبنى صومعة الحبوب الرمادية الطويلة الضخمة، على مسافة 151 مترًا، ثم إلى نهاية الرصيف على بعد 262 مترًا، ومن ثم في النهاية إلى حانة “لا ميزكاليريا”.
من خلال قياس وقت وصول موجة الضغط إلى هذه المناطق المحددة في الفيديو، يمكن أن نتبين أنه أثناء وصولها إلى الرصيف، حدث دوي بسرعة 312 مترًا فقط في الثانية. وهو نسق بطيء بالنسبة للقنبلة. وبعد ذلك، عند وصول الاصطدام الصوتي والدوي إلى خارج البار الهادئ والخلاب سابقًا، تباطأ إلى 289 مترًا في الثانية على الأكثر
تسببت موجة الضغط، التي كانت أبطأ من سرعة الصوت البالغة 343 مترًا في الثانية، في دمار ورعب وارتباك وانتشار حطام الزجاج وتلف واجهات البنايات، واختلال توازن الشهود العيان نتيجة تعرض آذانهم لتقلبات ضغط سريعة. في العادة، يمكن للموجة الصدمية أن تسببت في سقوط قتلى من صدمات الرئة أثناء مشاهدتهم للانفجار.
في انفجار هاليفاكس الذي وقع سنة 1917 نتيجة 6 ملايين رطل من المواد شديدة الانفجار، تسبب انتشار الموجة الصدمية عبر وسط المدينة في وقوع عدد كبير من القتلى رغم ابتعادهم 1.5 ميل من مركز الانفجار. وقد أسفر انفجار هاليفاكس عن مقتل حوالي 1950 شخصا وإصابة 8000 آخرين بجروح بالغة. (والسفن التي انفجرت في المرفأ كانت تحمل مواد شديدة الانفجار، والتي بطبيعتها تسبب دائمًا موجات صدمية).
في بيروت لحسن الحظ، بينما تم الإبلاغ عن أضرار في المباني على بعد 5.6 ميل، فإن نترات الأمونيوم منخفضة الانفجار ولّدت موجة ضغط بدلاً من موجة صدمية، إلا أن الوفيات لا تزال حتى الآن تقدر بالمئات، على الرغم من أن حجم الشحنة التي انفجرت أكبر من شحنة هاليفاكس.
بفضل التكنولوجيا الحديثة، يمكن احتساب حجم الشحنة بشكل علمي أيضًا عند عدم توفر جميع المعلومات حول الكارثة، وذلك باستخدام حجم الحفرة المنبثقة عن الانفجار. يُظهر تحليل الصور الجوية للرصيف حفرة يتراوح قطرها بين 120 و140 مترًا، وهنا تخبرنا فيزياء الانفجار أن نحت حفرة بهذا الحجم من جانب الكوكب يتطلب شحنة تعادل 1.7 إلى 5.4 مليون كيلوغرام من مادة تي إن تي (أي من 3.8 إلى 11.8 مليون رطل). كان تفجير مبنى موراه في أوكلاهوما سيتي سنة 1995 قد تطلب ما يعادل 1.8 ألف كيلوغرام من مادة التي إن تي. وهذا يعني أن انفجار بيروت لا يقل عن ألف ضعف من الانفجار الذي شهدته مدينة أوكلاهوما.
إن الأسلحة النووية مهيأة للانفجار على ارتفاع مئات الأقدام فوق مستوى الأرض، لذلك لا تمارس قوة كافية مباشرة على التربة لخلق حفرة. وقد حدث تفجير أول سلاح ذري فوق هيروشيما قبل 75 عامًا تقريبًا، وعلى الرغم من الصدمة غير المسبوقة تاريخياً للمدينة والسكان، إلا أنه لم يترك وراءه حفرة.
قد تكون الإصابات الناجمة عن مثل هذا الانفجار الهائل في موقع وسط المدينة متنوعة، ولكن من المحتمل أن يكون عدد منهم أصيب جراء الزجاج والمقذوفات الطائرة الأخرى
تدرك ألمانيا أيضًا القوة التدميرية لنترات الأمونيوم المخزنة بشكل غير صحيح في مرفأ بيروت، ويدعم وقوع حادث في ذلك البلد حساب حجم الشحنة. في سنة 1921، ترك انفجار الأسمدة في أوباو بألمانيا حفر حفرة مشابهة بشكل ملحوظ، بقطر 120 مترا. وبعد انفجار 4.1 مليون كيلوغرام من نترات الأمونيوم، فإن حجم فوهة أوباو يدعم فكرة أن رصيف بيروت، الذي قالت التقارير الأولية إنه لا يحتفظ إلا بـ 2.750 طن متري – 2.75 مليون كيلوغرام – من هذه المادة ربما فيه ملايين إضافية من الكيلوغرامات. وحتى باستخدام 2750 طن متري فقط، يقول العميل الخاص ووتيلاك إن حساباته الأولية تشير إلى أن الأشخاص الذين يكونون بأمان بحاجة إلى أن يكونوا على بعد 15 كيلومترًا على الأقل من رصيف بيروت.
ضمن هذا النطاق، قد تكون الإصابات الناجمة عن مثل هذا الانفجار الهائل في موقع وسط المدينة متنوعة، ولكن من المحتمل أن يكون عدد منهم أصيب جراء الزجاج والمقذوفات الطائرة الأخرى. ويمثل الزجاج المسطح والرقيق والحاد والمثبت في صفائح كبيرة الهدف المثالي لموجة انفجار ذات حجم ضئيل، وهو يحطم ويطير بسهولة أكبر من أي مادة أخرى.
في انفجار هاليفاكس، كان المواطنون خلال الحريق الذي تسبب في النهاية في الانفجار الرئيسي يقفون عند نوافذهم لرؤية المشهد عندما انفجار القنبلة. ونتيجة لذلك، وُصِفت إصابات جرحى ذلك الصباح من سنة 1917 بسبب اختراق الزجاج المتشقق لعيون المتفرجين بأنها “منتشرة بشكل غير عادي“. وعلى نحو مماثل، ساهم حادث بيروت وتصاعد عمود الدخان المنذر بحدوث انفجار في استقطاب الكثير من المتفرجين في بيروت. ودون ذلك الدخان الذي جذب هؤلاء الشهود، لكانت الإصابات أقل.
بعد الانفجار
وفقًا لطبيب قسم الطوارئ في مستشفى جامعة ديوك، دان باكلاند، أسفر انفجار هاليفاكس عن نفس سلسلة الأحداث التي لا تزال تحدث في غرف الطوارئ اليوم بعد حوادث الإصابة الجماعية. عالج باكلاند الضحايا في أعقاب انفجار تسرب غاز طبيعي في مقاطعة دورهام بولاية كارولينا الشمالية في سنة 2019، الذي على الرغم من أن حجمه كان أصغر بكثير، إلا أنه حدث في منطقة مكتظة بالسكان في وسط المدينة.
قال باكلاند إن الموجة الأولى من المصابين تضمنت الضحايا الذين كانوا على مقربة من قسم خدمات الطوارئ، والذين لم يحالفهم الحظ لتفادي الانفجار ولكنهم كانوا محظوظين بتواجدهم بالقرب من سيارة إسعاف. وبعد ذلك، اكتظت المستشفيات “بالجرحى السائرين“، الذين تستوجب إصابتهم الرعاية الطبية ولكنهم كانوا قادرين على التحرك.
صرّح باكلاند بأن ما يفسر تزايد عدد الناجين هو جلب الموجة الثالثة من الجرحى إلى المستشفى بمساعدة حشود الموجة الثانية. وتتكون الموجة الثالثة من الضحايا الذين كانوا قريبين من الانفجار، والذين يعانون من إصابات بالغة، حيث يقوم مسعفو الطوارئ بتمشيط المنطقة ويعطونهم الأولوية الطبية بعد ذلك.
بفضل العدسات التي رصدت الانفجار وتطبيق الفيزياء لفهم الانفجار، يمكننا منع أي تصعيد لنظريات المؤامرة أو سوء الفهم.
في أعقاب انفجار وقع في منطقة مدنية، لم يعد المسعفون بمثابة الأبطال الوحيدين. ففي السادس من كانون الأول/ ديسمبر من سنة 1917، بعد الساعة التاسعة صباحًا، في هاليفاكس، علم فنسنت كولمان، مأمور القطار البالغ من العمر 45 سنة، أن سحابة الدخان الثقيلة المنبعثة من السفينة المحملة بالمتفجرات في ميناء هاليفاكس كانت تُنذر بكارثة مروعة قادمة.
لكن بينما كان المأمورون الآخرون يركضون للنجاة بحياتهم، أدرك كولمان عدد ركاب القطار الذين من المقرر أن يصلوا إلى هاليفاكس في أي لحظة، لذلك بقي لفترة كافية سمحت له بإرسال برقية أخيرة واحدة: “أوقفوا القطار. هناك سفينة محملة بالمتفجرات تحترق على الرصيف السادس … وداعا أيها الأولاد”.
توفي كولمان خلال الانفجار الذي وقع في الساعة 9:05، لكن رسالته الأخيرة أنقذت الآلاف، ليس فقط ركاب القطارات التي تمكنت من التوقف قبل دخول منطقة الانفجار، وإنما المواطنين أيضًا الذي كانوا موجودين بالفعل في هاليفاكس: حيث وصلت البرقية إلى كل مشغل في المنطقة المحيطة، وبفضل سرعة بديهة كولمان، تمكنّ كل طبيب شعر بالأرض تهتز، على بعد 160 كيلومتر، من معرفة ما حدث بسرعة، والهرع للمساعدة.
عالج أفراد الطاقم الطبي أكبر عدد من الضحايا المصابين بأقصى سرعة ممكنة في الموجات الأولى والثانية وحتى الثالثة، حتى أن بعضهم أنشأ مراكز علاج مؤقتة في القطارات. ومن بيروت أيضًا، سوف تظهر تدريجياً قصص البطولة وسرعة البديهة، جنبًا إلى جنب مع إجمالي عدد القتلى.
لكن في غضون ذلك، بفضل العدسات التي رصدت الانفجار وتطبيق الفيزياء لفهم الانفجار، يمكننا منع أي تصعيد لنظريات المؤامرة أو سوء الفهم. بعبارة أخرى، لم يكن الانفجار قنبلة عسكرية، ومن المؤكد أنه لم يكن نوويا. ومن المؤسف أن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى: فالمتفجرات قاتلة، لذلك يجب ألا نستخف بقوتها المدمرة.
المصدر: وايرد