ترجمة وتحرير: نون بوست
علم موقع ميدل إيست آي، أن مشجعي نيوكاسل يونايتد ذوي الأصول العربية في بلدة ساوث شيلدز شمال شرق إنجلترا، والتي تقطن بها جالية يمنية ومسلمة عريقة، عبّروا عن سعادتهم البالغة بإلغاء صفقة الاستحواذ السعودي على ناديهم المفضل.
وقد أكد عدد من أبناء الجالية العربية والمسلمة في المملكة المتحدة لموقع ميدل إيست آي أن العرض “غير مقبول أخلاقياً” نظرًا لسجل المملكة العربية السعودية السيء في مجال حقوق الإنسان، وكان من الممكن أن يكون له “تأثير سلبي” على مسلمي تينيسايد.
في 30 تموز/ يوليو، سحب صندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي يرأسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عرضه البالغ 300 مليون جنيه إسترليني (أي ما يعادل 390 مليون دولار) للاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد.
كان صندوق الاستثمارات العامة قد انتظر أكثر من أربعة أشهر لاجتياز اختبار مالكي ومديري الدوري الإنجليزي الممتاز، لكن صبره نفد في نهاية المطاف بعد أن تعثرت عملية التدقيق بسبب القرصنة الإعلامية التي تُتهم بها المملكة والمخاوف بشأن انتهاك حقوق الإنسان.
وفقًا لعضو بارز في صندوق الاستثمارات العامة، فإن أحد أسباب فشل الصفقة هو مطالبة الدوري الإنجليزي لكرة القدم بأن تتولى الدولة السعودية إدارة النادي.
المشجعون اليمنيون في تناقض
كانت صفقة الاستحواذ موضوعا متداولا بقوة في ساوث شيلدز، وهي بلدة ساحلية تبعد أقل من 10 أميال عن وسط مدينة نيوكاسل. في حين أصيب العديد من المعجبين بخيبة أمل شديدة بسبب انهيار الصفقة، كان لآخرين مثل روبي باركين موقف مخالف.
يقول باركين وهو من أبناء الجيل الثالث للمهاجرين اليمنيين، لميدل إيست آي: “أنا سعيد حقا بانسحاب السعوديين. عندما تتولى إدارة مثل هذه الاستحواذ على النادي، فأنت تبرم صفقة مع الشيطان”.
وتابع: “لم أجد بتاتا أي شخص يؤيد هذه الصفقة. لم يدعمها أيٌّ ممن تحدثت إليهم، سواء من ذوي البشرة البيضاء أو اليمنيين أوغيرهم”.
يُذكر أن باركين مدرب كرة قدم يبلغ من العمر 33 عامًا، وهو أحد سكان بلدة ساوث شيلدز الذين ينحدرون من أصول يمنية.
في مطلع ستينيات القرن التاسع عشر، وصل عدد من اليمنيين لأول مرة إلى ساوث شيلدز، وعملوا بشكل أساسي كبحارة على متن السفن التجارية البريطانية. تزوج معظمهم من نساء بريطانيات واندمجوا في ثقافة تينيسايد، مما أدى إلى تكوين أحد أوائل الجاليات العربية والإسلامية المستقرة في المملكة المتحدة.
وفقًا لموقع “المشروع اليمني، يوجد في الوقت الراهن ما يصل إلى ستة أجيال من اليمنيين جنوب شيلدز، والعديد منهم لم يعد لديهم أسماء أو سمات عربية.
في هذا السياق، يقول باركين لموقع ميدل إيست آي أنه “على الرغم من عدم زيارته لليمن أبدًا، فقد كانت لديه مخاوف كبيرة من استحواذ السعودية على نادي كرة القدم الذي يشجعه منذ طفولته، بسبب تدخلها العسكري في بلده الأم”.
وأضاف أنه “طوال المفاوضات، لم يُذكر أي شيء عن التدخل السعودي المباشر في اليمن”.
وفقًا لـ”مشروع بيانات اليمن”، نفّذ التحالف الذي تقوده السعودية أكثر من 20 ألف هجوم جوي منذ بدء الحرب الأهلية اليمنية في شهر آذار/ مارس 2015، واستهدفت ثلث تلك الهجمات مواقع غير عسكرية مثل المدارس والمستشفيات.
أحد أسباب فشل الصفقة هو مطالبة الدوري الإنجليزي لكرة القدم بأن تتولى الدولة السعودية إدارة النادي.
يقول باركين “لا أستطيع أن أشجع ناديا يملكه أشخاص يقتلون أهلي ويحرمونني من التحدث إليهم مرة أخرى. في تلك الحالة سأذهب لمشاهدة مباريات نادي سندرلاند”.
كان موقع ميدل إيست آي على اتصال مع يمنيين آخرين من ساوث شيلدز عبّروا عن مخاوف مماثلة من صفقة الاستحواذ، لكنهم رفضوا التحدث علنًا بسبب خوفهم من ردود الأفعال العنيفة من المشجعين المحليين.
مسلمو ساوث شيلدز متخوفون من الصفقة
رحب كيث حسين، وهو ينحدر من أصول مصرية ويعيش في ساوث شيلدز، بالانسحاب السعودي من الصفقة قائلا: “أنا سعيد حقًا. يملك هذا النادي تاريخا عريقا.. لكن المملكة العربية السعودية كانت تحاول استخدام نيوكاسل لإنقاذ سمعتها كدولة منبوذة جراء انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي ترتكبها”.
ذكر حسين كيف خدم والده المصري، الذي يُدعى فهمي الراوي، في البحرية التجارية البريطانية في شمال المحيط الأطلسي خلال الحرب العالمية الثانية. إثر غرق سفينته سنة 1941، قضى الراوي عدة سنوات في معسكر ألماني يضم أسرى الحرب. ثم بمجرد إطلاق سراحه سنة 1945، استقر في ساوث شيلدز، حيث تزوج من امرأة من سكان المنطقة.
قال حسين إن “الخدمة ضمن البحرية التجارية هي السبب الرئيسي الذي جعل الكثير من المسلمين الذين ينحدرون من الشرق الأوسط يستقرون في ساوث شيلدز”.
ويُعتقد أن مسجد الأزهر، وهو مركز العبادة الرئيسي للمسلمين في المدينة، أول مسجد يُشيّد في المملكة المتحدة. اشتهر المسجد عندما زاره محمد علي كلاي سنة 1977، وقد تزوج فيه من فيرونيكا بورشه علي.
تجمع حشود من الناس لرؤية أسطورة الملاكمة محمد علي خلال زيارته لساوث شيلدز في سنة 1977
روى حسين مقابلته القصيرة مع أسطورة الملاكمة قائلا: “لقد تمكنت من مصافحة محمد علي. كان عمري حوالي 10 سنوات آنذاك. تسللت بين الحشود لأبلغ الصف الأول حتى أتمكن من رؤيته فور خروجه من المسجد”.
أضاف حسين الذي يبلغ من العمر 54 سنة، والذي أصبح اليوم باحثا وأستاذا محاضرا، أن العديد من مسلمي المدينة عارضوا محاولة السعودية للاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد، وقال في هذا السياق: “لقد تحدثت إلى أصدقاء من الجالية المسلمة واليمنية، وقد عبروا عن خوفهم من فكرة استحواذا الصندوق السعودي على نيوكاسل. أنا على يقين بأن الأمر سينعكس سلبا على مسلمي تينيسايد”.
وتابع: “إنه أمر غير مقبول أخلاقيا. ماذا عن انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، من قمع للمواطنين، واغتيال للمعارضين والصحفيين، وحرب في اليمن لا يعلم عنها الكثيرون هنا. إن هذا الاستحواذ سيحدث فُرقة بين جماهير نيوكاسل، علما وأن تينيسايد تتباهى بعلاقاتها الطيبة مع مختلف الجاليات المسلمة، ولكنني أعتقد أن هذا الأمر كان سيكون له تأثير سلبي بالفعل”.
انتقادات لرابطة الدوري
على الرغم من ترحيب بعض الجماهير بإحباط مساعي صفقة الاستحواذ السعودي على نيوكاسل، إلا أن كثيرين منهم شعروا بالغضب والخيبة عندما علموا بهذا الخبر. في هذا الشأن، تقول ميشيل جورج، إحدى مشجعات نيوكاسل، لقناة “بي بي سي”: “إننا كمشجعين نشعر بالحزن، يبدو الأمر سيئا، لقد عانينا طيلة 13 سنة من قيادة مايك أشلي (مالك النادي الحالي) بسبب قلة الاهتمام وعدم الاستثمار في النادي”.
بعد إعلان القرار، تصدرت وسوم مثل “#الدوري_الممتاز_فاسد” و”#نريد_السعوديين” صفحات “تويتر” في المملكة المتحدة، حيث عبّر المشجعون عن غضبهم من إلغاء الصفقة، وقدموا عريضة تدعو حكومة المملكة المتحدة لفتح تحقيق مستقل ضمت أكثر من 100 ألف توقيع.
من جهته، استجاب رئيس الوزراء بوريس جونسون لتلك النداءات يوم الأحد، وطلب من رابطة الدوري إصدار بيان حول سبب انسحاب السعوديين من الصفقة واستغراق العملية كل ذلك الوقت.
بالإضافة إلى ذلك، شكّل أكثر من 6 آلاف من مشجعي نيوكاسل يونايتد مجموعة ضغط لحث ممثليهم في البرلمان على أن يضغطوا على رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز. وكان من بينهم إيما ليويل بوك، وهي عضوة في البرلمان عن ساوث شيلدز، وقد طالبت بتقديم توضيحات والتحلي بالمزيد من الشفافية.
وكانت باك قد عبّرت سابقا عن موقفها المناهض للحرب الأهلية في اليمن، والدور الذي تلعبه المملكة المتحدة من خلال بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، لكن موقفها من صفقة الاستحواذ لم يكن واضحا.
سأل موقع “ميدل إيست آي” ليويل باك عن الرسالة التي تريد أن توصلها إلى الناخبين اليمنيين والمسلمين الذين عارضوا الصفقة السعودية، لكنها لم تدل بأي تصريح.
المصدر: ميدل إيست آي