أضافت النساء بصماتهن إلى مجال الطب وعرفت الحضارة الإسلامية مسلمات برعن في علاج الجرحى أو ما عُرف لاحقًا بطب الحروب، بالإضافة إلى تفوق البعض في الأمراض التي تصيب النساء واشتهرت بعضهن بتركيب الأدوية وغيرها من التخصصات.
لمعت أسماء البعض مثل رفيدة الأسلمية التي اعتبرت خيمتها فيما بعد أول مستشفى ميداني في التاريخ الإسلامي، والربيع بنت معوذ التي عُرفت كجراحة حروب وأم عطية التي كانت تعالج أمراض العيون وزينب طبيبة بني أود التي ذاع صيتها بين العرب وقصدها الناس وابنة شهاب الدين الصائغ التي تولت مشيخة الطب، حيث كانت تعمل في دار الشفاء المنصوري (أكبر مستشفى في مصر خلال حقبة المماليك).
اليوم حكايتنا عن طبيبة أحبت اختصاصها، فكرست له حياتها ونبغت فيه، طبيبة الأطفال السورية، الاستشارية نادية سقطي، أحد رواد علم أمراض الوراثة ومكتشفة لثلاث متلازمات نادرة.
نادية محمد عوني سقطي من مواليد دمشق 1938، نشأت في أسرة تشجع على محبة العلم والسعي له، تلقت تعليمها في مدارس دمشق لتلتحق بعدها بكلية الطب جامعة دمشق وتتخرج فيها عام 1965.
انتقلت بعدها للعمل في مستشفى الجامعة الأمريكية ببيروت، ثم بعدها إلى ميامي لتكمل تخصصها في طب الأطفال من جامعة جاكسون.
عام 1969 حصلت الدكتورة نادية على زمالة في تخصص الغدد والوراثة من جامعة سان دييغو كاليفورنيا، لتبدأ من هذا المنطلق الأكاديمي رحلة اكتشافاتها التي أدخلتها التاريخ.
حملتها الصدفة إلى المملكة العربية السعودية عام 1978 لتعمل في مستشفى الملك فيصل التخصصي، لترأس بعد ذلك قسم طب الأطفال ورئاسة قسم طب الوراثة.
خلال وجودها في السعودية أدت الدكتورة نادية دورًا مهمًا في تخصص علم الوراثة والأمراض الوراثية التي تصيب العرب من خلال تأسيسها أول عيادة وراثة في الشرق الأوسط.
متلازمات نادرة
دقة الملاحظة وربط الأعراض ببعضها (التي قد تبدو عرضية للبعض) هي ما امتلكته الدكتورة سقطي في عملها وسخرته لاكتشاف إحدى أندر المتلازمات التي تحدث في الأطفال بسبب اعتلال جيني، حيث لاحظت وجود تشوهات في العظام والجمجمة مصاحبة لمشاكل في القلب.
عام 1971 استطاعت الدكتورة نادية سقطي مع زميليها في جامعة سان دييغو وصف متلازمة نادرة في الأطفال لأول مرة في العالم، اسمتها متلازمة سقطي-نيهان- تيسدال Sakati–Nyhan–Tisdale syndrome، تيمنًا باسم عائلتها.
عام 1983 استطاعت الدكتورة سقطي للمرة الثانية أن تسخر النباهة التي تمتلكها لتطوير العلم باكتشافها متلازمة نادرة أخرى (تظهر في شكل مجموعة أعراض منها التخلف العقلي وقصور الغدة الدرقية والتناسلية وفقدان السمع والإصابة بالسكر والصلع) أُطلق عليها اسم متلازمة وودهاوس-سقطي Woodhouse–Sakati syndrome.
بعد سنوات خمس، وخلال عملها في المملكة العربية السعودية استطاعت الدكتورة نادية ملاحظة عدد من الأطفال الذين يعانون من ثلاثية أعراض (الإعاقة الذهنية وتأخر النمو وقصور الغدة الجار درقية) التي لوحظت في أطفال السعودية والكويت وعمان وغيرها من دول الشرق الأوسط وبذلك عرفت متلازمة الشرق الأوسط أو متلازمة سانجاد-سقطي Sanjad-Sakati syndrome SSS، وبعد التقصي عن هذه الحالات والبحث تم التوصل إلى سبب حدوثها الذي يعود إلى خلل جيني في الكروموسوم رقم 1.
مؤلفات وأبحاث
لم تكتف الدكتورة نادية بالاكتشافات التي توصلت إليها، بل أجرت العديد من الأبحاث الرصينة عن الأمراض الوراثية التي تصيب الأطفال، كما نشرت كتابًا بعنوان Genetic & malformation syndromes in clinical medicine بالتعاون مع زميلها ويليام نيهان الذي نشر عام 1976.
تبعه مؤلفها الثاني بعنوان diagnostic recognition of genetic disease أيضًا بمشاركة زميلها ويليام نيهان الذي نشر عام 1987.
بعد أكثر من نصف قرن من العطاء، ما زالت الدكتورة نادية تقدم الدعم والمشورة للباحثين والأطباء ولا تبخل بوقت أو جهد لرفد الإنسانية بعلمها.