للحد من مظاهر العنف الأسري وحماية العائلات ووقاية المرأة من الأفعال التي تشكل عنفًا تستوجب السعي لتجريمه وملاحقة مرتكبيه، أرسلت رئاسة الجمهورية عام 2019 إلى مجلس النواب مشروع قانون مناهضة العنف الأسري الذي تضمن بنودًا ترى الحكومة أنها تشكل رادعًا لاستخدام العنف.
لقد ساعدت عوامل شتى على تفاقم حالات العنف، وفي مقدمتها الفوضى التي تعيشها البلاد وعدم الاستقرار الأمني وتفشي الفقر وانتشار الجهل، ما دفع منظمات المجتمع المدني والنخب الثقافية للضغط على الحكومة والبرلمان من أجل تشريع قانون يحمي الأسرة من حالات العنف المتزايدة.
نسلط في هذا التقرير الضوء على جدوى قانون مناهضة العنف الأسري وأهم بنوده والأطراف المؤيدة والمعارضة له ومصيره من الإقرار أو الرفض في البرلمان العراقي.
يشكل العنف الأسري والعنف ضد المرأة على وجه الخصوص، ظاهرة خطيرة تعددت أساليبها وألوانها، من القتل والخنق والحرق والتعذيب، وغير ذلك من حالات لم يشهدها العراق سابقًا، ووصلت معدلات العنف إلى أرقام مخيفة للغاية، وتوزعت جرائم العنف الأسري بمختلف مناطق العراق وعلت أصوات عديدة من التيار المدني والمنظمات المحلية والدولية، لتشريع قانون يحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي تزعزع أمن واستقرار الأسر العراقية، وهو ما دفع الحكومة لإقرار قانون مناهضة العنف الأسري وإرساله إلى مجلس النواب.
وزارة الداخلية العراقية تؤكد تزايد حالات العنف الأسري
بسبب انتشار هذه الظاهرة لم تتمكن الأجهزة الأمنية من إخفائها، وأكدت وزارة الداخلية العراقية في يوليو/تموز الماضي، أن أكثر من 1300 قضية عنف أسري سجلتها الوزارة خلال الستة أشهر الماضية فقط، وأن الشكاوى التي سجلت في بغداد والمحافظات شملت 611 قضية عنف أسري و367 أمرًا بإلقاء القبض.
وسجلت الوزارة 3637 حالة اعتداء من الزوج على الزوجة و453 حالة اعتداء من الزوجة على الزوج و402 حالة اعتداء بين الأخوة والأخوات و183 حالة اعتداء من الآباء على الأبناء و617 حالة اعتداء من الأبناء على الآباء، فيما أسفرت نتائج قضايا العنف الأسري خلال الأشهر الست الماضية أيضًا عن 43 محكومًا و345 مفرجًا عنهم، ولا يزال 374 شخصًا متهمًا رهن التحقيق بقضايا العنف الأسري.
قد تكون أعداد حالات العنف الأسري أكبر بكثير من الإحصاءات الرسمية، بسبب التفكك المجتمعي وغياب القانون وحيازة الأسلحة غير المرخص بها بشكل واسع، وتحدث جرائم العنف في غالب الأحيان لأسباب تافهة يعززها الافتقار إلى الوعي والأمراض النفسية والسلطة الذكورية.
أكثر من 1300 قضية عنف أسري سجلتها الوزارة خلال الستة أشهر الماضية فقط، والشكاوى التي سجلت في بغداد والمحافظات شملت 611 قضية عنف أسري
وتعد المادة 8 من القانون التي أجازت تحريك الشكوى لكل من علم بوقوع عنف أسري من المواد الخلافية، لأنها بنظر البعض، تفتح باب البلاغات على مصراعيها لأسباب صحيحة وغير صحيحة، وربما لمجرد خلافات.
نماذج من حالات العنف الأسري
ليس ثمة حدود للأشكال والأساليب التي تستخدم في مجال العنف الأسري، وهذه الأساليب لا تعكس انعدام الرحمة بين العائلات وحسب، بل تّذكر بطرق القتل المتعددة التي مارستها الجماعات المسلحة في المدن العراقية ومدى تأثر بعض الأفراد بها.
رصدنا بهذا الخصوص بعض نماذج العنف والأسري وأساليبه، ونورد هنا بعض النماذج ومنها قتل زوج في إحدى المدن العراقية لزوجته بعد أن أمرها بإطعام طيوره، ورفضت الزوجة تنفيذ أمره بسبب خوفها من الكلب المربوط إلى جانب الطيور، فقتلها أولًا ثم أحرق جثتها في المنزل.
وأحرق زوج آخر زوجته بمساعدة أمه، لأنها رفضت الامتثال لأمره في عدم زيارة أهلها، وفي 6 من يونيو/حزيران الماضي أقدمت امرأة على حرق زوجة ابنها فوق سطح المنزل إثر خلاف عائلي.
وبسبب الغيرة ارتكبت أم عراقية بمدينة الكوت في 12 من يوليو/تموز الماضي جريمة شنعاء برمي طفليها البالغين خمسة أشهر في خزان الماء لأن والدهما يحبهما أكثر منها.
وفي حادثة لا تقل بشاعة عن سابقاتها أقدم أب على حرق أبنائه الأربع بمادة البنزين بسبب خلاف مع زوجته، ولم تكن هذه إلا عينات من آلاف حالات العنف الأسري التي تنفذ في العراق بشكل غير مسبوق.
مفوضية حقوق الإنسان تطالب بالإسراع بإقرار القانون
بالنظر لتزايد حالات العنف الأسري وتطورها بشكل لافت، دعت مفوضية حقوق الإنسان، الأسبوع الماضي، مجلس النواب، إلى الإسراع بإقرار قانون العنف الأسري، مؤكدة أن “الأعوام الأخيرة شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في حالات العنف الأسري تنوعت بين الخنق والحرق والضرب المبرح، وهناك تزايد في حالات العنف الأسري بسبب جائحة كورونا راح ضحيتها العديد من النساء والأطفال”.
وأوضحت أن “إقرار مشروع القانون من مجلس الوزراء يعد خطوة مهمة للحد من الانتهاكات التي توجه ضد الأسرة”، كما بينت المفوضية عزوف المعنفين عن تقديم بلاغات بسبب عدم وجود حماية، ما يدعو البرلمان للإسراع في تشريع القانون، ومطالبة الحكومة ومجلس القضاء باتخاذ إجراءات لمعاقبة الأشخاص الذين يقومون بانتهاج العنف الأسري حفاظًا على كيان الأسرة وحمايتها”.
فيما حثت أيضًا هيئة الأمم المتحدة للمرأة في العراق، في الـ16 من أبريل/نيسان الماضي، البرلمان العراقي على الإسراع بإقرار القانون.
بنود مشروع القانون والخلافات بشأنه
يتكون قانون مناهضة العنف الأسري من 21 بندًا ويتضمن أحكامًا جزائية، وتعد المادة 8 من القانون التي أجازت تحريك الشكوى لكل من علم بوقوع عنف أسري من المواد الخلافية، لأنها بنظر البعض، تفتح باب البلاغات على مصراعيها لأسباب صحيحة وغير صحيحة، وربما لمجرد خلافات، خصوصًا أن القانون أجاز البلاغ مع الحفاظ على سرية المبلغ.
تضمنت الأحكام الجزائية عقوبة غرامة لا تقل عن 3 ملايين دينار ولا تزيد على 5 ملايين دينار، إذا ارتكبت الجريمة من الفروع على الأصول
فيما منعت المادة 11 من يخشى منه ارتكاب العنف الأسري دخول الدار مدة 48 ساعة قابلة للتجديد، لحماية طالب الحماية، أما المادة 12 فقد جعلت أمر الحماية من العنف مدة تصل إلى 180 يومًا، وتدخل الشرطة إلى البيت المشمول بالحماية.
ويرى البعض في هذه المادة عدم مراعاة التقاليد، وأنها تزيد من حالات الطلاق والعقوق وجرائم الأسرة، وأجازت المادة 14 لمدير دار الإيواء الاستعانة بالشيوخ والأقارب والوجهاء ومختصين بعلم النفس والاجتماع لحل المشكلة.
أما بالنسبة للأحكام الجزائية فقد نصت المادة 21 على معاقبة من يخرق القانون بعقوبات تمثلت بدفع غرامة لا تقل عن خمسمئة ألف دينار ولا تزيد على مليون دينار، وفي حالة عدم الدفع تكون العقوبة الحبس البسيط مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على 6 أشهر.
كما تضمنت الأحكام الجزائية عقوبة غرامة لا تقل عن 3 ملايين دينار ولا تزيد على 5 ملايين دينار، إذا ارتكبت الجريمة من الفروع على الأصول، أو إذا كان الضحية صغيرًا أو حدثًا أو كبير السن أو من ذوي الإعاقة.
وفي حالة عدم الدفع يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر ولا تزيد على سنة واحدة، ونصت المادة 22 بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر ولا تزيد على سنة واحدة للموظف الذي حاول إكراه الضحية بعدم تقديم الشكوى أو أهمل تسجيلها.
فيما نصت المادة 25 على عدم العمل بأي نص يتعارض مع أحكام هذا القانون، في حين أشارت المادة 26 أن يصدر مجلس الوزراء الأنظمة والتعليمات لتسهيل تنفيذ أحكام هذا القانون خلال ثلاثة أشهر.
يحتدم الصراع بشأن مشروع القانون بين التيار المدني والإسلامي داخل البرلمان وخارجه، إذ يرى المدنيون أن القانون يشكل ركيزة مهمة لاستقرار الأسرة وحمايتها من العنف، بينما يرى إسلاميون معارضة القانون لثوابت الإسلام، بسبب مضامينه التي تسلب حق تربية الوالدين لأولادهما، وأن القانون يجعل كل خلاف عائلي موردًا للمحاكم، ما يزيد الصراعات الأسرية.
وبرأي الإسلاميين أيضًا، يساوي القانون بين الأفعال الإجرامية ومسؤولية الوالدين عن تربية الأولاد وحمايتهم من الوقوع بممارسات شاذة أو اعتناق فكر عدواني يهدد استقرار المجتمع، كما سجل الإسلاميون اعتراضهم على إيداع الفتيات في مراكز إيواء، حال حصول خلاف عائلي.
قانون العنف الأسري الذي تأجل التصويت عليه بسبب الخلافات وعدم انتظام جلسات البرلمان جراء جائحة كورونا لا تكمن صعوبته في إقراره وحسب، بل بتطبيقه في مجتمع يتنوع بين المدينة والريف والصحراء وتنتشر فيه العشائرية والأعراف.