ترجمة وتحرير نون بوست
عرف محمد مرسي منذ “اليوم الأول” أنه لن يُسمح له بإكمال فترة ولايته كرئيس، وأن ثمن كونه أول زعيم منتخب ديمقراطيا في مصر قد يكون حياته، وذلك حسب قول أرملته وابنه لموقع ميدل إيست آي.
وفي أول مقابلة صحفية مطولة، قالت الأرملة نجلاء محمود وابنها أحمد إن مرسي حذر عائلته خلال فترة رئاسته بين سنتي 2012 و2013 من أن الغرب لن يسمح للإسلاميين بحكم مصر.
يُذكر أن مرسي، مرشح الإخوان المسلمين، فاز بأول انتخابات رئاسية حرة في مصر في سنة 2012 بعد الإطاحة بالرئيس المستبد الذي حكم مصر لفترة طويلة، حسني مبارك، في 2011. لكن القوى السياسية داخل مصر وخارجها كانت حذرة من الإخوان والإسلام السياسي.
وقالت محمود لموقع ميدل إيست آي في رسالة بالبريد الإلكتروني: “على الرغم من أن المشروع الإسلامي منفتح ومتحضر وقيِّم ويدافع عن التعايش السلمي، إلا أنه كان يعلم أن دول المنطقة ستعيق تقدمه وأنه سيُقتل ولن تقبله مؤسسات مبارك ولا الدولة العميقة ومسؤولوها الفاسدون. كان مرسي صادقا، وكان يؤمن بمشروع إسلامي حر وديمقراطي ومدني”.
على الرغم من ذلك، أوضحت محمود أن مرسي “حاول الاعتماد على إرادة الشعب وتطلعات الجماهير. بالنسبة لي، لم أكن أتوقع حدوث ذلك، لكنني كنت أصدق ما قاله لأن توقعات الرئيس كانت دائما صحيحة. ومع ذلك، كنت مستعدة”.
نجلاء محمود، زوجة مرسي، في إحدى التجمعات الانتخابية لزوجها في القاهرة سنة 2012.
من جهته، قال نجلها الأصغر أحمد إن الأسرة مقتنعة بأن والده وشقيقه الأكبر قُتلا على يد حكومة عبد الفتاح السيسي، وزير دفاع مرسي، والذي تولى السلطة في انقلاب عسكري سنة 2013 وهو الآن رئيس البلاد.
في الواقع، قُبض على مرسي ومئات من أعضاء وقادة الإخوان المسلمين بعد عزله. وتوفي مرسي بنوبة قلبية تعرض لها خلال إحدى جلسات المحاكمة في حزيران/ يونيو 2019.
وقال خبراء الأمم المتحدة إن الظروف التي اعتُقل فيها يمكن أن ترقى إلى مستوى جريمة القتل بموافقة الدولة.
وأوضح أحمد لموقع ميدل إيست آي أن والده اشتكى مرارا وتكرارا من الخطر الذي يهدد حياته أثناء جلسات المحاكمة، لكن لم يستجب أحد لنداءاته وتدهورت صحته. وكتب أحمد أن “موته ليس طبيعيا بالتأكيد، وقد طالبنا بفتح تحقيق يكشف ملابسات ما حدث. ما زلنا نؤكد أن الوضع يحتاج إلى الشفافية ومعرفة الحقيقة”.
الأب والابن
قام الأخ الأصغر لأحمد، عبد الله، بحملة من أجل إطلاق تحقيق دولي بشأن ظروف وفاة والده، قبل أن يُقتل هو الآخر في ظروف غامضة.
وقال أحمد إن شقيقه الشاب البالغ من العمر 25 سنة لم يكن يعاني من أي مرض قبل وفاته التي أكد السلطات أنها حدثت بسبب نوبة قلبية. وأضاف أحمد قائلا: “لم يكن يعاني من أي مرض مزمن. لا نعرف الأسباب الحقيقية لوفاة عبد الله، لكن ما نعرفه أن وفاته كانت غامضة، حيث مات خارج المنزل بعد الإنتهاء من الصلاة وفي سيارته، ونقل إلى مستشفى بعيد عن المكان”. كما أكد أحمد وجود شخصين غريبين في المكان الذي تدهورت فيه حالة عبد الله الصحية.
توفي عبد الله مرسي في ظروف غامضة بعد وقت قصير من وفاة والده.
وأكد أحمد أنه “كان هناك رجل وامرأة لم يكن عبد الله يعرفهما في مكان الحادث. لقد قاما بنقله إلى المستشفى في جو من الانفعال والغموض، مما زاد الشبهات، وهذا ما أثبتته الجهات الأمنية نفسها. لم تكن وفاة عبد الله طبيعية، وهي أيضا بحاجة إلى فتح تحقيق”.
يقول يحيى حامد، الوزير السابق في عهد مرسي والذي يعيش الآن في المنفى، إنه كان على اتصال وثيق مع عبد الله قبل وفاته.
وكان حامد قد أكد في بيان بعد صدور تقرير خبراء الأمم المتحدة بشأن وفاة مرسي: “توفي عبد الله بعد وقت قصير من تقديمه أدلة حاسمة بشأن وفاة والده للأمم المتحدة بشكل سري. كنت على اتصال وثيق مع عبد الله مرسي وأنا مقتنع بأن عمله الشجاع مع الأمم المتحدة هو الذي أدى إلى وفاته”.
وُضعت قيود صارمة على جنازة الأب والابن، حيث تم حظر أي مراسم ودُفن مرسي وابنه ليلا. أضاف أحمد قائلا: “لقد منعوا الصلاة في المسجد، وخلافا لإرادة الرئيس مرسي، لم يدفنوه في مسقط رأسه. والأمر ذاته حدث مع عبد الله”.
وقع القبض على شقيق أحمد الأكبر، أسامة، في 16 كانون الأول/ ديسمبر سنة 2016 بتهمة التخطيط لتنظيم احتجاجات، الأمر الذي وصفه الفريق القانوني لأسرته بأنها تهم ملفقة.
وقال أحمد إن السبب الوحيد لاعتقال شقيقه هو أنه كان نجل الرئيس ومحاميه. ولم يتمكن أحمد ولا بقية أفراد عائلة مرسي من زيارته، حيث قال: ” مُنعت الزيارات منذ سنوات، وهو يعيش في ظروف قاسية للغاية”.
حذر الفريق القانوني لعائلة مرسي من أن أسامة يواجه خطر التسميم في السجن. وقالت منظمة غرف العدل الدولية “غرنيكا 37 “، إن أسامة يواجه “خطرًا حقيقيًا بالتعرض للتسميم في السجن”، مضيفة أنه “يتعرض لنفس المخاطر التي تعرض لها والده الراحل”.
أسامة مرسي يحضر محاكمة أبيه في 2015.
يوم الخميس، عشية الذكرى السابعة لمذبحة رابعة التي قتلت خلالها قوات الأمن المصرية ما لا يقل عن 1150 متظاهرا مناهضا للانقلاب، تسربت أنباء عن وفاة غامضة لقيادي آخر في جماعة الإخوان المسلمين في السجن.
توفي عصام العريان القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين في مصر وعضو البرلمان السابق في سجن طرة بالقاهرة. احتُجز العريان لمدة سبع سنوات في حبس انفرادي بسجن العقرب شديد الحراسة وسيء السمعة.
في شهادة موثقة بمقطع فيديو في كانون الثاني / يناير سنة 2018، أخبر العريان قاض في قاعة المحكمة أنه أصيب بالتهاب الكبد الفيروسي أثناء فترة احتجازه، وأن طلباته المتكررة بنقله إلى مستشفى متخصص قوبلت بالرفض.
وضع مأساوي
تعيش عائلة مرسي وضعا مأساويا، ويقول أحمد إن الأسرة تدفع ثمن صلتها بالرئيس المعزول.
يضيف أحمد: “كل شيء ممنوع على الأسرة، بما في ذلك السفر. نحن مدرجون في قوائم منع السفر فقط لأننا أبناء مرسي، على الرغم من أننا لم نشترك في أي عمل سياسي أو اقتصادي ولم ننخرط في أي نشاط حزبي ولم نشتغل بأي وظائف في البلاد”. ويواصل قائلًا: “لكن السلطات تنتقم منا لأننا أبناء أول رئيس مدني منتخب. نحن نُعاقب لأننا أبناء مرسي، وهذا شرف لنا”.
وتقول نجلاء محمود التي ترفض لقب السيدة الأولى، إن عائلتها عاشت “حياة بسيطة” في شقة مستأجرة في التجمع الخامس بالقاهرة عندما كان زوجها رئيسًا.
وتضيف أرملة مرسي: “رفض الرئيس أي امتيازات رئاسية لأنه أراد أن نعيش مثل بقية المواطنين. لاحظنا محاولات التآمر ضده وشهدنا الأكاذيب وحملات التشهير في وسائل الإعلام. لكن الرئيس كشف كذبهم وأثبت نزاهته للعالم بأسره. لقد عشنا حياة بسيطة بعيدًا عن وسائل الإعلام والاحتفالات الفاخرة. لم يكن الرئيس يريدنا أن نظهر في الصورة معه، حيث حاول ترسيخ صورة الرئيس الذي يعمل كموظف لدى الشعب”.
يتناقض تواضع مرسي وتفانيه في تأديه واجبه مع ما نعرفه الآن عن السيسي وزوجته وعائلته.
يقول المقاول والمليونير المصري محمد علي، الذي عُرف في الفترة الماضية بكشفه عن الفساد في مصر، أنه عندما كانت الاشتباكات على أشدها بين أنصار مرسي ومعارضيه حول قصر الاتحادية في كانون الأول / ديسمبر 2012، كان السيسي وعائلته يتجولون في قصرهم الجديد الذي تبلغ تكلفته عدة ملايين من الدولارات في حي الحلمية بالقاهرة.
وكان محمد علي قد علّق على تلك الأحداث في تصريح لميدل إيست آي قائلًا: “كان الناس يموتون في الاتحادية. لم يكن هناك وقود أو طعام، ومع ذلك استمرت جولة السيسي في قصره”.
عندما أصبح السيسي وزيرا للدفاع، رفضت زوجته انتصار الانتقال إلى المنزل الذي كان يعيش فيه المشير عبد الحكيم عامر الذي قاد الجيش المصري في حرب 1967.
وقال محمد علي في مقابلة بتاريخ تشرين الأول / أكتوبر: “لذلك أمر السيسي بهدم المنزل وبناء منزل جديد مكانه”.
كل بضعة أيام، كان السيسي يأتي ليلقي نظرة على المنزل، بما فيها ذلك المساء من كانون الأول / ديسمبر الذي اندلعت فيه أحداث الاتحادية.
يواصل علي قائلًا: “أدركت كم كان تافهًا. كان البلد يحترق وكان الناس يقتلون بعضهم البعض في الشوارع، لكنه كان مهتمًا جدًا بالمنزل وبركة السباحة وغرف الجناح الرئيسي وغرف الأطفال”.
أوضحت محمود أن مرسي كان يدرك جيدًا الخطر الذي يشكله وزير دفاعه وخصومه، “لكنه لم يفكر في نفسه حتى عندما تم اعتقاله خلال ثورة 25 كانون الثاني / يناير”.
تقول أرملة مرسي: “كان صامداً وقوياً، وعلم أن طريق النضال يقتضي تضحيات كبيرة، وليس حياة رفاهية ومناصب مميزة في الدولة. كما علم أنه سيكافح من أجل إصلاح وطنه الذي كان خاضعا لسيطرة الفساد والديكتاتورية”.
قبل شهر من مذبحة رابعة، أكد مرسي للشعب المصري أنه قد يضحي بنفسه لحماية ثورة 2011. وقال في خطاب عشية الانقلاب “سأدفع حياتي ثمن حماية الشرعية”. وأضاف: “إذا كان الحفاظ على الشرعية ثمنه دمي فأنا مستعد أن أبذل ذلك رخيصا”.
الموقع: ميدل إيست آي