شكل رفض مجلس الأمن الدولي لمشروع القرار الأمريكي الخاص بتمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران، الذي تم الاتفاق عليه بموجب القرار رقم 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وجاء بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى عام 2015، أحد أبرز التطورات التي شهدتها مسارات التعاطي الدولي مع الملف النووي الإيراني، خصوصًا بالإطار المتعلق بالموقف الأمريكي والتباين الحاصل بينه وبين الحلفاء الأوروبيين وتحديدًا فرنسا والمملكة المتحدة، اللتين صوتتا ضد مشروع القرار، فيما اكتفت كل من الصين وروسيا بالامتناع عن التصويت.
شكل القرار رقم 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2015، الخاص بحظر استيراد الأسلحة من إيران بموجب الاتفاق النووي، حالة معقدة لم يستطع جميع المتعاقدين التعاطي معها، خصوصًا بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو 2018، ففي مقابل تأييده للاتفاق النووي، قدم حوافز اقتصادية لإيران، مقابل التزامها بعدم استيراد الأسلحة، وترى الولايات المتحدة أن إيران لم تلتزم بجوهر هذا القرار، وبدلًا من ذلك طورت برامج صواريخها الباليستية ودعمت حلفاءها في المنطقة بمختلف أنواع الأسلحة والصواريخ، وهو ما تنفيه طهران بالمقابل.
الأكثر من ذلك، تكمن الإشكالية الأخرى في القرار رقم 2231، أنه أعطى الحق لأي طرف من أطراف الاتفاق بالانسحاب من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات المتعددة الأطراف على إيران، ما يقضي عمليًا على الاتفاق النووي، إلا أنه عاد ليؤكد أن الحفاظ على قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 2231، يتطلب إجماع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهو ما تمثل في الموقف الروسي والصيني والبريطاني والفرنسي من مشروع القرار الأمريكي الأخير.
ماذا يمكن للولايات المتحدة فعله؟
بعد إفشال مجلس الأمن الدولي مشروع القرار الأمريكي الأخير، الخاص بتمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران، يمكن القول بأن الولايات المتحدة قد تحدث رد فعل مفاجئ في هذا الإطار، خصوصًا إذا كانت مصممة على إخضاع إيران سياسيًا، ففي مقابل الالتزام الأوروبي بالاتفاق النووي مع إيران، وبحثهم المستمر عن أي ثغرة إجرائية من شأنها أن تمكنهم من تجريد الولايات المتحدة من صلاحياتها، فإن الولايات المتحدة هي الأخرى ترغب في تحويل الموقف الأوروبي كداعم لتوجهاتها حيال إيران، سواء عبر مزيد من الحوافز في سوريا وليبيا أم عبر التهديد بسحب المظلة الأمنية التي يوفرها حلف شمال الأطلسي.
إن فشل الولايات المتحدة في تمرير هذا القرار يعني عمليًا بأن إيران ستكون قادرة على استيراد مختلف أنواع الأسلحة والتقنية العسكرية من الخارج بحلول شهر أكتوبر القادم، كما أنها قد تنجح في رفع الحظر الدولي المفروض على برامج صواريخها الباليستية عام 2023، إذا فشلت الولايات المتحدة مرة أخرى، وقد يرفع الحظر الدولي على البرنامج النووي مستقبلًا، وهو ما يفرض تداعيات خطيرة على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وهو أيضًا ما قد لا تسمح بحدوثه، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحاجة لنصر سياسي آخر يعزز موقفه في الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر القادم، فترويج عملية التطبيع الإسرائيلي مع الإمارات قد لا تكفيه سياسيًا، دون نصر آخر يحققه على الجبهة الإيرانية.
في هذا الإطار، تواجه الولايات المتحدة إشكالية قانونية مهمة، وهي أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، لم يجب صراحة عن التساؤل الآتي: هل يمكن لطرف أن يترك الاتفاق النووي، مع الاحتفاظ بحقه في ممارسة آلية فرض العقوبات؟ فبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو 2018، هل لا يزال بإمكانها فرض العقوبات الشاملة على إيران، كأي طرف بالاتفاق؟
إذ فسرت إيران والدول الأوروبية هذه الحالة بالنفي، فإيران تسعى لاستيراد الأسلحة من روسيا والصين، والأوروبيون يبحثون عن أي طريقة لإنقاذ الاتفاق النووي، من أجل إنقاذ الاستثمارات الكبيرة التي وقعوها مع إيران للفترة من 2015 وحتى 2017، وتقدر بمليارات الدولارات.
فشل الولايات المتحدة في تمرير هذا القرار، يعني عمليًا أن إيران ستكون قادرة على استيراد مختلف أنواع الأسلحة والتقنية العسكرية من الخارج بحلول شهر أكتوبر القادم
إذ تحاجج الولايات المتحدة بأن القرار رقم 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وثيقة قانونية مستقلة عن الاتفاق النووي، وإدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تساهلت في هذه المسألة، لحسابات تتعلق بالإستراتيجية الأمريكية في ذلك الوقت، خصوصًا أن الولايات المتحدة كانت منهمكة في الحرب على تنظيم داعش في العراق وسوريا، ومن ثم فإن الإدارة الأمريكية الحاليّة من حقها التراجع عن موقفها السابق، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالأمن والسلم الدوليين، وأن الاتفاق النووي بصيغته الحاليّة بحاجة لإعادة صياغة جديدة، بحيث يربط إيران بمزيد من الضوابط المتعلقة بالتزامها بأمن دول الجوار والكف عن دعم الجماعات المسلحة.
أشارت كيلي كرافت ممثلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، إلى أن الولايات المتحدة ستمضي قدمًا في الأيام المقبلة، وستفي بوعدها بعدم التوقف عند أي شيء لتمديد حظر الأسلحة، وهو توجه يعكس رغبة الولايات المتحدة المضي قدمًا نحو تشديد القبضة على إيران، فقد تقدم هذه المرة على الذهاب نحو الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتفعيل قرار الاتحاد من أجل السلام رقم 377 V لسنة 1950، الذي ينص على “في أي حالة يخفق مجلس الأمن، بسبب عدم توافر الإجماع بين أعضائه الخمس دائمي العضوية، في التصرف كما هو مطلوب للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، يمكن للجمعية العامة أن تبحث المسألة بسرعة، وقد تصدر أي توصيات تراها ضرورية من أجل استعادة الأمن والسلم الدوليين، وإذا لم يحدث هذا في وقت انعقاد جلسة الجمعية العامة، يمكن عقد جلسة طارئة وفق آلية الجلسة الخاصة الطارئة”، في تكرار لسيناريو التصويت على مسألة الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”.