منذ انتهاء حملة الأشهر الـ11 الروسية على منطقة إدلب شمال وشمال غربي سوريا (محافظة إدلب وأجزاء من أرياف محافظة حماة الشمالية ومحافظة حلب الغربية والجنوبية وريف محافظة اللاذقية الشمالي الشرقي)، وذلك بعد توقيع اتفاق هدنة روسي تركي في 5 من مارس/آذار الفائت، والحديث عن تجدد الحملة مرة أخرى هو الشغل الشاغل للمواقع الإعلامية ومراكز الأبحاث والمحللين السياسيين والعسكريين، خاصة مع فشل جيش الاحتلال الروسي برفقة الميليشيات الإيرانية وقوات نظام الأسد من تحقيق أهدافها من الحملة التي انطلقت في أبريل/نيسان العام المنصرم، فرغم تمكنها من السيطرة على مساحات واسعة شملت أرياف حماة الشمالي وإدلب وحلب الجنوبيين، إضافة إلى أجزاء من ريف حلب الغربي وجيب ريف حلب الشمالي حول عندان، فإنها لم تتمكن من السيطرة على كامل المنطقة التي أرادتها في محيط طريقي M4 M5 الدوليين الذين يعتبران أحد أهم أهداف الحملة، مع هشاشة الاتفاق الموقع والذي يضم بنودًا تسمح بتسيير دوريات مشتركة روسية/تركية على طريق M4، بعد تمكن روسيا من السيطرة على طريق M5 بشكل كامل، لكن دون تأمين محيطه بما يسمح بإعادة تشغيله.
توزع مناطق السيطرة في إدلب عند توقيع الاتفاق الروسي التركي – مارس/آذار 2020
اقرأ أيضًا: إستراتيجية الثوار والروس في معارك شمال سوريا
مؤشرات اقتراب الحملة الروسية
منذ تم توقيع الاتفاق الروسي التركي الذي أنهى الحملة السابقة، والخروقات العسكرية للاتفاق من الجانب الروسي (روسيا – إيران – نظام الأسد) تتجدد، حيث سجل “فريق منسقو الاستجابة” شمال سوريا أكثر من 1600 حالة خرق حتى نهاية شهر يوليو/تموز الماضي، جاء كثير منها على شكل غارات جوية وقصف مدفعي على المناطق المحررة، فيما كان بعضها الآخر على شكل اشتباكات أو محاولات تقدم للسيطرة على نقاط إستراتيجية، كان أشهرها محاولات التقدم مطلع شهر أغسطس/آب الحاليّ في جبهات ريف اللاذقية على محور الحدادة في جبل الأكراد بريف اللاذقية، التي أعلنت غرفة عمليات الفتح المبين عن إفشالها، وهو ما دفع القوات التركية لتعزيز وجودها في المنطقة من خلال إنشاء نقطة مراقبة جديدة على تلة الراقم الإستراتيجية والحاكمة في محور الحدادة، حيث يعتبر محور الحدادة أحد محورين أساسيين يشكلان جبهة اللاذقية إضافة إلى محور الكبينة الذي تعرض لمحاولات اقتحام شرسة خلال الحملة الروسية السابقة.
تشير هذه المحاولات المتعددة – التي لم تأتِ جميعها على شكل محاولات تقدم – إلى حالة اختبار ربما للتحصينات والإستراتيجيات الدفاعية التي أقامها الثوار على طول خطوط الاشتباك التي ثبتها الاتفاق، خاصة مع تزايد التقارير التي تتحدث بشكل مطّرد عن تعزيزات عسكرية تزج بها قوات نظام الأسد والقوات الروسية على محاور إدلب منذ مارس/آذار الماضي، التي كانت المؤشر الأول لقرب تجدد الحملة العسكرية الروسية على المنطقة، حيث ضمت هذه التعزيزات عناصر مما بات متعارفًا عليه باسم “عناصر مصالحات” إشارة إلى مقاتلين سابقين في الجيش السوري الحر من المناطق التي سيطرت عليها روسيا سابقًا، إضافة إلى عناصر من حملات تجنيد إجباري مختلفة تمت في المناطق التي يسيطر عليها النظام لترميم نقص الأعداد بعد الخسائر الفادحة في الحملة السابقة، وتشير التسريبات إلى تمركز عدد كبير من هذه التعزيزات جنوبي إدلب على محوري سهل الغاب وجبل الزاوية، اللذين يتوقع أن يشهدا بداية تجدد الحملة المرتقبة.
كما أن محاولة التملّص الروسية – فيما يبدو – من أحد أهم بنود الاتفاق الذي يتضمن تسيير دوريات مشتركة روسية تركية على طول طريق M4، الذي احتفظت فصائل الثوار بسيطرتها على أجزاء واسعة منه بعد انقضاء الحملة الماضية، تشير أيضًا إلى نية روسية في العودة إلى ساحة المعركة قريبًا.
حيث أعلنت مؤخرًا في 13 من أغسطس/آب الحاليّ ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية رسميًا تعليق بلادها المشاركة في الدوريات المشتركة بشكل مؤقت، وذلك بعد يومين على تسيير الدورية رقم 23 على الطريق، التي أتت أيضًا بعد توقف دام 20 يومًا، وجاء في البيان الذي تلته زاخاروفا أن التوقف جاء “بسبب الاستفزازات المستمرة للمسلحين في المنطقة”، معتبرة أن “تحقيق استقرار دائم في منطقة خفض التصعيد في إدلب ممكن فقط إذا تم تحييد الإرهابيين”، وهو ما تكرر روسيا ذكره بشكل دائم متهمة فصائل الجيش الحر في المنطقة بالإرهاب، فضلًا عن هيئة تحرير الشام المصنفة كذلك دوليًا.
الدوريات العسكرية الروسية التركية المشتركة على طريق إم 4
على الطرف الآخر
كان واضحًا منذ توقيع اتفاق الهدنة السابق أن فصائل الثوار إضافة إلى القيادة العسكرية التركية في المنطقة، التي زجت بقطعات كبيرة من جيشها في إدلب، ليسوا راضيين عن الطريقة التي جرت بها العمليات الدفاعية عن المنطقة خلال الحملة السابقة، خاصة مع حالات الانهيار المتسارع التي شهدتها قطاعات عدة فيها، لذلك شهد الوجود العسكري للفصائل المدعومة تركيًًّا بشكل مباشر (الجيش الوطني – الجبهة الوطنية للتحرير) تغييرًا ملحوظًا خلال الأشهر الفائتة.
حيث أشارت مصادر مختلفة أن القيادة التركية عملت بالتنسيق مع قادة الفصائل الثورية على تشكيل 6 ألوية جديدة في المنطقة باسم (الألوية الرديفة) يتبع كل منها أحد ألوية الجيش التركي المنتشرة فيها لكن بقيادة سورية، ويصل تعداد كل من هذه الألوية بحسب التسريبات إلى 1500 مقاتل تم سحبهم من تشكيلات الجيش الوطني والجبهة الوطنية للتحرير، وإعادة هيكلتهم تحت قيادة عسكرية جديدة متفرغة للعمليات العسكرية المشتركة برفقة قوات الجيش التركي، وهو ما غاب عن ميدان الحملة العسكرية السابقة، التي جاء التدخل التركي فيها متأخرًا ومقتصرًا على تنفيذ عمليات التغطية النارية للعمليات الدفاعية والهجومية المعاكسة على بعض محاور المعركة، دون أن يكون للقطعات الميدانية دور مباشر في العمليات العسكرية، الأمر الذي قد يتغير في حال تجدد المعركة.
يدعم هذا الإعلان الأخير للمجلس التركي الأعلى في 8 من أغسط/آب الحاليّ تشكيله قيادة مركزية موحدة للجيش التركي في سوريا، حملت اسم “القيادة العسكرية لعملية درع السلام”، ومقرها مدينة أنطاكيا جنوبي تركيا المحاذية للحدود السورية شمالي إدلب، حيث أصبحت القوات الخاصة الثالثة التركية هي المسؤولة عن الملف السوري، كما جرى تعيين قائدها رئيسًا للقيادة المركزية المشتركة.
وبحسب تصريحات مصدر تركي لموقع تليفزيون سوريا، فإن القوات هذه مدربة على تنفيذ عمليات استطلاع وعمليات دقيقة خلف خطوط العدو، بالإضافة إلى جاهزيتها للتعامل مع الكمائن المتقدمة، وخبرتها في مجال حرب الشوارع والتعاطي مع الميليشيات غير الرسمية، وهو ما يزيد من احتمالية مشاركة هذه القوات في أي مواجهات مباشرة قادمة في حال اضطرارها، بشكل يعكس جدية أكبر من الحكومة التركية في رفضها أي حملات روسية جديدة للسيطرة على المنطقة المتاخمة لحدودها.
إضافة إلى هذا فإن عدد معسكرات تجهيز الدفعات الجديدة ورفع الكفاءة القتالية لم تتوقف في المنطقة سواء لفصائل الجيش الوطني والجبهة الوطنية للتحرير أم حتى لهيئة تحرير الشام، بشكل يؤكد استعداداتها لخيار تجدد المعركة في إدلب.
عيد أضحى مبارك على أهلنا وثوارنا والمسلمين.
أعاده الله علينا وعليكم بالخيرِ والنّصر والفرَج.
/من معسكرات الأبطال/ (١) pic.twitter.com/V5QWW31sQZ— د.عبد المنعم زين الدين (@DrZaineddin) July 31, 2020
االمتوقع أن المعارك ستجدد في المنطقة مع تزايد المؤشرات عليها، لكن هذه المرة لن تكون بنفس الصورة التي جرت عليها المعركة سابقًا، ففصائل الثوار قد خبرت سابقًا أساليب جيش الاحتلال الروسي في المواجهة، وأعادت تجهيز جبهاتها تحضيرًا لها، كما أن الوجود التركي هذه المرة سيكون سابقًا على الحملة ومتوقعًا لها ومستعدًا لها، وحتى لو لم تدخل بشكل مباشر في المواجهة، إلا أن الفصائل الثورية ستستفيد من عمليات التغطية النارية لها، بشكل أكثر فعالية مع وجود الألوية الرديفة حديثة التشكيل، التي تعمل بتنسيق مباشر وعالٍ معها، مما قد يغير من مجريات المعركة كما يتمناها جيش الاحتلال الروسي.